زيارة بايدن لمواجهة محاولات تغير النظام الدولي والإقليمي.. بقلم/ تمارا حداد

 


تأتي زيارة الرئيس الأمريكي "بايدن" لاسرائيل ولقاءاته المرتقبة مع بعض قادة العرب في ظل أوضاع سلبية سواء أكانت لإسرائيل نتيجة حل الكنيست أو زيارته للجانب الفلسطيني المُتأزم نتيجة غياب الأُفق السياسي، وبالرغم تأثيرات الأوضاع غير المناسبة على الزيارة إلا أن "بايدن" أصر عليها لأنه يعلم تماماً أن أي تأخير لزيارته لمنطقة الشرق الأوسط هو بمثابة الإضرار بمصالح أميركا في المنطقة.

إن أبرز المسائل التي سيتناولها بايدن هو الوصول إلى حل القضايا الإسرائيلية الداخلية من أجل الوصول إلى استقرار داخلي بما ينعكس على المنطقة بأكملها، فبعد حل الكنيست الإسرائيلي واستلام رئيس حزب يش عتيد (هناك مستقبل) بزعامة "يائير لابيد" باتت الحكومة الانتقالية ضعيفة لا تملك قراراً سواء على الصعيد الفلسطيني أو أي أمر آخر وبالتالي مجيء بايدن في هذا الوقت بوجود الحكومة الانتقالية الضعيفة التي لا تملك قراراً للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تأتي ضمن سياق متعمد حتى لا يتم خلال زيارته إعطاء أي أفق سياسي للجانب الفلسطيني حتى لو أبدى لابيد استعداده نحو تحقيق السلام فهو أمراً ليس بيده في الوقت الحالي لعدم القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها أو امتلاكه صلاحيات حول عملية التفاوض ففرصة السلام في الوقت الحالي منعدمة، وبات من الواضح حسب استطلاعات الرأي المؤخرة حول الانتخابات القادمة في نوفمبر المقبل أن إسرائيل أمام سيناريوهين وهما:

أولاً: سيناريو اليمين المتطرف يسعى "نتينياهو" إلى تقديم نفسه الرجل القوي لإسرائيل والقادر على تشكيل حكومة يمنية متطرفة تنتهج سياسات متطرفة ضد الفلسطينيين وبالتحديد أمام التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل في أكثر من جبهة، وكما أن استطلاعات الرأي في اسرائيل تشير أن الأغلبية في الانتخابات القادمة لمعسكر نتينياهو حيث سيحصد 59 مقعداً يمينياً متطرفاً وفي ذات الأمر فإنه لن يتمكن من حصد 61 مقعدا لتشكيل حكومة فاستكمال (60_61) بحاجة لتحالفات مع قوى غير يمينية إما يسارية أو متوسط اليمين أو عربية، بالرغم أن القائمة العربية الموحدة بزعامة "منصور عباس" عرض على نتينياهو التحالف معه إلا أن الأخير رفض التحالف مع منصور حتى لا يُعيد إنتاج حكومة "بينيت" الثانية الضعيفة بل يُريد تشكيل حكومة يمينية مُتشددة تعيد الثقة للشارع الإسرائيلي.

هذا السيناريو إذا لم يستطع نتينياهو حصد 61 مقعداً فإن التقدير لإسرائيل ستكون مقبلة على حالة من الاضطراب السياسي والأمني بسبب إنتاج أزمة جديدة حول القدرة على تشكيل الحكومة أي القدرة على التحالف بأغلبية مريحة من أحزاب ذات التوجهات الأيديولوجية المتجانسة.

ثانياً: السيناريو الثاني (كتلة لبيد_ ساعر_غانيتس ) والذي بدأ يتشكل مؤخراً وهو الحلف اليساري _ أو وسط اليمين حيث أشارت الاستطلاعات أن هناك اتحاداً بين حزبي اتحاد حزبي غانيتس وساعر يحصدان 14 مقعد وإذا انضم إليهم رئيس الأركان السابق" غادي ايزنكوت" يصبح التحالف 17 مقعداً وعند إضافة لبيد 23 مقعداً وحلفاء آخرين ليصبح 51 مقعداً واذا انضم اليهم المشتركة والموحدة فهنا يصبح هذا التحالف 61 مقعداً ويستطيع تشكيل الحكومة.

هذه الأحزاب المنضوية تحت إطار كتلة (لبيد_ ساعر_غانيتس) هدفها الأساسي من التشكيل هو منع عودة نتينياهو إلى الحكم وتسخير الدولة لمصالحه الشخصية، هذا السيناريو إن حدث فإن تشكيل الحكومة في اسرائيل سيكون سلساً واقتراب الوضع السياسي والأمني إلى الاستقرار، وهذا ما يؤيده أغلب المراكز البحثية الأميركية وما يريده بايدن لإسرائيل الاستقرار لدولتهم لينعكس على حالة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حتى يتفرغ بايدن لمواقع أخرى.

