في مواجهة التحديات .. اللاجئون الفلسطينيون في لبنان

في مواجهة التحديات ..

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان 

فتحي الكليب

                      عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

سلسلة «كراسات ملف»

العدد الحادي والسبعون ــ منتصف تموز(يوليو) 2023 

المحتويات

هذا الكراس

تمهيد

1 - قضية اللاجئين في دائرة الاستهداف

2- اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في مواجهة الأزمات

3- العمل الفلسطيني المشترك وتحصين الحالة الفلسطينية

هذا الكراس

يتضمن هذا العدد من سلسلة «كراسات ملف»، دراسة وضعها فتحي الكليب، الباحث المتخصص في قضايا اللاجئين الفلسطينيين، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. تسلط الدراسة  الضوء على واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في ظل التحديات التي يواجهونها على غير صعيد، وهي تتوزع على ثلاثة أقسام:

 • يتناول القسم الأول في فقرته الأولى الإطار العام للاستهدافات التي تعرض لها اللاجئون خلال السنوات الأخيرة، فيما تعرض الفقرة الثانية لحق العودة والاستهداف السياسي لفلسطينيي لبنان، وتحلل أبرز السياسات والمواقف المحلية والدولية، مستجلية أسبابها وانعكاسها على نضال الشعب الفلسطيني دفاعا عن حقوقه الوطنية، خاصة حق العودة ـ وتتضمن الفقرة الثالثة عرضاً لنقاشات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حول التقرير الدوري اللبناني، وعلاقته باللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم الإنسانية.

• ويعرض القسم الثاني من الدراسة لأبرز الأزمات التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وتداعياتها على واقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إن في سياق الأزمة الاقتصادية العامة في لبنان (الفقرة الأولى)، أو الأزمة الخاصة التي تعانيها وكالة الغوث بسبب التضييق على تمويلها وغيرها من الإجراءات (الفقرة الثانية).

القسم الثالث يرسم التحديات المفترض أن تتصدى لها الحالة الفلسطينية في إطار النضال الفلسطيني المشترك. 

 المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات /«ملف»

15/7/2023

تمهيد

يحفل العالم بصراعات متداخلة ذات خلفية محلية وأبعاد إقليمية ودولية، تؤشر بوضوح، لكثافتها وتعدد مستوياتها وتأثيراتها المتبادلة، أن العالم ذاهب نحو إقامة نظام دولي جديد، وإن لم تتحدد معالمه النهائية بعد، لعدم اكتمال الشروط الواجبة. فمن المؤكد أنه سيتمايز عن نظام هيمنة القطب الواحد، الذي تسيَّد شؤون العالم، بهذا القدر أو ذاك ، على امتداد ثلاثة عقود - 1991/2021، اتسمت باحتدام الصراعات وزيادة الحروب وتعاظم ظاهرة الفقر في العالم، حتى باتت المطالبة بعالم أكثر عدالة وتوازنا في العلاقات البينية والدولية تشمل أغلبية شعوب الأرض ودولها.

بالمقابل، يمكن ملاحظة حالة متقدمة في رفض دول وشعوب العالم للسياسة الأميركية التي تتفرد في إدارة شؤون العالم متدثرة برداء العولمة، على قاعدة نيو- إمبريالية من نمط جديد، دفعت العديد من الدول إلى السعي، ثنائياً وثلاثياً وجماعياً، من أجل إقامة نظام أكثر استجابة لقضايا الشعوب ومصالحها، ومن بين أهمها ملتقى «بريكس»،و«منظمة شانغهاي للتعاون»، وغيرها من أطر التعاون وصيغ العمل المشترك، الساعية لكسر هيمنة الغرب الأميركي على الاقتصاد العالمي، وتوسيع دائرة المشاركة فيها لضم دول جديدة، ما ينبئ – مستقبلا - بإمكانية تجاوز المرجعية القطبية الحصرية للولايات المتحدة الأميركية لصالح عالم أكثر توازنا في توزيع مراكز القوى على بسيطته، وفي التعاطي مع القضايا الفعلية المطروحة على نطاق دولي.

على المستوى الاقليمي، سعت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استثمار جهودهما منذ نحو ثلاثة عقود لتوسيع دائرة «التطبيع» مع المتاح من الأنظمة العربية، وتطويرها كإحدى الخيارات المعتمدة للضغط على الوضع الفلسطيني، بعد أن أصبحت الحالة الرسمية العربية أكثر قابلية واستعداداً للاستجابة لتطبيقات المشروع الأميركي - الاسرائيلي في المنطقة، الأمر الذي شجع قادة إسرائيل على تركيز أولوياتهم على ما سمي«السلام مع الدول العربية» في إطار «اتفاقات أبراهام»، وإحدى آلياته الأهم، وإن مازالت قيد الإعداد، إنما تتمثل بـ «منتدى النقب»، مسقطين المسار السياسي مع الجانب الفلسطيني، باعتبار أن عملية «التطبيع»، إذ تحل مكان العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني، لا بل تتقدمها، كي تقطع الطريق عليها، إنما تفضي إلى حل أو تسهيل إجتراح حل «المسألة الفلسطينية» بالمعنى التصفوي للمصطلح.

ويبدو واضحا اليوم، أن هناك أكثر من متغير يؤشر، ولو بشكل نسبي، إلى تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة لصالح تقدم دور ملموس للصين في المنطقة، وعلى مستوى العالم بشكل عام. ويمكن تلمس ذلك من خلال: الاتفاق الإيراني – السعودي، الذي رعته الصين؛ الانفتاح الاقتصادي الصيني على عدد متزايد من دول الخليج والمنطقة؛ تقدم الانفتاح العربي على سوريا، واستعادتها لمقعدها في جامعة الدول العربية؛ اللقاء الوزاري الرباعي في موسكو (روسيا + سوريا + تركيا + إيران) لبحث العلاقات المحتدمة عداءً بين دمشق وأنقرة؛ واستعادة العلاقة بين مصر وإيران، الخ..

هذه التطورات وما تؤسس له من تغيير في معادلات الصراع، من شأنها أن تنعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية، لكن حتى هذه اللحظة يبدو واضحاً أن الحالة الرسمية الفلسطينية، غائبة عن الإفادة من هذه المتغيرات لصالح قضيتنا الوطنية؛ إذ رغم أن التحليلات والمعطيات الحسية تؤكد أن الإدارة الأميركية ليست بوارد لا التراجع عن الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السابقة، إدارة ترامب، ولا ممارسة حد أدنى من الضغط على الاحتلال لوقف عدوانه وتغيير سياساته، فقد ظلت رهانات القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية (وفي امتدادها م.ت.ف) على حالها، غير آبهة بالتحولات التي يشهدها العالم والمنطقة، وغير آبهة أيضاً بكل ما يحصل فوق الأرض الفلسطينية.

لقد تَخَلَّفت القيادة الرسمية أكثر من مرة عن التقاط الفرص التي أتيحت لها لتعيد النظر بخياراتها السياسية التي تأكد فشلها، خاصة في ما يتصل بالرهان على تدخل أميركي بناء(!)، يحيي رميم العملية السياسية، التي – بدورها – لن تقوم لها قائمة بعد أن تخطتها أجندة العدو الإسرائيلي منذ زمن.

لقد كان الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب المعمورة تضرراً من هيمنة نظام القطب الواحد على شؤون العالم، الذي، ومن خلاله، ازدادت السياسة الإسرائيلية توحشاً وعدواناً على الشعب الفلسطيني، واستباحة لحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، سواء على مستوى الدعم الدولي أو «غض النظر»، الذي حظيت به إسرائيل في المؤسسات الأممية، وخاصة مجلس الأمن، أو من خلال التغطية، وأحياناً التواطؤ، على عدوانها في الميدان.

وتكفي الإشارة – في هذا السياق - إلى أنه، ومنذ 2006، شَنَّت إسرائيل على قطاع غزه 7 حروب تدميرية: «الرصاص المصبوب»- 2008، «عامود السحاب»- 2012، «الجرف الصامد»- 2014، «صيحة الفجر»- 2019، «سيف القدس»- 2021، «وحدة الساحات»- 2022، وآخرها «ثأر الأحرار»– 2023؛ إضافة إلى استسهال عمليات القتل (850 شهيداً منذ 2020)، ناهيك عن اعتقال الآلاف من أبناء شعبنا، وجنون الاستيطان، وهدم المنازل، وتهجير أصحابها، وتدمير الاقتصاد الوطني، وفرض مشاريع التهويد في مدينة القدس وغيرها..

كما شهدت الحالة الفلسطينية منذ 2021 مجموعة من الأحداث السياسية والعسكرية التي شكل بعضها مفصلاً هاماً كان يجب الاستفادة منه وتثميره لصالح الكل الوطني؛ وفي هذا السياق نخص بالذكر «معركة القدس»- 13/4.. 21/5/2021 وما أنتجته من إنجازات لا زالت ماثلة بدروسها أمامنا حتى اليوم، وفي امتدادها نشير إلى معركة «وحدة الساحات»- 8/2022 وقرينتها «ثأر الأحرار»- 5/2023؛ كما لا تفوتنا الإشارة إلى الأهمية السياسية لمخرجات الدورة 31 للمجلس المركزي لـ م.ت.ف – 2/22، التي – كسابقاتها من الدورات – لم تجد طريقها إلى التطبيق.

وبالمقابل ثمة وقائع أخرى، تندرج في خانة التطورات السلبية، أبرزها: إلغاء الانتخابات الشاملة- 4/2021 بقرار رئاسي تفردي، رغم الجهود الاستثنائية لتوفير نصابها، بما فيه الحوارات الوطنية في القاهرة 2 و3/2021، ما أبقى سيف الانقسام مسلطاً فوق الرؤوس، لم تفلح جهود الجزائر في المساعدة على رأب الصدع، رغم استضافتها لجولة حوار وطني – 10/2022 لم تكن نتائجها بمستوى الآمال التي علقت عليها.

وإلى كل ما سبق نشير إلى عدد واسع من الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية تقع في مقدمتها الحرب في أوكرانيا، وما يحدث داخل دولة العدو، فضلاً عن عدد من التطورات على المستويين الاقليمي والدولي، سبق التطرق إلى بعضها.

غير أن مجمل هذه التطورات لم تترك أثرها على السياسة الرسمية للقيادة السياسية للسلطة الفلسطينية وفي امتدادها منظمة التحرير، التي ظلت تراوح مكانها بالرهان على إحياء المفاوضات برعاية «اللجنة الرباعية» التي انتهى دورها بعد فترة موات سريري مديد استغرقت معظم سنوات عمرها- 2002/2022، لا بل اتجهت السياسة الرسمية الفلسطينية لمزيد من الانحدار والتراجع، بعد أن باتت فاقدة الإرادة السياسية، والأهم عاجزة عن مواكبة الإنجازات التي يحققها الشعب الفلسطيني.

بنتيجة هذه السياسة نجحت إسرائيل بتهميش التعاطي السياسي المجدي مع القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، تشهد الضفة الفلسطينية، ومدينة القدس بالذات، حركة ناهضة للمقاومة الشعبية، بمختلف أشكالها وتشكيلاتها، والتي ما زالت تفتقد لقيادة وطنية موحدة تؤطر نضالاتها، وتقودها. وبدلا من توفير الحماية للمقاومة الشعبية وتطوير فعالياتها نحو شكل أرقى من النضال بمرجعية وطنية، جنحت السلطة الفلسطينية إلى اعتماد أسوأ الخيارات الممكنة بالاستجابة للضغوط الأميركية التي كانت تدفع نحو حلول أمنية - اقتصادية، تمتص زخم الحركة الشعبية الناهضة، على شاكلة مسار العقبة - شرم الشيخ، سيء الذكر، التي رمى – من ضمن وظائفه - إلى وقف حالة المقاومة، ودفع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للصدام مع شعبها.. 

