حاوره : محمد توفيق أحمد كريزم
العميد صائب القدوة مدير عام القضاء العسكري للأمن العام والشرطة
القضاء العسكري سيف العدالة في المؤسسة العسكرية والأمنية
* إختلاف جوهري بين القضاء العسكري ومحاكم أمن الدولة
* لدينا القوانين التي تكفل نزاهة محاكمنا العسكرية
القضاء هو عنوان العدالة والحق، وهو الحكم في جميع القضايا والمشاكل المتعلقة بكافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، والقضاء العسكري الفلسطيني جزء لا يتجزأ من القضاء بشكل عام، له صلاحيات البت في القضايا والمنازعات العسكرية والعمل على إرساء القواعد والقوانين الانضباطية، وهو امتداد للقضاء الثوري لقوات الثورة الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أثبت هذا القضاء قدرته على إنفاذ القوانين العسكرية، نظراً لمرونته في التعامل مع القضايا والإشكاليات التي تقع داخل المؤسسة العسكرية.
ومن أجل معرفة المزيد عن القضاء العسكري للشرطة والأمن العام، كان هذا الحوار مع العميد صائب القدوة مدير عام القضاء العسكري للأمن العام والشرطة.
* ما هي الخطوات التي مر بها القضاء العسكري حتى أصبح على صورته الحالية؟ وكيف تم تطويره بعد العودة إلى أرض الوطن؟
- القضاء العسكري لم يبدأ من فراغ، فقد كانت البدايات في دول الشتات منذ أن ظهرت قوات الثورة الفلسطينية تكافح من أجل تحرير الوطن، حيث تلازم مع هذا الظهور ولادة القضاء الثوري الذي كان له الدور المهم والمركزي في ضبط الشؤون العسكرية، على مستوى الثورة التي كانت تضم فصائل وتنظيمات مختلفة، وشكل قانون حركة التحرير الوطني الفلسطيني قاعدة هامة للقضاء العسكري، وطبق هذا القانون في بادىء الأمر على كوادر وضباط وجنود قوات العاصفة، وبعد هذا تشكيل وتوحيد الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير، وتم تطوير هذا القانون ليشمل تطبيقه على الجميع، حيث تم تشكيل لجنة قانونية برئاسة العميد محمد توفيق الروسان وتم إصدار قانون سمي بقانون الشعب، وكان عمل اللجنة وقوانينها يتناسب مع ظروف الشعب الفلسطيني وثورته في الشتات، وشاءت الظروف أن يظل هذا القانون ساري المفعول والعمل به بعد العودة إلى الوطن، حيث بدأ جهاز القضاء العسكري عمله بعد العودة بإمكانات متواضعة وطاقم لا يتجاوز عدده أصابع اليد، إضافة إلى عدم توفر المكان المناسب لعقد المحاكمات العسكرية.
وأخذنا على عاتقنا إعادة بناء هيكلة القضاء العسكري من جديد وعلى أسس علمية وعملية ومهنية، مع الأخذ بعين الاعتبار بناء شبكة علاقات إيجابية مع الأجهزة والقوات، إدراكاً من أهمية وجود القضاء العسكري في إرساء النظم والقوانين والقواعد العسكرية.
وأصبح لدى القضاء العسكري محاكمه المختصة ودوائره المحددة، وإنحصر الاهتمام أكثر فأكثر بالقضايا العسكرية، أما ما يتعلق بالشؤون المدنية فيتم تحويلها إلى جهات الاختصاص في القضاء المدني.
