حاوره: محمد توفيق أحمد كريزم
وزير العمل رفيق النتشة في حديث لـ " الرأي "
الإحتلال يحارب عمالنا في لقمة عيشهم وقوتهم اليومي
تطوير العمل التعاوني خطوة أولى على طريق التنمية
يجب فتح الأسواق العربية أمام العمالة الفلسطينية
معدلات البطالة فاقت كل التصورات وبلغت 60%
يمثل قطاع العمل الفلسطيني ركيزة هامة من ركائز الاقتصاد الوطني، وأحد مصادر الدخل القومي، إلا أنه كباقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، أصيب بحالة ركود وانهيار تام جراء استمرار العدوان الصهيوني على شعبنا، فمعدلات البطالة وصلت نسبتها إلى أكثر من 60% وهناك حوالي 400 ألف عامل دون عمل، وبلغت خسائر قطاع العمل الفلسطيني حوالي 100 مليون دولار شهرياً.
( الرأي ) حاورت وزير العمل رفيق النتشة الذي أوضح جملة من القضايا المتعلقة بالحركة العمالية والحركة التعاونية ومستقبلهما على ضوء الأوضاع الراهنة التي يمر بها شعبنا.
* كيف تجملون أوضاع الحركة العمالية الفلسطينية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على شعبنا؟
- يمر شعبنا في هذه الأيام بظروف عصيبة بالغة القسوة والتعقيد جراء العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي يشن عليه منذ خمسة أشهر ويزيد، وقد فاقت الخسائر الناجمة عنه كل تصور وكل حدود فهناك مئات من الشهداء والجرحى والمعاقين، وهناك بيوت مدمرة وأشجار مقلوعة ومدن معزولة، والقصف والتدمير يتواصل بوتيرة أعلى.
والحركة العمالية الفلسطينية هي جزء أساسي وأصيل من شعبنا، تعيش كباقي الفئات والشرائح الأخرى وطأة هذا العدوان الغاشم، فمعدلات البطالة سجلت مستويات قياسية وصلت نسبتها إلى أكثر من 60% بعد أن أضحى أكثر من (400 ) ألف عامل بدون عمل، محاربون في لقمة عيشهم وقوت عيالهم، وأنا من خلال هذا المنبر الإعلامي أحذر من أن شعبنا مقدم على مجاعة حقيقية إذا لم يتوقف هذا العدوان الجاري، وللأسف تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي لم يتحرك لغاية الآن بصورة كافية تتناسب وحجم الدمار الذي يلحقه بشعبنا، على هذا المجتمع أن يتحمل مسؤولياته ويسارع إلى وقف سياسة القتل والتدمير التي تنتهجها حكومات إسرائيل المتعاقبة يسارية كانت أو يمينية، وذلك الحصار المضروب على المناطق الفلسطينية والاعتراف بحقوقنا الوطنية المشروعة.
* ما تقديراتكم لحجم الخسائر التي لحقت بقطاع العمل الفلسطيني؟
- تدركون و لا شك أن مختلف القطاعات الاقتصادية قد تكبدت خسائر فادحة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة و فرض الإجراءات الإسرائيلية العقابية من حصار و إغلاق و منع حرية التنقل والعمل و الحد من حرية انسياب البضائع و الاستيراد و التصدير و إغلاق المصانع و الشركات و تدمير العشرات منها، وقد فاقت هذه الخسائر الثلاثة مليارات دولار وفق الإحصاءات الرسمية و هي تزداد يوما بعد يوم بسبب استمرار هذا العدوان و الإجراءات العقابية المرافقة له، وكان لقطاع العمل الفلسطيني النصيب الأكبر في هذه الخسائر.
فالإحصاءات المتوفرة لدينا تشير إلى أن خسائر العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر تصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين وربع المليون دولار يومياً وهذه حسبت على أساس أنه كان هناك ( 120 ) ألف عامل يعملون داخل الخط الأخضر قبل بداية العدوان منهم ( 40 ) ألف كانوا يحملون تصاريح رسمية والباقي ( 80 ) ألف بدون تصاريح وبالتالي بدون أية حقوق ومعدل الأجر اليومي كحد أدنى ( 122) شيكل.
يضاف إلى هؤلاء العاملون في السوق المحلية وقد بلغت خسائرهم اليومية حوالي ( 3 ) ملايين دولار يومياً والتي نتجت إما عن عدم التحاقهم بمراكز عملهم بسبب الإغلاق والحصار وعزل المدن بعضها عن بعض أو بسبب إفلاس عدد كبير من المصانع والمنشات والشركات أو تدمير بعضها وبالتالي تسريح عملها.