لم يعد مجديا الاستمرار في السياسة التي تتبعها القيادة الرسمية برهاناتها الفاشلة، وما ترتب عليها من خسائر، دفع شعبنا وقضيتنا – ومازالا يدفعان - ثمناً باهظاً بسببها. إن السلطة مدعوة للخروج من هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه، لصالح الانتقال إلى الرهان على شعبها أولا، ونظرتها الشاملة إلى الحالة الدولية بمتغيراتها ثانياً، التي تحرر مساحات جديدة للحركة السياسية المجدية بقدر ما تتراخى شدة قبضة واشنطن على شئون العالم؛ وإلى الحالة الإقليمية ثالثاً، التي تشهد بالتوازي مع تمدد ظاهرة «التطبيع»، وعلى الضد منها، نهوضاً في قدرات قوى الصمود والمقاومة على مستوى الدول وحركات التحرر.

إن كل هذا يؤكد أنه ليس أمام الحركة الوطنية الفلسطينية سوى خيار المقاومة كخيار استراتيجي، والزج بكل الطاقات التي يملكها الشعب الفلسطيني في أرض المعركة، وصياغة استراتيجية نضالية جديدة حددت مسارها قرارات المجلسين الوطني والمركزي؛ سواء على مستوى إنهاء الانقسام؛ أو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بالانتخابات الشاملة للمؤسسات الفلسطينية. أو بإعادة النظر بالعلاقة مع الاحتلال والاتفاقات الموقعة معه، وبما يسمح بإدامة حالة الصراع معه، حتى دحره من فوق أرضنا المحتلة بعدوان 1967، وقيام دولة فلسطين المستقلة السيدة بعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين.

إن العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً لم يعد مقتصراً على عنوان فلسطيني محدد، بل إن القضية الفلسطينية بجميع عناوينها في مرمى النيران الإسرائيلية - الأميركية، هي باختصار حرب شاملة تحتل قضية اللاجئين وحق العودة ومكاناته المتعددة موقعا متقدما فيها، سواء ما له علاقة بالأبعاد القانونية والسياسية المتمثلة بالقرار 194 وسعي أميركي حثيث لتقديم رواية جديدة للصراع تنسف مضمون هذا القرار، أو بالأبعاد الاقتصادية والخدماتية المتمثلة بوكالة الغوث وما ترمز اليه من كونها – كمؤسسة - تشكل إحدى المكانات القانونية الرئيسية، والمرجعيات المعنية بتوفير خدمات الصحة والتعليم والإغاثة الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني اللاجئ، في الأحوال العادية والمستجدة، أو لجهة استهداف المخيمات وتجريدها من العنصر الشاب والفاعل، مما يساهم في هتكِ نسيجها الاجتماعي. وهذا ما ستحاول هذه الدراسة تسليط الضوء عليه.

رغم الانطباع الخاطئ لدى أوساط لا يستهان باتساعها، تعيش قضية اللاجئين الفلسطينيين حالة من الهدوء، إلا أن المتابع لمجريات هذا الملف يدرك أن الأعوام الأربعة الماضية كانت قاسية وصعبة، وشهدت العديد من التطورات التي أثّر بعضها بشكل جدي على المرتكزات التي تستند اليها قضية اللاجئين وحق العودة، الذي تَعَرَّضَ لاستهدافات شتى كان أحد مداخلها المؤثرة هو الضغوط السياسية والمالية التي سُلِّطت على وكالة الغوث، كونها تشكل واحدة من أهم تلك المرتكزات.

فمنذ بداية عهد الادارة الأميركية الحالية، التي بالرغم من أنها أعادت المساهمة المالية الأميركية لموازنة وكالة الغوث، إنما مشروطة بتوقيعها اتفاقية إطار مع الأونروا تحدد فيها أوجه صرف هذه المساهمة، إلا أنها بالمقابل زادت من عمليات الاستهداف السياسي والمالي للوكالة؛ سواء بتحريض عدد من الدول المانحة على وقف؛ أو تخفيض مساهماتها المالية، أو بمحاولات العبث بحق العودة عبر طرح قوانين داخل الكونغرس الأميركي تعيد تعريف القضية الفلسطينية على أسس جديدة، من مدخل إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني.

ويتضح يوما بعد يوم أننا أمام مشروع سياسي يطال القضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص. وتتعدد أشكال الاستهداف لتطال كل تفصيل يتعلق بوكالة الغوث، باعتبارها إطاراً سياسياً يتمتع بمكانة قانونية منيعة، حاضنة وحامية لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الديار والممتلكات، فضلاً عما تقدمه من خدمات أساسية من ضمن متطلبات توفير «العيش الكريم» لما يزيد من ستة ملايين ونصف مليون لاجئ فلسطيني.

إن من الواضح أن وكالة الغوث تفقد كل عام من رصيدها دعماً دولياً، وهذا يصب في خدمة الاستراتيجية الاسرائيلية الهادفة إلى نزع الشرعية عنها وعن قضية اللاجئين، ليتأكد أن مشاريع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفقا للتصورات الإسرائيلية والأميركية لم تتوقف، وأن الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها كل تجمعات اللاجئين، خاصة في لبنان وسوريا وقطاع غزه تلتقي فيما بينها على هدف واحد، ألا وهو إضعاف قضية اللاجئين الفلسطينيين على طريق إلغاء حق العودة، وتصفية مترتباته.

صحيح أن بعض التحديات ليست بجديدة، لكنها تُستحضر بشكل دائم أمام كل منعطف، لجعل اللاجئين في حالة دفاعية دائمة، يصارعون من أجل إدامة الدعم المالي والإغاثي من قبل دول تساهم في مواقفها الداعمة للاحتلال في إطالة عمر الصراع، والمراهنة على خسائر تدريجية سواء على مستوى وكالة الغوث أو قضية اللاجئين، وجعل العامل الاقتصادي والاجتماعي يتقدم على العامل الوطني.

وعلى هذه الأرضية، يمكننا فهم الأزمات الاقتصادية الشاملة التي تعيشها كل تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، بهدف خلخلة استقرارها الاجتماعي، الأمر الذي ألقى على عاتق الحالة الوطنية مهام تأمين احتياجاتها الاجتماعية والحياتية في سياق النضال الوطني دفاعا عن حق العودة، ومن موقع الانخراط في النضال الوطني العام جنباً إلى جنب مع أبناء شعبنا في الأراضي المحتلة. وهذا ما يجب أن تتنبه له كل المرجعيات الرسمية والسياسية والفصائلية والشعبية الفلسطينية، لجهة تطوير خطابها السياسي ورسم استراتيجيات شاملة على مساحة كل تجمعات اللاجئين لمواجهة هذه التحديات والمخاطر، واعتبار أن ما تتعرض له وكالة الغوث خطر يهدد بشكل مباشر حق العودة وموقعيته ضمن محددات الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

(1)

قضية اللاجئين في دائرة الاستهداف

(1 ـ 1)

في الإطار العام للاستهدافات

مع رحيل إدارة ترامب رحل مشروعها السياسي - «صفقة القرن» - الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية. ومع ذلك فإن جوهر المشروع السياسي المتمثل بضم مناطق واسعة من الضفة الغربية ومعها القدس الشرقية إلى الكيان الإسرائيلي لم يرحل، فبقي مدرجاً على أجندة الإدارة الجديدة برئاسة بايدن، وإن تغطى بكلام فاقد المعنى عن «حل الدولتين». وفي هذا الإطار نلاحظ أن السياسة الأميركية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تشهد تغييرات ذات مغزى في ظل الادارة الديمقراطية، بل إن إدارة بايدن واصلت سياسة الإدارة السابقة، خاصة فيما يتعلق بالاستراتيجيات الخاصة بقضية اللاجئين. واللجوء إلى أساليب الابتزاز المالي والسياسي في تعاطيها مع وكالة الغوث بشكل خاص. (كنموذج عن هذا الابتزاز نشير إلى اتفاق الاطار الذي وقعته الولايات المتحدة مع وكالة الغوث- 7/2021، وفرضت بموجبه شروطا حول كيفية إنفاق المساهمة المالية الأميركية، والفئات التي تتوجه إليها - بما جعل الوكالة أسيرة هذه الاشتراطات، وَحَدَّ من حريتها في رسم برامجها. وقد تم تجديد هذا الاتفاق في منتصف 2023).

رغم الاعتقاد السائد أن قضية اللاجئين موضوعة في الأدراج وتعيش حالة سكون منذ سنوات، إلا أن السياسات والأفعال المباشرة لإسرائيل وللإدارة الأميركية، وبعض الدول الاوروبية، تؤكد أن مساعي إنهاء هذه القضية لم تتوقف يوماً، وهي أخذت أشكالاً مختلفة، سواء بصيغة مشاريع سياسية، أو من خلال استهداف وكالة الغوث بشكل مباشر، بهدف نزع الشرعية عنها، كما عَبَّرَ عن ذلك أكثر من مسؤول أممي. ويمكن تلمس هذه الاستهدافات من خلال ما يلي:

1- سعي حثيث للعبث بالمكانة القانونية للاجئ الفلسطيني وحصرها بأبناء الجيل الأول مقابل حرمان أبناء الأجيال اللاحقة، وهنا يمكن فهم خلفيات الإصرار الأميركي على إعطاء تعريف جديد للاجئ، بحصر مكانة اللاجئين في إطار من هُجِّرَ منهم من فلسطين منذ النكبة- 1948، وإسقاط صفة اللجوء عن الأبناء والأحفاد، بما ينسجم مع الموقف الاسرائيلي بأدق تفاصيله.

ولهذه الغاية، وفي إطار تفعيل قانون كان الكونغرس الأميركي قد أصدره- 2013، تقدم  14 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ بمشروع قانون – 2023، يعيد تعريف بعض عناوين القضية الفلسطينية، ومن بينها إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني بحصره بمن ولد في فلسطين، ما يعني نزع هذا التعريف – وبالتالي المكانة القانونية - عن ملايين اللاجئين، وبما يقود إلى وقف المساهمة المالية الأميركية في موازنة وكالة الغوث تمهيدا لإلغائها، ونقل خدماتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وحتى لو لم تقر هذه المشاريع، أو إذا أقرت وجمدت، فسوف تبقى سلاحاً للابتزاز بيد الإدارة الأميركية تلجأ إليه عند الضرورة للضغط على الأونروا، وعلى الشعب الفلسطيني، لتحقيق مكاسب سياسية، متوافقة مع المواقف الاسرائيلية.

2- تسريب إعلامي عن سعي بعض الدول الأوروبية بالتعاون مع دوائر في الأمم المتحدة لتعديل ولاية وكالة الغوث، ودمجها في إطار المفوضية العليا (السامية) لشؤون اللاجئين- UNHCR. ورغم أن وكالة الغوث نفت هذه التقارير، واعتبرت أن تعديل الولاية يقع ضمن صلاحيات الجمعية العامة وحدها، فإن التخوف والقلق يصبح مشروعاً عندما يجري الحديث عن ربط هذا التسريب بوثيقة صدرت عن المفوضية- 2017، تؤكد فيها أنها جاهزة لشمول اللاجئين الفلسطينيين بحمايتها، إذا ما تم حل وكالة الغوث «الأونروا»، حيث تشرح الوثيقة القواعد الأساسية لكيفية استفادة أي لاجئ من حماية المفوضية استنادا إلى التعريف الذي تقدمه، وتركز على كيفية استفادة اللاجئين الفلسطينيين من هذه الحماية، إذا توقفت الأونروا عن عملها، أو كانت عاجزة عن تقديم الخدمات.

