الثورة التكنولوجية والصمت الإنساني.. بقلم/ د. شادي الكفارنة

 


تعود الناس عندما يلتقون في جِلسات عامة أو خاصة يتكلمون مع بعضهم البعض، وإذا كان أحدهم صامتاً يلفت أنظار الجميع من عدم تفاعله، ونقاشه في الاتصال معهم، ويكون عرضة للمساءلة والاستغراب موجهين له قائلين لماذا أنت ساكت عن الكلام؟ وقد يُتهم بأنه معترض على كلامهم أو لم يعجبه وجوده أو أحدهم في اللقاء معهم، ولكن اللافت للنظر اليوم أصبح الصمت أو عدم الكلام هو السائد في أغلب اللقاءات بين الناس دون اعتراض أحدهم على الآخر؛ لأنهم منشغلون في هواتفهم النقالة، وقد وصل الصمت الذي يسميه البعض بالخرس الزواجي داخل الأسرة الواحدة التي يسودها حالة من السكون والسكوت والرتابة في العلاقات الزواجية؛ نتيجة انشغال كل واحد منهم في عالمه الخاص واهتمامه المفضل بوضع رأسه في هاتفه دون اهتمام بالآخر، وإذا تَطلب الأمر للتواصل ربما لا يكون بالكلام الوجاهي بل عبر خاصية هذه الأجهزة إما برسالة أو بوست أو إشارة أو برموز تعبيرية وغيروها من أدوات ووسائل ووسائط الاتصال مع كل واحد منهم.

كما امتد الصمت إلى العلاقات الأسرية ما بين أفراد الأسرة من أبناءهم الممتدون وكل منهم عيونه بهاتفه حسب رغبته حتى وصل هذا الصمت إلى كبار السن، والأطفال الذين تعودنا في المنازل أن نسمع أصواتهم وصراخهم وضجيجهم وحيويتهم وطاقاتهم وكلامهم، ولكن الغريب الآن قد تدخل المنازل وتشعر بأنها غير مسكونة من كثر الهدوء والسكينة.

كذلك وصل الصمت إلى المناسبات الاجتماعية من خلال انشغال الناس بهواتفهم النقالة دون المشاركة الحقيقية والمتفاعلة في المناسبات حتى الحزينة منها، والتي تحتاج إلى التآزر والتآخي والوقوف والاهتمام بالآخرين، كما وصل إلى أماكن العمل وفي كل مكان حتى عند المريض والسليم منهم كلهم مشغولين بالهواتف دون الاهتمام بما يدور من حولهم وجهاً لوجه.

ينبغي القول:

نحن هنا لسنا ضد استخدام التكنولوجيا الحديثة، ولكن ضد من يستخدمها بطرق لا تليق بالعلاقات الإنسانية ما بين الناس، نعم للتطور ولا للصمت الإنساني.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-