تمويل البحوث العلمية من طرف القطاع الخاص (الحقائق والعقبات)

تمويل البحوث العلمية
من طرف القطاع الخاص (الحقائق والعقبات)

تمويل البحوث العلمية من طرف القطاع الخاص (الحقائق والعقبات)   د. عبدالله أم الزين المقدمـــة: يعد البحث العلمي في كل بلدان العالم استثماراً يحقق بدون إي شك نتائج تستخدم في العديد من مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ وبالتالي تدر على المجتمع بكافة أفراده و فآته فوائد تمكنه من تحسين ظروف العيش، والمحافظة على ثرواته و بيئته.  ويعتبر تمويل البحوث العلمية من طرف الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص بكافة أنواعها عاملا رئيساً وضرورياً لضمان بحوث هادفة و ملائمة لاحتياجات البلد و خططه التنموية.  تنقسم مؤسسات البحث العلمي على مستوى الملكية إلى قسمين هما: مؤسسات القطاع العام، والمؤسسات البحثية الخاصة؛ أما المؤسسات الأولى فمجمل تمويلها يأتي من القطاع العام، وتكون مساهمة القطاع الخاص مباشرة من خلال تمويلات مختلفة عادة و غير مباشرة من خلال الأداءات التي تفرضها الحكومة في بعض البلدان.  أما المؤسسات الثانية فهي ممولة من القطاع الخاص مباشرة، وذلك ضمن برامجها التنموية، فمعظم الشركات الخاصة بالبلدان الصناعية والمتقدمة تملك ما يسمى بقسم البحث والتطوير (Research &Development Department (R & D)، وتكون مؤسسات القطاع الخاص الممول الرئيس لبحوثها المتخصصة التي تعود عليها بصفة مباشرة بعوائد مالية.   تشير أحكام الرأي العام بخصوص مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحوث إلى العديد من الإشكاليات التي تحوم حول المساهمة الضئيلة، وعزوف مؤسسات هذا القطاع بالبلدان النامية خاصة، وتتعدد الأسباب لتفسير هذا السلوك  في كثير من الدراسات السابقة لتشمل: التواكل علي الحكومة، و قلة الثقة بأجهزة البحوث المحلية وأهمية نتائجها في العملية الإنتاجية، وبالتالي عدم فهم العلاقة المباشرة لنتائج البحوث بالعوائد التي يمكن حصدها وتأثيرها علي أدائها، لكن يمكن أن نذكر أيضا من بين هذه الأسباب في البلدان النامية بالتحديد؛ غياب الآليات والنظم التي تحكم هذه المساهمة، و تجبر القطاع الخاص على لعب دوره في عملية البحث العلمي والتطوير، مما ترك الفرصة  للعقلية الانتهازية Free Rider Behavior)) أن تسود، وتتغلب على سلوك التعاون والمساهمة، وفي هذا السياق توجد أيضا أسباب أخرى تتعلق بحجم مؤسسات القطاع الخاص، و ضعف مواردها وأدائها وسلوك إدارتها وأصناف ملكيها، ففي البلدان النامية تتميز مؤسسات القطاع الخاص بصغر حجم معاملاتها، وعدم قدرتها على إنجاز بحوث تنموية لتحسين أدائها ومواكبة التحديات الناتجة عن المنافسة بالأسواق الداخلية و الخارجية، أما بخصوص دورها في البحوث المقترحة من الحكومة فهي غير مجبرة بالإضافة إلى عدم اقتناع إدارتها بالمساهمة برغم الاستفادة المباشرة أو غير المباشرة التي يمكن أن تحصدها المؤسسة من هذه البحوث التنموية.   تشير بعض الدراسات والمعاينات في البلدان الصناعية إلى أن مساهمة القطاع الخاص في البحوث والتطوير مرتبطة مباشرة بالعوائد المالية والمؤكدة التي يمكن الحصول عليها، و تعد العوائد المتوقعة التي ستضيفها نتائج البحوث على أداء مؤسسات القطاع الخاص من أهم العوامل التي تركز عليها هذه المؤسسات في قرار مساهمتها في تمويل البحوث العلمية.  يواجه هذا القرار كما تبينه نظريات ومبادئ اقتصاديات الاستثمار صعوبة في عملية تقدير نسبة العوائد والمخاطر التي ترتبط بتمويل البحوث التي تحول مع عوامل أخرى في العديد من الحالات دون استعداد مؤسسات القطاع الخاص للمساهمة في تمويل البحوث.  تناقش هذي الورقة أهمية حقائق ومعوقات مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحوث العلمية، مع التركيز علي أهمية وضرورة توضيح الفائدة من البحوث العلمية، وخاصة نسبة العوائد المقدرة (Estimated Rate Of Return) ونسبة المخاطر للقطاع الخاص، بالإضافة إلي التوزيع العادل لتكلفة الاستثمار علي المستفيدين لكي لا يكون هناك انتهازية.  ولهذا الغرض تناقش الورقة ثلاثة محاور رئيس توضح إشكالية تمويل البحوث ودور القطاع الخاص، وهي:  1-   استنتاجات  الوضع الحالي لتمويل البحوث.  2-   طرح لمبادئ اقتصاديات البحوث والاستثمار فيها.  3-   عوائد البحوث تقديرها ودورها في التمويل الخاص.  تعتمد هذه الورقة علي أمثله من بعض دول العالم في طرح إشكالية دور القطاع الخاص في تمويل البحوث العلمية، وتأثير عوائد البحوث علي سلوك وقرارات الممولين، وتركز الورقة مباشرة علي العوامل الرئيس المؤثرة علي نسبة عوائد البحوث، وخاصة منها عامل الزمان والتعقيدات الناتجة عن تقدير هذه التنمية ونسبتها.  تختم الورقة بتصحيح بعض الأحكام التي أسندت إلى القطاع الخاص في دوره التمويلي للبحوث بالدول النامية والدول العربية لتقدم إشكالية ورؤى مختلفة لهذا الدور.  من هذا المنطلق لن تقدم الورقة مقترحات لتطوير دور القطاع الخاص في البحوث العلمية بالدول النامية، بل تقترح إعادة التقييم والطرح الصحيح لهذا الدور بغية تحديد المسؤوليات، وبالتالي تصحيح الوضع ، ويتركز الطرح المقترح على إلغاء إشكالية عزوف القطاع الخاص عن المساهمة في تمويل البحوث العلمية، واستبداله بطرح جديد لنتساءل فيه عن مسؤولية مؤسسات القطاع الخاص في تمويل البحوث وتبريرها، وتحديد آليات عملية لتحقيق هذه المساهمة .  1– الوضع الحالي لتمويل البحوث العلمية :  تشير البيانات المتوفرة من عدة مصادر بأن الإنفاق الحكومي والخاص في البحوث العلمية تباين في العديد من دول العالم، فإن المتمعن في تفاصيل هذه البيانات يلاحظ الاختلاف الكبير بين الدول في طرق بناء مجتمعات المعرفة والتطور والنماء من خلال البحوث والتطوير، نستعرضها في ثلاثة مؤشرات:  المؤشر الأول: يتمثل في نسبة التمويل للبحوث من الناتج المحلي الخام الذي يستعمل في مقارنات بين دول العالم، وللتعريف بسياسات الدول في البحوث والتكنولوجيا، انظر جدول رقم (1).  في هذا السياق يصل إنفاق الدول ذات دخل الفرد العالي بين 1.5 إلى 3% من الناتج القومي؛ ففي بعض الدول مثل " السويد "  يبلغ هذا الإنفاق 3.8% ، لكن من ناحية أخرى تنفق معظم الدول النامية أقل من 1% من نتاجها المحلي على البحوث خاصة منها دول أفريقيا والدول العربية التي تبقى إلى حد الآن الأقل إنفاقا على البحوث.  ففي الدول العربية مثلاً لا يتعدى الإنفاق أكثر من 0.2% في البحوث وذلك برغم مواردها المتزايدة من البترول، والغاز، وموارد طبيعية أخرى.. ومن أهم مؤثرات هذا الضعف في التمويل للبحوث نجد الكثير من البلدان العربية والنامية تتعهد حكوماتها بتغطية نسبة كبيرة من نفقات البحوث في حال غياب دور القطاع الخاص.   