بعد انتهاء فترة ما يُسمى الربيع العربي في الشرق الأوسط وبداية خروج النظام الدولي ذو القطبين باتت أمريكا في مأزق نحو ترسيخ متطلباتها وشروطها في المنطقة لغياب الثقة بينها وبين الدول العربية، لذا قرر بايدن زيارة المنطقة وتعزيز الثقة بالسياسة الخارجية الأمريكية والتي باتت بين المتناقضات بين الفكر الجمهوري والديمقراطي والذي انعكس بشكل مباشر على التعامل مع القضايا الخارجية بالتحديد تعاملها مع المملكة السعودية وملف القضية الفلسطينية وملف الإسلام السياسي.
وقُبيل زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وبالتحديد إلى السعودية سارع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة مصر والأردن وتركيا حيث جاءت ضمن سياق هدف واحد وهو تنسيق الجهود العربية وإيجاد موقفاً موحداً حول الرد النهائي للانضمام في الحلف المشترك بصيغته النهائية "الحلف العربي الإسرائيلي الأميركي" ليكون بديلاً عن التواجد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والرد النهائي حول التطبيع الإسرائيلي.
وجاءت زيارة ولي العهد السعودي عبر سياق تنسيق الجهد الإقليمي والأمني والاقتصادي وركز حول الجهد الاقتصادي باعتباره باباً لاستحقاقات سياسية في المنطقة وإعادة الدور السعودي في المنطقة، ورغم الحديث عن مآل حرباً إيرانية مستقبلية إلا أن حدوث مثل تلك الحرب ليس لصالح أي من الدول العربية، من هنا بدأت السعودية اللجوء لخيار سلمي وهو ترتيب الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط إلى حين ترتيب العلاقات الأمريكية_ الروسية والتي ما زالتا حتى الآن غير متفقتين على ترسيم حدود بعض الدول التي تعتبرها هامة لهما باعتبارها منافذ تجارية وبحرية واقتصادية.
إن زيارة ولي العهد السعودي إلى مصر والتي تعتبر حليفاً قديماً للسعودية ركزت حول ضخ استثمارات بقيمة أكثر من 10 مليارات في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والطاقة وتحسين المؤشرات المالية، وبعد تلك الزيارة زار ولي العهد السعودي الأردن وجاءت ضمن سياق المجالات الاقتصادية والتركيز على الوصاية الأردنية على المقدسات وزيادة الاستثمارات السعودية في الأردن، وزار بن سلمان تركيا لتعزيز العلاقات السعودية التركية بعد تضررها في الآونة الأخيرة، حيث يحاول بن سلمان من تلك الزيارات استعادة العلاقات السعودية العربية وتنسيق الجهد الموحد قُبيل زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى السعودية والتي يهدف بها الضغط على السعودية وتطويع السعودية للتماشي مع الشروط الأميركية والانضمام لحلف الناتو العربي_ الإسرائيلي والتطبيع مع إسرائيل والابتعاد عن محور روسيا_الصين، على ما يبدو أن ولي العهد السعودي بات يلعب ضمن تغيرات النظام الدولي متعدد الأقطاب ولم يعد يقبل الابتزازات الأميركية، فالسعودية لن تُخرج القاعدة الصينية من السعودية فهي تعرف أن ذلك سيضرها لذا فهي تتعامل مع مصالحها أكثر جدية من أن تكون ألعوبة بيد أميركا وقبولها في الدخول إلى الحلف إلا بتحقيق استحقاقاتها سواء لما يحدث في اليمن أو مآل الاتفاق النووي وأن لا تكون السعودية ضمن ابتزاز الولايات المتحدة الأميركية وعدم الارتهان للنواب الجمهوريين والديمقراطيين حول السياسة السعودية.
إن في علم السياسة حالة الاصطفاف في حلف واحد هي بمثابة الفشل الرسمي للسياسة الخارجية بالتحديد أن علم الدبلوماسية لا يعني الظاهر في التعامل هو الباطن، بالتالي لا اعتقد أن دولة مثل السعودية ستُعلن رسمياً انضمامها في هذا الحلف المرسوم من قبل بايدن للشرق الأوسط.
أميركا حالياً بحاجة لمصادر الطاقة وليس للخوض والانخراط في التحديات العسكرية تسعى حالياً إلى تعزيز التواجد العسكري البحري على طول القوس الممتد من مضيق هرمز مروراً إلى مضيق باب المندب إلى قناة السويس وهذا الأمر بحاجة لحلف عربي إسرائيلي بتواجد سعودي مصري.
إن العلاقة الأميركية السعودية بالرغم من إستراتيجيتهما إلا أن العلاقة لن تعود كما قبل الحرب الأوكرانية الروسية أو بالأحرى قبل الربيع العربي لأسباب عديدة:
• إبقاء السعودية والإمارات وحدهما في الحرب اليمنية والحوثيين.