3- تزامن هذه التسريبات مع مواقف للمفوض العام لوكالة الغوث، بدت كأنها دعوة لمنظمات الأمم المتحدة لتقدم الخدمات إلى اللاجئين نيابة عن الأونروا، الأمر الذي استجر مواقف سياسية وتحركات شعبية في كل تجمعات اللاجئين، رافضة لهذه المواقف، ودفع بالمفوض العام خلال اجتماع اللجنة الاستشارية في بيروت– 6/2022 لإعلان التزام الأونروا بنص القرار 302- 8/12/1949، وببنده الرقم 18 بالتحديد، الذي يرسم بدقة حدود الدور الذي يمكن أن تضطلع به منظمات الأمم المتحدة الأخرى، ونوعية الخدمات التي يمكن أن تسديها، حيث ينص البند المذكور على مايلي: «تحث صندوق الطوارئ لرعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (اليونيسيف) ومنظمة اللاجئين الدولية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية والوكالات الأخرى المختصة، والهيئات والجماعات الخاصة بالتشاور مع مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) على مد يد المساعدة ضمن إطار البرنامج».

بالمقابل يمكن أن نتلمس تطورات إيجابية حدثت خلال السنوات القليلة الماضية، ويمكن البناء عليها في معركة الدفاع عن قضية اللاجئين وحق العودة، منها على سبيل المثال:

1- تجديد التصويت السنوي في اللجنة الرابعة -«لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار»- للدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي وافقت بدورها على مجموعة قرارات تدعم قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن ضمنها قرار بتجديد التفويض لوكالة الغوث ثلاث سنوات جديدة، بغض النظر عن نسب التصويت وانخفاضها بين 2019 و2022 من 170 إلى 157 دولة، نتيجة الضغوط الأميركية على عدد من الدول + قرار آخر يدعو إلى النظر في زيادة مخصصات الأونروا في الميزانية العادية للأمم المتحدة بشكل تدريجي + قرار ثالث بشأن ممتلكات اللاجئين ينص على حماية الممتلكات التي تركها اللاجئون الفلسطينيون بعد العام 1948.. وجميعها قرارات ذات أهمية كبيرة، وشكلت دعماً سياسياً هاماً لقضية اللاجئين ولوكالة الغوث.

2- عقد مجموعة من مؤتمرات الدول المانحة (بروكسل– 11/2021، نيويورك- 6/2022، نيويورك– 9/2022) أكدت على الدعم السياسي للوكالة. وقد حقق مؤتمر بروكسل خرقاً هاماً، ليس بحجم التعهدات، بل بإعلان عدة دول عن مساهمات مالية لسنتين وأكثر، ما يشكل نقطة البداية في رحلة التمويل المستدام.

3- تصويت 90 دولة على قرار للجمعية العامة- 1/1/2022 بإحياء ذكرى النكبة بشكل سنوي في القاعة الرئيسية للجمعية، ما يشكل اعترافا من قبل الأمم المتحدة بالنكبة ونتائجها، ويساهم بدعم الرواية التاريخية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية المدعاة، وهو إنجاز جاء بنتيجة الصمود الفلسطيني التاريخي، غير أن هذا الإنجاز يبقى معرضاً للضياع، ما لم يتم تحصينه بسياسة فلسطينية رسمية تتصادم مع المشروع الصهيوني، وبما يوفر مقومات تكريس وتعزيز روايتنا الوطنية باعتبارها الرواية الحقيقية التي تقوى وتتعزز بوحدة الشعب، ومقاومته.

(1 ـ 2)

حق العودة والاستهداف السياسي

للاجئين الفلسطينيين في لبنان

في لبنان، لم تتوقف عمليات استهداف اللاجئين الفلسطينيين من قبل قوى وتيارات وأفراد، صدر عنها خلال السنوات القليلة الماضية مجموعة من المواقف التحريضية التي لم يكن لها ما يبررها، بل أن بعضها اتخذ منحى تمييزياً وعنصرياً في بعض الأحيان، لدرجة اضطرار لبنان للتعهد أمام «مجلس حقوق الانسان» وأمام «لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة»، ومن ضمن هذا التعهد تم تناول وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك في إطار الاجابة على أسئلة قدمها مندوبو بعض الدول حول «شبهات بممارسات عنصرية».

لقد باتت حملات التحريض ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تُستحضر أمام كل محطة لها علاقة بتصحيح الواقع القانوني للاجئين، وبات الاستسهال في شن حملات تحريضية أمراً روتينياً، بحيث أضحى كل مطلب محق للفلسطينيين في لبنان، يفسر من قبل البعض بأنه جزء من مخطط توطيني، بما يقود عمليا إلى إبقاء أوضاع الفلسطينيين الانسانية والاجتماعية الصعبة على حالها.

إن شعار مواجهة التوطين ما زال يشكل الركن الأساسي في كافة الحملات التحريضية ضد الوجود الفلسطيني في لبنان، رغم التوافق الفلسطيني - اللبناني على رفض هذا المشروع، وعدم بروز معطيات جديدة تؤشر إلى مشروع توطيني في لبنان، كما ليس هناك تأكيدات ملموسة بأن الإدارة الأميركية تراهن على جعل لبنان بلداً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، إدراكاً منها لحجم الصعوبات المحلية، لبنانياً وفلسطينياً، ونظراً لمعرفتها، إن لم يكن ضلوعها، بدرجة أو بأخرى، بتشجيع عملية الهجرة في إطار مخطط التهجير في الوسط الفلسطيني، والتي ستؤدي، في حال استمرارها، إلى إزاحة ما يعتبره البعض «مشكلة» الوجود الفلسطيني في لبنان من على الطاولة، وهذا أمر من شأنه أن يفيد أكثر من جهة في آن.

من جهة أخرى، وانطلاقاً من واقع الحالة الفلسطينية في لبنان، النازعة بشكل خاص منذ مطلع ثمانينيات ق 20، لالتماس سُبُل الحياة الآمنة والعيش الكريم في بلدان الاغتراب، فإن بعض القوى اللبنانية، بمناسبة ودون مناسبة، تُكثر الكلام عن مخاطر التوطين وتعلن رفضها القاطع له، ضمن رهان مُضمر وغير معلن على استمرار، وإن أمكن تعاظم، موجة النزوح الفلسطيني من لبنان.

وعليه، فإن تلاقي الخطابين الفلسطيني واللبناني على إبراز التمسك بحق العودة الذي يكفله القرار 194، والنضال في سبيله، لا يعكس نفس الخلفية لدى جميع القوى اللبنانية، حيث يتشارك بعضها مع الحركة الفلسطينية في التمسك بحق العودة، بينما خلفية قوى لبنانية أخرى، تحكمها أولوية التخفف من «عبء» أعلى نسبة ممكنة من الكتلة السكانية الفلسطينية، لما تمثله، من وجهة نظرها، من مخاطر على التركيبة الداخلية اللبنانية، راهناً ومستقبلاً، هذا فضلاً عن كون الوجود الفلسطيني اللاجئ في لبنان، يساهم بتأكيد صلة الوضع اللبناني بملف الصراع مع إسرائيل، الأمر الذي تسعى هذه القوى الانفكاك عنه، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

إن وجهة نظر الحركة الوطنية الفلسطينية تقوم على التالي، وهذا ما يجب مواصلة النضال من أجل تكريسه: إن رفض التوطين يجب أن يقترن أولا بالتأكيد على حق العودة وفقا للقرار 194، وفي الوقت نفسه رفض أي حل توطيني في لبنان، وأي حديث عن رفض التوطين خارج إطار حق العودة، ينطوي على مدلولات سلبية، ولا يقدم حلولا  للتعقيدات الموجودة في ملف العلاقات الفلسطينية - اللبنانية، لا بل – عند مدّه على استقامته - يتلاقى، بشكل أو بآخر، مع استراتيجية تصفية قضية اللاجئين.

(1 ـ 3)

اللاجئون الفلسطينيون أمام مجلس حقوق الانسان

منذ العام 2009، تاريخ آخر بيان وزاري لبناني أشار إلى الحقوق الانسانية للاجئين: «سوف تواصل الحكومة العمل على صعيد توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية .. والسير قدما في إعادة إعمار مخيم نهر البارد..»، وصولا إلى الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان التي انفجرت 2019، وما زالت متواصلة إلى يومنا، لم يلاحظ أن ملف الوجود الفلسطيني في لبنان حظي باهتمام الحكومات اللبنانية المتعاقبة، التي حصرت تعاطيها مع الحالة الفلسطينية في الجانب الامني ودعوة المجتمع الدولي لحل المشكلة المالية للأونروا وتحمل مسؤولياته في تحسين أوضاع اللاجئين إضافة إلى رفض التوطين ودعم حق العودة.

خارج هذه النصوص العامة التي تضمنتها البيانات الوزارية حتى 2009، لم تبادر لا الحكومة ولا الكتل النيابية إلى طرح الملف الفلسطيني كمسألة سياسية وقانونية تحتاج إلى معالجة، ولا يغير من هذا الاستنتاج شيئاً، تلك التعديلات القانونية التي أقرها البرلمان اللبناني- 2010، من خلال «القانون الرقم 128 بتعديل المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي»، لجهة النص على استفادة الأجير (العامل) الفلسطيني من «تقديمات نهاية الخدمة بالشروط التي يستفيد منها العامل اللبناني، ما عدا «تقديمات صندوق ضمان المرض والأمومة والتقديمات الإجتماعية»؛ و«القانون الرقم 129 بتعديل المادة 59 من قانون العمل اللبناني الصادر في 23/9/1946»، الذي ينطبق على «الأجراء الأجانب عند صرفهم من الخدمة بالحقوق التي يتمتع بها العمال اللبنانيون» المعلق على شرط «المعاملة بالمثل»، والذي لا ينطبق – بطبيعة الحال – على العامل (الأجير) الفلسطيني كونه مازال يفتقد إلى دولة مستقلة، حيث ينص القانون الرقم 129 على استثناء «الأجراء الفلسطينيون اللاجئين.. من شروط المعاملة بالمثل..». غير أن هذين القانونين لم يجدا طريقهما إلى التطبيق عملياً، كما سوف يتم التوضيح لاحقاً.

إن كل ما يمكن تلمسه من اهتمام بملف اللاجئين، يقتصر على الحضور في اجتماعات وورش عمل لبنانية - فلسطينية تعقد برعاية وتنظيم «لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني»، التي تعتبر هيئة رسمية استشارية أنجزت بعض الملفات الهامة، لكنها لم تتمكن من تطبيق استراتيجياتها المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين لجهة تحسين أوضاعهم المعيشية بسبب اصطدامها بمواقف بعض كتل نيابية ومؤسسات حزبية وطائفية.

 وقد ضمت هذه الاجتماعات «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» + «مجموعة العمل اللبنانية» التي تشكلت من ممثلين عن وزارات: الخارجية + الدفاع + الداخلية والبلديات + الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى ممثل للمحكمة العسكرية وآخر للأمن العام، إضافة إلى اجتماعات مع مسؤولين من الاونروا لمناقشة قضايا معينة.

