تحقيق : محمد توفيق أحمد كريزم
* الجرائم الإسرائيلية تنذر بكوارث بيئية
* الغطاء الجليدي قد يتأثر مستقبلا وينجم عنه مشكلة.
لا يختلف اثنان على أن ما تقوم به قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين في الأراضي الفلسطينية من اقتلاع للأشجار وتجريف للأراضي، وتدمير المزروعات وحرق النباتات، وقتل الطيور البرية، وردم آبار المياه، يدخل في نطاق الكوارث الخطيرة، التي تفوق في حجمها الحد الحرج الذي لا يستطيع الإنسان الفلسطيني تحمله، لكن خطورة الإجرام الصهيوني بحق البيئة الفلسطينية، يكمن بالعواقب الوخيمة التي ستتر کها هذه الممارسات اللاإنسانية على الطبيعة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، بل إن الخبراء في هذا المجال أكدوا أن انعكاسات ذلك ستؤثر بشكل غير مباشر على الغطاء الجليدي في المنطقة الشمالية وستؤدي إلى تدهور مناخي خطير في إقليم البحر الأبيض المتوسط.
في هذا التحقيق نسلط الأضواء على الآثار البيئية والتغيرات الطبيعية الناتجة عن الكارثة التي تعرضت لها الأراضي الفلسطينية بفعل الممارسات الإسرائيلية.
الاحتلال يصيب الأرض الفلسطينية بالعقم
يقول الدكتور عبد العظيم مشتهي أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة الأزهر: إن الأراضي الفلسطينية تتعرض إلى كارثة بيئية خطيرة تؤدي إلى تغيير خصائص التربة الطبيعية
وأكد مشتهي أن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية من اقتلاع للأشجار وتجريف للأراضي، ودمار لأنواع الاستخدام الأرضي يدخل في نطاق الكوارث الخطيرة، والكارثة بمفهومها العام تنتج عن عدة متغيرات تحدث على سطح الأرض وتفوق في حجمها الحد الحرج الذي لا يستطيع الإنسان تحمله، وينتج عنها فقدان كبير في الأرواح وأوجه الحياة المختلفة. مشيرا إلى أن لفظ الكارثة برتبط عادة بالتغيرات الطبيعية التي تحدث على سطح الأرض، إلا أن الشعب الفلسطيني فرض عليه وعلى أرضه كارثة من نوع آخر من قبل الاحتلال نتج عنها تدمير کلی لاستخدامات الأرض المختلفة وللأرض نفسها.
الدكتور عبد العظيم مشتهى: الأراضي التي طالتها يد الغدر الإسرائيلية لم تعد صالحة للإستخدام.
وأوضح مشتهی الآثار البيئية الطبيعية الناتجة عن هذه الكارثة الخطيرة ومنها حدوث تدهور للأراضي التي أصابتها كارثة التجريف والتدمير، ويعني التدهور هنا عدم صلاحية هذه الأراضي للإنتاج والاستعمال على المدى القريب والمدى البعيد حيث تتضح ملامح التدهور في الأراضي الفلسطينية المنكوبة في اقتلاع الأشجار المثمرة وتكسير جذورها وفروعها ودفنها في التربة، وبذلك فإن جزءا من التوازن البيئي أصابه اختلال كبير، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جذور تلك الأشجار تعمل على تماسك التربة وحفظها من الانجراف تحت تأثیر عوامل التعرية إضافة إلى حدوث تحطم میکانیکي للتربة في تلك الأراضي، أي تفتت حبيباتها إكراها وقد نتج عن هذا التحطيم ما يلي:
أ- ازدياد الدور الهدمي للرياح فيها، مع العلم أن الأراضي المنكوبة من قبل قوات الاحتلال، هي أراض مكشوفة ويقع معظمها خارج نطاق التجمعات العمرانية يتمثل هذا الدور في نشاط عملية البري وهي العملية الطبيعية النحت الرياح، وازدياد عملية التذرية وهي العملية المتمثلة في نقل الرياح لحبيبات التربة.
ب- زيادة تعرض المناطق المنكوبة لفعل التجوية وهي العملية التي ينتج عنها تفتت وتحلل في الجزء السطحي من التربة، وتنتج هذه العملية تحت تأثیر عناصر الجو الساكنة مثل الرطوبة والحرارة، ويزداد التأثير هنا بعد انکشاف هذه المناطق وتعرضها مباشرة لتلك العناصر، لذلك من المتوقع أن تنقل عوامل التعرية كميات كبيرة من هذه المفتتات إلى مناطق أخرى، الأمر الذي يعني نقص س مك قطاع التربة لا سيما في الأفق وهو أكثر قطاعات التربة خصوبة.
