رُواء حجّي - تونس - " وكالة أخبار المرأة "
"ماذا تعريفين عن بلدية منطقتك؟" رفعت عيشة يدها أمام عينيها لتقيها خيوط أشعة شمس أعاقت رؤيتها لنا بوضوح، ثم رمقتنا بنظرة ملؤها الاستغراب وكأن سؤالنا أقلق صفوتها، زاجا بها إلى عالم لا ترى فيه معنى عهدته عن الحياة.
وقفت قليلا تسند ظهرها بيديها لعلّ في ذلك ما يخفف عنها عناء حمل أوعية مياه شرب كانت ملأتها من بئر قريبة في أسفل الربوة. ثم أردفت قائلة :"كيف سأذهب إلى البلدية لابد أنها بعيدة جدا عن هنا".
"نسبة تمتع المرأة بمكاسبها الدستورية هنا تختلف من منطقة إلى أخرى. لكن عموما المرأة الريفية بجومين، العاملة، ذات المستوى الإجتماعي تحت الصفر، لا تبحث عن حقوقها وإنما تبحث عن لقمة العيش. الحق السياسي الوحيد الذي تعرفه المرأة الريفية هنا هو حق الإنتخاب. وفي معظم الأحيان يتم التدخل في إرادتها السياسية." كهذا تقيم رئيسة الفرع المحلي للاتحاد الوطني للمرأة التونسية بجومين مدى تفعيل حقوق المرأة بمنطقتها.
وضمانا لتشريكها في الشّأن المحلي يكرس الفصل 29 من مجلة الجماعات المحلية آلية الديمقراطية التشاركية. وهي آلية تضمن لكافة المتساكنين.نات المشاركة في مختلف مراحل إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها وتقييمها.
نسبة أمية عالية في منطقة مترامية الأطراف
يقول السعيدي إن تكريس تشاركية المرأة في الشأن المحلي يتجسد في حضورها بالجلسات التمهيدية والتشخيص التشاركي الخاص بمشاريع المخططات الاستثمارية وفي اجتماعات يمكن أن تطرحها البلدية في مواضيع معينة.
ويضيف: "رغم ضعف المشاركة، المرأة ليست مغيبة تواصلنا معها في اجتماع المياه الصالحة للشراب في منطقة رواحة حوالي أربع مرات بالتعاون مع الاطراف المتدخلة (المجلس الجهوي، الإدارة الجهوية للتجهيز، المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية..). منذ قليل مثلا زارتني إمرأة تطالب بحل مشكلة جدت في منطقتها."
لذلك يجب الوصول إلي كل إمرأة." وتتساءل:" لماذا عند تجميع الاحصائيات يجوبون المناطق منزلا منزلا؟ هذا ما يجب أن يحدث للإعلان عن الجلسات التشاركية أو الفعاليات التي تهم المرأة".
وفقا للتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 المنجز من قبل المعهد الوطني للإحصاء تبلغ نسبة الأمية بجومين في صفوف الإناث اللواتي يفقن 10 سنوات حوالي 50%. وحسب نفس الاحصاءات فإن 11.95% فقط يستعملن الانترنت.
وتعتبر البجاوي أن اعتماد الأبواق في التجمعات كالأسواق الأسبوعية من شأنها أن تكون طريقة ناجعة للإعلان عن مواعيد الجلسات والأنشطة. ويكون ذلك مناسبة لتوعية النساء بحقوقهن وواجباتهن وبدورهن الفعال في الجهة عبر مشاركتهن في الشأن البلدي.
المرأة للعمل والسّلطة للرّجل
تروي لنا هذه المرأة بنبرة مترددة في البداية لكتها سرعان ما استجمعت شجاعتها: "نحن النساء لا نشارك في شؤون منطقتنا. هذا أمر جد صعب. "كل شي مايجيش هنا" "، تضيف بتهكم وسخرية سوداء.
وتواصل ملئ الوعاء بمياه البئر ثم تضعه على ظهر الحصان وتكمل:"كل الأشخاص تملصوا من المسؤولية هل بقى الأمر على عاتقي؟ أنا لا يسمحون لي بالذهاب إلي البلدية بنفسي هذه الأمور لا أتدخل فيها." وتلخص دور المرأة في تلك المنطقة بثلاث كلمات: "أعمال منزلية، زراعة الأرض، وجلب مياه شرب غير صالحة للشرب".
يعبر رئيس البلدية عن تقصير بلديته في تسويق دور المرأة الفعال للجوار وتشريكها، ويرجع سبب ذلك إلى مشاكل البلدية الذاتية كبلدية محدثة في البحث عن اطارات وموارد مادية وموارد بشرية ومقرات إدارية إضافة الى مشكل التموقع.
ويواصل بتفاعل: "لا نريد تشريك المرأة بالوكالة عبر حضور زوجها. المرأة قادرة على التعبير عن إشكالات حقيقية لايعرفها الرجل بحكم مباشرتها لجل المسؤوليات".