وفي سياق هذا المؤشر ندرج مقارنة أخرى لتأكيد ضعف الاستثمار في البحوث بالدول العربية؛ فعلى مستوى التمويل نلاحظ أن في سنة 2004م بلغت قيمة الاستثمار العالمي في البحوث والتطوير 830 مليون دولار بنسبة 134.4 دولار للفرد الواحد، بينما لا تتعدى استثمارات العالم النامي أكثر من 183 مليون دولار بمتوسط 42.8 دولار للفرد، لكن بلغت الاستثمارات في البلدان الصناعية 647 مليون دولار و 540 دولار للفرد، أما في البلدان العربية فقد بلغ حجم الإنفاق 1.9 مليون أي بما يساوي 0.2% من إجمالي العالم، ومتوسط 6.4 دولار للفرد الواحد (UNESCO GERD Statistic 2004) هذا مؤشر أول عن ضعف الاستثمار.  المؤشر الثاني: فهو يتعلق بمساهمة القطاعات في تمويل البحث العلمي؛ وتشير البيانات المتوفرة إلى أن إنفاق القطاع الخاص بالدول المتقدمة الصناعية يصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما تنفقه الحكومة، كما هو موضح بالجدول رقم (1)، بينما لم يتعدى 20% من إجمالي الإنفاق بالدول النامية والدول العربية.  المؤشر الثالث: يتمثل في تباين أعداد الباحثين من مختلف مصادر البحوث، وعدد الباحثين بالنسبة للسكان في البلدان النامية والصناعية؛ ففي البلدان الصناعية تساهم شركات القطاع الخاص بما يزيد عن 50% من إجمالي أعداد الباحثين بالبلد، بينما لا يفوق عدد الباحثين بالقطاع الخاص في بعض البلدان النامية10% ، كما أن هذا التباين شاسع في أعداد الباحثين لكل مليون مواطن، وتتضح الصورة أكثر إذا ما تطلعنا على بيانات الموارد البشرية العاملة بالبحوث وتوزيعها على القطاع الحكومي والخاص كما هو مبين في الجدول (2).   جدول رقم (1):تمويل البحوث والتطوير حسب القطاع   البلد  إجمالي التمويل  (بليون عملة محلية)  النسبة من 6%  نسبة الإنفاق الحكومي%  نسبة إنفاق القطاع الخاص%  نسبة تمويل الجامعات%  قطاع خاص غير ربحي  تمويل خارجي  استراليا (2004)  16  1.8  40  4  0.4  1.7  2.6  الصين (2006)  300  1.45  24.7  69.1  00  1.6  4.6  الدنمرك (2006)  40  2.45  27.2  60  00  2.8  10  فرنسا (2006)  38  2.12  16  77  6.7  0.3  00  اليابان  00  00  38.2  52.5  10  00  00  الولايات المتحدة الأمريكية (2006)  344  2.61  00  65  2.6  2.4  00  الهند (2004)  216  0.7  75  20  5  00  00  الكويت (2003)  21  0.18  80  20  00  00  00  السودان (2006)  108  0.28  00  00  00  00  00  تونس (2005)  207  1.03  46  14  30  00  10  المغرب (2003)  3  0.56  41  12.5  46.5  00  00  ماليزيا (2004)  2  0.9  21.5  71  7.0  00  0.5    جدول رقم (2): عدد الباحثين حسب القطاع:      البلد  عدد الباحثين سنة 2005  شركات إنتاج خاصة  حكومة  مؤسسات تعليم عالي  مؤسسات خاصة غير ربحية  عدد الباحثين لكل مليون  استراليا  23,000  8,500  47,000  2,500  –  البرازيل  22,000  5,600  56,000  1,000  790  كندا  76,000  7,200  41,000  460  3900  فرنسا  108,000  26,000  66,000  3,500  3400  إيطاليا  86,000  46,000  136,000  8,600  2200  اليابان  527,000  36,000  301,000  10,000  6900  الجزائر  –  730  13,075  –  450  السودان  224  2,240  8,750  –  340  تونس  –  3,200  23,000  –  2,500  المصدر: 2007– UNISCO–6ER9  ليس هناك شك للمتأمل في واقع التمويل للبحث العلمي بالبلدان النامية أن يلاحظ أن هناك تبايناً كبيراً وفجوة واضحة عن الوضع الموجود في البلدان الصناعية المتقدمة والبلدان النامية، ومنها البلدان العربية.  ومن هنا نجد عدة بلدان أفريقية مثلاً؛ تعهدت حكوماتها برفع حجم التمويل إلى 1% من الناتج المحلي لتغطية النقص في التمويل، وذلك استجابة لضغوطات بعض المؤسسات الدولية، كما تخطط دولة الهند إلى الرفع من هذا التمويل إلى 2% بنهاية سنة 2010م على نفقة الحكومة.   والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بدور القطاع الخاص في هذه التعهدات للنهوض بالبحث العلمي.  فقد أقرت بعض الدراسات السابقة أنه لا يمكن الرفع من قيمة التمويل للبحث العلمي بالدول النامية، ومنها العربية إلا بتفعيل دور القطاع الخاص (معين حمزة– ندوة التمويل العربي للبحث العلمي). لكن ماهي الطرق والآليات؟ وقد اتضح أن سلوك القطاع الخاص وعزوفه عن تمويل البحوث أصبح من الأمر الواقع الذي ليس له حلول، حيث يرى بعض الملاحظين و المحللين أن غياب الضغوط على القطاع الخاص وغياب إلزامه في المساهمة دفع بهذا السلوك العزوفي إلى الاستمرار.  2– اقتصاديات الاستثمار في البحوث:  من المعلوم أن قرارات الاستثمار في القطاعات الإنتاجية تبنى على نسبة العوائد والفائدة المتوقعة، سواء أكان الاستثمار من الحكومة أم من القطاع الخاص، ويكون القرار دائما مرتكزاً علي هذه العوائد التي عادة ما تقدر بنسبة ما يسمى بالعائد الداخلي للمشروع  IRR، فالمشاريع ذات العائد المرتفع يكون القرار في انجازها ايجابيا والعكس صحيح.  تنجز الحكومات العديد من المشاريع وعادة ما تكون نسبة عوائدها علي الأمد الطويل مرتفعة، وبالتوازي يكون قرار القطاع الخاص بنفس القاعدة مماثلا ً لانجاز مشاريعه.  بالنسبة للبحوث العلمية كمشاريع استثمارية فإنجازها لا يختلف عن أية مشاريع أخرى؛ حيث يبنى قرار الإنجاز على القواعد نفسها، إلا أن هناك اختلافاً بسيطاً يتعلق بخصوصية المشاريع البحثية؛ يتمثل هذا الاختلاف في الأهداف التي في بعض الأحيان تضيف طابعاً خاصاً على الفوائد والتكاليف، وتنفق الحكومات على البحوث العلمية في مجالات متعددة، وذلك لأغراض تنموية من أهمها:  §         الحد من الاعتماد علي البحوث الخارجية في حل مشاكل خصوصية .  §         استغلال الطاقات البشرية الوطنية والمادية.  §         الافتخار الوطني National pride  §         توطيد العلاقات بين البحوث والتنمية الوطنية.  §         تحقيق الأهداف الوطنية التنموية.  §         المحافظة علي التراث والمكتسبات الوطنية كقواعد الجينات لبعض الشتلات الزراعية والحيوانية الملائمة للبيئة المحلية والموارد الطبيعية.  §         الرفع من أداء المؤسسات الإنتاجية والخدمية.  ومن هنا يأتي الدور الإلزامي للحكومة في تمويل هذه البحوث التنموية من خلال توفير البنية التحتية، والموارد البشرية، والتجهيزات.. وغيرها من مستلزمات البحوث التي تطلب تمويل متواصل ومهم. أما القطاع الخاص فاهتمامه بالاستثمار في البحوث يختلف وقراره في المساهمة في تمويل البحوث العامة التنموية يوصف بالانتهازية " Free Rider ". وهناك نوعان من الاستثمار في البحوث بالنسبة للقطاع الخاصهما:  §      النوع الأول: وهو الخصوصي الذي يخص المؤسسة لوضع حلول تستفيد منها مباشرة دون غيرها ، لتطوير أدائها والرفع من أرباحها، ويوجد في هذا النوع العديد من المؤسسات المنتجة في كل المجالات الاقتصادية تنشئ ما يسمى بقسم (R&D) البحوث والتطوير للقيام ببحوث تؤدي إلي هذه الحلول، كما أن هناك بعض المؤسسات الأخرى التي توكل هذه المهمة إلى بيوت خبرة لإنجاز هذه البحوث، وقد تواجه هذه المؤسسات نسبة كبيرة من المخاطر في استثماراتها البحثية؛ حيث إن الحلول المقدمة من هذه البحوث غير مضمونة، وربما لا تؤدي إلى فوائد إضافية تتوقعها المؤسسة برغم أن الفائدة تبقى العامل الرئيس للقرار .  §      النوع الثاني: وهو المهم والمتمثل في بحوث تنموية تقترحها الحكومة، ولها عوائد مباشرة وغير مباشرة علي مؤسسات القطاع الخاص، وهنا يكمن إشكال عزوف القطاع الخاص عن المساهمة في التمويل، ويوجد له في بعض البلدان المتقدمة أنظمة وآليات لإجبار القطاع الخاص للمساهمة في هذه البحوث، لكن لا توجد مثل هذه الآليات في العديد من بلدان العالم النامي.  وهناك العديد من العوامل التي تفسر سلوك القطاع الخاص تجاه المساهمة في البحوث التي تبينها مبادئ الاقتصاد يمكن أن نذكر منها:  §        الأسواق التنافسية  Competitive Market التي تنتج القليل من الاستثمار في البحوث.  §        الفوائد المحققة من نتائج البحوث ليس لها ملكية، فالكل يستفيد منها بدون المساهمة في التكاليف.  §        نسبة المخاطرة التي تصاحب استثمارات البحوث.  §        عقلية الانتهازية Free Rider التي تسود العديد من مؤسسات القطاع الخاص بالبلدان النامية.  غير أنّ في حقيقة الأمر تحقق الأسواق التنافسية نسبة كبيرة من الاستثمار في البحوث التخصصية في مؤسسات القطاع الخاص في البلدان الصناعية؛ حيث إن هذه المؤسسات تتنافس من خلال الأداء والتكلفة والسعر، وتصبح البحوث ضرورة في عملية الإنتاج.  و من أهم خاصيات الاستثمار في البحوث:  1-      تركيبة التكاليف التي عادة ما تتميز بما لا يقل عن 50% من تكاليف الموارد البشرية .  2-      تتميز أيضا بملكية المعرفة الممنوحة للموارد البشرية Knowledge Asset التي تضيع عند مغادرتهم للمؤسسة.  3-       تواصل الاستعمال والاستفادة من نتائج البحوث لفترة زمنية طويلة .  4-      كلفة التعديل عند ظهور نتائج جديدة عالية بما يتطلب نسبة عائد عالية.  كما يتميز الاستثمار في البحوث بدرجة عالية من المخاطرة Risk  & Uncertainty  الناتجة عن تأثير عدة عوامل على الأداء والأرباح وخاصة في بداية المشروع، كما أن الفائدة تتوزع بدون تغيير .  3– نسبة العائد على البحوث: الدور و الصعوبات:  لقد قدمت البحوث عوائد كبيرة للمجتمعات والأفراد بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتعتبر نسبة العائد المبرر الرئيس للاستثمار في البحوث عامة، غير أن نسبة العائد عادة ما تصاحبها نسبة خطأ – كما ذكرنا سابقاً في التقدير– ناتجة عن عدة أسباب أو عدة مصادر، ويعدّ العائد على الاستثمار في البحوث كمؤشر الإنتاجية خلال مدة الاستفادة من نتائج البحوث.  ويستعمل التقييم التقليدي للعائد الداخلي لتمويلات البحوث المعادلة التالية:  وتكون:   = القيمة الحاضرة للفائدة الخام الإجمالية.             = القيمة الحاضرة للتكاليف الخام الإجمالية.  §         t= الفترة الزمنية التي تبدأ من السنة الأولى إلى السنة الأخيرة من الاستفادة.t=0----n  §         ق= discount rate نسبة التخفيض أو النقص.  ويتم الحصول على نسبة العائد الداخلي للاستثمار في البحوث من خلال حل هذه المعادلة لنسبة التخفيض ( r ) التي بدورها تكون نسبة العائد الداخلي، ويتضح من هذه المعادلة التي بدورها تستعمل لتقييم عوائد الاستثمار في أنواع مختلفة من المشاريع.  إن تقييم الفائدة الحاصلة من البحوث لفترة زمنية طويلة (1-t ) يتأثر أولاً بتوافر مخزون المعرفة والحاصل من بحوث سابقة، وبالتالي يكون للاستثمار في البحوث في فترة معينة فائدة في فترات قادمة تؤثر على عوائد البحوث المنجزة في فترة (t) بما يسمى التأثير الرجعي "Lag effect "، وهنا تكمن صعوبات تقدير الفائدة من البحوث.  لقد تم التغلب على هذه الصعوبات باستعمال أمثلة ونماذج كمية معقدة نسبياً. Parday & Graig, 1989), (1989, Alston, Grog& Parday 1998.  وتبقى مشكلة إسناد فوائد البحوث العقبة الرئيس في هذه النماذج الكمية بسبب عدم وجود البيانات، بالإضافة إلى التعقيدات في توزيع هذه الفائدة على مشاريع بحثية متداخلة، وقد أدى استعمال هذه النماذج لنتائج متباينة إلى حد التشكيك في استعمالها كما هو مبين بالجدول (3).  تشير الدراسات في مجال نسبة العائد إلى وجود العديد من الطرق والأساليب لتقدير وتصنيف نسبة عائد البحوث، كما تشير الدراسات الكميّة لهذا العائد إلى أن هناك تضارباً في النتائج وتبايناً في حجم العوائد المقدرة (Alston e. al 2000)؛ ففي دراسة عن عوائد البحوث الزراعية مثلاً تم تحديد مدى الفارق بين العديد من التقديرات الذي تراوح بين ضعفين على 100 ضعف.  تتمثل عملية تقدير العائد للاستثمار وقياس الإنتاجية في تقييم التكاليف والفوائد أولاً، ولا تخلو هذه العملية من الخطأ؛ حيث عادة ما تتعرض إلى تقدير غير صحيح بالنقص أو الزيادة، وذلك لتداخل المشاريع التنموية وفوائدها، وتوزيع هذه الفوائد على كل أفراد ومؤسسات المجتمع، وتواجه عملية تقييم عوائد البحوث العديد من الإشكاليات من بينها وأهمها: إشكالية إسناد النتائج ((Attribution Problem وعلاقتها بالتمويل، ويتعلق هذا الإشكال بتداخل البحوث Appropriability) ) ، وتوزيع فوائدها على كل المستعملين، وخاصة الذين لم يساهموا في التمويل ( (Free Riders الشئ الذي يمثل مصدر خطأ في هذه العملية.  كما تعتبر مشكلة الإسناد المصدر الأول لهذا الخطأ؛ لأنه في كل الحالات لا يمكن إسناد الإنتاجية لعنصر البحوث وحدها بسبب وجود عدة عناصر أخرى ساهمت في هذه الإنتاجية (Schultz 1956)، كما أن التغيير في الإنتاجية من فترة زمنية إلى أخرى يؤثر أيضاً على حجم الإنتاجية سلباً وإيجاباً، وبالتالي تدخل على عائد البحوث نسبة خطأ تكون في بعض الحالات مضللة عند اتخاذ قرار تمويل البحوث، وخاصة في مساهمة القطاع الخاص.  وبالإشارة إلى بعض الأمثلة لواقع نسبة عوائد البحوث وحجمها، كما هو مبين بالجدول رقم (3) يتضح أنها تثير بعض الشكوك في صحتها، وذلك لارتفاعها وارتفاع حجم العوائد الإجمالية للبحوث، وهناك أمثلة عديدة على هذا الخطأ والتضارب من أهمها: العائد المقدّر بنسبة سنوية تقدّر بـ 48% لاستثمار الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1980م في مجال الزراعة والبالغ 1.21 بليون دولار، وتقدّر الفوائد لهذا الاستثمار بما لا يقل عن 3000 بليون دولار بعد 20 سنة أي في سنة 2000 ، وهو ما يعادل أكثر من ثلث الناتج المحلي السنوي للولايات المتحدة، وأكثر من 20 مرة للناتج الزراعي لها، فهل هذا مقبول؟! سؤال لا نستطيع الإجابة عنه بل يزيد في شكوكنا في تقدير العوائد للبحوث.  