يُريد بايدن بزيارته إلى إسرائيل تعزيز الاستقرار الداخلي ليتسنى له إعادة صياغة التحالفات الأميركية من جديد بعد معرفته أن التحالف الصين_ الروسي بدأ بالتسارع بالتحديد بعد انسحاب القوات الامريكية من منطقة الشرق الأوسط إن هذا الأمر أقلق الجانب الامريكي الأمر الذي أعاد ترتيب أوراقه من خلال إعادة التواجد الأمريكي في منطقة الشرق الاوسط من خلال تشكيل الحلف الجديد بصياغة جديدة (أمنية_ اقتصادية).

ماذا سيفعل بايدن بالقضية الفلسطينية؟

يسعى بايدن حالياً إلى تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وهذا الأمر لن يتم إلا بحل القضية الفلسطينية ولكن ليس كما يراها الجانب الفلسطيني بحل الأفق السياسي بل بتعزيز التوجه الاقتصادي وهذا الأمر يحتاج إلى تجديد الشرعيات وتعزيز نظام يتماشى مع هذا التوجه الأمريكي الجديد لحل القضية الفلسطينية ويتماشى مع مصالح القوى الأمريكية والاسرائيلية.

وبعد تحقيق الاستقرار الفلسطيني الإسرائيلي سيتم الإنتهاء من حالة تموضع القوى الإقليمية لما يخدم أمريكا في منطقة الشرق الأوسط ولمنع التمدد (الصيني الروسي) في المنطقة وهذا يستدعي إلى تجديد الشرعيات سواء في الانتخابات الإسرائيلية "يسار اليمين" مع الحفاظ على فكرة يهودية الدولة والقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ومع رؤية الجانب الأمريكي بتقليص الإسلام السياسي للوصول إلى الاستقرار والحفاظ على الأنظمة التي تدعم أمن إسرائيل وهذا الأمر بحاجة لتجديد الشرعيات في فلسطين لتحقيق الاستقرار، واستكمال الإطار الأيديولوجي الجديد في منطقة الشرق الأوسط أساسه السلام الاقتصادي بغض النظر عن المسمى وتحت إطار دول فاعلة.

ومن هنا على الجانب الفلسطيني أن يُصر على تحقيق الوعودات الأمريكية بحل الدولتين وفتح القنصلية في القدس وإزالة صفة الإرهاب عن منظمة التحرير ولكن هذا الأمر يحتاج لقوة الجانب الفلسطيني ولا يتعزز ذلك إلا بالوحدة الوطنية واجراء الانتخابات العامة.

رؤية الجانب الأمريكي بالنسبة لإيران:

أمريكا تسعى إلى استرضاء إيران وحشدها إلى صفها لذا لن يتطرق بايدن كثيراً في حديثه حول الاتفاق النووي إلا ضمن جوانب معينة حيث يقوم بايدن إلى تجديد تحالفاته ليقف أمام (روسيا والصين) فهمَه الوحيد تعزيز إمداد الطاقة ومن جميع دول الشرق الأوسط وايران ضمنهم لإيصال الطاقة إلى أوروبا وتثبيت الخطة الإستراتيجية حول الطاقة والممتدة حتى عام 2050.

زيارة بايدن تأتي ضمن سياق أمن الطاقة وأمن إسرائيل وتحالفات جديدة في منطقة الشرق الأوسط لذلك شاهدنا أن بعض الدولة العربية أشادت بعلاقتها مع إيران وأنها ليس على عداء معها ولن تُشكل حلف عسكري ضدها، وهنا تغيرت الرؤية الأمريكية تجاه إيران لإنقاذ أوروبا من نقص الطاقة وأيضاً لكسبها نحو صف أميركا لذلك بعد هذا التوجه الأميركي يسعى بوتين لزيارة طهران لقطع الطريق على خطة بايدن الأخيرة، للاستمرار في تشكيل الحلف الأوراسي (روسيا والصين) أمام الحلف الآخر (أميركا وإسرائيل).

ما يقوم به بايدن هو إعادة تموضع القوى الأمريكية المتحالفة في الشرق الأوسط لضمان وسلامة الاستقرار العالمي وترسيخ الهيمنة الأمريكية كقطب واحد وتحقيق شرق أوسط مستقر ليشكل حجر الزاوية في مواجهة محاولات تغير شكل النظام العالمي والإقليمي، وما يهمه حالياً هو معالجة قضايا الغاز والنفط والأزمة الاقتصادية العالمية جراء تداعيات الأزمة (الروسية_ الأوكرانية)، ومعالجة أوضاعه الداخلية بسبب ارتفاع الأسعار ومعالجة أزمة بايدن الداخلية وتدهور شعبيته وخشيته لخسارة انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر القادم.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-