شركاء في التشريك
وفق سكينة الحمدي رئيسة مصلحة المرأة والأسرة بالمندوبية الجهوية للمرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ ببنزرت فإن البلديات في حاجة إلى شراكات. وتعتبر أن الشراكة لا تقتصر على الجانب المادي أو الجّانب اللوجستي، وإنّما تهم الجانب التقني والفني وكيفية تسيير البرامج واقتراح مشاريع لفائدة المرأة تأخذ بعين الاعتبار النوع الاجتماعي وخصوصية كل منطقة والظروف المعيشة في الوسط الريفي.
تبني نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات على هذا الرأي وتقول: " في الأغلبية مازالت البلديات لم تصل إلى المناطق النائية كما ينبغي لأنها تجربة ناشئة. ومازالت البلديات تواجه عراقيل وصعوبات لتنفيذ برامجها لعدة أسباب لاسيما بوجود تقاطعات مع الأطراف المشتركة (الشركة الوطنية للكهرباء والغاز، الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه...)".
وعمل هذا البرنامج على مس النساء والأسر في مختلف المناطق البلدية منها والريفية بهدف تعزيز قدرات النساء كمشاركات ومترشحات وناخبات.
إن ضعف مشاركة المرأة في الشأن المحلي عامة والشأن البلدي خاصة نلتمسه أيضا في تدني نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية لسنة 2018 في بعض عمادات جومين. حيث تتراوح نسبة مشاركة المرأة بجومين في الانتخابات البلدية 2018 بين 4% و43%، وفق الإدارة الفرعية للإنتخابات ببنزرت.
المستشارات البلديات نقطة وصل بين البلديات والنساء
ويثمن رئيس البلدية دور المرأة الفاعل داخل اللجان البلدية " القانون الانتخابي فرض مبدأ التناصف وهذا ما يتم تطبيقه بمجالسنا البلدية. 12 مستشارة بلدية مقابل 12 مستشارا. باضطلاعها بعدة أدوار داخل اللجان نجحت المرأة في فرض نفسها في المجلس البلدي. في بلدية جومين يوجد ثلاثة لجان تترأسها نساء، ومساعدتين لرئيس البلدية".
وتقول نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات إن النساء في الأرياف مازلن لا يعرفن دور البلدية، مازلن لا يعرفن كيف يكن فاعلات في اطار التشاور في المجالس البلدية أو في الشأن المحلي ككل. وتوضح: "المطلوب من مستشارات البلديات الوصول الى هؤلاء النساء والتحدث معهن وتوعيتهن وتأطيرهن ولفت نظرهن إلى حقوقهن المدنية وحقهن في المشاركة في التنمية المحلية والاستماع إليهن ولمشاغلهن."
في ذات السياق تضيف رئيسة مصلحة المرأة والأسرة :"لا يقتصر دور البلدية على تظاهرات معينة أو بعض الخدمات الإدارية أو الفنية أو إسناد وثائق. وإنّما حسب اعتقادي بعد إحداث لجان المرأة والمساواة وتكافئ الفرص يجب العمل المشترك حول استراتيجيات وبرامج قادمة تكون مبنية على خصوصية الدور الاجتماعي للمرأة وتكون عادلة على مستوى النوع الاجتماعي بذلك تتحصل المرأة على حظوظها في جميع جوانب الحياة المحلية مثل الثقافة والترفيه والصّحة."
المرأة الريفية عماد التنمية المحلية
تضيف بإنفعال: "المرأة الريفية في جومين مرهقة جدا". هكذا تقيّم حال المرأة الفلاحة بمنطقتها.
ويفسر رئيس البلدية هذه الوضعية: "أكثر من نصف المجتمع بجومين نساء لكنها في الحقيقة تمثل ثلاثة أرباع المجتمع. كما نعلم أن النساء في المناطق الريفية يقمن بأعباء أكثر من الرجال." ويقول إن جل المسؤولية تنصب على كاهل المرأة. وإن "اغلب الرجال الذين لايعملون يرتادون المقاهي والدكاكين لإحتساء الشّاي".
عن المشاريع المحدثة لفائدة المرأة الريفية بجومين يقول رئيس البلدية: " نعمل على إنشاء مسالك فلاحية، وتوفير التنوير العمومي في أغلب المناطق الداخلية لفك العزلة عن المرأة الريفية".
في هذا السّياق تعيد نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تأكيد دور المستشارات البلديات في تمكين المرأة الريفية إقتصاديا، وتكوينها في مجال بعث المشاريع الصغرى، وتشجيعها على الإنتاجية، وتعليمها طرق التسويق لمنتوجاتها الفلاحية وخلق فضاءات خاصة بها لجعل المواطنين.ات يقبلون على منتوجاتها. هذا ما من شأنه حسب تعبيرها "تحقيق الإستقلالية المادية للنساء".
بعد انتهاءها من إطعام ماشيتها وإعداد خبز "الطابونة" تقف ساسية ناظرة إلى عدسة الكاميرا بثقة وتقول آملة في غد أفضل:" أريد أن أصيح فاعلة وأن أنهض بواقع هذه الجهة وأساهم في إنقاذ المرأة من معاناتها اليومية."