والجدير بالذكر أن «لجنة الحوار» طرحت- 2023 امام وفد من «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» فكرة مشروع قانون يقدم إلى مجلس النواب تحت باب «الوضع القانوني للمخيمات»، الأمر الذي ينطوي على احتمال المساس بالمكانة القانونية المكرسة لـ «المخيم»، باعتبارها – إلى جانب مكانتي «اللاجئ» و«القرار 194»، إنما تشكل إحدى الأعمدة الرئيسية التي تقوم عليها مطالعة القانون الدولي لـ «حق العودة»، كونه جزء لا يتجزأ من ضمن باقة الحقوق غير القابلة للتصرف للاجئين الفلسطينيين الذي هجروا من أراضيهم وممتلكاتهم منذ عام 1948.

كما كانت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين حاضرة أيضاً خلال:

أ) مناقشة «مجلس حقوق الانسان» التابع للأمم المتحدة- 13/1/2021 لتقرير الفريق اللبناني المكلف بعرض أوضاع حقوق الانسان في لبنان، للمرة الثالثة منذ شهر 11/2010. وقد ضم هذا الفريق مندوبين عن: رئاسة الحكومة، وزارة الخارجية والمغتربين، ووزارات: العدل، الدفاع الوطني، الاقتصاد والتجارة، الصحة العامة، العمل، الشؤون الاجتماعية، التربية والتعليم العالي، الداخلية والبلديات ومديرياتها، المديرية العامة لأمن الدولة، الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، «لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني»، وبعثة لبنان الدائمة لدى المنظمات الدولية في جنيڤ.

ب) في تقارير مؤسسات المجتمع المدني وملاحظات الدول الأعضاء في المجلس الذين قدموا إسهامات حول موضوع اللاجئين الفلسطينيين في إطار الاستعراض الدوري الشامل الذي يجرية المجلس بشكل دوري مرة كل 4 أو 5 سنوات؛ ففي الاستعراض الدوري الشامل لعام 2015، صدر عن المجلس 219 توصية حول قضايا مختلفة تتعلق بحقوق الانسان، قبل منها لبنان 128 توصية، وأخذ علماً بـ 89 توصية، وقبل بتوصيتين بشكل جزئي.

ورغم أن لبنان لم يرفض ولم يوافق على عدد من التوصيات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، ومن بينها قضيتي حق التملك وحق العمل، وقدم وعوداً بتحسين واقعهم، إلا أن التطبيقات على الأرض تؤكد أن هذا الواقع لم يتغير، بل إن بعض القوانين التي أقرت- 2010 بشأن حق العمل والضمان الاجتماعي، لم يتم وضع مراسيمهما التنفيذية حتى الآن، بذريعة الأسباب السياسية. بينما على مستوى النقاشات أمام المجلس، كان القاسم المشترك في كافة مداخلات مندوبي لبنان في سنوات 2010، 2015 و2021 هو التهرب من المسؤولية واعتبار تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من مسؤولية المجتمع الدولي حصراً، أو بإغراق النقاش بقضايا عامة تجانب الحقيقة أحياناً، كالقول «إن لبنان يكفل حق العمل للفلسطينيين المقيمين في البلد»، رغم معرفة الجميع بأن ما حصل 2010 على يد القانونين 128 و129، كان خطوة مجزوءة لم ترتق إلى مستوى إقرار حق العمل بحرية، نتيجة الإبقاء على الحالة التمييزية باشتراط حصول العامل الفلسطيني على إجازة العمل، وعدم إصدار المراسيم التطبيقية المطلوبة.

عندما تحدث الفريق اللبناني عن الأزمات الاقتصادية والمالية والإنسانية بعد انفجار مرفأ بيروت – 8/2020، فقد أشار إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين والأعباء التي تتكلفها الدولة، في إيحاء أن الدولة غير قادرة على تحمل أعباء اللاجئين (استعراض عام 2021). وهذا كلام يتكرر على ألسنة الكثير من الساسة اللبنانيين، رغم علم أصحابه أنه لا يمت للحقيقة بصلة.

فرغم حدة الأزمة اللبنانية وتسارع تداعياتها، ما زالت مسألة إقرار الحقوق الانسانية موضع إجماع فلسطيني، ليس لأن الفلسطيني يريد أن يتقاسم مع اللبناني «امتيازات المواطنة»، فما يريده اللاجئ الفلسطيني ليس مطالبة الحكومة بتأمين فرص العمل للعمال، ولا توفير المنازل للشباب، ولا فتح أبواب المؤسسات الرسمية لتوظيف الخريجين، ولا أيضا شمول الفلسطيني بعديد الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها المواطن اللبناني.. بل إن ما يريده – فحسب - هو حماية قانونية في حياته اليومية: في عمله ومسكنه وتمتعه بجوانب الحياة العادية.

إذا كانت مسؤولية وكالة الغوث تتحدد بتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية في إطار التفويض الممنوح لها من قبل الجمعية العامة، فمن الطبيعي أن هناك أمورا تخرج عن نطاق صلاحيات الوكالة، وهي من مسؤولية الدولة المضيفة، المعنية باحترام الحد الأدنى من حقوق اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية كحق العمل والتملك وغيرها من حقوق إنسانية ترعاها القوانين الداخلية، وهذه قضية لا نعتقد أن أحداً يمكن أن يجادل فيها، لكن ما ينقصها هو الترجمة الفعلية عبر تشريعات قانونية تراعي أوضاع لبنان، كبلد، وخصوصية الفلسطينيين، كلاجئين يحملون على كاهلهم قضيتهم الوطنية.

إن المؤكد من خلال الاستعراض الدوري في مجلس حقوق الانسان في جولاته الثلاث- 2010، 2015 و2021، أن ما قدمه مندوبو لبنان من مرافعات لا تعكس الواقع الفعلي للاجئين، وهي عبارة عن شعارات عامة لما يجب أن تكون عليه أوضاع اللاجئين الفلسطينيين التي تتجه نحو مسار انحداري، وأن ما قامت به الدولة اللبنانية ليس سوى حوارات مشتركة نظمتها «لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني»، بمسعى تحسين أوضاع اللاجئين، غير أن ترجمة الطموحات والوعود بقيت معلقة في الهواء، ومازالت تتطلب جهودا كبيرة لإقرارها بقوانين وتشريعات تضمن الاعتراف بالشخصية القانونية للاجئ الفلسطيني، عبر امتلاك لبنان لتعريف واضح للاجئ الفلسطيني يضمـن له حقوقه الانســانية، وفقا للتوصيات المقدمة إلى المجلس، من مؤسسات المجتمع المدني العاملة في الوسط الفلسطيني.

وفي ظل الحديث عن إصلاحات مطلوبة قد تعتمدها الحكومة اللبنانية في المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية، فإن الأمل معقود على أن تكون قضايا اللاجئين ضمن العناوين التي ستشملها الخطط الإصلاحية، سواء ما يتعلق منها بضرورة تعديل بعض القوانين التي أكدت التجارب السابقة أنها قاصرة عن الإلمام بكل قضاياهم، أو سن ما يجب إقراره من قوانين تفرضها المصلحة المشتركة.

(2)

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. في مواجهة الأزمات

مدخلنا لمراجعة الأزمات التي تواجه شعبنا الفلسطيني في لبنان هو جائحة الكوڤيد-19 لأهمية ما ترتب عليها من نتائج اقتصادية، إنعكست بحدة على الحالة المعيشية، ولا يلغي واقع انتهاء الجائحة تأثيرها السلبي الممتد، بفعل ما خَلَّفته من مفاعيل. وفي هذا الإطار نشير إلى ما يلي:

في مواجهة جائحة كورونا، لجأت دول العالم إلى خيار الإغلاق الذي ترافق مع استراتيجيات دعم اقتصادي تفاوتت تطبيقاتها بين دولة وأخرى. هذا ما فعلته الحكومة اللبنانية بتوفير حزمة مساعدات لمواطنيها، وهذا ما أقرته أيضا «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» في تعاطيها مع النازحين السوريين.

ومن الطبيعي أن تنعكس إجراءات الاغلاق على العمال الفلسطينيين وعائلاتهم التي يعمل الجزء الأكبر منهم بشكل يومي، ما وضع آلاف العمال أمام مشكلة حقيقية.

وحدهم اللاجئون الفلسطينيون ظلوا بعيدين عن كل أشكال الدعم الاقتصادي والإغاثي، وباستثناء ما قدمته بعض المؤسسات من عناوين دعم هنا وهناك، لا يمكن القول إن هناك جهة رسمية أخذت على عاتقها مهمة توفير دعم إغاثي للاجئين.

أما وكالة الغوث فقد اقتصرت المساعدات التي قدمتها على تقديم مساعدات نقدية لمرة واحدة- 2020 بلغت 112 الف ل.ل للفرد، في إطار مشروع لاقى نقداً واسعاً من اللاجئين نتيجة الفوضى والهدر والفساد الذي شابه، إضافة لتقديم مساعدات نقدية لفئات معينة من اللاجئين خاصة الأطفال، بعض المرضى وكبار السن، وإطلاق ثلاثة نداءات خاصة بمواجهة الجائحة في مناطق عملياتها الخمس، لم تتلقَ منها إلا القليل.

إن ما جعل الصورة العامة للاجئين الفلسطينيين في لبنان مأسوية، هو أن المرجعيات المعنية بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين، لم تتعاطَ معهم كونهم عُرضة لمشكلات أشبه بـ «نكبة اقتصادية واجتماعية». لذلك يصبح واضحا لماذا يطالب اللاجئون، الآن، بدعم اقتصادي، كما يصبح مفهوما أيضا حاجة اللاجئين لخطط طوارئ شاملة، لا يوجد من هو مؤهل أكثر من وكالة الغوث لتولي هذه المسؤولية، وهي التي درجت في مناسبات عدة على اعتماد هذا النوع من الدعم، نظرا للأوضاع المتغيرة للاجئين وعدم ثباتها على واقع معين، بفعل تشعب الصراع وتعقيداته.

مع إدراكنا لما نتج عن الجائحة من نتائج سلبية، فإنها لا ترقى – بطبيعة الحال إلى مستوى الأزمات الأخرى ذات الطابع البنيوي التي فتكت بالأوضاع الفلسطينية في البلد، اقتصادياً ومعيشياً، أولها، الأزمة الاقتصادية في البلد التي تشمل مواطني البلد واللاجئين الفلسطينيين سواء بسواء، وثانيها، هو الأزمة الصعبة التي تجتازها وكالة الغوث، بما ترتب عليها من نتائج انعكست على أوضاع المجتمع الفلسطيني بالتخصيص.

 (2 ـ 1)

الأزمة الاقتصادية اللبنانية وتداعياتها

منذ 2019 ولبنان يعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية، ازدادت تفاقما بفعل الأزمة السياسية التي ما زالت تتفاعل بشكل سلبي على مختلف المستويات. وطالت الأزمة بتداعياتها جميع المواطنين والمقيمين، غير أنها كانت صعبة جدا على اللاجئين الفلسطينيين، الذين يُعتبرون من أكثر الفئات الاجتماعية تأثرا بها، نظرا لقلة الخيارات أمامهم، وتزامنها مع ضغوط سياسية واقتصادية دولية تشن عليهم.