العميد صائب القدوة مدير عام القضاء العسكري للأمن العام والشرطة يتحدث للإعلامي محمد كريزم خلال اللقاء الصحفي
* تدعي بعض جمعيات ومراكز حقوق الإنسان أن المحاكمات العسكرية تنعقد بشكل سريع، فما ردكم على ذلك؟
- هذا إدعاء غير صحيح والذين يطرحونه ليس لديهم إلمام أو معرفة بالقضاء العسكري وهم لا يميزون بين محاكم أمن الدولة ومحاكمنا العسكرية، وهناك اختلاف بينهما فمحاكم أمن الدولة شكلت في أوقات الظروف السياسية العصيبة، ونطالب هؤلاء المدعين أن يأتوا لحضور محاكمنا ليروا بأم عينهم نزاهة وعدالة القضاء العسكري، الذي يوفر للمتهمين كافة حقوقهم دون استثناء، وفي كثير من الحالات يتم تعيين محامين من قبل القضاء العسكري لهؤلاء المتهمين لضمان نزاهة الحكم، فالإكراه في محاكمنا مرفوض تماماً، والتعسف بالحكم غير مقبول، فالقضاء العسكري لديه من حرية المرافعات ما يفوق القضاء المدني، وهذا حسب أراء الكثير من الوفود الأجنبية التي ثمنت عالياً دور القضاء العسكري في إرساء قواعد ونظم القانون، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن عقدت محاكمنا العسكرية تحت جنح الظلام، فهي تعقد في وضح النهار وأمام مرأى ومسمع الجميع.
فالقضاء العسكري الفلسطيني لا يقل عن أي قضاء عسكري في العالم، وهذه مسلمات لا غبار عليها، فنحن لدينا المختصون في القانون والقضاء الذين يجمعون بين الروح العسكرية والروح القانونية، والحق يقال أن خبراتنا التراكمية في هذا المجال تؤهلنا أن نكون في الطليعة ورواد العدالة في بلادنا.
* ما هي الجهة العسكرية أو الأمنية التي تنفذ قراراتكم وأحكامكم القضائية؟
- يعتبر كل عسكري فرد من أفراد الضابطة القضائية وأنه من واجب كل جندي أو ضابط الانصياع لقراراتنا وأحكامنا، والقضية عادة تبدأ بعملية التحقيق ثم تبدأ الإجراءات القضائية، وهناك طبعاً سجن عسكري تنفذ فيه العقوبات، فالقانون العسكري التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية والمعمول به في بلادنا ينص على أن السجون العسكرية تتبع مباشرة قضاء الأمن العام أو القضاء العسكري، ونسعى جاهدين لإنهاء السجون في الأجهزة الأمنية، مع العلم أن تطبيق ذلك صعب في المرحلة الحالية بسبب اعتبارات معينة، والعسكري المحكوم عليه يوضع في سجن عسكري وعندما يقضي فترة عقوبته يعود إلى وحدته إذا لم يصدر بحقه حكم بالفصل من خدمته العسكرية.
* هناك بعض المحاكمات العسكرية التي عقدت بشأن جرائم القتل التي ارتكبها عسكريون تمت بشكل فوري، ما ردكم؟
- لم يحدث إطلاقاً أن تمت محاكمة أي من العسكريين أمام القضاء العسكري بصورة سريعة، هناك بعض القضايا الاستثنائية التي شكلت لها بعض المحاكم الميدانية الخاصة والتي ليست لها صلة بالقضاء العسكري، والقانون يقر المحاكم الميدانية، وأحياناً تصل أحكام هذه المحاكمات إلى الإعدام، وهي محاكمات مشروعة من حق قائد القوات إقامتها.
وهنا لابد من التنويه والتأكيد أن المحاكم التي انعقدت لعسكريين أدينوا بتهمة القتل العمد تندرج تحت بند المحاكم الميدانية، وهي ليست تحت إشراف القضاء العسكري مباشرة، لكن المفترض بالأساس والصحيح أن تكون هذه المحاكم الميدانية تحت إشراف القضاء العسكري، لكن نحن نتسامح ببعض صلاحياتنا لاعتبارات عليا يرتئيها الرئيس أو مدير الأمن العام لفض أمور قد تترتب عليها نتائج وعواقب وخيمة.