وتؤكد الدراسات السابقة أن هناك تعيقدات ومشاكل في احتساب نسبة العائد للبحوث (Alston & Parday 1996)، وذلك للأسباب التالية:  §         تقليل التكاليف.  §         تعظيم الفائدة.  §         إسناد فوائد مشاريع أخرى إلى نتائج البحوث.  هذا بالإضافة إلى التوجه العام لتضخيم العوائد.   بالنسبة للخطأ الناتج في عملية تقييم تكلفة البحوث والمتعلق عامة بتصورها على نحو اقل مما تقتضيه الحقيقة " understated "، وذلك لعدم احتساب الكلفة الاجتماعية "Social Costs" كاملة عند استعمال الموارد للبحوث والتطوير، هذا بالإضافة إلى إهمال أو حذف جزء من التكاليف القارة لبعض البحوث من إجمالي التكاليف بسبب تناسيها أو صعوبة تقييمها.   جدول رقم 3: نتائج تقديرات عوائد البحوث ( عينة من مختلف الدراسات)  للبحوث الزراعية:  نوع البحوث  عدد الدراسات  متوسط العائد  القيمة الدنيا للعائد  القيمة العليا للعائد  Basic  30  79  -1.3  457  تطبيقية Applied  192  164  6.0  5645  كل أنواع البحوث  904  88  -7.4  720  بحوث خاصة بالثروة الحيوانية  233  121  2.5  5645  بحوث محاصيل فائضة  108  88  1.4  1736  المصدر: Alston et. al. 2000   أما في ما يخص تقدير الفائدة أو العائد فهناك اتفاق في المبالغة في تقييم حجمها لثلاثة أسباب رئيس:  §          الأول: يتمثل في صعوبة إسناد العوائد إلى نتائج مشروع بحثي بذاته، وبالتالي احتساب فوائد قد تكون ساهمت فيها مشاريع أخرى وإسنادها لمشروع ما.  §          الثاني: فهو يتعلق بطرق تحليل وتقدير الفائدة من مشروع بحثـــي؛ حيث يمكن تجاهل بعض العوامل المؤثرة على العوائد بسبب غيــــاب البيانات الكمية أو صعوبـــة الحصول عليها؛ ينتج عن هذا في أغلب الحالات مغالاة في تقدير الفوائد، وبالتالي مغالاة في نسبة العائد للبحـــوث.  §          السبب الثالث: ويتمثل في أمر شائع وهو السلوك الشخصي لبعض المسئولين الذي يتجه للمغالاة في العوائد لإقناع الممولين.  الخاتمــة:  في ختام هذه الورقة نستطيع الجزم بأن إدارك القطاع الخاص بأهمية البحوث لا يمثل إشكالا في حد ذاته؛ حيث إن مؤسسات القطاع الخاص تستخدم تقنيات ناتجة عن بحوث علمية في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية سواء أكانت منتجة في داخل البلاد أم خارجها.  ولابد من الإقرار بأن تحفيز القطاع الخاص وذلك من خلال التغلب علي الصعوبات التي تمنعه من تمويل البحوث ليست بالأمر السهل، لكن الحال الأنسب هو إلزامها بدفع نسبة مئوية تحدد علي حساب إجمالي مبيعاتها .  لكن الإشكال المتنامي يتمثل في نقص مساهماتهم في الاستثمارات للبحوث نتيجة تواكلهم علي الإنفاق الحكومي والاعتماد على تقنيات مستوردة أنتجتها بحوث خارجية.   أما بالنسبة للاستثمار الحكومي فهو يبقى دائماً محدوداً من حيث القيمة والنوع، ولا يمكن أن يغطي كل المجالات الإنتاجية، وهنا تتضح إشكالية تمويل البحوث العلمية، وعزوف القطاع الخاص عن المساهمة. لكن هل الأسباب التي ذكرت سابقاً مقنعة في رأينا؟ نستطيع القول إن القطاع الخاص في البلدان النامية ليس المسؤول الوحيد عن ضعف مساهمته.  لكن باعتبار أن الاستفادة العامة من استثمارات الحكومة في البحوث Spillover  علي كل القطاعات الإنتاجية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإن عزوف القطاع الخاص عن المساهمة المباشرة في هذه الاستثمارات يعتبر إشكالا يتم تبريره بعدم وجود وسيلة إقناع حقيقية لتوضيح الفائدة وإلزامه بالتمويل.  وفي تطرقنا إلي عامل نسبة العوائد وتعقيدات تقديرها تبين مثالاً واضحاً لهذا الاشكال، فمؤسسات القطاع الخاص في مجملها لا تقدر إلا الفائدة، وخاصة فيما يتعلق بالعائد المباشر علي أرباحها و أدائها.  فإذا ما تمكنا من تقدير العوائد ونسبة توزيعها علي القطاعات بطريقة سهلة الفهم اعتقد إن القطاع الخاص سيتجاوب مع متطلبات التمويل، ويدرك أهميتها؛ وبالتالي إدراج موازنات للبحوث والتنمية. لكن وكما وضحت بعض الدراسات - التي تم ذكرها سابقاً- تعد هذه المهمة غير سهلة؛ حيث إن نتائج البحوث تبقى دائماً غير مضمونة، هذا بالإضافة إلى صغر حجم مؤسسات القطاع الخاص؛ وبالتالي ضعف قدرتها على المساهمة.  نجد في العديد من التقارير والدراسات مقترحات عامة تتعلق بالقطاع الخاص ومساهمته في تمويل البحث العلمي منها مثلا:  §         تنشيط المشاركة الفعالة للقطاع الخاص.  §         إلزام القطاع العام علي المساهمة.  §         تدخل الحكومة لإجبار القطاع الخاص.  نتجت هذه المقترحات عن طرح بسيط لإشكالية تمويل البحث العلمي و دور القطاع الخاص، ربما طال الزمن بهذا الطرح لكن لم يتحسن الوضع، ولم يرق دور القطاع الخاص إلى المستوى المتوقع، فلنغير الطرح إذاً إلى حقيقة أخرى ربما تأتي بنتيجة.   يتركز الطرح المقترح على إلغاء إشكالية عزوف القطاع الخاص عن المساهمة في تمويل البحوث العلمية، واستبداله بطرح جديد لنتساءل عن مسؤولية مؤسسات القطاع الخاص في تمويل البحوث وتبريرها، وتحديد آليات عملية لتحقيق هذه المساهمة، تتمثل هذه الإشكالية المطروحة في السؤال التالي:" هل للقطاع الخاص مسؤولية في تمويل البحوث العلمية في البلدان النامية؟ ". فلنحلل إشكالية تمويل البحث العلمي انطلاقاً من هذا الطرح، ونحدد هذه المسؤولية أولا معتمدين على خصوصيات القطاع الخاص بهذه البلدان وإمكاناته، وقناعته المبنية بصفة خاصة علي الفائدة والعائد المالي.  الجزء الكبير من هذه الإشكالية المقترحة يتمثل في ضرورة  توضيح العوائد المالية، وتقديرها تقديراً صحيحاً، ومد القطاع الخاص ببيانات حقيقية تساعده علي اتخاذ القرار في مجال الاستثمار في البحوث  المصــادر:  §   Reassessing Research Returns. J. M. Alston& P.G. Pardey invited paper. Intl. Ass. of Ag. Economics. Berlin. August 2000.  §   “Schultz T.W Reflection on Agricultural Production Output and Supply. Journal of Ag. Economics. 38. 1956.  §   Pardey, P.G. and B. Craig “Causal relationship between public sector Ag. Research Expenditures and output” Inl. Journal of Ag. Economics 71, 1989.  §   2004- UNISCO. GERD Statistics  §          معين حمزة– ندوة التمويل العربي للبحث العلمي التمويل العربي للبحث العلمي والتجربة الأوروبية.  §          أديت كولو: قضايا التمويل والإنفاق في البحث العلمي والتطوير ومؤسساته ومتطلبات ابتكار مصادر جديدة– المؤتمر الوطني للبحث العلمي– أيار 2006– دمشق .  §          محمد مسعد ياقوت– أزمة البحث العلمي في العالم العربي: ما الحل؟– 2006.