وإن كانت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في جميع التجمعات متشابهة، لجهة الإحساس الجماعي بانعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي، فإن اللاجئين في لبنان يقفون أمام واقع أكثر صعوبة لجهة طبيعة الأزمة في لبنان، والتي صُنفت من قبل البنك الدولي بأنها واحدة من أسوأ ثلاث أزمات شهدها العالم منذ ق 19، وهي أزمة تترافق مع أزمات مماثلة تعيشها المرجعيات الأخرى المعنية بأوضاع اللاجئين وكالة الغوث + مؤسسات م.ت.ف + المؤسسات الاجتماعية العاملة في الوسط الفلسطيني.

قد لا نختلف كثيرا مع القائلين بأن الأزمة تطال جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية، وإن الحكومة معنية أولا بدعم مواطنيها، وبتوفير المقومات الحياتية لهم، غير أن هذا لا ينفي وجود قضايا إنسانية يجب على الدولة اللبنانية الاستجابة لها انطلاقاً من مسؤولياتها الإنسانية والاخلاقية وحتى القانونية، آخذين بالاعتبار، وكمثال يلقي الضوء على صعوبة الظرف المعيشي في البلد، أن معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية ارتقع بشكل كبير، وتصدّر لبنان لائحة الدول الأكثر تضخماً من حيث مواد الغذاء عالمياً، إذ بلغت النسبة 352 %، متقدما على فنزويلا والأرجنتين بحدود 200 نقطة، انطلاقاً مما أعلنه برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة - 6/2023.

وطالما أن اللاجئ أو المقيم مطالب بالالتزام بالقانون وأحكام النظام العام، فإن واجب الدولة ومؤسساتها المختلفة التعاطي مع المتواجدين على أرضها على قاعدة الحقوق والواجبات بدون أي تمييز، ومن أجل الحفاظ على الأمن الاجتماعي باعتباره  حزمة متكاملة لا يمكن فصل أحد عناصرها عن بقية عناصر المنظومة، السياسية والأمنية، وأيضا القانونية والاقتصادية والاجتماعية.

ولسنا بحاجة للتذكير أن الحرب اللبنانية، وإن كانت ذات أسباب متعددة محلية وخارجية، إلا أن الجانب الاقتصادي والاجتماعي شكل جزءا رئيسيا منها. وعلى هذه القاعدة تشكل إجماع لبناني على أن رفع الدعم الحكومي مثلا لا يمكن أن يعطي مفاعيله الايجابية دون طرح بدائل إغاثية، وإلا، فإن الانفجار الاجتماعي قادم في وجه الجميع. وإذا كانت الأسباب الموجبة لهذا الانفجار في الوسط اللبناني موجودة، فهي حاضرة بقوة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، نظرا لخصوصية الحالة الفلسطينية، وإمكانية دخول أطراف أخرى- لأغراض توظيفية - على خط تغذية أية حالات احتجاجية، حتى لو كانت منطلقاتها مشروعة ومبررة.

نقول هذا الكلام وأمام أعيننا أوضاعاً اقتصادية صعبة يعيشها اللاجئون الفلسطينيون نتيجة عوامل وأسباب عدة، نطرحها من باب المسؤولية الوطنية التي تضغط على الجميع وتتطلب تعاوناً وتنسيقاً لبنانياً وفلسطينياً ودولياً، لمعالجة صحيحة للمشكلة، وعدم الهروب من حقيقة أن هناك استهدافاً سياسياً واقتصادياً واضحا للاجئين الفلسطينيين وقضيتهم، ونجاح هذا الاستهداف سيضرب مصالح الطرفين؛ الفلسطيني واللبناني. لذلك، لا نبالغ في القول إن الحرب التي تشن على اللاجئ الفلسطيني تتوزع أطرافها على قوى محلية تتقاطع مصالحها السياسية والاقتصادية مع مصالح قوى خارجية:

أ) فهناك جهات محلية وأجنبية تعمل على تشجيع اللاجئين الفلسطينيين على الهجرة، فتوفر لهم التسهيلات اللوجستية للاعتصامات أمام سفارات غربية تقع في مناطق ذات حساسية طائفية معينة، وتكلف محامين يعملون على استخدام وجع اللاجئين وتحريضهم على تبني فكرة ما يسمى «اللجوء الانساني» على خلفية تشجيع النزوع لمقايضة الأمن والأمان الاقتصادي مقابل التنازل عن حقوقه الوطنية، خاصة حق العودة. واللجوء في هذه الحالة هو تهجير جماعي يُرغم عليه اللاجئ الفلسطيني نتيجة ضغوط سياسية واقتصادية من أطراف سياسية ومن كيانات لها مصلحة فعلية في تهجير الشعب الفلسطيني.

وفي هذا الإطار، يشير مدير مكتب «لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني» عبد الناصر الأيي، لصحيفة «الشرق الأوسط»- 3/1/2022، إلى أن «موجة هجرة الفلسطينيين من لبنان في ارتفاع مستمر منذ 2005، لكن الأرقام تضاعفت في السنتين الأخيرتين - 2020/2021؛ سواء عبر الهجرة الشرعية وغير الشرعية، شأنهم شأن اللبنانيين».

ب) الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في أوقات سابقة، حتى لو كان بعضها متوقفاً، كالبطاقة التموينية، إلا أنها تعاطت مع اللاجئين الفلسطينيين بشكل تمييزي، حتى أن عدداً واسعاً من البلديات، ورغم أن بعض المخيمات يقع في محيطها، استثنت الفلسطينيين من تقديماتها الإغاثية والاقتصادية، حتى باتت عبارات «للبنانيين فقط» شائعة في معظم المخيمات. لقد أقر مجلس الوزراء اللبناني خلال شهري 3 و4/2020، تخصيص دعم للأسر اللبنانية الفقيرة، مستثنيا بذلك اللاجئين الفلسطينيين، كما تم استثناؤهم أيضا من البطاقة التمويلية التي استبدلت الدعم المباشر للسلع بدعم نقدي للأسر اللبنانية.

ج) العديد من الدول المانحة تعمل منذ أعوام على تسييس مساعداتها، وهي تركز دعمها «الإنساني» باتجاه مؤسسات المجتمع المدني العاملة في الوسط اللبناني، وتتجاهل حقيقة أن الازمة تنعكس على جميع المقيمين، وأن المجتمع الفلسطيني يحتاج، كما اللبناني، إلى الدعم المعيشي والحياتي، لأن ما يقدم من قبل المؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني، لا يكاد يساوي شيئا قياساً بالاحتياجات القائمة.

رغم كل هذا، فهناك أطراف وقوى لبنانية نافذة ومؤثرة في القرار اللبناني، تصر على التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين بشكل استخدامي، يفتقد إلى الحد الأدنى من الحس الانساني، وتقدم اعتبارات المصالح السياسية والطائفية على الاعتبارات القانونية والإنسانية، بل تسعى لتطويع المؤسسات الرسمية لصالحها، والنماذج على ذلك تكاد لا تحصى. ويمكن الاستشهاد بثلاثة نماذج حدثت على مستوى نفس الوزارة هي وزارة العمل، لنتيقن أن هناك من يتعمد استهداف الفلسطينيين في إجراءاته، حيث برز الاختلاف واضحاً بين عدد من الوزراء، سواء في نظرتهم إلى الوجود الفلسطيني، أو في طريقة تطبيق القوانين المتعلقة بهذه الوزارة:

النموذج الاول، حين أصدر وزير العمل الأسبق شربل نحاس- 2012 مراسيم تنفيذية للتعديلين القانونيين- 128 و129 - اللذين أقرهما البرلمان اللبناني بشأن منح العمال الفلسطينيين حقوقاً محدودة جداً، قام الوزير الذي خلفه، سليم جريصاتي، بإلغاء هذه المراسيم. واللافت في هذا أن الكتل النيابية التي صوتت إلى جانب القانونين لم تكلف نفسها عناء الاستفسار عن سبب هذا الإجراء من قبل وزير رفض تطبيق قانون صادر عن مجلس النواب، بل لم تعمل على الطعن فيه أمام الهيئات القضائية المعنية(!).

النموذج الثاني، عندما تسلم الوزير كميل أبو سليمان، المقرب من حزب القوات اللبنانية، وزارة العمل- 2019، كان أول إجراء على طاولته هو طرح خطة طالت العمالة الفلسطينية؛ وقضت بإيقاف العديد منهم عن العمل. وفيما رأى الوزير بهذه الاجراءات «تطبيقا للقانون»، رأى وزراء عمل سابقون أنها غير قانونية، وتتناقض مع نصوص التعديلات القانونية. ورغم أن مجلس الوزراء شكل لجنة لدراسة هذا الأمر بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها المخيمات، إلا أن هذه اللجنة لم تجتمع ولو لمرة واحدة، نتيجة انقلاب المشهد، بعد التحركات الشعبية اللبنانية التي أدت في وقت لاحق إلى استقالة الحكومة.

النموذج الثالث، عندما أصدر وزير العمل مصطفى بيرم قراراً إدارياً - 2021 سمح بموجبه، واستناداً إلى الصلاحية التي يمنحها له القانون، حقوقا محدودة للعمال الفلسطينيين، في إجراء إداري لم يرتب أي أثر قانوني، وأبقى على الشروط التي يفرضها قانون العمل، إلا أن البعض حمّل هذه الخطوة المحدودة، شكلا ومضمونا، أبعاداً سياسية وقانونية بشكل مبالغ فيه لدرجة الجنون. تلا ذلك تقديم «الرابطة المارونية» طعناً أمام «مجلس شورى الدولة»، الذي أصدر قراراً قضى بوقف مفعول قرار وزير العمل.

لقد أكدت تجربة السنوات الماضية، أن الحالة الفلسطينية في لبنان مارست سياسة وطنية مسؤولة، وصمدت في وجه كل الضغوط التي حاولت زجها في الصراع اللبناني، من قبل أطراف عدة، وفي بعض الأحيان دفع الفلسطيني أثماناً باهظة للحفاظ على موقفه، غير أن القوى السياسية المحلية، ورغم أن عدداً واسعا منها يقدرون للفلسطيني في مجالسهم الداخلية سياسة النأي بالنفس عن القضايا الداخلية اللبنانية، إلا أن هذا التقدير لم يترجم بسياسات عملية تعزز هذا الموقف، وما زالت الخارطة السياسية والطائفية للقوى الحزبية في لبنان على حالها في نظرتها إلى الحقوق الانسانية. ويمكن اليوم تقسيم المجموعات اللبنانية في تعاطيها مع الموضوع الفلسطيني إلى أربع مجموعات:

المجموعة الاولى؛ هي التي تنطلق في تعاطيها مع الوجود الفلسطيني في لبنان من منطلق طائفي، وهي موجودة في مؤسسات السلطة البرلمانية والتنفيذية وعلى مستوى المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية وفي أجهزة الإعلام والنقابات. وعادة تتخذ موقف العداء الدائم من كل قضية إنسانية محقة خاصة باللاجئين الفلسطينيين. وهذه الفئة، وعلى الرغم من خلافاتها الكبيرة التي تصل إلى درجة التناقض بحكم خياراتها السياسية، تكاد لا تتفق على قضية واحدة إلا قضية العداء للفلسطيني وحقوقه الإنسانية.

المجموعة الثانية؛ موجودة أيضا في مؤسسات السلطة وأجهزتها المختلفة، وتتعاطف مع القضايا الإنسانية للاجئين، لكنها لا تتخذ من الإجراءات المباشرة التي تترجم هذا التعاطف إلى واقع تشريعي وقانوني يراعي الواقع الخاص للاجئين الفلسطينيين، وهي تعطي الأولوية للتحالف مع بعض مكونات المجموعة الأولى، حتى وإن كانت تقر أنها تبالغ في موقفها من فلسطينيي لبنان، فهي بشكل عام ليست مستعدة لفتح معركة سياسية من أجل إقرار ما يتيسر من حقوق الفلسطينيين، والدليل على ذلك أنه عندما أُقر قانون منع اللاجئين الفلسطينيين من التملك في لبنان، كان التصويت بإجماع الحضور، سواء المعادين للحقوق الإنسانية للاجئين أو المتعاطفين معها.

