مقدمة الجزائري المحب لإخوانه الفلسطينيين:
شهدت الجزائر هذا العام أفراحا وأعيادا كثيرة، ومنها: عيد استرجاع السيادة الوطنية، والاستعراض العسكري المهيب، وإقامة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بنجاح، وعيد الأضحى، وفي الأيّام القادمة القليلة، إقامة القمّة العربية بالجزائر، وقائمة أعياد الجزائر مفتوحة وإلى الأبد.
سيركّز صاحب المقال على جمع الجزائر للإخوة الفلسطينيين، ويضاف هذا الحدث الجلل إلى أفراح وأعياد الجزائر، التي تفتخر بها، وهي:
اغتنمت الجزائر فرصة إقامة الاستعراض العسكري المهيب، احتفالا بعيد استرجاع السّيادة الوطنية 1962 – 2022، للجمع بين الإخوة الفلسطينيين.
للتذكير، الاحتفال العسكري، لم يقم منذ سنة 1984، وكان ذلك لأوّل مرّة في تاريخ الجزائر، في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمة الله عليه.
لا تطمع الجزائر في إخواننا الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولا في إخواننا الفلسطينيين في غزة.
لا تضرب أحدا بأحد، ولا تميل لأحد ضدّ أحد، ولا تستخدم أحدا في تكتّل ضدّ تكتلّ.
ولا تطلب من أحد أن ينوب عنها في حرق جار، أوتدمير أخ، أو مولاة عدو.
ماقامت به الجزائر تجاه جمع الإخوة الفلسطينيين، أمر عظيم وخالد ونادر، يحسب للجزائر ولسيّد الرئيس عبد المجيد تبون، وللدبلوماسية الجزائرية، راجين السّداد والتّوفيق والنّجاح.
لايوجد دولة -الآن-، تغامر وتضع حماس جنبا إلى جنب مع هيئة الأركان، في منصة شرفية رسمية، وبجوار أعلى رتبة عسكرية وهي الفريق الأوّل.
اختلافات الإخوة الفلسطينيين حقيقة، وحلّها ليس بالسّهل ولا المستحيل:
الاختلافات القائمة بين الإخوة الفلسطينيين، أعمق وأخطر من أن يلغيها لقاء عابر، وجلسة خاطفة.
السّلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أخطأت، وحماس في غزة أخطأت. ووصلت الأخطاء لدرجة الجرم، حين راحوا يتبادلون التهم فيما بينهم، حتّى أنّهم وصلوا إلى حدّ وصف بعضهم بعضا بالقاتل، وبأنّه سفك دماء أنصار الطرف الآخر، وسجن بعضهم، وما زالوا في السجون.
في المقابل، أطلب من إخواننا الفلسطينيين في الضفة وغزة، أن لايكونوا عونا للصهاينة على حساب إخوانهم، وأن لايكونوا يدا للصهاينة لإزالة فلسطين، وأن لايتقرّبوا للصهاينة لنفي وطرد وقتل إخوانهم... وذلك أضعف الإيمان.
لاتتدخلوا في شؤون الفلسطينيين واحترموا اختياراتهم:
عاش الجزائري 132 سنة من الاستدمار الفرنسي حيث القهر، والظلم، والاغتصاب، والحرق، والتّدمير، والنسف، والتهجير، والطرد، والنّهب، والسّطو. والفلسطيني -الآن-، يعيش نفس الوضعية. وهذا مايدفع الجزائري الحرّ الأصيل، أن يمتنع عن نقد إخواننا الفلسطينيين، اللّهم إلاّ إذا ارتكبوا الكبيرة، والتي لايمكن السّكوت عنها. ويندرج هذا السّلوك ضمن احترام الفلسطينيين، وتقدير الظروف الصّعبة المفروضة عليهم من طرف الصهاينة، والعرب، والمسلمين الأعاجم، والغرب المتصهين.
لاأطلب -الآن- من إخواننا الفلسطينيين في الضفة وغزة تحقيق الوحدة، وإذابة كافة الفروقات فيما بينهم، لأنّه يبدو أنّ تحقيق الحلم ليس غدا، ولا بهذه البساطة.
لم يتدخل صاحب الأسطر يوما في اختيارات إخواننا الفلسطيننين في الضفة وغزة، وهم مرغمون على ركوب هذا الاختيار أو ذاك، مالم يكن خيانة لفلسطين والفلسطينيين والأمّة. ومن حاربهم لاختيار هذا الحليف دون ذاك، فليكن لهم الحليف الذي ينسيهم الحليف الذي اختاروه، ويعوّضهم أحسن تعويض.
الثّورة الجزائرية مثال في الوحدة وعدم الانفصال:
أقول لإخواني الفلسطينيين: كان للجزائرأيّام الثّورة الجزائرية 10 عقداء، كلّ عقيد يعتبر دولة قائمة بذاته من حيث العدد والعتاد والإقبال والشجاعة والتضحية، ودولة كلّ عقيد تساوي أو تفوق -الآن- بعض الدول العربية. ورغم ذلك لم ينفصل أحد منهم عن الجزائر، ولم يطالب يوما بالانفصال، ورغم حدّة التنافس فيما بين قادة الثّورة الجزائرية العظام، لم يتنافسوا يوما فيما بينهم لأجل الانفصال.
حاول الاستدمار الفرنسي أثناء اتفاقية إيفيان، فصل الجنوب عن الشمال، ولم ينجح رغم الإغراءات التي قدّمها لقادة الثّورة الجزائرية. وفي الوقت نفسه، لم يستغلّ قادة الثّورة الجزائرية الظرف للمطالبة بالانفصال، وهم يومها دول قائمة بذاتها من حيث العدد والعدّة، وحافظوا على الجزائر كاملة غير ناقصة.
وأثناء صائفة 1962، ورغم ماحدث من مآسي بين الإخوة الجزائريين، ورغم الحديد والنّار الذي كانوا يملكونه، إلاّ أنّهم لم يطالبوا بالانفصال، ولم يستقل أحد منهم بجزء من الجزائر، وبقيت كاملة غير منقوصة.
وأثناء العشرية الحمراء، والدماء التي سالت، بقيت الجزائر واحدة موحدة، ولم يطلب أحد بالانفصال عن الجزائر الأم.
وأثناء مسيرات 2019، طرحت عدّة اقتراحات لمعالجة الوضع، لكن أبدا ومطلقا لم تطرح مسألة الانفصال عن الجزائر، وظلّت الجزائر بقيادة واحدة موحدّة، وأرض كاملة غير ناقصة.
خلاصة الجزائري المحب لإخوانه الفلسطينيين:
لاأفرض المثال الجزائري على إخواني الفلسطينيين في الضفة وغزة، فهم أدرى وأعلم بما يرونه من مثال الذي يناسب وضعهم وحالاتهم وظروفهم، راجين لإخواننا السّداد والتّوفيق، فيما يرونه يناسب وضعهم المؤلم المحزن المبكي، وبأقلّ الخسائر الممكنة.