القدس المحتلة- نور نوز:- يستعد المغرب لاستقبال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي، الأسبوع المقبل، بعد أيام على مشاركة مراقبين عسكريين إسرائيليين في مناورة عسكرية في المغرب، وصفها السفير الإسرائيلي لدى الرباط، دافيد غوفرين، بأنها خطوة لتعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين.
ولا تُعَدّ هذه المناورة الوجه الأول للتعاون بين المغرب و"إسرائيل"، بعد توقيع اتفاقية التطبيع بين الجانبين في عام 2020، بل مرّ عامان حافلان بأشكال من التعاون، عسكرياً واقتصادياً، وفي مجالات أخرى أيضاً.
وتثير زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي للمغرب التساؤل بشأن هدف "إسرائيل" من التمدّد في العمق المغربي، وفتح أبواب الشراكة كافةً.
تمرير التطبيع في الشمال الأفريقي عبر المغرب
بحسب مركز "موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والأفريقية"، فإنَّ التطبيع في الفكر الإسرائيلي هو "عقيدة تمدّد"، تقوم به "إسرائيل" في المنطقة عن قناعة مطلقة، ولها أطماع كبيرة من وراء ذلك.
ويشكّل المغرب، بالنسبة إلى "إسرائيل"، بوابة لاختراق دول المغرب العربي، وتثبيتاً لحضورها في تلك المساحة من الوطن العربي، بعد أن مرّرت صفقات في بقاع متعددة داخله، عبر الإمارات والبحرين والسودان، وفق مركز "موشيه دايان".
ويحوّل التمادي المغربي في التطبيع النظامَ في ذلك البلد إلى نظام وظيفي، تستخدمه "إسرائيل" لتحقيق أغراضها في المنطقة. وربما أول هذه الأغراض يتمثّل ببناء قواعد لها في المغرب، ثم التغلغل أكثر في الدول المجاورة.
ويبقى الطموح الكبير، بالنسبة إلى "إسرائيل"، هو الوصول إلى منطقة غربي الصحراء، وجرّ دولها إلى التطبيع معه، حتى يتسنى لها الاستفادة من مواردها الغنية، والتي تُعَدّ محل أطماع الدول الكبرى، وإقامة مشاريع اقتصادية واستثمارية، نظراً إلى عدد من الفرص التي يوفّرها قطاع الاستثمار هناك، وهو ما سيمكّنها من مزاحمة الدول الكبرى، كفرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة.
"إسرائيل" أقرب إلى الجزائر
دوافع التقارب بين "إسرائيل" والمغرب لا تقتصر على الأخير، فالأمر مرتبط أيضاً بالجزائر، التي تعدّها "إسرائيل" خطراً على أمنها القومي.
ولطالما عبّرت الحكومة الإسرائيلية، عبر وسطاء أميركيين، عن قلقها الشديد من تزايد قوة البحرية الجزائرية، التي باتت تشكّل خطراً على "إسرائيل"، وخصوصاً مع تمسك الجزائر بالموقف العدائي من "إسرائيل"، التي تحتاج إلى ضمان أمن تجارتها البحرية.
ويمرّ ما بين 60% و70% من إجمالي التجارة الخارجية الإسرائيلية، والمقدَّرة قيمتها بنحو 80 مليار دولار، عبر مضيق جبل طارق وممرات بحرية، لا تبعد عن بعض القواعد البحرية الجزائرية سوى نحو 100 ميل بحري.
وصدرت، في الآونة الأخيرة، عدة دراسات عن المؤسسات الإسرائيلية، وخصوصاً "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" (INSS) وغيره، تشير إلى متابعة حثيثة لما يجري في المغرب العربي، من أجل مراقبة الجزائر، إذ يعدّها الإسرائيليون الدولةَ المحورية في المغرب العربي. وهي، في تراثها الثوري، تشكل مانعاً من تعميق التغلغل الإسرائيلي في تلك المنطقة.
