التأهب والتهيؤ قبل السفر للحج والعمرة

الدليل الشامل للحج والعمرة

إن التأهب والتهيؤ قبل العبادات أمر مطلوب شرعًا سواء كان حسيًا كالوضوء للصلاة أو السحور للصيام، والإحرام للحج والعمرة وغيرها، أو كان معنويًا ككثرة الذكر والاستغفار والتوبة واستحضار النية والإخلاص وغيرها.

ولقد كان هذا التأهب والتهيؤ دأب أولياء الله المتقين، بل صفوته المخلصين، ومن الأمثلة على ذلك:

1. عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن ينزل على موسى عليه السلام التوراة بعد إهلاك فرعون وقومه، وقتَ له ثلاثين ليلة ثم أتمها جل جلاله بعشر " فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " ، فقد ذُكر أنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم تلك الأيام ويتعبد الله فيها)، تهيؤاً لوعد الله.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (فصارت أربعين  ليلة ليستعد موسى ويتهيأ لوعد الله).

2. لقد شق صدر النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» في صغره  وهو في بني سعد، فاستخرج جبريل عليه السلام قلبه، واستخرج منه علقة سوداء، وقال: (هذا حظ الشيطان منك) ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره).

ثم شق صدره  «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم»  مرة أخرى ليلة الإسراء والمعراج وغسله جبريل عليه السلام بماء ،زمزم وجاء بطست ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدره .

قال ابن حجر - رحمه الله - بعد ذكره ثبوت شق صدر النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» والله ثلاث مرات في صغره في بني سعد، وعند البعثة وفي ليلة الإسراء والمعراج، قال رحمه الله: (ولكل منها حكمة، فالأولى وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس فأخرج علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك»، وكان هذا زمن الطفولة فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة). 

3.عن عائشة أم المؤمنين قالت: (أول ما بدئ به رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء)، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد – الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء).

 قال ابن حجر رحمه الله: (والسرُّ فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له) .

وفي خلوته «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم»  في غار حراء، وتعبده الله جل وعلا تهيئة من الله جل وعلا له النزول الوحي عليه «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» ، وما كان يرجو ذلك، ولكنه تفضل من الله جل وعلا عليه.

4. عن عائشة أم المؤمنين عنها قالت: (ما رأيت رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى : ( وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر : أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن).

ولما كان الحج والعمرة من العبادات العظيمة، ومن ميادين الخير الجليلة، كان لابد للحاج والمعتمر أن يتأهب ويتهيأ قبل السفر إليهما والشروع فيهما، وذلك بأمور عدة، منها:

  1. التوبة الصادقة بشروطها مع كثرة الذكر والاستغفار وسأفرد - إن شاء الله - للتوبة قبل الحج والعمرة موضوعاً مستقلاً لأهميته.
  2. استشعار فضل الحج والعمرة، وما يترتب عليهما من الأجور العظيمة، ليقوى الرجاء والعزم على القيام بهما.
  3. مجاهدة النفس في حفظ القلب عن الخواطر والشواغل مع حفظ الجوارح عن اقتراف الذنوب والمعاصي قبل الحج والعمرة وأثناء القيام بهما. فإن غالب العبادات كالحج والعمرة والصلاة والصيام يكون القلب في بداياتها فرحًا مطمئنا، ولكن مع مرور الوقت يخفت هذا الفرح وتلك الطمأنينة وذلك لما يرد على القلب من شواغل وخواطر ومكدرات قبل أداء تلك العبادات وأثناءها والله المستعان.
  4.  القراءة في الكتب التي تُعنى بأحكام الحج والعمرة، والسؤال عما يُشكل عليه؛ ليكون على استعداد تام ومعرفة كاملة بما سيقوم به من مناسك؛ كي لا ينشغل – أثناء الحج أو العمرة بالسؤال عما سيفعله وعن صحة ما فعله - عن أعمال القلوب في حجه أو عمرته.
وعودًا على ذي بدء فإن من تأهب للحج والعمرة وتهيأ لهما كما ينبغي؛ حري به - بعون الله - أن يستشعر أعمال القلوب لكل شعيرة من شعائر الحج والعمرة، وأن يقوم بها على أكمل وجه، مع ما يناله من لذة العبادة وطمأنينتها.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-