المجموعة الثالثة؛ موجودة في البرلمان اللبناني، لكنها بعيدة عن مؤسسات الدولة اللبنانية، وهي مجموعة تنتمي إما إلى أحزاب أو مستقلين، وتؤيد بدون تحفظ إقرار الحقوق الانسانية، وتعبر عن مواقفها صراحة في منابرها ومواقفها السياسية، لكنها لا تملك من الأوراق ما يمكّنها من فرض مواقفها بتشريعات قانونية.

المجموعة الرابعة؛ هي خارج إطار مؤسسات الدولة، وتتوزع على أحزاب ومؤسسات مجتمعية وشخصيات سياسية وفكرية ونقابية، وتؤيد الحقوق الإنسانية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، لكن هذه المواقف لا إمكانية فعلية لترجمتها على مستوى مؤسسات الدولة، غير أنها مهمة جداً في توسيع دائرة الدعم السياسي والشعبي اللبناني للحقوق الإنسانية، وأيضا في خلق حالة من الوعي والتفهم الشعبي اللبناني لأوضاع الفلسطينيين وخصوصيتهم في لبنان.

ويمكن ملاحظة حقيقة أنه ومنذ أن أقرت الحالة الفلسطينية في لبنان سياسة النأي بالنفس، يلاحظ أن هناك مساراً انحدارياً في تعاطي المؤسسات الرسمية مع الملف الفلسطيني في لبنان، ولعل السبب في ذلك هو طبيعة الخارطة السياسية والنيابية اللبنانية، والتي عادة ما يقع الفلسطيني ضحية انقساماتها. فبعض القوى السياسية في طائفة ما تتحالف مع قوى سياسية من طائفة أخرى، وهذا ينطبق على ضفتي ما كان يعرف بـ قوى 14 و8 آذار، وبالتالي فإن على الفلسطيني أن يضمن معادلة سياسية أشبه ما تكون بالميثاقية – أي توافقية على مستوى الطوائف - إذا ما أراد الحصول على مجرد قرار إداري، فما بالك بتشريع قانوني؟ وأي رفض من أي حزب أو كتلة برلمانية ذات لون طائفي معين سيقود حكماً إلى وقف هذا القرار أو التشريع.

وبغض النظر عن النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية اللبنانية - 15/5/2022، لجهة التغيير الواضح في الخارطة السياسية المحلية، التي باتت تتوزع على أحزاب تقليدية وتيارات مستقلة وقوى مدنية خارج الاصطفافات الحزبية المباشرة، فالمؤكد أن هناك تطورا ملحوظا في اتجاهات الرأي العام اللبناني وخياراته السياسية، يتوجب على اللاجئين الفلسطينيين رصده بدقة، بهدف تحديد ورسم سياسة فلسطينية جامعة، تحدد الأولويات الوطنية والاجتماعية، وتراعي بعض الخصوصيات السياسية والطائفية، وكيفية التعاطي معها خلال الفترة القادمة، مستفيدين من التجارب الماضية، وصولاً إلى تشكيل أوسع مروحة سياسية وحزبية وبرلمانية لبنانية داعمة للحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين.

فمن الناحية النظرية، هناك مجموعات جديدة ووازنة دخلت البرلمان اللبناني سواء من خلفيات مجتمع مدني تحتل القضايا الإنسانية والحقوقية موقعا متقدما في توجهاتها، أو قوى مستقلة لا ترتبط بمصالح طائفية كانت سببا في إبقاء العلاقة الفلسطينية - اللبنانية على حالها، ما يجعل الموضوع الفلسطيني، أقله بشقه الإنساني والقانوني حاضراً على الطاولة الرسمية اللبنانية، أو هكذا يجب. وهذا ما يتطلب التواصل، فلسطينياً، مع جميع القوى المجتمعية الشعبية والسياسية اللبنانية، من أجل دعم قضية الحقوق الإنسانية، والسعي لتشكيل ما يشبه لوبي لبناني، يتبنى ويعمل على وضع الحالة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان في إطارها القانوني السليم، بعيدا عن الاستخدام السياسي والطائفي، على طريق صناعة رأي عام لبناني جديد، يتعاطى مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية والإنسانية بشكل موضوعي بعيداً عن المبالغة والافتعال.

بغض النظر عن مواقف أعضاء البرلمان اللبناني وكتلهم وأحزابهم في أوقات سابقة، فإن النتيجة كانت غياب استراتيجية واضحة للدولة اللبنانية في تعاطيها مع الوجود الفلسطيني في لبنان، وهناك أكثر من نموذج يؤكد أن الحكومات اللبنانية، ورغم التزامها في بياناتها الوزارية بتحسين الأوضاع الانسانية للاجئين الفلسطينيين، إلا أن بعض الوزراء أصروا على تطبيق أجنداتهم الحزبية داخل وزاراتهم، بعكس وزراء آخرين منحوا تسهيلات وتعاطوا بشكل أكثر تجاوباً مع القضية ذاتها. وليس سراً القول إن هناك أكثر من نظرة لبنانية إلى الفلسطينيين في لبنان، وبعضها سواء على المستوى الحزبي والسياسي أو حتى على المستوى الشعبي، انحكم لترسبات تاريخية، ولم تعد لاعتبارات التوظيف الداخلي.

بالنظرة العامة، كلما زاد وزن وثقل القوى التغييرية المؤمنة بقيم حقوق الانسان وبالعدالة، كلما كان هناك إمكانية أفضل لتحريك القضايا الإنسانية، وكلما ابتعدت المصالح السياسية والطائفية، وتقدمت الاعتبارات الوطنية التي من ضمنها الاستجابة لرغبة الشعب اللبناني الحقيقية، التي هي في مجملها داعمة ومتعاطفة مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وقضيتهم الوطنية والاجتماعية.

إن ما يريده الفلسطيني في لبنان هو حماية القانون، ووقف سياسات التعسف والاستنساب في التطبيق، وهذا ما يتطلب حواراً يؤسس لمقاربة موحدة أو مشتركة تشكل أساساً لرؤى مستقبلية تخدم الطرفين. والحوار المطلوب ليس حواراً فوقياً كما جرت العادة، بين الحكومة اللبنانية وممثيلها وبين منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية؛ بل المطلوب أيضاً حوارات على مستوى أوسع يطال النواب والوزراء والأحزاب والنقابات والهيئات الروحية، حوارات تتناول مختلف عناصر الملف الفلسطيني في لبنان، انطلاقا من كون الهواجس المعبر عنها، باختلاف المواقف والمواقع، ليست حكراً على طرف دون آخر. وبالتالي، فإن وظيفة الحوار هو تنقية الملفات والسياسات الموروثة، بما يساعد على أن يقدم لها قراءة مشتركة، بغية الوقوف على إيجابيات العلاقة التاريخية وتفادي سلبياتها.

سيبقى النضال المطلبي بالقضايا المتعلقة بالحقوق الإنسانية مفتوحاً، لمعالجة الإشكالات العديدة في العلاقات الفلسطينية - اللبنانية، وفقا لما توافقت عليه الحالة الفلسطينية، بالتعاون مع الأحزاب والكتل النيابية المؤمنة بعدالة الحقوق الإنسانية، ومع مؤسسات المجتمع المدني اللبنانية والفلسطينية، وصولا إلى إحداث التعديلات القانونية المطلوبة لإقرار الحقوق الانسانية؛ وبما يفضي إلى علاقات مستقبلية قائمة على الحقوق والواجبات المتبادلة، وتوفير مقومات الصمود الاجتماعي للاجئين لتعزيز موقفهم المتمسك بحقهم في العودة وفق القرار 194، ورفض كافة مشاريع التوطين والتهجير.

(2 ـ 2)

وكالة الغوث.. تحديات متواصلة

تعيش وكالة الغوث اليوم أسوأ أزمة في تاريخها، رغم أنها عانت من مشكلة مماثلة عام 2018 لدرجة أن قيمة العجز، في تلك الفترة، بلغت نحو 450 مليون$، وهي قيمة المساهمة المالية الأميركية التي قطعت من قبل إدارة ترامب، مضافا إليها عجز متراكم من أعوام سابقة. لكن الوكالة تمكنت من تجاوز تلك الأزمة، في تأكيد أن الأزمة المالية الراهنة ليست ثابتة، بل تتحرك وفقا للاعتبارات السياسية، وهناك إمكانية فعلية لمعالجتها إذا ما امتلكت الدول المانحة الإرادة على حماية الوكالة، خاصة إنه ومنذ قطع الولايات المتحدة مساهمتها المالية، زاد عدد الدول والمؤسسات المانحة نحو 42 دولة ومؤسسة.

انعكست أزمة الوكالة بشكل مضاعف على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع اقتصادي واجتماعي صعب، بفعل اتساع الأزمة الاقتصادية اللبنانية، التي صدرت بشأنها عدة تقارير من مؤسسات دولية ومحلية، تحذر من شمولها لفئات اجتماعية أكثر تأثرا من غيرها، ومن ضمنها اللاجئون الفلسطينيون.

وقد وجدت تحذيرات المنظمات الدولية والمحلية ترجماتها في المعطيات الرقمية، التي بلغتها الأوضاع الاقتصادية في لبنان، باقترابها من درجة الانهيار الشامل، ما أدى إلى ارتفاع الأصوات الشعبية مطالبة وكالة الغوث، باعتبارها القطاع العام للاجئين، الاستجابة للحد الأدنى من التحديات التي فرضتها الأزمة بانعكاساتها على معظم العائلات الفلسطينية، التي باتت عاجزة، وفقا لتقارير حديثة، عن تأمين حاجاتها من الغذاء، مما دفع البعض إلى ركوب زوارق الموت بحثاً عن الخلاص، وآخرون افترشوا مكاتب الاونروا مطالبين بالعلاج الطبي؛ وغيرهم لم يجدوا سوى التحرك الشعبي وسيلة لإيصال صوتهم إلى الدول المانحة لتأمين أموال كافية تمكن الأونروا من التصدي لعشرات المشكلات الاجتماعية الآخذة بالتفشي.

وتقر الأونروا في تقاريرها وفي تصريحات مسؤوليها بأن ما قدمته منذ 2019 لا ينسجم والحد الأدنى المطلوب، في ظل ثبات الموازنة العامة، بل انخفاضها وعدم مواكبتها للاحتياجات، حيث تقلصت الموازنة المخصصة للأونروا في لبنان من 132 مليون$ تقريبا- 2019 إلى نحو 120 مليون$ - 2021، وهذا ما أقر به أيضا مدراء الأونروا في أقاليم سوريا، لبنان والأردن في الحيثيات المقدمة من قبلهم لإقرار موازنة 2023، حيث اعتبروا في نداء مشترك أن موازنة 2023 هي «الحد الأدنى من المساعدة المطلوبة للتخفيف من الآثار الأسوأ للتدهور السريع في الوضع الإنساني لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينين».