وأعرب رئيس حكومة الاحتلال، يائير لابيد، الذي كان وزيراً للخارجية الإسرائيلية سابقاً، عن "هواجس من الدور الذي تؤديه الجزائر في المنطقة، وتقاربها مع إيران، والحملة التي قادتها ضد قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي".
بناءً على ذلك، تسعى "إسرائيل" لاستنزاف الجزائر، عبر خلق صراعات جانبية، قد تصل إلى المواجهة العسكرية مع جارها المغرب، وتغذية التهديدات الأمنية الإقليمية للجزائر من منطقتي الساحل والجنوب، بينما يتمثّل المحور الآخر بمحاولة اختراق النظام السياسي الجزائري، وخصوصاً الجيش والأجهزة الأمنية.
وسهّلت "إسرائيل" للمغرب حصوله على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، وأكّدت صحيفة "ليكسبريسيون" حينها أنّ ذلك سيرسّخ الحضور الإسرائيلي عند الحدود الغربية للجزائر.
قاعدة عسكرية في منطقة إستراتيجية
ذكرت تقارير صحافية متعددة، بينها تقرير لصحيفة "الإسبانيول"، المقربة من دوائر اتخاذ القرار في إسبانيا، أنّ المغرب وقّع مع "إسرائيل" على اتفاق لبناء قاعدةٍ عسكريةٍ في منطقة أَفْسو، جنوبي مدينة مليلية.
هذا النهج الجديد، الَّذي مضى فيه المغرب، بحسب الصحيفة، أصبح مصدر قلق لمدريد، التي لا تنظر بعين الارتياح إلى عملية التحديث العسكري، والتي تنفتح آفاقها في المغرب لمصلحة "إسرائيل". وزاد في هذا القلق ما ذكره بعض التقارير الصحافية، التي قالت إنّ المغرب في صدد نصب وسائل دفاعٍ جويّ إسرائيلية، تُدعى "باراك أم أكس"، قرب مدينتي سبتة ومليلية.
ولعلّ ما يخيف إسبانيا، التي ظل مسؤولوها يتابعون بصمت تطور العلاقات المغربية الإسرائيلية، هو إمكان حدوث تغير في موازين القوى في المنطقة. فإسبانيا باتت تتخوف من أن يتحول المغرب إلى قوة إقليمية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إذ من شأن الاتفاقيات الأمنية بين الرباط و"تل أبيب" أن تفرض توازن قوى جديداً، يحتل من خلاله المغرب وضعية مغايرة.
وبموجب الاتفاق الأمني والعسكري بين المغرب و"إسرائيل"، يمكن للرباط الحصول على معدات أمنية إسرائيلية عالية التقنية، بالإضافة إلى التعاون في التخطيط العلمياتي، وفي مجالات البحث والتطوير في المجال التكنولوجي العسكري، والحصول على معدات إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، شمل الاتفاق المغربي الإسرائيلي صفقات أسلحة بمئات ملايين الدولارات، تلتزم من خلالها "إسرائيل" تزويدَ المغرب بأسلحة حربية متطوّرة. وتشمل ترسانة تلك الأسلحة طائرات من دون طيار، ورادارات شركة "إلتا" المتخصصة بالخدمات الدفاعية، إلى جانب نظام "سكاي لوكْ" المضاد للطائرات المُسيّرة، وتطوير مقاتلات "أف-5" الجوية المغربية وتحسينها.
وتسعى "إسرائيل" لفرض حضورها العسكري عبر إنشاء القواعد في هذه المنطقة المهمة استراتيجياً، ليس نتيجة دواعٍ أمنية فقط، بل بسبب دواعٍ تجارية أيضاً. ويُعَدّ موقع سبتة الجغرافي مهماً جداً من ناحية التجارة والحركة التجارية، نظراً إلى موقع المدينة الاستراتيجي في مضيق جبل طارق، الذي يصل مياه البحر الأبيض المتوسط بمياه المحيط الأطلسي، ويُعَدّ طريقاً تجارياً مهماً يربط أفريقيا بأوروبا.