وبعملية حسابية بسيطة – نجد أن خسائر قطاع العمل الفلسطيني تتخطى إلـ ( 100 ) مليون دولار شهرياً.
* ما هي خططكم لمعالجة أوضاع العمال؟ وما إمكانية إيجاد حلول ملائمة لمشكلاتهم في الوقت الراهن؟
- يجب أن يعلم الجميع بأن وزارة العمل قامت من أجل حماية مصالح العمال والدفاع عنهم والتعاون مع أصحاب العمل لتحقيق الشراكة في التنمية بين أطراف الإنتاج الثلاثة في المجتمع الفلسطيني، وانطلاقا من هذا الدور، باشرت الوزارة فور وقوع العدوان بإجراء الاتصالات اللازمة محلياً وإقليمياً ودولياً من أجل مد يد العون والمساعدة لعمالنا الفلسطينيين إلا أن ما وصل منها حتى الآن وللأسف الشديد قليل جداً وقد قمنا بتوزيع ( 600 ) شيكل لكل عامل لمرة واحدة وذلك تنفيذاً لأمر السيد الرئيس من خلال اللجنة التي شكلها لهذا الغرض، وأقول أن هذا المبلغ لا يكفي وإنما هو إسعاف سريع والوزارة ترى أن الحل الأمثل لمعالجة البطالة ليس من خلال تخصيص مبلغ ( 600 ) شيكل لكل عامل لمرة واحدة وإنما عبر رصد موازنة لمائة ألف عامل وأكثر تعطي لهم مقابل عملهم بمشاريع يتم إقامتها على أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.
هناك مشاريع في بعض الوزارات الأخرى وجد لها اعتماد مالي حيث خصص البنك الدولي موازنة تصل إلى ( 12 ) مليون دولار لتشغيل عدد من العمال العاطلين.
* هل توجد اتصالات بين فلسطين ودول عربية لاسيما الخليجية منها لاستيعاب العمالة الفلسطينية؟ وكيف ترى إمكانية تحقيق ذلك؟
- الاتصالات لم تنقطع وأخرها ما طالبت به في الاجتماع الطارئ لوزراء العمل العرب بالقاهرة في شهر تشرين ثاني الماضي، بفتح الأسواق العربية أمام الأيدي العاملة الفلسطينية وتسهيل انتقالها عبر اتفاقات ثنائية تعقد بين وزارة العمل الفلسطينية ونظيراتها في الدول العربية كما دعوت إلى فتح الأسواق التجارية العربية أمام المنتجات الفلسطينية ودعم صمود شعبنا وتطوير اقتصاده وتشغيل عماله خاصة وأن إسرائيل تحظى بمثل هذه الأفضلية لدى معظم دول العالم.
وأتمنى أن تستجيب الدول العربية الشقيقة إلى هذه الدعوات التي مازالت من الأمنيات.
* ما هي الطرق الممكنة التي يمكن من خلالها تحصيل مستحقات العمال الفلسطينيين لدى أصحاب العمل الإسرائيليين؟
- كما تعلمون فإن العاملين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر فئتان، الفئة الأولى هم حملة التصاريح الرسمية وهذه ليست لدينا مشكلة في تحصيل حقوقها بالطرق الرسمية، والفئة الثانية من غير حملة التصاريح وهم الأغلبية وهناك صعوبة في تحصيل مستحقاتهم، نعم هناك مستحقات بملايين الدولارات، تشترط إسرائيل دفعها لصندوق ضمان اجتماعي للعمال وترفض تسليمها للسلطة الوطنية أو أية جهة أخرى ومعروض على المجلس التشريعي قانون الضمان الاجتماعي بانتظار إقراره من أجل التغلب على هذه المشكلة.
* على صعيد قطاع العمل التعاوني، ما هي جهودكم لتطوير وتنمية هذا القطاع، لا سيما وأن شعبنا بأمس الحاجة له في الوقت الراهن؟ وكيف تقيم التجربة التعاونية في فلسطين؟
- تعتبر فلسطين من أوائل الدول العربية التي سارعت لإنشاء حركة تعاونية منظمة إذ تعود جذورها إلى بدايات القرن الماضي، وقد مرت الحركة التعاونية بعدد من المراحل متأثرة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها شعبنا شأنها في ذلك شأن المؤسسات الاقتصادية الأخرى التي تعتمد على الإنسان عنصراً أساسياً.