د. عبدالله أم الزين

المقدمـــة:

يعد البحث العلمي في كل بلدان العالم استثماراً يحقق بدون إي شك نتائج تستخدم في العديد من مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ وبالتالي تدر على المجتمع بكافة أفراده و فآته فوائد تمكنه من تحسين ظروف العيش، والمحافظة على ثرواته و بيئته.

ويعتبر تمويل البحوث العلمية من طرف الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص بكافة أنواعها عاملا رئيساً وضرورياً لضمان بحوث هادفة و ملائمة لاحتياجات البلد و خططه التنموية.

تنقسم مؤسسات البحث العلمي على مستوى الملكية إلى قسمين هما: مؤسسات القطاع العام، والمؤسسات البحثية الخاصة؛ أما المؤسسات الأولى فمجمل تمويلها يأتي من القطاع العام، وتكون مساهمة القطاع الخاص مباشرة من خلال تمويلات مختلفة عادة و غير مباشرة من خلال الأداءات التي تفرضها الحكومة في بعض البلدان.  أما المؤسسات الثانية فهي ممولة من القطاع الخاص مباشرة، وذلك ضمن برامجها التنموية، فمعظم الشركات الخاصة بالبلدان الصناعية والمتقدمة تملك ما يسمى بقسم البحث والتطوير (Research &Development Department (R & D)، وتكون مؤسسات القطاع الخاص الممول الرئيس لبحوثها المتخصصة التي تعود عليها بصفة مباشرة بعوائد مالية.

 تشير أحكام الرأي العام بخصوص مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحوث إلى العديد من الإشكاليات التي تحوم حول المساهمة الضئيلة، وعزوف مؤسسات هذا القطاع بالبلدان النامية خاصة، وتتعدد الأسباب لتفسير هذا السلوك  في كثير من الدراسات السابقة لتشمل: التواكل علي الحكومة، و قلة الثقة بأجهزة البحوث المحلية وأهمية نتائجها في العملية الإنتاجية، وبالتالي عدم فهم العلاقة المباشرة لنتائج البحوث بالعوائد التي يمكن حصدها وتأثيرها علي أدائها، لكن يمكن أن نذكر أيضا من بين هذه الأسباب في البلدان النامية بالتحديد؛ غياب الآليات والنظم التي تحكم هذه المساهمة، و تجبر القطاع الخاص على لعب دوره في عملية البحث العلمي والتطوير، مما ترك الفرصة  للعقلية الانتهازية Free Rider Behavior)) أن تسود، وتتغلب على سلوك التعاون والمساهمة، وفي هذا السياق توجد أيضا أسباب أخرى تتعلق بحجم مؤسسات القطاع الخاص، و ضعف مواردها وأدائها وسلوك إدارتها وأصناف ملكيها، ففي البلدان النامية تتميز مؤسسات القطاع الخاص بصغر حجم معاملاتها، وعدم قدرتها على إنجاز بحوث تنموية لتحسين أدائها ومواكبة التحديات الناتجة عن المنافسة بالأسواق الداخلية و الخارجية، أما بخصوص دورها في البحوث المقترحة من الحكومة فهي غير مجبرة بالإضافة إلى عدم اقتناع إدارتها بالمساهمة برغم الاستفادة المباشرة أو غير المباشرة التي يمكن أن تحصدها المؤسسة من هذه البحوث التنموية.

 تشير بعض الدراسات والمعاينات في البلدان الصناعية إلى أن مساهمة القطاع الخاص في البحوث والتطوير مرتبطة مباشرة بالعوائد المالية والمؤكدة التي يمكن الحصول عليها، و تعد العوائد المتوقعة التي ستضيفها نتائج البحوث على أداء مؤسسات القطاع الخاص من أهم العوامل التي تركز عليها هذه المؤسسات في قرار مساهمتها في تمويل البحوث العلمية.

يواجه هذا القرار كما تبينه نظريات ومبادئ اقتصاديات الاستثمار صعوبة في عملية تقدير نسبة العوائد والمخاطر التي ترتبط بتمويل البحوث التي تحول مع عوامل أخرى في العديد من الحالات دون استعداد مؤسسات القطاع الخاص للمساهمة في تمويل البحوث.

تناقش هذي الورقة أهمية حقائق ومعوقات مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحوث العلمية، مع التركيز علي أهمية وضرورة توضيح الفائدة من البحوث العلمية، وخاصة نسبة العوائد المقدرة (Estimated Rate Of Return) ونسبة المخاطر للقطاع الخاص، بالإضافة إلي التوزيع العادل لتكلفة الاستثمار علي المستفيدين لكي لا يكون هناك انتهازية.

ولهذا الغرض تناقش الورقة ثلاثة محاور رئيس توضح إشكالية تمويل البحوث ودور القطاع الخاص، وهي:

1-   استنتاجات  الوضع الحالي لتمويل البحوث.

2-   طرح لمبادئ اقتصاديات البحوث والاستثمار فيها.

3-   عوائد البحوث تقديرها ودورها في التمويل الخاص.

تعتمد هذه الورقة علي أمثله من بعض دول العالم في طرح إشكالية دور القطاع الخاص في تمويل البحوث العلمية، وتأثير عوائد البحوث علي سلوك وقرارات الممولين، وتركز الورقة مباشرة علي العوامل الرئيس المؤثرة علي نسبة عوائد البحوث، وخاصة منها عامل الزمان والتعقيدات الناتجة عن تقدير هذه التنمية ونسبتها.

تختم الورقة بتصحيح بعض الأحكام التي أسندت إلى القطاع الخاص في دوره التمويلي للبحوث بالدول النامية والدول العربية لتقدم إشكالية ورؤى مختلفة لهذا الدور.

من هذا المنطلق لن تقدم الورقة مقترحات لتطوير دور القطاع الخاص في البحوث العلمية بالدول النامية، بل تقترح إعادة التقييم والطرح الصحيح لهذا الدور بغية تحديد المسؤوليات، وبالتالي تصحيح الوضع ، ويتركز الطرح المقترح على إلغاء إشكالية عزوف القطاع الخاص عن المساهمة في تمويل البحوث العلمية، واستبداله بطرح جديد لنتساءل فيه عن مسؤولية مؤسسات القطاع الخاص في تمويل البحوث وتبريرها، وتحديد آليات عملية لتحقيق هذه المساهمة .

1– الوضع الحالي لتمويل البحوث العلمية :

تشير البيانات المتوفرة من عدة مصادر بأن الإنفاق الحكومي والخاص في البحوث العلمية تباين في العديد من دول العالم، فإن المتمعن في تفاصيل هذه البيانات يلاحظ الاختلاف الكبير بين الدول في طرق بناء مجتمعات المعرفة والتطور والنماء من خلال البحوث والتطوير، نستعرضها في ثلاثة مؤشرات:

المؤشر الأول: يتمثل في نسبة التمويل للبحوث من الناتج المحلي الخام الذي يستعمل في مقارنات بين دول العالم، وللتعريف بسياسات الدول في البحوث والتكنولوجيا، انظر جدول رقم (1).

في هذا السياق يصل إنفاق الدول ذات دخل الفرد العالي بين 1.5 إلى 3% من الناتج القومي؛ ففي بعض الدول مثل " السويد "  يبلغ هذا الإنفاق 3.8% ، لكن من ناحية أخرى تنفق معظم الدول النامية أقل من 1% من نتاجها المحلي على البحوث خاصة منها دول أفريقيا والدول العربية التي تبقى إلى حد الآن الأقل إنفاقا على البحوث.

ففي الدول العربية مثلاً لا يتعدى الإنفاق أكثر من 0.2% في البحوث وذلك برغم مواردها المتزايدة من البترول، والغاز، وموارد طبيعية أخرى.. ومن أهم مؤثرات هذا الضعف في التمويل للبحوث نجد الكثير من البلدان العربية والنامية تتعهد حكوماتها بتغطية نسبة كبيرة من نفقات البحوث في حال غياب دور القطاع الخاص.