• شعور السعودية بالقلق من إيران بسبب عدم توقيع الاتفاق النووي الإيراني_الأمريكي.
• دعم بايدن لاتهام بن سلمان لقتل الخاشقجي.
• محاولة أمريكا استبدال النظام السعودي الحاكم الحالي بنظام آخر.
لأسباب عديدة تحاول السعودية تغير لعبتها الخارجية والابتعاد عن الابتزاز لذا يقوم ولي العهد بزيارات عديدة لدول عربية لتحديد موقف موحد وتعزيز الشراكات مع الدول وإعادة الدور السعودي ما قبل الربيع العربي والتأكيد على المصالحات الاقتصادية على الأمنية.
أما علاقة السعودية_الإسرائيلية يؤمها العلاقة الأمنية الجيوسياسية الإقليمية والسعودية غير مستعجلة للانضمام نحو قطار التطبيع بعلاقات كاملة مع إسرائيل كونها طرحت العديد من المبادرات لحل القضية الفلسطينية ولكن لم تنفذ على أرض الواقع.
فالعلاقات بينهما تأتي ضمن سياق تبادل المعلومات الاستخبارية ولقاءات سرية غير رسمية وآخرها مؤتمر حوار الأديان ووجود العلاقات الاقتصادية والتجارية، بالرغم أن إسرائيل تسعى لتوطيد العلاقة إلى تطبيع كامل وإقامة علاقات سياسية دبلوماسية وانخراط الكيان في تحالف إقليمي واضح المعالم، حيث يهدف التجمع الإقليمي إلى:
• الاستثمار في الدول العربية الضعيفة اقتصادياً وبالتحديد في مجالات الأمن الغذائي وتعزيز الشراكات الصناعية والتجارية.
• دعم الدول العربية التي تشارك التجمع الإقليمي بالمال ودفع الاقتصاد مقابل المشاركة في مواجهة إيران واذرعها.
• مساعدة تركيا مقابل تعاونها في مواجهة إيران.
• العمل قدر الإمكان للتخفيف من التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية والمحاولة لتطويع السياسات الأمريكية لصالحهم.
الحالة الفلسطينية من هذا التجمع:
إن زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط والذي يسعى من خلالها استبدال الإطار الدولي بالإطار الإقليمي ليتجاوز القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ولا يصلح هذا الاستبدال إلا بإدراج القضية الفلسطينية على جدول الأعمال، والإدارة الأميركية تريد أن تدمج فكرة المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الفلسطينيون في أكثر من موقف بفكرة المؤتمر الإقليمي وبمشاركة دولية ولكن بمرجعية غير واضحة لكي تتمكن الإدارة الأميركية من تسويق الحل الإسرائيلي الذي يروج له تحت مسمى الحل المتفاوض عليه ثنائياً دون تدخل أحد، وهدف أميركا تشكيل ناتو عربي لمواجهة إيران هو على حساب القضية الفلسطينية وتصفيتها، وسيكون الدور المستقبلي فقط تنفيذ خطة مارشال جديدة تستند إلى السلام الاقتصادي والاحتواء والوصاية السياسية لسنوات طويلة.
أما حركة حماس وبعد خروج القيادات من قطاع غزة فان إخضاع حركة حماس الجيل الثاني من خلال مرحلة انتقالية تتسم بالانفراجات الاقتصادية المتسارعة والتي لن تستطيع حماس رفضها، وفي نفس الوقت فرض نوع من الانتداب الأوروبي العربي على قطاع غزة، تمهيداً لدمجه مع كانتونات الضفة الغربية وأجزاء من القدس لخلق كيان إداري يشبه الحكم الذاتي الموسع والمرتبط امنياً و اقتصادياً بدول المنطقة خاصة إسرائيل مصر الأردن بغض النظر عن المسميات كونفدرالية فدرالية دولة واحدة بثنائية القومية.
خلاصة: هناك حل إقليمي يلوح بالأفق لترتيب المنطقة برمتها يتشارك به دول عربية وبموافقة أميركا بتسوية العلاقات بين حركة فتح وحماس، ليس لحل الإشكاليات بين فتح وحماس بل لإدخال حماس منظمة التحرير وإدخال كافة الطيف الفلسطيني داخل المنظمة من ثم سيتم إملاء الشروط الإسرائيلية والأميركية لمنظمة التحرير والتي ستكون حماس جزء منها وبالتالي ستضطر حماس الموافقة على الشروط كون منظمة التحرير الإطار الجامع للكل الفلسطيني وبالتالي إضعاف القضية الفلسطينية من خلال منظمة التحرير وفرض سياسة الاستسلام وبمشاركة كافة الفصائل وتنفيذ خطة مارشال الثانية.