ت- يكون من السهل على سيول مياه الأمطار التي تجري فوق هذه المناطق نحو المناطق المنخفضة حمل مفتتات التربة في الأراضي التي فتتتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي، ويعني ذلك ضياع كبير للعناصر الكيميائية التي اكتسبتها التربة وزادت من خصوبتها لسنوات طويلة ونقص في قطاعها الأفقي.
ث- عملت قوات الاحتلال على دفن مخلفات جرائمها من عمليات التدمير والتخريب لا سيما المواد الإسمنتية والحديدية وغيرها في الأراضي الزراعية بهدف إخفاء جرائمها، وهذا يعني تغير خصائص الأراضي الزراعية الطبيعية في الاتجاه السلبي وعدم صلاحيتها طبيعية لأي نوع من الاستخدام إلا بعد إزالة هذه المواد، وذلك يتطلب نواحي مادية كبيرة، ووقتا طويلا.
ج- منعت قوات الاحتلال طواقم البلديات من الوصول إلى مكبات النفايات الصلبة ومعالجتها، وقد أدت هذه الظاهرة إلى توالد الحشرات الضارة كالذباب والبعوض، وجرف جزء من النفايات بفعل الأمطار إلى الأراضي الزراعية التي لم تصلها أيدي الاحتلال مع العلم أن هذه النفايات تحتوي على مواد كيماوية من مخلفات الصابون ومواد التطهير، الأمر الذي يغير خصائص التربة كيميائية في المناطق الواصلة إليها، مما يعني نقص انتاجها تدريجيا تحت تأثیر هذه المواد.
و تقوم قوات الاحتلال بتهشيم وطحن جذور الأشجار وسيقانها وخلطها في التربة الزراعية في المناطق المنكوبة، ورغم أن هذه المواد عضوية إلا أنها تحتاج إلى سنوات طويلة حتى تتحلل، وينتج عن هذه العملية أراض لا يمكن زراعتها.
وحول معالجة الأراضي المنكوبة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حث مشتهي المزارعين على تأهيل الأراضي التي تأثرت بالتدهور، أي إعادة خصائصها الطبيعية والكيميائية بالقدر الممكن وجعلها أراضي منتجة، والعمل كذلك على منع أو تقليل التدهور الحاصل على تلك الأراضي إلى أدنی مستوى من خلال الاستخدام الأمثل للأراضي، أو استعمال المخصبات الطبيعية والكيميائية أو عن طريق استخدام طرق الوقاية الأساسية لعمليات التعرية التي تتعرض لها.
الدكتور منصور اللوح : بوادر تدهور مناخي في منطقتنا بدأت تلوح في الأفق
انعكاسات التدمير والتخريب أما الدكتور منصور اللوح أستاذ علم الجغرافيا الطبيعية في جامعة الأزهر والخبير في الأرصاد الجوية حذر من الآثار والعواقب الوخيمة الناتجة عن ممارسات الاحتلال وأعماله الهمجية بحق الطبيعة والبيئة الفلسطينية.
وأوضح اللوح أن الآثار القريبة المدى لهذه الممارسات العدوانية تتمثل في زيادة حالات التصحر التي تتعرض لها محافظات الوطن لاسيما محافظات غزة من زحف على الغطاء النباتي (أشجار - مساحات خضراء مكشوفة) حيث تبين من خلال تسجيلات عن تذبذبات الأمطار هبوط عام بنسبة 44-۳۰٪في فلسطين لاسيما في محافظات غزة، وبنسبة 11% في حوض البحر المتوسط بشكل عام، وما يترتب على ذلك من تغيرات بيئية محتملة على المستوى المحلي والإقليمي، كذلك تؤدي هذه الأعمال الاحتلالية إلى زيادة حالات جفاف التربة وبالتالي تدهورها وانجرافها، وتؤثر بشكل واضح على البيئة الحيوانية البرية وطمس معالم البيئة الفلسطينية.
إضافة إلى أنها تقتل الطموحات الفلسطينية في خلق بيئة جميلة من خلال الحفاظ على أشجار وحيوانات و طيور آيلة للانقراض، حيث كان العمل جاريا في خلق محميات طبيعية في أنحاء متفرقة من الوطن.
وفيما يتعلق بالآثار بعيدة المدي، فهي تتمثل في إحداث تغيرات مناخية واضحة تكون على شكل ارتفاع درجة الحرارة وحدوث حالات الجفاف المتكررة في فلسطين، إضافة إلى أنها تساهم بطريقة غير مباشرة في تناقص الغطاء الجليدي في المناطق الشمالية من العالم من خلال زيادة تفاقم ظاهرة التسخين الحراري، ومن ثم تدهور مناخي خطير.
