الروبوتات تقتحم عالم الزراعة وتبشر بنقلة نوعية في إنتاج الغذاء في العالم
وكالة البيارق الإعلامية
يتحرك جيش من الروبوتات في أرجاء الريف الامريكي مبشرا بطفرة في مستقبل انتاج الغذاء في المستقبل. وفي منطقة الغرب الأوسط الأمريكي ودلتا نهر مسيسبي، تباشر 25 ماكينة تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي عملها في حقول مزروعة حديثا، حيث تجتث الحشائش الضارة من الأرض الزراعية بمعدل 12 ميلا في الساعة.
وللوهلة الأولى، تبدو هذه الماكينات الروبوتية التي تنتجها شركة "جون دير" الأمريكية للميكنة الزراعية بعد أن ابتكرتها شركة ناشئة تحمل اسم "بلو ريفر تكنولوجي" كما لو كانت معدات زراعية تقليدية، ولكن في واقع الأمر، تم تجهيز كل ماكينة من هذه الماكينات بـ36 كاميرا وعدد كبير من الأنابيب الدقيقة، وتستخدم هذه الماكينات برنامجها للرؤية الحوسبية للتمييز بين المحاصيل والأعشاب الضارة، قبل أن توجه فوهات دقيقة لنفث المبيدات مثل الطلقات صوب الحشائش الضارة بعينها، لتضع بذلك نهاية لأسلوب رش المبيدات الكيميائية على ملايين الأفدنة من الأرض الزراعية برمتها للوقاية من الآفات.
وتؤكد أماندا ليتل، أستاذ الصحافة العلمية بجامعة فاندبريلت بولاية تينيسي الأمريكية في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن الماكينات الروبوتية التي يطلق عليها اسم "روبوتات الرصد والرش النهائي" باهظة الثمن ومعقدة في تركيبها وليست متاحة في الوقت الحالي سوى للمزارعين الذين يعملون على مستوى الصناعات الزراعية، ولكن تأثيرها على البيئة وصحة الانسان سوف يكون رائعا في غضون سنوات قليلة.
وأكدت أماند ليتل أن هذا الماكينات هي طليعة موجة جديدة من الميكنة الزراعية التي سوف تساعد في انتاج مزيد من الغذاء على مساحات زراعية أقل مع الحد بشكل جذري من استخدام المواد الكيماوية. وتستطيع الماكينات الزراعة الذكية التعامل مع النباتات على أساس فردي عن طريق رشها بالمبيدات الحشرية ومبيدات الحشائش الضارة بل وبالأسمدة ومبيدات الفطريات، وسوف تساعد هذه النوعية من الدقة المتناهية في تقليل استخدام الكيماويات الزراعية وتسمح بالتنوع المحصولي على الرقعة الزراعية الواحدة.
ونجحت الماكينات الزراعية الروبوتية بالفعل في تحسين انتاجية الأرض الزراعية بنسبة 2 % فضلا عن قدرتها على تقليل مجهود العمل أثناء الزراعة وتعويض مشكلة نقص العمالة، وإن كان تواجد هذه الروبوتات يثير مخاوف كثيرة مثل التكلفة الإضافية وتعقد نظم الميكنة الزراعية الذي سوف يجعل المزراعين يعتمدون بشكل متزايد على شركات كبيرة مثل شركة جون دير على سبيل المثال.
وترى ليتل أنه مع هبوب رياح الذكاء الاصطناعي على مجال الميكنة الزراعية، لابد أن تفكر إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن والمستثمرون بشأن كيفية تطوير هذا السوق على نحو يتحلى بالمسؤولية، حيث يتعين توجيه التمويل نحو تطوير ماكينات ذكية أصغر حجما وأرخص سعرا مع دعم قطاع الاقتصاد التأجيري الذي يتيح للمزارعين المحليين استئجار هذه الماكينات طالما أنه ليس في مقدورهم شرائها وامتلاكها. كما يتوجب على وزارة الزراعة الامريكية وضع برامج لمساعدة المزارعين على الاستعانة بالماكينات الجديدة بدلا من الماكينات الزراعية القديمة.
وتندرج ماكينة "الرصد والرش النهائي" ضمن سبع معدات تطورها شركة جون دير، من بينها معدات للبذر الآلي وجرارات ذاتية القيادة وماكينات حصد القمح وغيرها، وتعمل جميع هذه الماكينات بعشرات الكاميرات والمعادلات الخوارزمية الخاصة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، من أجل تحليل البيانات والقياسات التي تجمعها وتطبيق الأنظمة التي تتناسب مع كل محصول وطبيعة الأراضي الزراعية.
ونقلت أماند ليتل عن يورج هيرود نائب رئيس الشركة والمتخصص في مجال القيادة الذاتية للماكينات قوله: "إننا نكثف جهودنا ونضاعف استثماراتنا بواقع ثلاثة أمثال فيما يتعلق بالصناعات الروبوتية والتعلم الاصطناعي". وقد ساعد هيرود بالفعل في زيادة عدد العاملين ضمن فريق تقنيات الذكاء الاصطناعي بالشركة من 50 فردا إلى 400 فرد.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت هذه الميكنة الجديدة سوف يتم استخدامها على نطاق واسع، تقول الشركة إن الطلب عليها يزيد بالفعل عن حجم المتوافر منها، وقد قرر هيرود أن يطرح 25 % فقط من الأسطول المتاح بالفعل من هذه الماكينات نظرا لأنه مازالت هناك حاجة لتحسين نموذج التمويل والخدمات الخاصة بهذا المشروع.
ووضعت شركة جون دير منظومة للتسعير لم تكشف عنها حتى الآن، وإن كانت لن تقل عن سعر ماكينة الرش التقليدية من نفس الحجم وهو 500 ألف دولار، علاوة على رسوم الاستخدام حسب المساحة بالفدان، ويمكن احتسابها بشكل شهري أو سنوي شاملة تكلفة الصيانة وبرمجيات التحديث. ويهدف هيرود إلى زيادة اسطول الشركة من الماكينات الزراعية بواقع عشرة أمثال سنويا بحيث تستطيع الشركة أن تطرح آلاف الماكينات الزراعية الروبوتية في الأسواق بحلول عام 2025.
وترى ليتل أن المخاوف من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى أن يصبح المزارعون أكثر تكاسلا أو أقل تحملا للمسؤولية فيما يتعلق بأنشطة الزراعة، لا أساس لها من الصحة لأن هذه النوعية من الميكنة الزراعية المتطورة تهدف في الأساس إلى تحسين جودة الأرض الزراعية ونوعية الغذاء عن طريق الحد من استخدام الكيماويات الضارة.
وأضافت أن عصر الذكاء الاصطناعي الزراعي قد أتى، وأنه إذا ما اضطلع المسؤولون الحكوميون والمستثمرون بدورهم في دعم هذا التطور المسؤول وانتهاج هذه التقنيات الحديثة، فإن النتيجة لن تكون أقل من نقلة نوعية نحو الزراعة المستدامة تشمل شتى مناحي عملية انتاج الغذاء على نحو يسمح بإطعام عالم أكثر حرارة (في ظل تغير المناخ) وأكثر اكتظاظا بالسكان.