 وفي سياق هذا المؤشر ندرج مقارنة أخرى لتأكيد ضعف الاستثمار في البحوث بالدول العربية؛ فعلى مستوى التمويل نلاحظ أن في سنة 2004م بلغت قيمة الاستثمار العالمي في البحوث والتطوير 830 مليون دولار بنسبة 134.4 دولار للفرد الواحد، بينما لا تتعدى استثمارات العالم النامي أكثر من 183 مليون دولار بمتوسط 42.8 دولار للفرد، لكن بلغت الاستثمارات في البلدان الصناعية 647 مليون دولار و 540 دولار للفرد، أما في البلدان العربية فقد بلغ حجم الإنفاق 1.9 مليون أي بما يساوي 0.2% من إجمالي العالم، ومتوسط 6.4 دولار للفرد الواحد (UNESCO GERD Statistic 2004) هذا مؤشر أول عن ضعف الاستثمار.

المؤشر الثاني: فهو يتعلق بمساهمة القطاعات في تمويل البحث العلمي؛ وتشير البيانات المتوفرة إلى أن إنفاق القطاع الخاص بالدول المتقدمة الصناعية يصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما تنفقه الحكومة، كما هو موضح بالجدول رقم (1)، بينما لم يتعدى 20% من إجمالي الإنفاق بالدول النامية والدول العربية.

المؤشر الثالث: يتمثل في تباين أعداد الباحثين من مختلف مصادر البحوث، وعدد الباحثين بالنسبة للسكان في البلدان النامية والصناعية؛ ففي البلدان الصناعية تساهم شركات القطاع الخاص بما يزيد عن 50% من إجمالي أعداد الباحثين بالبلد، بينما لا يفوق عدد الباحثين بالقطاع الخاص في بعض البلدان النامية10% ، كما أن هذا التباين شاسع في أعداد الباحثين لكل مليون مواطن، وتتضح الصورة أكثر إذا ما تطلعنا على بيانات الموارد البشرية العاملة بالبحوث وتوزيعها على القطاع الحكومي والخاص كما هو مبين في الجدول (2). 

جدول رقم (1):تمويل البحوث والتطوير حسب القطاع 

البلد

إجمالي التمويل

(بليون عملة محلية)

النسبة من 6%

نسبة الإنفاق الحكومي%

نسبة إنفاق القطاع الخاص%

نسبة تمويل الجامعات%

قطاع خاص غير ربحي

تمويل خارجي

استراليا (2004)

16

1.8

40

4

0.4

1.7

2.6

الصين (2006)

300

1.45

24.7

69.1

00

1.6

4.6

الدنمرك (2006)

40

2.45

27.2

60

00

2.8

10

فرنسا (2006)

38

2.12

16

77

6.7

0.3

00

اليابان

00

00

38.2

52.5

10

00

00

الولايات المتحدة الأمريكية (2006)

344

2.61

00

65

2.6

2.4

00

الهند (2004)

216

0.7

75

20

5

00

00

الكويت (2003)

21

0.18

80

20

00

00

00

السودان (2006)

108

0.28

00

00

00

00

00

تونس (2005)

207

1.03

46

14

30

00

10

المغرب (2003)

3

0.56

41

12.5

46.5

00

00

ماليزيا (2004)

2

0.9

21.5

71

7.0

00

0.5

 

جدول رقم (2): عدد الباحثين حسب القطاع: 

 

البلد

عدد الباحثين سنة 2005

شركات إنتاج خاصة

حكومة

مؤسسات تعليم عالي

مؤسسات خاصة غير ربحية

عدد الباحثين لكل مليون

استراليا

23,000

8,500

47,000

2,500

البرازيل

22,000

5,600

56,000

1,000

790

كندا

76,000

7,200

41,000

460

3900

فرنسا

108,000

26,000

66,000

3,500

3400

إيطاليا

86,000

46,000

136,000

8,600

2200

اليابان

527,000

36,000

301,000

10,000

6900

الجزائر

730

13,075

450

السودان

224

2,240

8,750

340

تونس

3,200

23,000

2,500

المصدر: 2007– UNISCO–6ER9

ليس هناك شك للمتأمل في واقع التمويل للبحث العلمي بالبلدان النامية أن يلاحظ أن هناك تبايناً كبيراً وفجوة واضحة عن الوضع الموجود في البلدان الصناعية المتقدمة والبلدان النامية، ومنها البلدان العربية.

ومن هنا نجد عدة بلدان أفريقية مثلاً؛ تعهدت حكوماتها برفع حجم التمويل إلى 1% من الناتج المحلي لتغطية النقص في التمويل، وذلك استجابة لضغوطات بعض المؤسسات الدولية، كما تخطط دولة الهند إلى الرفع من هذا التمويل إلى 2% بنهاية سنة 2010م على نفقة الحكومة.

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بدور القطاع الخاص في هذه التعهدات للنهوض بالبحث العلمي.

فقد أقرت بعض الدراسات السابقة أنه لا يمكن الرفع من قيمة التمويل للبحث العلمي بالدول النامية، ومنها العربية إلا بتفعيل دور القطاع الخاص (معين حمزة ندوة التمويل العربي للبحث العلمي). لكن ماهي الطرق والآليات؟ وقد اتضح أن سلوك القطاع الخاص وعزوفه عن تمويل البحوث أصبح من الأمر الواقع الذي ليس له حلول، حيث يرى بعض الملاحظين و المحللين أن غياب الضغوط على القطاع الخاص وغياب إلزامه في المساهمة دفع بهذا السلوك العزوفي إلى الاستمرار.

2– اقتصاديات الاستثمار في البحوث:

من المعلوم أن قرارات الاستثمار في القطاعات الإنتاجية تبنى على نسبة العوائد والفائدة المتوقعة، سواء أكان الاستثمار من الحكومة أم من القطاع الخاص، ويكون القرار دائما مرتكزاً علي هذه العوائد التي عادة ما تقدر بنسبة ما يسمى بالعائد الداخلي للمشروع  IRR، فالمشاريع ذات العائد المرتفع يكون القرار في انجازها ايجابيا والعكس صحيح.

تنجز الحكومات العديد من المشاريع وعادة ما تكون نسبة عوائدها علي الأمد الطويل مرتفعة، وبالتوازي يكون قرار القطاع الخاص بنفس القاعدة مماثلا ً لانجاز مشاريعه.

بالنسبة للبحوث العلمية كمشاريع استثمارية فإنجازها لا يختلف عن أية مشاريع أخرى؛ حيث يبنى قرار الإنجاز على القواعد نفسها، إلا أن هناك اختلافاً بسيطاً يتعلق بخصوصية المشاريع البحثية؛ يتمثل هذا الاختلاف في الأهداف التي في بعض الأحيان تضيف طابعاً خاصاً على الفوائد والتكاليف، وتنفق الحكومات على البحوث العلمية في مجالات متعددة، وذلك لأغراض تنموية من أهمها:

§         الحد من الاعتماد علي البحوث الخارجية في حل مشاكل خصوصية .

§         استغلال الطاقات البشرية الوطنية والمادية.

§         الافتخار الوطني National pride

§         توطيد العلاقات بين البحوث والتنمية الوطنية.

§         تحقيق الأهداف الوطنية التنموية.

§         المحافظة علي التراث والمكتسبات الوطنية كقواعد الجينات لبعض الشتلات الزراعية والحيوانية الملائمة للبيئة المحلية والموارد الطبيعية.

§         الرفع من أداء المؤسسات الإنتاجية والخدمية.

ومن هنا يأتي الدور الإلزامي للحكومة في تمويل هذه البحوث التنموية من خلال توفير البنية التحتية، والموارد البشرية، والتجهيزات.. وغيرها من مستلزمات البحوث التي تطلب تمويل متواصل ومهم. أما القطاع الخاص فاهتمامه بالاستثمار في البحوث يختلف وقراره في المساهمة في تمويل البحوث العامة التنموية يوصف بالانتهازية " Free Rider ". وهناك نوعان من الاستثمار في البحوث بالنسبة للقطاع الخاصهما:

§      النوع الأول: وهو الخصوصي الذي يخص المؤسسة لوضع حلول تستفيد منها مباشرة دون غيرها ، لتطوير أدائها والرفع من أرباحها، ويوجد في هذا النوع العديد من المؤسسات المنتجة في كل المجالات الاقتصادية تنشئ ما يسمى بقسم (R&D) البحوث والتطوير للقيام ببحوث تؤدي إلي هذه الحلول، كما أن هناك بعض المؤسسات الأخرى التي توكل هذه المهمة إلى بيوت خبرة لإنجاز هذه البحوث، وقد تواجه هذه المؤسسات نسبة كبيرة من المخاطر في استثماراتها البحثية؛ حيث إن الحلول المقدمة من هذه البحوث غير مضمونة، وربما لا تؤدي إلى فوائد إضافية تتوقعها المؤسسة برغم أن الفائدة تبقى العامل الرئيس للقرار .