وأشار اللوح إلى التأثيرات المحتملة على البيئة بشكل عام، ففي نطاق البيئة الجمالية يعني ذلك تدمير المعالم الطبيعية والأثرية التي تتمتع بها فلسطين، وهو ما تم من خلال الإزالة لكل مظاهر البيئة الطبيعية في المناطق المحيطة بالمستوطنات، | إضافة إلى تدمير للصبغة المعمارية للمباني القائمة.
وبالنسبة للبيئة الاقتصادية فهذا يعني تدميرا لكل أشكال الاقتصاد الفلسطيني من خلال تدني مستوى الدخل وتدمير المحاصيل الزراعية التي تعتبر مواد خام لبعض الصناعات المحلية، وبالتالي التأثير بشكل مباشر على الأمن الغذائي الفلسطيني.
أما البيئة الاجتماعية فأصابتها أضرار مباشرة من حيث تدمير الطرق وقطاعات الخدمات وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتغيير معالم البيئة الفلسطينية وهو ما تم ملاحظته من خلال تجريف الطرق المعبدة وتحويلها إلى أراض رملية تسبب حدوث موجات من الغبار والأتربة، الأمر الذي ينجم عنه تلويث بيئي خطير. كما أن البيئة الطبيعية التي لحقها ضرر كبير فالآثار والانعكاسات تمثلت في ارتفاع حرارة الجو، وجفاف الأرض وتصحرها، والتسبب بتلوث الهواء حيث تعمل الأشجار على تنقية الهواء من الملوثات مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأشجار والمزروعات والأحراش والغابات هي بمثابة رئة المدينة. مع الإشارة إلى أن النباتات والأشجار تعمل على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو، ولكن في حال إزالتها وتقطيعها فإن هذا الغاز يزداد تركيزه في أجواء المناطق المدمرة.
قوات الإحتلال الإسرائيلي تبيد أسراب من الطيور البرية النادرة وتدمر نباتات طبية
وتطرق اللوح إلى أهمية الغطاء النباتي للمحافظة على البيئة الطبيعية في فلسطين وتتمثل في أن الغطاء النباتي عامل هام في خفض درجة حرارة الجو، لاسيما أن بعض النباتات مثل شجرة الزيتون التي هي رمز تراثي بحاجة إلى درجة حرارة منخفضة خلال الموسم لكي تعطي منتوج جيدة، كذلك يعمل الغطاء النباتي على تعديل المناخ المحلي حيث نسبة الرطوبة في المناطق الخضراء أعلى منها في المناطق العارية، وبالتالي تكون الذبذبات الحرارية أقل، مشيرة إلى أنه في ظل وجود غطاء نباتي يتقلص التأثير السلبي للرياح من حيث تلويث الهواء وجرف التربة، وأنه يفيد في تنقية البيئة من التلوث الهوائي والمائي والضوضائي والإشعاعي، لذا يطلق على المناطق الشجرية القريبة من المدن لفظ (رئة المدينة) إضافة إلى أن الغطاءات النباتية تعمل على حماية المياه الجوفية والسطحية من الملوثات المائية كالنترات والفوسفات عن طريق امتصاصها للمياه واستيعابها في خلاياها، وتعمل على امتصاص العديد من المركبات العضوية وغير العضوية من المياه الجوفية وتساهم في الحد من التلوث السمعي من خلال امتصاص الموجات الصوتية العالية، أيضا تعمل على زيادة كمية الأمطار الساقطة بنسبة ۲۰٪ وزيادة قدرة المياه الجوفية على الاستفادة من مياه الأمطار والثلوج من خلال ما يسمى با (الجريان الساقي)، كذلك يساهم الغطاء النباتي في إحداث توازن المناخ العالمي عن طريق تنظيم دورات البيوجيو كيميائية في الطبيعية مثل دورة الماء والأكسجين.
وأشار اللوح إلى أن قوات الاحتلال دمرت حوالي ۶۳۰۰دونما زراعيا من أراضي قطاع غزة، واقتلعت ما يزيد عن ۱۲۰۰۰۰ شجرة حتى تاريخ ۲۰۰۱/۱/۳۱ موزعة على جميع أراضي محافظات غزة
ودعا اللوح الجهات المعنية بالمحافظة على ما تبقى من غطاء نباتي والسعي لزراعة الأراضي التي جرفها الاحتلال من جديد، للتقليل بقدر الإمكان من التأثيرات السلبية لاقتلاع الأشجار وتجريف الأراضي الزراعية التي تقوم بها سلطات الاحتلال.
نشر في مجلة الرأي - العدد 41 - يوليو 2001