يوم الثلاثاء أول أيام العمل بعد العيد وشهر رمضان الذي أعتبره شهر لا إنتاج فيه جسدي أو عقلي، يوم عمل شاق بكل معنى الكلمة، يجب أن ألتقى صديقة تقطن في كفر عقب صحفية جميلة تدعى ميساء أبو غنام، إتصلت بها مؤخراً ..إتفقنا الإلتقاء بعد الساعة الرابعة فور انتهائي من العمل، ذهبت الى مطعم جميل في مدينة بيت لحم، انتظرت تقريبا نصف ساعة، ثم إتصلت بها للمرة الثانية: قلت لها هل بإمكانك ان تغشيني وتأت قبل 5 دقائق..
قالت إنها ستصل بعد نصف ساعة بسبب تأخيرها على حاجز قلنديا
طلبت كأساً من الليمون بالنعنع، وأرجيلة وبقيت أنتطر ميساء أبو غنام، هناك شدتني الذكرى وأخرجت قلمي ودفتري وبدأت في الكتابة: هل يمكن للعشق أن يخمد نيرانه.... هل يمكن للحنين أن يدفن أشواقه...
هناك وعلى طاولة ما، كانت أشواقنا تتلاقى لأول مرة، فقد أوقدت في أعماقي حنين وأشعلت في أجزائي ترانيم حب أبحث عنك لكنني لاأبحث عن رجولتك المصطنعة في أقفال مجتمعية، لا تحزن فإني أبحث عن حبك فقط ليس لي بك غير تفاصيل أماكن، وتلامس أجزاءك بين ضلوعي، إني باحثة عن جنونك لا أكثر، لك كل أجساد نساء الأرض كلها... فلا تحزن... رشفة قهوتك الصباحية لي.... حانات الحلوى لي.... إبريقك الكهربائي لي... مفاتيح سفرك لي..... حتى سيجارتك المشتعلة في كل صباح لي...
ما إن إنتهيت من كتاباتي وإذا ميساء تصل... قبلات حارة، وأشواق مختبأة... يا لها من روح جميلة، قلت لها ببسمة ارتسمت على شفتي
أتعرفين أنك جميلة
قالت لي :وأنت أيضاً ، أنا أعرف مصور فتوغرافي في مدينة رام الله لا بد أن تذهبي معي عنده للتصويرك وإبراز جمال عينيك...
ضحكت وقلت لها ّإذن إلى المصور..
ميساء تضع باروكة شعر على رأسها لأن شعرها الجميل قد فقدته مع العلاج من مرض السرطان، ومع ضحكاتنا العالية رفعت ميساء الباروكة .. يا للهول اصطف الناس ينظرون لها باستغراب واندهاش، ميساء لم تأبه بنظرات الناس وضحكاتنا تعالت أكثر للمشهد الفكاهي، أقترب النادل منا يسأل عن طلباتنا لكنه ينظر بذات الدهشة لميساء، قالت له برأيك لماذا الانسان يحلق شعره على الصفر
أجاب : ربما موضة أو العياذ بالله .. ولم يكمل حديثه...
قالت ميساء: نعم أنا مريضة بالسرطان ... ورجع مذهولاً لتنفيذ ما قد طلبناه..
تحدثنا طويلاً وضحكاتنا علت السماء، وحّدتنا ألامنا، عشقنا للحياة وتمردنا عليها، فمهما ضاقت بنا فضاءات الروح .. فالأحلام وحدها كفيلة بأن ترمم أشرعة الفرح التي كسرتها أمواج الحزن ...
هاتفي لم يتوقف عن الرن.. أختي تطلب مني ان تأتي للقاء ميساء أبو غنام من حيث أنني كلمتها عنها دائماً..
إجتمعنا ثلاثتنا، تكلمنا عن الحب وأسراره عن تفاصيل حياتنا وتناقضاتنا... عن الرجل الشرقي، عن أنوثتنا التي لم يستطع أي الرجل من إخراج روح الأنوثة فينا،عن أحلامنا وأمنياتنا، أوجاعنا أمراضنا، تحدثنا عن الأنوثة والمرأة والروح ومتطلباتها وعن حاجة النساء بأن تفضّن بكارة أنوثتهن الروحية. فميساء لم تكن مصابة بالسرطان لكن السرطان مصاب بها، كلما كانت تبحث في ذاتها لتقول شيئا جديداً وجدتني أتألم من ضحكاتي العالية ، قالت: لا تقولي لي أنك هكذا.. كم أنت تشبهينني..
ميساء أبو غنام روح جميلة في جسد جميل، الشغب المرسوم على محياها، أكوام مشاعر العذوبة والرقة فيها، يالحظي في تلك اللحظات فأنني ملكت روح ميساء وضحكاتها، تكلمنا عن المرض كأننا نتكلم عن صديق يجلس بجاورنا، تكلمنا عن ذاك الحبيب المنتظر: قالت لي ميساء :" أنا أبحث عن رجل بحيث عند إلتقاء أجسادنا فلابد ان تخرج الأهات كأن روحي تخرج لتوها إلى السماء... نحن نبحث عن رجل وما نراه فهم ذكور فقط...لم تعد النساء كما في سابق عهدهن.. لكن الرجال بقوا على حالهم.. فلم يعد للرجل في حاجة لأن يظهر ذكوريته علينا إما أن يأتي باحثاً عن خانتنا وأن يتقن إستخراج روح الأنوثة فينا ...وإما أن يختار زاوية له ويتقوقع فيها..."
اشتكينا قلوبنا المنهكه عندما تئن أرواحنا من الوحده .. من سأم البعد وخناجر الغربة ..
بحثنا عن قلوبٍنا التي تشبهنا ونشبهها..ضحكاتنا تملآ المكان ثلاثتنا ...أنا ودبل ميساء.. ميساء أختي وميساء أبو غنام الصحفية .
وفي لحظة شعرت ميساء بالبرد فقررت أن تضع باروكتها مرة أخرى على رأسها، لتعيد ذات المشهد الفكاهي، هرع النادل إلينا هل تريدن طلب شيء للزبونة الجديدة
نظرنا إليه بإستهزاء وتعالت ضحكاتنا أكثر ..
تعجب النادل ونظر مرة أخرى لميساء وقال لها: أهو أنت إعتقدت أن زبونة أخرى زارت المكان...
ضحكت أنا وقلت له إما أن تذهب وإما أن نخلع جميعنا الباروكة
ضحكتا دبل ميساء كأنهن شربتا كأسا نبيذ لتوهن، وعلامات السكر تبدو على وجههن ...
نظر النادل قائلاً: لا دخيل ربك خليكم لابسين الباروكة.. ورجع راكضاً تفعمه الدهشة ..
يا له من مساء جميل، انتهى اللقاء لكنه جمع في دهاليز تفاصيلنا..نور ينبثق .. يخترق تفاصيل النفس يضيؤها ... يبدد ظلمة الأحزان والألم والحرمان ... عدت الى بيتي تناولت قلمي وكانت الكلمات تمر من أمامي كمرور الطيور عبر السحاب مرتحلة من نص الى آخر تحت ضوء المصباح الخافت بجانب سريري، كأن حوارانا في جلسة أنثوية بحتة أضاء في داخلنا شموعاً لا تنطفئ، ولم يكن لقاءنا عابر سبيل بين كلمات عابرة بل كان قلادة تزين جيد السماء....