مما لاشك فيه، أن استطلاعات الرأي الموضوعية، وغير مدفوعة الثمن، أو الهادفة لتلميع صفحة هذه القوة أو ذلك الحزب، أو هذه الشخصية أو ذلك الزعيم تعكس في نتائجها بشكل عام المزاج الشعبي في هذه اللحظة السياسية أو تلك. مع ذلك استطلاعات الرأي ليست ثابتة، إنما متحركة، لان الأحداث في حراك دائم، وتؤثر بالضرورة في المزاج العام لهذا المجتمع أو ذاك. أضف إلى أن الفئة المستطلعة آراءها تطبع الاستطلاع بميولها وخلفياتها.
كما أن بعض الاستطلاعات أحيانا التي تجريها مؤسسات إعلامية أو سياسية أو أمنية عادة تهدف للرد بشكل غير مباشر على استطلاع سابق، وهنا يصبح الإسقاط الرغبوي موجودا في نتائج الاستطلاع.
الفقرة آنفة الذكر مرتبطة بتعقيب احد الأصدقاء من النقب على ما ورد أمس في مقالي "سقوط منصور المهين" حول عدم تجاوز القائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس نسبة الحسم، فأرسل لي ما حملته نتائج استطلاع "القناة 12" الإسرائيلية مساء يوم الاثنين الماضي الموافق 13 حزيران الحالي، والذي أشار لحصولها على خمسة مقاعد مقابل خمسة مقاعد للقائمة المشتركة. وتناسى الصديق أن استطلاعًا سابقًا وقبل يومين سابقين ل"لقناة 13" الإسرائيلية نشرته مساء الجمعة الماضي الموافق 10 حزيران الحالي، أي قبل يومين من الاستطلاع الأخير، تضمن أن القائمة الموحدة (راعم) لن تتجاوز نسبة الحسم، في حين تحصل القائمة المشتركة على سبعة مقاعد. وهو ما يشير إلى الآتي:
أولًا: لا ثابت في نتائج استطلاعات الرأي، والنموذج آنف الذكر جلي وواضح.
ثانيًا: من وجهة نظري، وبعيدًا عن الإسقاطات الخاصة برغبتي، أعتقد (ولست جازمًا) أن استطلاع "القناة 12" جاء سريعًا وهادفًا. واجتهادي مدفوع الثمن إما من منصور عباس والحركة الإسلامية الجنوبية، أو من جهات أمنية وسياسية صهيونية، وهدف من وقف خلفه ( الاستطلاع) إعطاء كتلة "راعم" دعمًا معنويًا، وإيهام الجماهير الفلسطينية ونخبها السياسية أن رصيد الكتلة مازال قويًا في أوساط الشارع الفلسطيني.
ثالًًا: تجاوز أو عدم تجاوز القائمة العربية نسبة الحسم مرهون بالقوة الفلسطينية العربية المقابلة، ومدى قدرتها على تمثل مصالح المواطنين؛ رابعا التطورات الذاتية والموضوعية في المشهد الإسرائيلي الفلسطيني يترك أثره بشكل مباشر على المزاج العام في الشارع الفلسطيني عموما، وفي أوساط المحسوبين على الحركة الإسلامية الجنوبية خصوصًا.
وعليه لا يجوز الاعتماد في قراءة مكانة أي قوة أو حركة أو حزب باستطلاع رأي واحد، لأنه لا يعكس الواقع، ونتائجه آنية مؤقتة قابلة للتغيير سلبًا أو إيجابًا وفقًا لمجمل العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية والثقافية والدينية والأمنية العسكرية. وأيضا يعتمد على مستوى وعي الجماهير الشعبية الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية المختلطة، وكيفية قراءتها لدور كتلة عباس الإخوانية، بالإضافة لمدى تمكن كتلة "راعم" من المحافظة على تحالفاتها مع الشخصيات المستقلة او مع قوى أخرى من عدمها (وهنا أدرجت فرضية وإمكانية تحالفها مع قوى جديدة فلسطينية أو صهيونية).
أما لماذا أعتقد أن كتلة الحركة الإسلامية الجنوبية لن تتجاوز نسبة الحسم؟ فهذا يعود للاتي:
أولًا: لم يف منصور عباس وكتلته بأي من الوعود، التي أطلقها لصالح الجماهير لا بالمعنى الآني اليومي ولا بالمعنى الوطني العام.
ثانيًا: نتاج انغماسه في متاهة الائتلاف الصهيوني اليميني الحاكم، وقبوله أن يكون مطية لتمرير مشاريع الاستيطان الاستعمارية، والانتهاكات العنصرية، ومعاداة السلام بمعايير ما هو مقبول عالميًا.
ثالثًا: اتخاذ منصور مواقف مخزية ومتناقضة مع مشاعر وعواطف وحقوق أبناء الشعب أثناء هبة أيار / مايو 2021 في اللد والرملة، ومواقفه المعيبة والمذلة من عمليات الاقتحامات وـادية الشعائر التلمودية في المسجد الأقصى أيار / مايو الماضي، حتى أن أنصار الحركة الإسلامية الجنوبية في المدن المختلطة أدانوا مواقفه آنذاك.
رابعًا: استعداده العلني قبل أيام للتحالف مع الفاشيين بن غفير وسموتيريتش وكل أقطاب العصابات الصهيونية العنصريين المعادين للسلام وللتعايش والشراكة مع الشعب الفلسطيني.
خامسًا: انتفاء أي ملمح يخدم مصالح أبناء الشعب في على اقل تقدير48 ضمن أجندته، باستثناء حساباته الخاصة والنفعية الضيقة، وأجندة جماعة الإخوان المسلمين المتناقضة مع مصالح الحركة الوطنية.
سادسًا: للرهان أيضًا على تفاقم الانتهاكات وجرائم الحرب الصهيونية وتصاعد وتيرة البطش والتنكيل والعنصرية الصهيونية ضد الجماهير الفلسطينية في داخل الداخل وفي الضفة الفلسطينية وفي مقدمتها القدس العاصمة الأبدية، وفي قطاع غزة.
كل هذه العوامل موضوعيًا تشير إلى عدم تمكن كتلة "راعم" من تجاوز نسبة الحسم. ومع ذلك سيبقى الباب مفتوحا أمام السيناريوهات المختلفة واردا، حتى لا نقع في المواقف الاطلاقية.
oalghoul@gmail.vom
a.a.alrhman#gmail.com