وادي حنين .. جنة البرتقال، كتاب للدكتور فادي أبو هندي.. الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

اعتقد الاحتلال الإسرائيلي أنه قادر على محو الذاكرة، إذا غير معالم المكان الفلسطيني، أو دمر المكان، وحسب القاعدة التي سار عليها زعماء إسرائيل "أن الكبار يموتون، والصغار ينسون"، نجد أن النضال الفلسطيني على كل الجبهات النضالية والكفاحية سواء بالبندقية أو بالقلم، قام بها الصغار أحفاد الكبار بعد أن زرع فيهم الكبار قيمة الوطن، ورسموا لهم حدود المكان الذي هجروا منه قسرياً عام 1948. 

كان لدينا في مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق مشروعاً لإحياء ذاكرة القرى المدمرة، وقد صدرنا من خلاله ما يزيد عن عشرة كتب، وكان لدينا العديد من الكتابات عن القرى لكي نصدرها، ولكن تدمير الاحتلال الإسرائيلي للمركز أوقف المشروع، بل أوقف المركز نفسه من الوجود.

أصبح في السنوات القريبة عدداً كبيراً من الباحثين الذين التفتوا للكتابة عن قراهم التي دمرت عام 48 لإحياء ذكراها ورسم معالمها، وهم أحفاء الكبار الذين لم ينسوا ما زرعه فيهم أجدادهم وآبائهم من ذاكرة القرية. وقد تشرفت بتقديم عدد من هذه الكتابات لباحثين جادين يمتلكون أدوات البحث العلمي ولديهم القدرة على الكتابة والتواصل مع الآخرين لجلب المعلومة.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا من الكتابات التي سعدت بتقديمها عن قرية وادي حنين تلك القرية/ المكان الفلسطيني الذي حاول الاحتلال الإسرائيلي طمس معالمه بالهدم والتدمير، وتهويد مسمياته من ذاكرة الأجيال القادمة، ومن هنا تأتي أهمية الكتب والدراسات التي تتناول بالدرس والتحليل والوقائع والأحداث القرى الفلسطينية قبل عام 1948 في محاولة لإبراز الهوية الجغرافية والتاريخية للمكان، وتعيد بناء المكان في الذاكرة ليبقى صورة حاضرة تتناقلها الأجيال عن موطن الآباء والأجداد، وترسخ الهوية والرواية الفلسطينية للوطن.

يحيي أهالي قرية وادي حنين في 17 نيسان/ ابريل من كل عام ذكرى احتلال قريتهم، من خلال احياء ذاكرتها وتعميق جذورها لدي الأجيال الجديدة التي ولدت في المهجر. وقد تصدى الباحث الدكتور فادي محمد أبو هندي ابن هذه القرية لإحياء ذاكرتها بإصدار كتاب عن قريته بعنوان (جنة البرتقال قرية وادي حنين قضاء الرملة بفلسطين) وذلك بالغوص في كتب التاريخ لسبر أغوارها، بالإضافة إلى اللقاءات الميدانية للوصول إلى أدق التفاصيل عن قريته ليرسم معالمها ويعيد بناء جذورها على الأرض.

لقد اطلعت على مسودة الكتاب قبل نشره، فوجدته كتاب بحثي جدير بالقراءة والاطلاع، والاحتفاظ به في المكتبات العامة والخاصة ليكون نبراساً هادياً للأجيال القادمة من أبناء القرية، وللباحثين والدارسين في تاريخ المكان الفلسطيني لما يحتويه من معلومات ووثائق اجتهد الباحث في تسجيلها وتوثيقها لقريته التي دمرت عام 1948. كانت وما زالت لدى أبنائها. 

ووادي حنين هي إحدى قرى قضاء الرملة، وبلغت مساحتها 5401 دونم، وسكانها قبل الهجرة كانوا نحو 1880 نسمة، وهي من القرى العربية القديمة التي سكنتها قبيلة قضاعة.

تضمن الكتاب جغرافية القرية وتاريخها وسكانها، وحالة العمران في القرية، واستعرض الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية، ولم ينس الباحث أن يتناول الأدوات التي كان يستعملها أهالي القرية في كل المجالات الزراعية والمنزلية وعدة الخيل والأسلحة، وبما أن القرية الفلسطينية قبل عام 1948 لم تكن تعرف المحاكم في قضائها إلا قليلاً، فقد كانت تعتمد على قضاء العرف والعادة السائد في القرية، ومن هنا عمد الباحث إلى تناول الموضوع من جميع جوانبه لكي يقدم صورة عن القضاء العرفي وخطواته سواء في قرية وادي حنين أو غيرها من القرى الفلسطينية.

وفي ختام دراسته يفصل الباحث عمليات تهجير القرية وتشريد أهالي قريته إلى المنافي وأماكن اللجوء وخاصة في قطاع غزة، مع ذكر أسماء عائلات القرية سواء الأصليين أو الذين سكنوا القرية من المدن والقرى المجاورة واشتروا أراضي. ويضع في نهاية الكتاب مجموعة من الصور والوثائق عن القرية لكي يؤكد بها عروبة القرية، وأن بعض معالمها ما زالت ماثلة في المكان تنتظر عودة أهلها لكي يعيدوا بناء ما دمر، ويعمروها كسالف الأيام.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-