واشنطن- وكالات:- قبل وصوله للبيت الأبيض في يناير/كانون ثاني 2021، تعهد الرئيس جو بايدن بالعمل على عودة بلاده سريعا للاتفاق النووي مع إيران من خلال التفاوض.
وخلال العام ونصف العام الأخيرة، أخفقت الولايات المتحدة وإيران في العودة والالتزام ببنود الاتفاق الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب منتصف عام 2018.
من جانبها لجأت طهران إلى الإسراع في برنامجها النووي عن طريق رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين تشددت واشنطن وفرضت المزيد من العقوبات على إيران.
قنبلة نووية خلال أسابيع
في المؤتمر الصحفي للخارجية الأميركية قبل يومين، قال نيد برايس، المتحدث الرسمي باسم الوزارة "إن واشنطن تريد اتخاذ خطوات مع شركائها في الشرق الأوسط حيال التصعيد الذي تنتهجه إيران في المنطقة" محذرا من أن "إيران يمكن أن تحصل على قنبلة نووية خلال أسابيع، لذلك نريد العودة المتبادلة للاتفاق النووي".
وتعكس هذه التصريحات موقفا مركبا لواشنطن، وهو ما يلقي بتبعات واسعة على شبكة حلفائها الواسعة من إسرائيل إلى دول الخليج، سواء نجحت واشنطن وطهران في العودة للاتفاق النووي، أو في حال كان الفشل مصيرا للمفاوضات الجارية.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار جورجيو كافيرو، مدير مؤسسة دراسات دول الخليج بالعاصمة الأميركية إلى أنه "إذا كان هناك إحياء للاتفاق النووي، فإن هذه الدول ستكون قلقة بشأن امتلاك إيران المزيد من الموارد المالية لتمويل وكلاء الجمهورية الإسلامية وحلفائها في جميع أنحاء المنطقة العربية، الأمر الذي يزعج الدولة اليهودية وبعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي".
وعلى نفس المنوال يضيف كافيرو "إذا فشلت المحادثات الجارية في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، فهناك مخاطر جدية تتعلق بالاقتراب من سياسة حافة الهاوية مع خروج إيران عن نطاق السيطرة، مما يمثل تهديدات خطيرة للغاية لجميع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي".
وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى مواصلة خفض قواتها العسكرية في الشرق الأوسط والتركيز على الصين، فإن العودة إلى الاتفاق النووي تعد أمرا بالغ الأهمية للاستقرار الإقليمي.
ويرى سينا أزودي، خبير الشؤون الإيرانية بالمعهد الأطلسي بواشنطن، أن "الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة يعني أن لديك آفاقا أعلى للاستقرار في الشرق الأوسط، مما يمنح المزيد من الموارد للولايات المتحدة في اهتمامها بآسيا".
في الوقت ذاته تتحفظ الدول الحليفة لواشنطن وعلى رأسها إسرائيل، وإلى حد كبير البحرين والإمارات، وربما السعودية، على أي خطوات لرفع العقوبات الدولية عن إيران.
ومن ناحية أخرى، ترى البروفيسورة ماهسا روحي، الخبيرة بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أنه "من الضروري أن يتوصل العالم إلى حلول خلاقة لإقناع إيران بأنها ستستفيد ماديا من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، حتى لو لم تتمكن إدارة بايدن من ضمان عدم الانسحاب من الاتفاق خلال حكم الإدارات القادمة".
ومن جانبه، يعتقد ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني والمسؤول العسكري الأميركي السابق، أنه "إذا حدث اختراق وتطورت مفاوضات فيينا تجاه التوصل لاتفاق، أتوقع أن يطلب بايدن من الإسرائيليين دعمه".
وفي حديثه للجزيرة نت أشار كافيرو إلى أن "الإمارات والبحرين تجدان نفسيهما في نفس القارب مع إسرائيل في مجموعة من القضايا الجيوسياسية والأمنية، وهو ما حفزهما على الانضمام إلى اتفاقات أبراهام عام 2020".