§      النوع الثاني: وهو المهم والمتمثل في بحوث تنموية تقترحها الحكومة، ولها عوائد مباشرة وغير مباشرة علي مؤسسات القطاع الخاص، وهنا يكمن إشكال عزوف القطاع الخاص عن المساهمة في التمويل، ويوجد له في بعض البلدان المتقدمة أنظمة وآليات لإجبار القطاع الخاص للمساهمة في هذه البحوث، لكن لا توجد مثل هذه الآليات في العديد من بلدان العالم النامي.

وهناك العديد من العوامل التي تفسر سلوك القطاع الخاص تجاه المساهمة في البحوث التي تبينها مبادئ الاقتصاد يمكن أن نذكر منها:

§        الأسواق التنافسية  Competitive Market التي تنتج القليل من الاستثمار في البحوث.

§        الفوائد المحققة من نتائج البحوث ليس لها ملكية، فالكل يستفيد منها بدون المساهمة في التكاليف.

§        نسبة المخاطرة التي تصاحب استثمارات البحوث.

§        عقلية الانتهازية Free Rider التي تسود العديد من مؤسسات القطاع الخاص بالبلدان النامية.

غير أنّ في حقيقة الأمر تحقق الأسواق التنافسية نسبة كبيرة من الاستثمار في البحوث التخصصية في مؤسسات القطاع الخاص في البلدان الصناعية؛ حيث إن هذه المؤسسات تتنافس من خلال الأداء والتكلفة والسعر، وتصبح البحوث ضرورة في عملية الإنتاج.

و من أهم خاصيات الاستثمار في البحوث:

1-      تركيبة التكاليف التي عادة ما تتميز بما لا يقل عن 50% من تكاليف الموارد البشرية .

2-      تتميز أيضا بملكية المعرفة الممنوحة للموارد البشرية Knowledge Asset التي تضيع عند مغادرتهم للمؤسسة.

3-       تواصل الاستعمال والاستفادة من نتائج البحوث لفترة زمنية طويلة .

4-      كلفة التعديل عند ظهور نتائج جديدة عالية بما يتطلب نسبة عائد عالية.

كما يتميز الاستثمار في البحوث بدرجة عالية من المخاطرة Risk  & Uncertainty  الناتجة عن تأثير عدة عوامل على الأداء والأرباح وخاصة في بداية المشروع، كما أن الفائدة تتوزع بدون تغيير .

3– نسبة العائد على البحوث: الدور و الصعوبات:

لقد قدمت البحوث عوائد كبيرة للمجتمعات والأفراد بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتعتبر نسبة العائد المبرر الرئيس للاستثمار في البحوث عامة، غير أن نسبة العائد عادة ما تصاحبها نسبة خطأ – كما ذكرنا سابقاً في التقدير– ناتجة عن عدة أسباب أو عدة مصادر، ويعدّ العائد على الاستثمار في البحوث كمؤشر الإنتاجية خلال مدة الاستفادة من نتائج البحوث.

ويستعمل التقييم التقليدي للعائد الداخلي لتمويلات البحوث المعادلة التالية:

وتكون:

 = القيمة الحاضرة للفائدة الخام الإجمالية.

           = القيمة الحاضرة للتكاليف الخام الإجمالية.

§         t= الفترة الزمنية التي تبدأ من السنة الأولى إلى السنة الأخيرة من الاستفادة.t=0----n

§         ق= discount rate نسبة التخفيض أو النقص.

ويتم الحصول على نسبة العائد الداخلي للاستثمار في البحوث من خلال حل هذه المعادلة لنسبة التخفيض ( r ) التي بدورها تكون نسبة العائد الداخلي، ويتضح من هذه المعادلة التي بدورها تستعمل لتقييم عوائد الاستثمار في أنواع مختلفة من المشاريع.

إن تقييم الفائدة الحاصلة من البحوث لفترة زمنية طويلة (1-t ) يتأثر أولاً بتوافر مخزون المعرفة والحاصل من بحوث سابقة، وبالتالي يكون للاستثمار في البحوث في فترة معينة فائدة في فترات قادمة تؤثر على عوائد البحوث المنجزة في فترة (t) بما يسمى التأثير الرجعي "Lag effect "، وهنا تكمن صعوبات تقدير الفائدة من البحوث.

لقد تم التغلب على هذه الصعوبات باستعمال أمثلة ونماذج كمية معقدة نسبياً. Parday & Graig, 1989), (1989, Alston, Grog& Parday 1998.

وتبقى مشكلة إسناد فوائد البحوث العقبة الرئيس في هذه النماذج الكمية بسبب عدم وجود البيانات، بالإضافة إلى التعقيدات في توزيع هذه الفائدة على مشاريع بحثية متداخلة، وقد أدى استعمال هذه النماذج لنتائج متباينة إلى حد التشكيك في استعمالها كما هو مبين بالجدول (3).

تشير الدراسات في مجال نسبة العائد إلى وجود العديد من الطرق والأساليب لتقدير وتصنيف نسبة عائد البحوث، كما تشير الدراسات الكميّة لهذا العائد إلى أن هناك تضارباً في النتائج وتبايناً في حجم العوائد المقدرة (Alston e. al 2000)؛ ففي دراسة عن عوائد البحوث الزراعية مثلاً تم تحديد مدى الفارق بين العديد من التقديرات الذي تراوح بين ضعفين على 100 ضعف.

تتمثل عملية تقدير العائد للاستثمار وقياس الإنتاجية في تقييم التكاليف والفوائد أولاً، ولا تخلو هذه العملية من الخطأ؛ حيث عادة ما تتعرض إلى تقدير غير صحيح بالنقص أو الزيادة، وذلك لتداخل المشاريع التنموية وفوائدها، وتوزيع هذه الفوائد على كل أفراد ومؤسسات المجتمع، وتواجه عملية تقييم عوائد البحوث العديد من الإشكاليات من بينها وأهمها: إشكالية إسناد النتائج ((Attribution Problem وعلاقتها بالتمويل، ويتعلق هذا الإشكال بتداخل البحوث Appropriability) ، وتوزيع فوائدها على كل المستعملين، وخاصة الذين لم يساهموا في التمويل (Free Riders الشئ الذي يمثل مصدر خطأ في هذه العملية.

كما تعتبر مشكلة الإسناد المصدر الأول لهذا الخطأ؛ لأنه في كل الحالات لا يمكن إسناد الإنتاجية لعنصر البحوث وحدها بسبب وجود عدة عناصر أخرى ساهمت في هذه الإنتاجية (Schultz 1956)، كما أن التغيير في الإنتاجية من فترة زمنية إلى أخرى يؤثر أيضاً على حجم الإنتاجية سلباً وإيجاباً، وبالتالي تدخل على عائد البحوث نسبة خطأ تكون في بعض الحالات مضللة عند اتخاذ قرار تمويل البحوث، وخاصة في مساهمة القطاع الخاص.

وبالإشارة إلى بعض الأمثلة لواقع نسبة عوائد البحوث وحجمها، كما هو مبين بالجدول رقم (3) يتضح أنها تثير بعض الشكوك في صحتها، وذلك لارتفاعها وارتفاع حجم العوائد الإجمالية للبحوث، وهناك أمثلة عديدة على هذا الخطأ والتضارب من أهمها: العائد المقدّر بنسبة سنوية تقدّر بـ 48% لاستثمار الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1980م في مجال الزراعة والبالغ 1.21 بليون دولار، وتقدّر الفوائد لهذا الاستثمار بما لا يقل عن 3000 بليون دولار بعد 20 سنة أي في سنة 2000 ، وهو ما يعادل أكثر من ثلث الناتج المحلي السنوي للولايات المتحدة، وأكثر من 20 مرة للناتج الزراعي لها، فهل هذا مقبول؟! سؤال لا نستطيع الإجابة عنه بل يزيد في شكوكنا في تقدير العوائد للبحوث.

