وجدت القرصنة البرية والبحرية في مراحل التاريخ المختلفة في زمن التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية العبودية والاقطاعية والرأسمالية، وتطورت أساليبها مع تطور المجتمعات وأدوات نهبها لبعضها البعض، وفي كل مرحلة اتسمت بخصائص تطور قوى وعلاقات الإنتاج. وأخذت أشكالا أكثر رقيا وتنظيما حتى أمست في زمن الرأسمالية من سمات الدولة الامبريالية والنيو ليبرالية. ويمكن التأكيد أن كل أشكال الاستعمار القديم والحديث تعتبر الشكل الأفظع والأكثر وحشية ودونية، لأنه يتقمص أدوارا عدة، منها ممارسة النهب والقرصنة بالأشكال الفجة والسيطرة المباشرة على الشعوب الضعيفة والفقيرة؛ ثم اتخذت دورا جديدا من خلال فرض التبعية على الشعوب ذاتها دون الضرورة لوجودها بشكل مباشر على أوطانها، ومن خلال تنصيب أدواتها المأجورة؛ وتعميقا للنموذج انف الذكر، تتم القرصنة من خلال التبعية والأدوات السيبرانية؛ وهناك النموذج الصهيوني الاستعماري الاجلائي والاحلالي الذي قام على اختلاق رواية مزورة وكاذبة، لا أساس لها في الواقع، ولا تتفق مع الجغرافيا والتاريخ ليغتصب ارض شعب آخر، هو الشعب العربي الفلسطيني وينتهج سياسات وممارسات إجرامية عبر بوابة التطهير العرقي لأبنائه؛ ومن خلال فرض الخاوة المافيوية على الشعوب المستضعفة، وتحريض المعارضة المأجورة والعملية على الأنظمة الشرعية والتمهيد للانقلاب عليها، أو إدخال البلاد وشعبها في دوامة الحرب الأهلية وسرقة مخزونها من الثروات الطبيعية بعد تدميرها، وتحويلها لدول فاشلة.... وغيرها من الأشكال والنماذج، والتي ترتكز على أكثر من بعد، أولا الاستقواء وغطرسة القوة؛ ثانيا العنصرية بمختلف تجلياتها؛ ثالثا نهب خيرات وثروات الشعوب؛ رابعا استخدام الوسائل كافة الناعمة والخشنة وما بينهما لإخضاع الشعوب والدول لهيمنة الطغم المالية العالمية، وتأبيد سيطرتها عليها.
لكن في زمن الحرب الروسية الأوكرانية لاحظنا أن الرأسمالية الغربية عادت لاستخدام الأساليب القديمة بالإضافة لأساليبها الحداثوية للهيمنة على ثروات ومقدرات الشعوب، والشكل الذي أتحدث عنه، ما أشار له وزير التجارة الكويتي، فهد الشريعان، الذي صرح قبل يومين قائلا:" الوضع خطير جدا في العالم ومنطقتنا! نحن مقبلون على مجاعة.. السفن المحملة بالعيش والقمح والحبوب والبذور والمتجهة للكويت والسعودية والإمارات وقطر والبحرين وعُمان، يتم تحويلها في عرض البحر لتتوجه إلى أوروبا." وتابع يقول "المؤامرة صارت من فوق الطاولة والوضع على المكشوف.. أميركا واليهود قررتا تجويعنا ولسان حالهما يقول: شعوب الغرب أهم منكم يا حيوانات."
وتصريح الوزير الكويتي دقيق ومسؤول، ويعكس الحقيقة الماثلة الآن في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أكثر من مستوى وصعيد، منها أولا التمييز العنصري البشع بين اللاجيء الأوكراني صاحب العيون الزرق والشعر الأشقر وبين اللاجئين من دول العالم الثالث في القارات الثلاث أسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية؛ ثانيا في استعادة روح القراصنة الأوائل، قاطعوا طرق السفن في عرض البحار والمحيطات والاستيلاء عليها ونهبها، ليس هذا فحسب، وإنما منع القمح والحبوب والشعير المحملة بالسفن وفق اتفاقات تجارية موقع عليها بين دولة المنشأ والدول المستوردة من مجلس التعاون الخليجي من الوصول إليها، وتحويل السفن إلى الدول الأوروبية بطرق مارقة وخارجة على القانون، وعلى أرضية أن أبناء الشعوب الأوروبية أهم من أبناء الخليج العربي، الذين مدوا ويمدوا الغرب بمصادر الطاقة، ولديهم علاقات حسب المفاهيم المتداولة "إستراتيجية" مع الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا؛ ثالثا الأمر لا يقتصر على دول الخليج، انما يطال كل السفن المتوجهة من روسيا او أوكرانيا لدول العالم الثالث تم وسيتم مصادرتها، لحماية حياة البيض، وتجويع الشعوب السوداء والملونة، لأنه يفترض قتلهم تجويعا، ومنع شريان الحياة عنهم باعتبارهم "حيوانات".كما ذكر الشريعان.
الصورة باتت جلية، فالحرب لم تعد تقتصر بين الدولتين الجارتين روسيا وأوكرانيا، وإنما هي حرب عالمية ثالثة بكل تجلياتها السياسية والعسكرية والغذائية يشارك فيها الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة ضد باقي سكان المعمورة لتأبيد النظام العالمي القائم، النظام الاستعلائي العنصري الكولونيالي، والحؤول دون الاستحقاقات العالمية الجديدة المتمثلة بولادة نظام أممي متعدد الأقطاب، وما له من تبعات على مكانة الولايات المتحدة وحلفائها من حلف الناتو. وقادم الأيام سيحمل تطورات وتجليات جديدة ونوعية للحرب العالمية المشتعلة بالوكالة منذ عام 2011، وليس في 24 فبراير 2022.
oalghoul@gmail.com