واعتبر كافيرو أنه في هذه المرحلة "ومع عدم معرفة مصير الاتفاق النووي الإيراني، لدينا سبب وجيه لنتوقع من هاتين العاصمتين الخليجيتين العربيتين وتل أبيب مواصلة تعزيز تعاونهما في المجالات الأمنية والدفاعية".
وفي حديث مع الجزيرة نت، ذكر السفير ديفيد ماك نائب وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، أنه "وبدون التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، ستواصل طهران زيادة إمكاناتها في مجال الأسلحة النووية. علاوة على ذلك، وما لم تتمكن إدارة بايدن من كسر الجمود الحالي، وإلى أن تتمكن من ذلك، يجب عليها الاعتماد على قادة أبو ظبي والرياض والكويت وبغداد لزيادة صادرات النفط إلى السوق العالمية".
وأضاف "ويعد التوصل إلى اتفاق مع إيران أسرع طريقة للحد من التهديد النووي، وضبط أسعار النفط الخام الذي أصبح عبئا سياسيا كبيرا على بايدن".
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، اتبعت إسرائيل سياسة شن الهجمات الإلكترونية، والقتل المستهدف، والتخريب، في محاولة لإبطاء برنامج إيران النووي. وردت طهران بهجمات إلكترونية على إسرائيل وهجمات حركية على ناقلات النفط في الخليج العربي، فضلا عن تسريع أنشطتها النووية.
ومع ذلك، وفي سيناريو تنهار فيه المفاوضات، تشير سيما شاين، رئيسة برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي بإسرائيل، إلى أن "إيران ستستمر في السعي للحصول على سلاح نووي، من هنا يمكن أن يتحول الوضع إلى حرب شاملة في المنطقة، أو على الأقل، يشهد المزيد من الاشتباكات في لبنان وسوريا والعراق، وهو ما يزيد من اضطراب المنطقة".
وتؤكد شاين أن الخيار العسكري ليس سوى الملاذ الأخير، مضيفة أنه "إذا أظهرت المعلومات الاستخباراتية أن إيران تسعى للحصول على رؤوس حربية نووية، فلا أعتقد أن أي شخص في واشنطن أو إسرائيل سيكون قادرا على تجاهلها".
في حين اعتبر أزودي أن "الجمود أو الانهيار الصريح للجهود الدبلوماسية يمكن أن يجر الولايات المتحدة نحو مسار تصادمي مع إيران تتورط فيه المنطقة بأكملها".
وأضاف "وقد يفسر هذا السبب في أن دولا مثل الإمارات، التي كانت متحفظة في السابق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، بل ورحبت بالانسحاب الأميركي منها في عهد ترامب، تسعى الآن إلى تحسين العلاقات مع طهران".
وتعتبر داليا داسا كاي، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أن "التصعيد الإسرائيلي الإيراني قد يصبح أكثر صعوبة في الاحتواء هذه المرة. وكانت إسرائيل قد أوقفت هجمات التخريب والاغتيالات مؤقتا بعد التوصل للاتفاق النووي الأول عام 2015، ولكن بعد انسحاب ترامب، استؤنفت هجمات إسرائيل على المواقع النووية الإيرانية، حتى عشية المفاوضات لإحياء الصفقة في أبريل/نيسان 2021".
وأضافت "وإذا لم تعتقد إسرائيل أن الاتفاق الجديد يقيد برنامج إيران بما فيه الكفاية، أو إذا اعتبرت القيود الزمنية عليه قصيرة جدا، فقد تستمر الهجمات، حتى لو امتثلت إيران لبنود الاتفاق الجديد".
إضافة إلى ما سبق، هناك تحد آخر يلوح في الأفق حال التوصل لإحياء الاتفاق، وهو: ما العمل إذا انسحبت إدارة أميركية قادمة مرة أخرى من الاتفاق؟ وهل ستعلن إيران حينذاك إنهاء موقفها المعلن بالبقاء دولة غير نووية؟