بقلم : محمد توفيق أحمد كريزم
حماس اللاهثة وراء الإعتراف الدولي بها
كان يعتقد من ذي قبل أن حركة حماس تسير وفق المنوالية الفتحاوية، والاستفادة من خبرات و تجارب حركة فتح السياسية منها والنضالية إلى حد أن الخط السياسي للحركتين يكاد يكون متشابهاً تماماً مع بعضهما البعض، وهذا في مدلوله يعني أن هناك توافق سياسي فلسطيني، لكن بدأت تظهر بعض الاختلافات والفوارق بينهما في الأونة الأخيرة، فحركة حماس المنتصرة أعقبت فوزها في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية بطرح هدنة طويلة المدى مع العدو الصهيوني لفترة تستغرق خمسة عشر سنة ويمكن تمديدها لمدى الدهر، طالما بقيت في السلطة ومتربعة على سدة الحكم، وبالنسبة لبرنامج المقاومة و الجهاد في سبيل الله يمكن تطويعه وتكييفه ليتناسب مع متطلبات المرحلة واحتياجات السلطة، ولا ضرر في ذلك.
هكذا يفهم من تحركات حماس على المستوى العربي والإقليمي والدولي، فهذه الحركة على رأس أولوياتها في الوقت الراهن إنتزاع الاعتراف الدولي بها، وانتشالها من تصنيف المنظمات الجهادية ( الإرهابية ) ومساعدتها على تحمل المسؤولية، ولعل تجاوب حركة حماس مع كل دعوة لتعديل نهجها وبرنامجها الذي حظيت على أساسه بثقة الشعب، ومحاولة تقربها من الأوساط الإسرائيلية من خلال رسائلها الكثيرة التي صدرت عنها إنما تحمل في طياتها مخاطر عديدة على مستقبل القضية الفلسطينية.
فحركة حماس هي الحركة أو المنظمة الفلسطينية التي طرحت هدنة مع العدو الصهيوني لفترة قد تستغرق خمسة عشر سنة، وهذه سابقة خطيرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث أن حركة فتح صاحبة مشروع التسوية والتي وقعت على إتفاق أوسلو لم تطرح مطلقاً هدنة طويلة أو قصيرة المدى، والحديث كان يدور عن تهدئة مع العدو تستطيع من خلالها ترتيب صفوفها ولملمة أوراقها التفاوضية مع تأكيدها دوماً على التمسك بالثوابت الوطنية.
لكن الشعب الفلسطيني الذي أشبع كلاماً معسولاًُ طيلة السنوات الماضية ينتظر بفارغ الصبر انتهاء حركة حماس من تشكيل حكومتها، ليرى مدى قدرتها على تطبيق برنامج المقاومة، وتصعيد المعركة مع العدو، كيف يمكنها إطلاق صواريخ القسام على المدن الإسرائيلية وتنفيذ عمليات استشهادية بها، بموازاة تسييرها وإدارتها لبقية القطاعات الأخرى التي تهم قوت المواطن الفلسطيني وعلى رأسها توفير فرص العمل والتعليم والصحة وتحقيق الأمن والنظام العام، وإستنهاض الإقتصاد الوطني الذي دمره الإحتلال الإسرائيلي، وإنشاء البنى التحتية للمجتمع الفلسطيني.
مما لا شك فيه أن جميع فئات وشرائح الشعب الفلسطيني يتمنى لحركة حماس النجاح في الحكم، لكن عليها أن تتمتع بشجاعة كبيرة ترتقي لمستوى الثقة التي منحها الشعب لها، في حال فشلها وتعلن أنها غير قادرة على مواصلة الحكم دون تسويغها لمبررات غير واقعية وكيل الإتهامات للآخرين وتحميلهم مسئولية فشلها، حيث بدأت تظهر في الأفق بوادر حملة دعائية تقوم بها حركة حماس مسبقاً من خلال الخطب في المساجد التابعة لها أن هناك مخططات تهدف لإفشالها وإظهارها أمام الشارع أنها عاجزة عن إدارة دفة الأمور، مما يشتم من ورائها رائحة تسخين الوضع الداخلي الفلسطيني وزجه في أتون التأزم والتشنج والعصبية التنظيمية، من أجل تأمين هروبها من السلطة بشكل يحفظ ماء وجهها.
حركة حماس التي عابت على حركة فتح إجراء المفاوضات مع الإسرائيليين وإبرامها الاتفاقات والتفاهمات معهم، تقول أنا ستتفهم هذا الواقع وستتعامل معه بدرجة عالية من الالتزام، إذن كيف يمكن أن تسوغ حركة حماس هذا الالتزام مع شعاراتها التي طرحتها قبل الإنتخابات أنها في حل من أمرها من كل الاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية مع إسرائيل وأنها لن تتفاوض مع العدو الصهيوني ( المجرم ) كما يحلو للناطقين الإعلاميين بإسم حماس وصفه.
ماذا ستقول حركة حماس لمؤيديها عندما يذهب قادتها للكرملين لمقابلة القادة الروس الذين يذبحون الشعب الشيشاني المسلم كما تروج في أدبياتها، وماذا ستقول عندما يفتح البيت الأبيض أبوابه لمجاهدي حركة حماس، ويتنقلون ما بين العواصم الغربية ( الكافرة ) و ( الفاجرة )، أم ان الضرورات تبيح المحظورات.
من أجل أن تنجح حركة حماس في مهمتها القادمة عليها مراجعة كل شعاراتها التي سوقتها للشارع الفلسطيني، وأن تصل لنتيجة مفادها منظمة التحرير الفلسطينية عملت جاهدة على تحرير الأرض من المحتلين وحماية المقدسات وصولاً لإنشاء السلطة الوطنية حتى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بعيداً عن إلهاء المواطنين بشعارات طنانة غير قابلة للتنفيذ في وقتنا الحاضر.
إذن ما الذي يمنع حركة حماس من تدمير إسرائيل؟
فلتتقدم.
نشر في العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية 2006