إن التطوير الذي طرأ على بعض الخدمات، جاء من خارج البرامج العادية، وبدعم مباشر من بعض الدول المانحة التي، ولأسباب واضحة، باتت تفضل تقديم دعمها لبرامج معينة، وليس إلى الموازنة العامة، يعتبر من أخطر ما أقدمت عليه بعض الدول المانحة، بالتنسيق مع وكالة الغوث، وهو ما يحتاج إلى نقاش فلسطيني على أعلى المستويات، للبحث عن أسباب وخلفيات استبدال التمويل المباشر لصناديق الموازنة، وفقا لقرار إنشاء الوكالة، بتمويل برامج معينة تنتهي بانتهاء التمويل.

وفي السياق المذكور تندرج – على سبيل المثال – المشاريع التالية: 1- مشروع «المال مقابل العمل» الذي بدأ 2019 بتمويل من البنك الألماني للتنمية. 2- تقديم مساعدات نقدية عام 2020 بمبلغ 112 ألف ل.ل للفرد. 3- تقديم مساعدات نقدية لفئات معينة من اللاجئين، وغير ذلك، ولا يمكن القول إن الأونروا تدخلت بشكل غير تقليدي لتواكب الأزمة الاقتصادية في لبنان.

ويبدو واضحا أن البون بات شاسعاً بين تقديرات الأونروا لاحتياجات اللاجئين، وبين استجابة الدول المانحة لنداءاتها المتكررة. فالبرامج العادية لم تعد قادرة على تلبية كافة الاحتياجات الاعتيادية، كما والمستجدة سواء بسواء، ما دفع الأونروا لإصدار نداء طارئ في بداية 2022 لتطوير خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، كانت استجابة الدول المانحة له محدودة جداً. ثم أصدرت نداء ثانياً– 10/2022 بقيمة 13 مليون$ قالت الأونروا إنه تَحَصَّلَ خلال شهر ونصف على نحو 50% من المطلوب، ما يؤشر إلى أن هناك تجاوباً مع التحذيرات التي أطلقها المفوض العام في شرحه للأسباب الموجبة لإطلاق النداء، ومنها مستويات الفقر غير المسبوقة التي وصلت إلى 93%، ومعدلات البطالة المرتفعة، ودرجات اليأس المتزايدة التي تنتشر في أنحاء لبنان، غير أن هذا التجاوب سرعان ما سيتلاشى، وكأن هناك يداً خفية تعرف متى يجب دفع الأموال، ومتى يجب حجبها. أي أن يبقى عجز الموازنة ومشكلة التمويل سيفاً مسلطاً فوق رقاب اللاجئين، وأن يبقى الابتزاز حالة تتحرك على وتر التطورات السياسية.

لقد سبق للأونروا وأن أنجزت عدداً من المسوحات الاجتماعية، الداخلية والعامة، أدت إلى استجابة جزئية ببرامج دعم ومساعدة، كانت موضع نقد سياسي وشعبي، نظرا لحصر تقديماتها بفئات معينة من اللاجئين، وهو ما أدى إلى بروز حالات اعتراضية في أكثر من مخيم، كاد بعضها أن يتسبب بإشكالات غير محسوبة النتائج، ما دفع بالأونروا إلى الإعلان عن مسح اجتماعي جديد، شُرع به بالتعاون مع مركز الإحصاء الفلسطيني. غير أن المشكلة تبقى قائمة، إذا انطلقت الأونروا من خلفية التمييز بين فئات تستحق وأخرى مكتفية، وهو أمر يتناقض مع تقارير الأونروا والمنظمات الدولية حول نسب الفقر، وشمولها جميع اللاجئين.

إن التقارير الدولية والمحلية حول نسب التضخم والغلاء وانهيار قيمة الليرة اللبنانية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، كلها معطيات تؤكد ضرورة التعاطي مع تداعيات الأزمة اللبنانية بشكل مختلف، إذ لم يعد يكفي المطالبة بخطة طوارئ إغاثية، نظرا لوصول الواقع الاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين مرحلة متقدمة من الخطورة، وعدم قدرة الموازنة العادية على تغطية كافة الاحتياجات، وهذا ما يؤكده مسؤولو الأونروا بأن الموازنة لم تتغير منذ سنوات، ولم تواكب لا احتياجات اللاجئين ولا الزيادة السكانية. فعلى سبيل المثال، تراجع الإنفاق السنوي على اللاجئ الفلسطيني في لبنان من قبل الأونروا من 379$ - 2020 إلى 349$ - 2021 وإلى أقل من ذلك عام 2022 مقارنة بثبات الموازنة وازدياد الاحتياجات.

ويمكن ملاحظة هذا الأمر، كنموذج، خلال الأعوام الثلاثة الماضية: بلغت موازنة الأونروا في لبنان- 2019 حوالي 132 مليون$، وكانت تقديرات العام 2020 نحو 119 مليون$ (انخفاض)، بينما بلغت مصروفات ذلك العام 97 مليون$ (انخفاض)، رغم أن السبب في هذا الفارق يعود، ربما، إلى الإجراء الذي اتخذته إدارة ترامب بقطع المساهمة الأميركية. أما تقديرات 2021 فقد كانت 124 مليوناً$ مقارنة مع 110 ملايين$ كموازنة فعلية (انخفاض)، وهو نفس الرقم الذي اعتمد كموازنة للعام 2022 (ثبات)، مقارنة مع تقديرات للعام 2023 بلغت 113 مليون$، من المؤكد أنه رقم سيشهد انخفاضاً أو عجزاً سنوياً، نتيجة أسباب عدة من ضمنها ما تحدثت عنه الأونروا منذ بداية 2022، بأن عدداً من الدول أبلغت أن تبرعاتها للعام 2023 ستشهد انخفاضا.

إن الموازنة الاجمالية لعام 2023 التي قدرت بنحو  مليار و600 مليون$: 820 مليون$ منها لموازنة البرامج العادية و 780 مليون$ لموازنة برامج الطوارئ. كان يجب أن تعد استنادا إلى الاحتياجات الفعلية للاجئين، وليس وفقا لتقديرات تراعي واقع الأزمة المالية، أو ما يمكن الوصول إليه من تبرعات. وهذا يعني ضرورة التنبه في السنوات القادمة لجهة التدخل المبكر من قبل الهيئات والأطر السياسية والشعبية الفلسطينية، وممثلي الدول العربية خاصة المضيفة للاجئين، لوضع الأونروا والدول المانحة أمام مسؤولياتها، وضمان أن لا تقل الموازنة السنوية عن الحد الأدنى من متطلبات الصناديق الثلاثة (الصندوق الذي يموِّل البرنامج العام/ الخدمات، الطوارئ والمشاريع)، كي لا يتم اللجوء، بعد إقرار الموازنة، إلى معالجات ترقيعية استجابة لحالات متوقعة أو مستجدة، مثل نداءات الطوارئ، التي لن تكون قادرة سوى على حل جزء بسيط جدا من المشكلات. إن ثبات الموازنة العامة، خاصة موازنة الصندوق العام، من شأنها أن تغلق الباب على الكثير من المطالب الشعبية، خاصة تلك المتعلقة بالهموم المباشرة للاجئين كحالات الفقر، وضم عائلات جديدة لبرنامج الشؤون، وبناء المدارس الثانوية، ومواصلات الطلبة وقضايا الاستشفاء وتوفير الأدوية، واستكمال إعمار مخيم نهر البارد وغيرها من العناوين.

وإذا كانت الأونروا تقر بارتفاع معدلات الفقر بين أوساط اللاجئين الفلسطينيين، فهذا يعني ضرورة توفير قاعدة تمويل صلبة ومستدامة، ويصبح ملحاً زيادة موازنة الصندوق العام، في إطار مواكبة الأزمة اللبنانية، وهو ما يضع الأونروا أمام الخيارات التالية: فإما زيادة الموازنة؛ وإما اعتماد خطة طوارئ إغاثية شاملة ومستدامة، أو إدخال اللاجئين في لبنان ضمن برنامج الطوارئ العام

وبغض النظر عن أرقام الموازنة المعلنة، إلا أن النقطة الأساسية تتعلق باستعداد الدول المانحة والأمم المتحدة لتوفير حماية مالية لوكالة الغوث، تكون منسجمة مع الدعم السياسي الذي حظيت به في الأمم المتحدة، خاصة وأن أرقام الموازنة، زيادة وتخفيضاً، لن يغير شيئا من واقع اللاجئين، إذا لم يترافق مع قرار واضح من الدول المانحة بتوفير شبكة أمان مالي. لذلك يصبح مطلوباً من جميع الأطراف المعنية في الأمم المتحدة، والدول العربية، ومنظمة التحرير الفلسطينية بذل جهود مضاعفة لضمان تمويل ثابت، وأن تحظى الموازنة بدعم الدول المانحة، التقليدية والمستجدة، لناحية إنجاح الاستراتيجية المستقبلية لوكالة الغوث في التمويل المستدام لسنتين أو أكثر، فهذا هو الحل الجذري، الذي من شأنه إخراج الأونروا من أزمتها.

لا يمكن الفصل بين ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وما تتعرض له بقية تجمعات اللاجئين من استهدافات واضحة وحرب اقتصادية، تسعى لتحقيق أهداف سياسية، لم تتمكن أساليب القتل والإرهاب والاعتقال والحصار من تحقيقها. وقد بات الجميع مقتنعا أن هناك تسييساً للتمويل من قبل بعض الدول المانحة، التي تتشارك مع العدو الإسرائيلي في مخططات إفقار اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبشكل عام.

لقد باتت جميع المؤسسات والتقارير الدولية تقر بعدم قدرة الغالبية من اللاجئين على الوصول إلى احتياجاتهم المعيشية الاساسية، بعد أن سُدَّت في وجوههم أبواب الحياة الكريمة، ما جعل الخيارات الصعبة والمرة هي أسهل الحلول بالنسبة للكثيرين، خاصة في ظل تداعيات الانقسام الفلسطيني، الذي يترجم بغياب أي عمل توافقي ومشترك على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

من جهة أخرى، لم يعد كافياً الطلب من الأونروا ومسؤوليها تفهم المطالب الشعبية المحقة فحسب، بل بات الأمر يتطلب من كافة الأطر الوطنية، الفصائلية والشعبية، إعطاء الأولوية لحماية الشعب الفلسطيني، اقتصادياً واجتماعياً وتوفير مقومات العيش الكريم له، وصياغة استراتيجيات موحدة، تتبنى المطالب الشعبية وتضغط من أجل تحقيقها، وعلى خلفية أن ما يحدث هو جزء من حرب التجويع الإسرائيلية والأميركية التي مهما تمادت في عدوانيتها، فلن تحرف بوصلة النضال الوطني ولن تثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله من أجل حقه بالعودة ودعم الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة الحرية والكرامة في فلسطين.

لذلك، فإن كافة المكونات الوطنية مدعوة إلى التكاتف والتآزر للتخفيف عن اللاجئين الفلسطينيين ما يعيشونه، خاصة وأننا أمام انهيار اقتصادي، يتطلب من الأونروا الاستجابة لنتائجه بإجراءات سريعة، وبدعم من مختلف منظمات الأمم المتحدة التي بإمكانها المساهمة في التخفيف عن اللاجئين الفلسطينيين أعباء الأزمة الاقتصادية الشاملة وفي مقدمتها:

أ) إعطاء الاولوية لزيادة الموازنة العامة المخصصة لبرامج التعليم والصحة والاغاثة الاجتماعية، وبما ينسجم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بشكل عام، وهذا يعني بشكل واضح ضرورة التصدي لعشرات المشكلات التي ازدادت حدة منذ 2018.