وتؤكد الدراسات السابقة أن هناك تعيقدات ومشاكل في احتساب نسبة العائد للبحوث (Alston & Parday 1996)، وذلك للأسباب التالية:

§         تقليل التكاليف.

§         تعظيم الفائدة.

§         إسناد فوائد مشاريع أخرى إلى نتائج البحوث.

هذا بالإضافة إلى التوجه العام لتضخيم العوائد.

 بالنسبة للخطأ الناتج في عملية تقييم تكلفة البحوث والمتعلق عامة بتصورها على نحو اقل مما تقتضيه الحقيقة " understated "، وذلك لعدم احتساب الكلفة الاجتماعية "Social Costs" كاملة عند استعمال الموارد للبحوث والتطوير، هذا بالإضافة إلى إهمال أو حذف جزء من التكاليف القارة لبعض البحوث من إجمالي التكاليف بسبب تناسيها أو صعوبة تقييمها. 

جدول رقم 3: نتائج تقديرات عوائد البحوث ( عينة من مختلف الدراسات)

للبحوث الزراعية:

نوع البحوث

عدد الدراسات

متوسط العائد

القيمة الدنيا للعائد

القيمة العليا للعائد

Basic

30

79

-1.3

457

تطبيقية Applied

192

164

6.0

5645

كل أنواع البحوث

904

88

-7.4

720

بحوث خاصة بالثروة الحيوانية

233

121

2.5

5645

بحوث محاصيل فائضة

108

88

1.4

1736

المصدر: Alston et. al. 2000 

أما في ما يخص تقدير الفائدة أو العائد فهناك اتفاق في المبالغة في تقييم حجمها لثلاثة أسباب رئيس:

§          الأول: يتمثل في صعوبة إسناد العوائد إلى نتائج مشروع بحثي بذاته، وبالتالي احتساب فوائد قد تكون ساهمت فيها مشاريع أخرى وإسنادها لمشروع ما.

§          الثاني: فهو يتعلق بطرق تحليل وتقدير الفائدة من مشروع بحثـــي؛ حيث يمكن تجاهل بعض العوامل المؤثرة على العوائد بسبب غيــــاب البيانات الكمية أو صعوبـــة الحصول عليها؛ ينتج عن هذا في أغلب الحالات مغالاة في تقدير الفوائد، وبالتالي مغالاة في نسبة العائد للبحـــوث.

§          السبب الثالث: ويتمثل في أمر شائع وهو السلوك الشخصي لبعض المسئولين الذي يتجه للمغالاة في العوائد لإقناع الممولين.

الخاتمــة:

في ختام هذه الورقة نستطيع الجزم بأن إدارك القطاع الخاص بأهمية البحوث لا يمثل إشكالا في حد ذاته؛ حيث إن مؤسسات القطاع الخاص تستخدم تقنيات ناتجة عن بحوث علمية في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية سواء أكانت منتجة في داخل البلاد أم خارجها.

ولابد من الإقرار بأن تحفيز القطاع الخاص وذلك من خلال التغلب علي الصعوبات التي تمنعه من تمويل البحوث ليست بالأمر السهل، لكن الحال الأنسب هو إلزامها بدفع نسبة مئوية تحدد علي حساب إجمالي مبيعاتها .

لكن الإشكال المتنامي يتمثل في نقص مساهماتهم في الاستثمارات للبحوث نتيجة تواكلهم علي الإنفاق الحكومي والاعتماد على تقنيات مستوردة أنتجتها بحوث خارجية.

 أما بالنسبة للاستثمار الحكومي فهو يبقى دائماً محدوداً من حيث القيمة والنوع، ولا يمكن أن يغطي كل المجالات الإنتاجية، وهنا تتضح إشكالية تمويل البحوث العلمية، وعزوف القطاع الخاص عن المساهمة. لكن هل الأسباب التي ذكرت سابقاً مقنعة في رأينا؟ نستطيع القول إن القطاع الخاص في البلدان النامية ليس المسؤول الوحيد عن ضعف مساهمته.

لكن باعتبار أن الاستفادة العامة من استثمارات الحكومة في البحوث Spillover  علي كل القطاعات الإنتاجية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإن عزوف القطاع الخاص عن المساهمة المباشرة في هذه الاستثمارات يعتبر إشكالا يتم تبريره بعدم وجود وسيلة إقناع حقيقية لتوضيح الفائدة وإلزامه بالتمويل.

وفي تطرقنا إلي عامل نسبة العوائد وتعقيدات تقديرها تبين مثالاً واضحاً لهذا الاشكال، فمؤسسات القطاع الخاص في مجملها لا تقدر إلا الفائدة، وخاصة فيما يتعلق بالعائد المباشر علي أرباحها و أدائها.

فإذا ما تمكنا من تقدير العوائد ونسبة توزيعها علي القطاعات بطريقة سهلة الفهم اعتقد إن القطاع الخاص سيتجاوب مع متطلبات التمويل، ويدرك أهميتها؛ وبالتالي إدراج موازنات للبحوث والتنمية. لكن وكما وضحت بعض الدراسات - التي تم ذكرها سابقاً- تعد هذه المهمة غير سهلة؛ حيث إن نتائج البحوث تبقى دائماً غير مضمونة، هذا بالإضافة إلى صغر حجم مؤسسات القطاع الخاص؛ وبالتالي ضعف قدرتها على المساهمة.

نجد في العديد من التقارير والدراسات مقترحات عامة تتعلق بالقطاع الخاص ومساهمته في تمويل البحث العلمي منها مثلا:

§         تنشيط المشاركة الفعالة للقطاع الخاص.

§         إلزام القطاع العام علي المساهمة.

§         تدخل الحكومة لإجبار القطاع الخاص.

نتجت هذه المقترحات عن طرح بسيط لإشكالية تمويل البحث العلمي و دور القطاع الخاص، ربما طال الزمن بهذا الطرح لكن لم يتحسن الوضع، ولم يرق دور القطاع الخاص إلى المستوى المتوقع، فلنغير الطرح إذاً إلى حقيقة أخرى ربما تأتي بنتيجة.

 يتركز الطرح المقترح على إلغاء إشكالية عزوف القطاع الخاص عن المساهمة في تمويل البحوث العلمية، واستبداله بطرح جديد لنتساءل عن مسؤولية مؤسسات القطاع الخاص في تمويل البحوث وتبريرها، وتحديد آليات عملية لتحقيق هذه المساهمة، تتمثل هذه الإشكالية المطروحة في السؤال التالي:" هل للقطاع الخاص مسؤولية في تمويل البحوث العلمية في البلدان النامية؟ ". فلنحلل إشكالية تمويل البحث العلمي انطلاقاً من هذا الطرح، ونحدد هذه المسؤولية أولا معتمدين على خصوصيات القطاع الخاص بهذه البلدان وإمكاناته، وقناعته المبنية بصفة خاصة علي الفائدة والعائد المالي.

الجزء الكبير من هذه الإشكالية المقترحة يتمثل في ضرورة  توضيح العوائد المالية، وتقديرها تقديراً صحيحاً، ومد القطاع الخاص ببيانات حقيقية تساعده علي اتخاذ القرار في مجال الاستثمار في البحوث

المصــادر:

§   Reassessing Research Returns. J. M. Alston& P.G. Pardey invited paper. Intl. Ass. of Ag. Economics. Berlin. August 2000.

§   “Schultz T.W Reflection on Agricultural Production Output and Supply. Journal of Ag. Economics. 38. 1956.

§   Pardey, P.G. and B. Craig “Causal relationship between public sector Ag. Research Expenditures and output” Inl. Journal of Ag. Economics 71, 1989.

§   2004- UNISCO. GERD Statistics

§          معين حمزة ندوة التمويل العربي للبحث العلمي التمويل العربي للبحث العلمي والتجربة الأوروبية.

§          أديت كولو: قضايا التمويل والإنفاق في البحث العلمي والتطوير ومؤسساته ومتطلبات ابتكار مصادر جديدة– المؤتمر الوطني للبحث العلمي– أيار 2006– دمشق .

§          محمد مسعد ياقوت– أزمة البحث العلمي في العالم العربي: ما الحل؟– 2006.

 

 

المدونون العرب
بواسطة : المدونون العرب
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-