* كيف توائمون ما بين تنفيذ الأحكام كونكم جهة قضائية عسكرية وجهة تنفيذية في أن واحد؟
- القضاء العسكري يودع المتهمين السجن بعد محاكمتهم، والتحقيق معهم حيث منح القانون القضاء العسكري صلاحيات وبناءاً عليها يتم العمل بموجبها، وبالنسبة لحكم الإعدام لابد من موافقة رئيس الدولة عليه.
* ما أنواع الجنح والجرائم التي يرتكبها عادة العسكريون؟
- الجرائم تنقسم إلى عدة أنواع فهناك الجنايات وعقوبتها تصل من 3 سنوات إلى الإعدام وتشمل جرائم القتل والتجسس والخيانة وبيع أسلحة الدولة أو محاولة قلب نظام الحكم، وتعتبر هذه الجرائم خطيرة وعقوبتها قاسية جداً. وبالنسبة للجنح فعقوبتها لا تتجاوز 3 سنوات والمخالفات لا تتجاوز عقوبتها سنة واحدة، أما العقوبات الانضباطية فهي من صلاحيات قادة الوحدات والكتائب الذين من صلاحياتهم معاقبة حبس المتهمين العسكريين من شهر إلى 6 شهور، ويساعد القضاء العسكري قادة الوحدات في تفسير بعض النصوص القانونية وتوضيحها لاسيما ما يتعلق بالمادة 178 من القانون المتعلقة بالعقوبات الانضباطية.
* هل تأخذون بمبدأ تدرج المحاكم العسكرية؟
- نعم، فهناك المحكمة المركزية، وتتداول القضايا التي عقوبتها تصل إلى سنة، وتوجد أيضاً المحكمة العسكرية الدائمة، وهناك عدة محاكم منتشرة في الوطن، وبالنسبة للمحكمة العسكرية الخاصة فهي تنظر في قضايا الرتب الكبيرة من رائد فما فوق وتشكل بقرار من الرئيس، أما المحاكم الميدانية العسكرية فهي تنظر في القضايا في المواقع العسكرية بناءاً على قرار قادة الوحدات.
ومحاكم القضاء العسكري تختلف إختصاصتها وصلاحياتها من محكمة إلى أخرى بناءاً على قرار قادة الوحدات.
ومحاكم القضاء العسكري تختلف اختصاصاتها وصلاحياتها من محكمة إلى أخرى بناءاً على القضايا المتداولة، فالجرائم البسيطة تنظر فيها المحكمة المركزية العسكرية وتتكون من قاضي واحد، أما المحاكم الدائمة العسكرية فتستمر لفترات طويلة حسب نوعية الجريمة.
وإذا عجز المتهم في بعض الأحيان عن تكليف محام للدفاع عنه، فإن القضاء العسكري يكلف له محامياً للدفاع عنه، والقانون يكفل هذا الحق للمتهم.
* هل يوجد تنسيق بين القضاء العسكري والقضاء المدني؟
- القضاء المدني في أي دولة هو القضاء الأم، والقضاء العسكري يعتبر قضاء إستثنائياً أي أنه خاص بقضايا العسكريين أو القضايا التي تمس سلامة الدولة أو المؤسسة العسكرية، والقضاء العسكري يقوم بالتنسيق والتعاون مع القضاء المدني، حيث يتم تحويل بعض القضايا ذات العلاقة المدنية إلى المحاكم المدنية للبت فيها، لكن هناك بعض الأمور تحتاج إلى إعادة صياغة ووضع ترتيبات من جديد، من أجل الانتقال من مرحلة التداخل في الصلاحيات إلى مرحلة التنظيم الأكثر دقة.
والقضاء العسكري عمره من عمر الثورة الفلسطينية، ولم يأت من فراغ وأرشيفه يحتوي على تراث كبير وخبرات متراكمة من العمل القانوني والقضائي.
نشر - بتاريخ - يناير - 1999 - مجلة الرأي - عدد 22