وقد أعاق الإحتلال الإسرائيلي تمويل الجمعيات التعاونية وبالتالي تطويرها، فاشترط الحصول المسبق على موافقته لأي تمويل تحصل عليه أو أية مشاريع تعاونية تنوي القيام بها كما واجهت جمعيات الإسكان التعاونية إجراءات إضافية لاسيما في مجال التسجيل والتمويل والترخيص وملكية الأرض.
ومع دخول السلطة الوطنية تغيرت الصورة حيث إزداد عدد الجمعيات التعاونية بشكل كبير إلى أن وصل إلى ( 1163 ) جمعية تشمل خمس أنواع، ( إسكانية – إستهلاكية – خدماتية – زراعية – وحرفية ) وبلغ عدد أعضائها المنتسبين حوالي ( 120 ) ألف عضو في حين بلغ حجم ومجوداتها أكثر من ( 56 ) مليون دينار أردني.
* حسب رأيكم هل استطاعت الجمعيات التعاونية الفلسطينية ترسيخ مكانتها والاضطلاع بدورها في مجتمعنا؟
- رغم الصعوبات والعراقيل التي واجهت الحركة التعاونية الفلسطينية إلا أنها استطاعت ومن خلال الطاقات والإمكانيات المتوفرة أن تساهم في حل العديد من المشاكل التي تواجه الأعضاء، فعلى سبيل المثال لا الحصر استطاعت جمعيات الإسكان التعاونية إنشاء العديد من الوحدات السكنية في كافة محافظات الوطن وعملت على توفير فرص عمل وكذلك حماية الأراضي من المصادرة والاستيطان.
كما ساهمت الجمعيات الزراعية بدور كبير في مجال تسويق المنتج الفلسطيني إلى الأسواق العربية، وعملت بعضها على استصلاح ألاف الدونمات، وشق الطرق الزراعية، أما الجمعيات الخدماتية ومنها على وجه الخصوص جمعيات التنوير الكهربائي والمياه، استطاعت توفير الكهرباء للعديد من القرى التي حرمها الإحتلال منها، لاشك أن هناك معوقات كثيرة تقف حائلاً أمام تطوير هذا القطاع.
*ما أفضل السبل الممكنة لاستثمار الموارد البشرية التي تزخر بها فلسطين من أجل بناء دولة قوية؟
- تطوير اقتصادنا الوطني كي يصبح قادراً على استيعاب هذه الكفاءات والاستفادة منها بالشكل الأفضل يتم من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتأهيل العمال ليكونوا على مستوى من الكفاءة تسمح لهم بالقيام بأعمالهم بصورة تتناسب والتطورات التي تحصل بإستمرار في سوق العمالة المحلية والخارجية، وتطوير مراكز التدريب المهني وفق خطة مرسومة بالوزارة تستطيع من خلالها سد حاجات مختلف المنشآت والمصانع والمشاريع، كذلك إقامة المشاريع التنموية التي تستوعب أكبر عدد ممكن من العمال على إختلاف مستوياتهم العلمية والفنية، وفتح أسواق الدول العربية أمام الفائض من عمالنا وكذلك فتح الأسواق العربية أمام المنتوجات الفلسطينية وبشروط تفضيلية.
* كيف تستشرفون أفاق مستقبل الحركة العمالية في فلسطين؟
- أنا واثق بأنها ستكون أكثر كفاءة وتنظيماً، وقدرة على العطاء والمساهمة في بناء هذا الوطن والحفاظ على مقدراته، ولا شك أننا نطمح إلى إقامة علاقات أكثر عدلاً مع أرباب العمل، ودورنا في الوزارة هو بذل الجهود لتوثيق هذه العلاقات بين أطراف الإنتاج الثلاثة من أجل إحداث تنمية شاملة ومتطورة.
ولن يتأتى للحركة العمالية المساهمة بفعالية في هذه التنمية إلا بمواصلة تطوير نفسها من خلال العلم والتدريب، لأن المجتمع المستقبلي لا يقبل إلا العامل المدرب والمؤهل، ونحن في الوزارة نقوم بذلك من خلال مراكز التدريب التابعة لنا من حيث البنية والمناهج بصورة تتواءم مع حاجات المجتمع وأساليب تطويره.
وكما تعلمون فإن الحركة العمالية في فلسطين قد لعبت دوراً رائداً وطليعياً في النضال الوطني منذ بداياته الأولى وحتى اليوم، فليس مصادفة أن يكون أول شهيد فلسطيني ينتمي إلى هذه الحركة، وكلي أمل بأن تواصل لعب هذا الدور مستقبلاً جنباً إلى جنب مع باقي فئات شعبنا البطل.