ب) إدخال اللاجئين الفلسطينيين في برنامج الطوارئ العام بالأونروا، على غرار اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزه، وعلى خلفية أن الأزمة في لبنان هي أزمة ممتدة لسنوات، وأن مؤسسات الدولة اللبنانية، وبنتيجة القوانين التمييزية، لن تطال اللاجئين الفلسطينيين بأية تقديمات مستقبلية.

ج) دعوة الفصائل الفلسطينية للإصرار على شمول المساعدات لجميع الفلسطينيين، والتعاطي مع كافة فئات اللاجئين وفق معيار واحد، وهو حاجتهم الماسة للدعم الاقتصادي والاجتماعي، بعيدا عن أي تسييس أو خدمة لمشاريع تتجاوز صلاحيات الأونروا، وحدود التفويض الممنوح لها.

د) العمل فلسطينياً على تشكيل هيئات اختصاص تقنية خاصة بوكالة الغوث، ترصد استراتيجيات وكالة الغوث، وتقترح المعالجات لأي خلل تقدر أنه يحرف الوكالة عن مسارها المتعلق حصرا بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، وتعمل على ممارسة الدور الرقابي لأداء الأونروا لوظيفتها.

(3)

العمل الفلسطيني المشترك وتحصين الحالة الفلسطينية

لا نأتي بجديد حين نقول إن الصراعات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على لبنان وتعدد أطراف الأزمتين اللبنانية والفلسطينية بأبعادهما السلبية، إنما تتطلب اعتماد سياسة وطنية فلسطينية، تصون حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتوفر لهم الحماية السياسية والأمنية والاجتماعية وتبعدهم عن تداعيات الأزمات المحلية والاقليمية، وتصوِّب بوصلتهم النضالية في فعاليات الدفاع عن حقوقهم الوطنية، وإسناد شعبنا في فلسطين في مواجهة العدوانية الصهيونية.

كثيرة هي المؤشرات التي تؤكد بأن لبنان، وإلى حين، أصبح ساحة تجاذب وصراع دولية وإقليمية وبحدود معيّنة فلسطينية، سواء في إطار الصراع الاسرائيلي – الاقليمي، أو الصراع حول المرجعية والتمثيل، رغم قناعة الجميع بأن المرجعية ستبقى موزعة بين مجموعة مكونات وقوى، ولا يمكن لطرف بعينه أن يختصر هذه المرجعية، حتى لو حاز على دعم إقليمي، وامتلك الإمكانيات المادية التي تبقى عاجزة عن احتكار مرجعية الشعب الفلسطيني في الخارج، لكن هذا لا ينفي استمرار الصراع واشتداده خلال الفترة القادمة.

لقد بات المجتمع الدولي ينظر بعين القلق إلى الأزمة اللبنانية وتداعياتها السلبية على أكثر من مستوى، بعد أن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من الخطورة، والتي من شأن استمرارها الإضرار بمصالح الدول الغربية، والأهم من ذلك أن يصبح لبنان ساحة مفتوحة لأطراف أخرى تعادي الولايات المتحدة وإسرائيل. هذه التخوفات الدولية تلاقت مع تخوفات قوى محلية عَبَّرَ عنها رئيس البرلمان اللبناني الذي أبدى قلقه من تداعيات الأزمة اللبنانية على المخيمات الفلسطينية، وبذل جهودا حثيثة أثمرت في منتصف 2021 عن عقد اجتماع لـ«هيئة العمل الفلسطيني المشترك»، التي توافقت على تحييد ساحة العمل الوطني الفلسطيني في لبنان، وإبعادها عن الانقسام الفلسطيني وانعكاساته.

لكن هذا الأمر لم يصمد كثيراً، وجاءت حادثة البرج الشمالي في نهاية 2021، التي أذكت نار الخلافات الفلسطينية الداخلية، لتعيد خلط الأوراق من جديد، ولتعود الهيئة إلى تعطل اجتماعاتها مرة أخرى، بحيث لم تتمكن من الالتئام إلا في شهر 4/2022، عندما نجح رئيس مجلس النواب وعدد من القوى اللبنانية والفلسطينية في جمع حركتي فتح وحماس، اللتين توصلتا إلى اتفاق ينهي القطيعة بينهما تضمن نقطتين: الأولى حماية المخيمات الفلسطينية من خلال قطع الطريق على أي توتير أمني؛ والثانية إنهاء ذيول أحداث مخيم برج الشمالي، عبر اللجوء إلى القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية. وفي بداية 2023 أصدر القضاء اللبناني قراره برفع المسؤولية عن حركتي فتح وحماس، معتبرا أن لا قرار صدر عنهما بإطلاق النار، ولم يكن هناك أي تنسيق بين مُطلقي النار، أو أي عنصر خارجي ساهم في ذلك.

لكن رغم هذا الاتفاق، فإن «هيئة العمل الفلسطيني المشترك»، ما زالت تعاني مشكلة الانقطاع في اجتماعاتها، بسبب تعطل اجتماعاتها الدورية، إضافة إلى إشكالات تطرأ بين الحين والآخر بين بعض مكوناتها. وبالتالي، فإن تعطيل العمل الفلسطيني المشترك، مركزيا ومناطقيا، من شأنه أن يفتح الباب أمام العابثين بأمن المخيمات واستقرارها، ما يلحق الضرر بالحالة الفلسطينية، وإلى نضال المخيمات دفاعاً عن حق العودة، وعن مصالحها الحياتية المباشرة.

خلال سنوات الأزمة اللبنانية الراهنة في آخر حلقاتها، عَبَّرَ اللاجئون الفلسطينيون عن حس وطني مسؤول برفض زجهم في أتون الأزمة الداخلية في لبنان. لكن هذا لا يعني أن استقرار المخيمات قد يستمر طويلا، خاصة في ظل إصرار المرجعيات المعنية على عدم تحمل مسؤولياتها. وبالتالي، فإن زيادة الضغوط المحلية والخارجية على اللاجئين، من شأنها أن تُسَرِّع بالانفجار الاجتماعي في وجه الجميع. وعلى كل الحريصين على استمرار حالة الأمن والاستقرار في المخيمات إيجاد الحلول لعشرات المشكلات الاجتماعية، وعلى قاعدة أن الامن شبكة متكاملة من العناوين السياسية والاقتصادية والأمنية والقانونية.. خاصة وأن الأطراف الدولية واللبنانية تقر بحاجة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى ما هو أكثر من الدعم الاقتصادي والإغاثي، بعد أن أُنهك المجتمع الفلسطيني بأزمات عديدة خلال السنوات الماضية، وكل أزمة منها كانت كفيلة بأن توصلهم إلى مستوى الانهيار المجتمعي. لكن ما جعل المخيمات والفلسطينيين يصمدون في وجه كل الحروب التي تعرضوا لها، هو إدراكهم أن المستهدف الأول والأخير هو حقوقهم الوطنية، وأن ما يتعرضون له من سياسات هو بسبب تمسكهم بتلك الحقوق.

هناك حاجة اليوم لتعاون فعلي بين جميع المكونات الفلسطينية، الرسمية والشعبية، بهدف التصدي لعشرات القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومعالجتها على أرضية العمل المشترك والشراكة الوطنية؛ وبات تزايد حدة التحديات يستوجب خطة عمل وطنية تحصن وتحمي الحالة الوطنية والشعبية الفلسطينية وتحميها، وتوفر مقومات الصمود الاجتماعي لجميع أبناء شعبنا، وفي المدى المنظور، نرى من الضروري الإقدام على مايلي:

1- دعوة وكالة الغوث، إلى العمل السريع لزيادة الموازنات، خاصة ما يتعلق منها بالجانب الإغاثي، سواء عبر تمويل خاص، أو من خلال التواصل مع منظمات الأمم المتحدة المعنية، بهدف توفير، وبشكل عاجل، التمويل اللازم لإغاثة المخيمات الفلسطينية وإعلانها مناطق منكوبة.

2- دعوة اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير إلى التفاعل مع الأزمة الراهنة التي تشهدها المخيمات في لبنان باعتبارها تهديداً سياسياً، من شأنه أن ينعكس على النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني وتماسكه، واتخاذ الإجراءات التي من شانها التخفيف من حدة الازمة، خاصة لجهة السعي لإدخال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ضمن الفئات المستفيدة من مساعدات التنمية الاجتماعية، التي تقدم في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.

3- دعوة «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» لأن تكون في حالة انعقاد دائم وانتظام أعمالها، والسعي بشكل مشترك إلى معالجة تداعيات الأزمة اللبنانية سواء من خلال تأمين مقومات الدعم والاغاثة، أو عبر تفعيل أطر العمل المشترك للتصدي لكل ما من شأنه العبث بأمن واستقرار مخيماتنا ومواجهة كل ما يتهددها على المستويات السياسية والاقتصادية.

4- حث القوى والأحزاب والتيارات اللبنانية السياسية والحزبية والشعبية على دعوة الحكومة اللبنانية لشمول اللاجئين الفلسطينيين في جميع جهود الإغاثة والتعاطي معهم على قدم المساواة مع أشقائهم اللبنانيين، خاصة بما يتعلق باستبدال الدعم بمساعدات نقدية أو بطاقات تمويلية، ودعوة القوى اللبنانية الحليفة والصديقة لشعبنا إلى مد جهود الإغاثة التي تقوم بها لتشمل جميع الفلسطينيين، بعيداً عن كل أشكال التمييز.

5- دعوة الاتحادات واللجان الشعبية الفلسطينية إلى إدامة التواصل مع الهيئات اللبنانية من أجل وضع قضايا اللاجئين، خاصة العمال، على جدول أعمالها واستفادتها من أية مكتسبات ومساعدات ممكنة، ولضمان صون وحدة مصالح العمال اللبنانيين والفلسطينيين.

يبدو واضحا أن غياب الاستراتيجية الفلسطينية الموحدة حول كيفية التعاطي مع السياسات اليومية المتعلقة بقضية اللاجئين بعناوينها المختلفة كان سبباً في حدوث حالات إرباك وتخبط في المواقف، ونموذج «الشراكات» دليل على ذلك، إذ ليس من المسؤولية الوطنية رفض الشراكات مع منظمات الأمم المتحدة بشكل مطلق، فهذه الشراكات جزء كبير منها موجود منذ تأسيس الوكالة، حيث أكدت عليها الفقرة 18 من القرار الأممي الرقم 302 القاضي بتأسيس وكالة الغوث، وهو أمر مطبق في عدد واسع من برامج الاونروا.

وبالتالي فإن المفوض العام في مواقفه حول الشراكات، تحدث عن قضيتين: الأولى تحتمل النقاش وهي مطلوبة؛ والثانية مرفوضة جملة وتفصيلاً ولا يمكن الدخول في نقاشها. فالشراكات مع منظمات دولية وإقليمية، والتي تهدف إلى التعاون والتكامل والتنسيق مع وكالة الغوث ودعم جهودها، ومن أجل الاستجابة لاحتياجات اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية هي قضية مطلوبة، شرط أن لا تُقدم هذه الخدمات كبديل عن وكالة الغوث، كمؤسسة معنية – بالأصالة – بتقديم هذه الخدمات، وذلك من أجل قطع الطريق على احتمال تسهيل عملية الانسحاب التدريجي للدول المانحة، والتخلي عن مسؤولياتها السياسية والقانونية تجاه اللاجئين ووكالة الغوث، وإحالتها إلى مؤسسات أخرى، وهذا ما قصده الشعب الفلسطيني برفضه مواقف المفوض العام

 

تموز (يوليو) 2023

 

 

 

 

 

 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-