لقد نجحت الاستراتيجية الأمريكية الصه. يونية. التي أرسيت قواعدها بعد حرب أكتوبر 1973 م ، والمرتكزة على أساس تبريد الصراع العربي الإسرائيلي إلى أقصى درجة ممكنه او ( تقليص الصراع كما يقولون ) او انهائه ، واستحداث صراعات بديلة عنه ، مثل صراعات داخلية في معظم الأقطار العربية من جهة ، وصراعات بينية فيما بينها مع بعضها البعض ، وصراعات بينها وبين دول الجوار العربي مثل ايران تركيا واثيوبيا ..
تكون أعلى حدة من كافة مراحل ما كان يعرف ( بالصراع العربي الإسرائيلي ) ..
وبالتالي القفز عن ام القضايا وأم المشاكل المزمنة التي تعاني منها الأمة العربية والتي كانت توصف سابقا بالقضية العربية أو القضية المركزية ، وفي جوهرها القضية الفلسطينية ، لتصبح القضية المركزية قضية هامشية ، مركونة في الزاوية وفي آخر اهتمامات السياسات العربية .
هكذا تجني الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني اليوم ثمار هذه الاستراتيجية المحكمة والتي جرى تطبيقها وتنفيذها بإحكام ، وتدخل الكيان الصهيوني وتنقله الى مرحلة سياسية جديدة من التكريس في جغرافيا المنطقة وبناء علاقاته الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية ، بما يكفل له استمرار التمدد والتوسع له في الفضاء الجغرافي العربي ، دون أي شعور بالذنب او دون تحمل اي مسؤولية سياسية أو قانونية او أخلاقية، تجاه ما اقترفه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني والأمة العربية على مدى اربع وسبعين عاما من الاغتصاب والمعاناة و من قتل وتشريد و ممارسة جرائم التطهير العرقي واغتصاب لوطنه فلسطين ولحقوقه المشروعة فيه .
نعم لقد أوصلت هذه الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية المنطقة العربية والعالم إلى حالة( من العمى السياسي والأخلاقي) عن كافة ممارسات الكيان الصهيوني المجافية والمنافية لقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة ولكافة قراراتها ، وجعلت من الكيان الصهيوني كيانا فوق القانون وفوق الشرعية الدولية وقراراتها وفوق كافة كيانات المنطقة ..!
على أمل ترسيخ الوجود والديمومة للكيان الصهيوني ، وتحقيق الأمن والسلام له على حساب الحقوق العربية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه .
هنا قد تكاملت سياسات القوى الإقليمية ( من ايران وتركيا واثيوبيا إضافة إلى ...والكيان الصهيوني ) مع هذه الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية في إيصال العالم العربي و قضيته المركزية (القضية الفلسطينية) إلى ما وصلت إليه من تردي و ذل هوان ...!
والقادم سوف يكون أعظم واخطر من خلال تغلغل الكيان الصهيوني مستقبلا في العديد من الدول العربية وماسينتج عن ذلك من هيمنة سياسية وأمنية واقتصادية على سياسات واقتصادات العديد منها .
لكن تبقى القضية الفلسطينية عصية على الموت والزوال ، وستبقى بيد شعبها الفلسطيني الصامد في الوطن وفي خارجه والذي لن ولم يرفع الراية البيضاء ..
الشعب الفلسطيني ليس كما بشريا فائضا يمكن تسكينه هنا او هناك او تركيعه، الشعب الفلسطيني يبلغ اليوم خمسة عشر مليونا من البشر من العرب ، المؤهل والنوعي نصفه صامد في وطنه ويزيد عن عدد المستوطنين من اليهود المغتصبين لوطنه ، والنصف الآخر منتشر في محيطه العربي والعالم ... هذا ما يقلق الكيان الصهيوني ويقضُ مضحعه، ويجعله يعيش أزمة وجودية تتعمق يوما بعد يوم ، فلم يستطيع القضاء عليه ، و لم يستطيع استيعابه في كيانه الغاصب كما فعلت الدول الاستيطانية الناجحة التي أقيمت في العالم الجديد مثل نيوزيلندا او استراليا او كندا او أمريكا ، حيث جرى اولا إبادة السكان الأصليين او اغلبهم لتلك الدول ومن ثم تم تأسيس كيانات جديدة وحديثه جرى استيعاب من بقي على قيد الحياة من السكان الأصليين فيها ثانيا كمواطنين في تلك الدول الاستيطانية الحديثة المنشأة .
من هنا نقول ان المشروع الصهيوني والسياسات الأمريكية الداعمة له ، تمارس اكبر عملية خداع سياسي استراتيجي لنفسها وللعالم ، وتوهم نفسها بالنجاح في تصفية القضية الفلسطينية بالتهرب من استحقاقاتها ، وتأجيل حلها او وضع نهاية مقبولة وعادلة لها ..
مما يؤدي الى تعميق الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسيؤجج الصراع بينهما آجلا ام عاجلا ، وسيحول دون الوصول بالطرفين إلى الحلول الوسط مثل (حل الدولتين )..
ليفرض بالتالي حلا تاريخيا جذريا يجب ان يقوم على أسس استعادة الحقيقة التاريخية والاجتماعية والقانونية لإقليم فلسطين وشعبها ، وسيكتشف حينها قادة الكيان الصهيوني ومجتمعه الاستيطاني و داعميه من انجليكان وغيرهم ، حجم الخديعة التاريخية والسياسية والقانونية التي وقعوا فيها واقعوا المنطقة والعالم بها أيضا .
يرونه بعيدا ونراه قريبا وإنا لصادقون .
د. عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس المجلس الإداري للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين
15/7/2022
Pcommety@hotmai.com