العمل والإعداد المهني للمرأة في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان

شبكة المدونون العرب المقدمة: اعتمدت الدراسة الحالية على طريقة المعاينة لمعلومات بيانية توفرت من خلال استمارات انتساب للتدريب المهني في جمعية التنمية المهنية الاجتماعية إلى جانب إحصاءات التخرج من المهن المختلفة. وتوفر من خلال الحوار مع المؤسسات معلومات قيمة عن اتجاه التدريب المهني للإناث في نطاقها. ومن جهة أخرى، شكلت إحصاءات الأونروا مرجعا مهما لمتابعة التطور التعليمي للمرأة. وتوفر من خلال دراسة شاملة لأوضاع المهجرين الفلسطينيين من سكان المخيمات الفلسطينية، نتيجة للحروب المختلفة، معلومات تفصيلية توضح الوضع التعليمي والمهني للإناث، وقد شملت هذه الدراسة 4468 أسرة تضم 25334 فردا. وتم التركيز ميدانيا على سماع صوت الإناث أنفسهن، فتم إعداد استمارة رأي، وزعت على 100 امرأة أجاب منهن 95 امرأة من المجتمعات الفلسطينية في بيروت وجنوب لبنان ( صيدا وصور ) والشمال، وكانت المستقصيات كفوءات من فريق عمل رافق مراحل البحث، وتحديدا شارك في الحوار الذي نظم مع عدد محدود من المجيبات في مدينة بيروت وفي ندوة تمثل فيها مندوبون عن المؤسسات وبعض الاختصاصيين، وجاء الحضور مختلطا ذكورا وإناثا، مما أعطى بعدا مهما للحوار، وهيأ بالتالي لمشاغل العمل المزمع تنظيمها بهدف متابعة الوصول إلى وضوح حول الإجراءات الزمنية المطلوبة.  1. المعطيات الاجتماعية والتربوية ووضع المرأة العملي: 1-1 : المعطيات الاجتماعية: تعتبر القوانين والمراسيم اللبنانية، الفلسطيني من غير حاملي الجنسية اللبنانية، أجنبيا من ناحية الحقوق المدنية وحقوق العمل، فقط حق الإقامة غير المشروعة في لبنان، وهو موقف مرفوض من القانون الدولي، بالنسبة للاجئ الفلسطيني، الذي سقطت دولته بعد عام 1948 ومع إنشاء المخيمات تكونت تجمعات فلسطينية، نواتها المخيم، تمتد ضمن دائرة حوله، ومع تقارب المخيمات نشأت مناطق جغرافية ذات وجود فلسطيني كثيف، ( بيروت، صبرا، شاتيلا ) ( عين الحلوة – المية ومية ) صور( البص – برج الشمالي الرشيدية). ومع تطور الحركة الوطنية الفلسطينية، جذبت المخيمات النشاطات العامة المشتركة وكامل المجموعة الفلسطينية في لبنان. ولكن التطور بقي ولفترة طويلة، مختلفا نسبيا نين الأسر المدنية الفلسطينية والتي نزحت إلى المدن اللبنانية وتحديدا مدينة بيروت، وبين الأسر الريفية التي نزلت في المخيمات وتجمعت حسب القرى والعشائر الفلسطينية في الأحياء الأساسية والفرعية لهذه المخيمات.  شعرت الأسر الفلسطينية المدينة، بإمكانات عمل بناتهن في نطاق كل من التعليم والسكرتارية في الخمسينات، مع توسع نشاط وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة الفلسطينيين، والازدهار التدريجي للاقتصاد اللبناني على المستوى الإقليمي. وقد رافق هذا التطور تسارع تعليم ألانا وتصاعد انتظامهن التعليمي وصولا وبكثافة إلى المرحلة الثانوية. لكن التشدد من قبل السلطات اللبنانية بالسماح فقط لحاملي الجنسية اللبناني للعمل بحرية، لم يمنح إلا أذونات عمل محدودة خضعت بدورها لتشديد كبير في أوائل الستينات، نتيجة هيمنة شعار أولوية الوظائف للقوى العاملة اللبنانية، ومنع بالتالي حصول بطالة في هذا القطاع. وتكون نتيجة هذا التشديد مسلك في قطاعات اقتصادية مختلفة، يحجم عن تشغيل الفلسطينيين، مثل قطاع البنوك والتأمين والشركات التجارية والصناعية الكبيرة. فقط بعض القطاعات مثل البناء والزراعة واظبت على تشغيل الفلسطيني، مستغلة وضعه غير القانوني لدفع أجور منخفضة. واستقبلت الزراعة الأعداد الكبيرة من الاناث في أشغال موسمية، حيث يقع عدد كبير من المخيمات في مناطق الزراعة الكثيفة في الساحل أو في سهل البقاع. ويخضع العاملون في الزراعة إلى استغلال إضافية نتيجة عدم شمول قانون العمل للعاملين في القطاع الزراعي.  وترتب على وضع الأجنبي للفلسطيني الحاصل على إقامة دائمة في لبنان، الامتناع عن إلحاقه في نظام الضمان الاجتماعي المعمول به في هذا البلد، فهو لا يحصل على العلاج الطبي، ويخسر التعويضات العائلية التي كانت تدفع سابقا من قبل رب العمل، وأصبحت لاحقا جزءا من هذا النظام. وأما تعويض نهاية الخدمة، فقد فرضت المحاكم وجوب دفعه للأجير الفلسطيني، لأنه ملزم حسب قانون العمل، وبالتالي يحق لرب العمل استرجاع ما دفعه من الضمان الاجتماعي، لدفع تعويض نهاية الخدمة حسب قانون العمل، أي شهر عن كل سنة عمل.  إن هذه الظروف المحددة لوضع العامل الفلسطيني، أثرت في الماضي على وضع الإناث الراغبات في العمل، وكن يشعرن أنهن يخضعن لاستغلال بشع في قطاع الزراعة والمصانع الصغيرة والتعليم وبالرغم من انهيار السلطة في لبنان، فان تأثير الإجراءات الرسمية ظل قائما، حيث تمتنع بعض القطاعات الهمة من تشغيل الفلسطينيين، مثل قطاع البنوك والتأمين والشركات التجارية الكبيرة، وهي قطاعات عرفت تحولا مهما نحو تشغيل المرأة، حيث أخذت تجد فرصا مماثلة للرجل على مستوى الالتحاق بالعمل والترقي الوظيفي.  لقد وجدت المرأة الفلسطينية المدنية، ومن حملة الجنسية اللبنانية، مجالات عمل مختلط في قطاع الخدمات من تجارية وثقافية وتربوية، ووجودها النسبي في دوائر الأونروا، أوجد استعداد للتوسع في عمل المرأة فمع ظهور مؤسسات منظمة التحرير في لبنان بعد عام 1964، أعطيت فرصة أكبر لعمل المرأة، إضافة إلى عدم التقيد بعقبة الجنسية. واعترفت الحكومة اللبنانية بحق الأطر الفلسطينية في تشغيل الفلسطينيين.  ومع ازدياد المؤسسات الثقافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وازدياد المكاتب الحزبية، توسع تشغيل المرأة كباحثة وصحافية وممرضة وادارية وسكرتيرة وعاملة اجتماعية ومربية ومدرسة وعاملة. ثم أخذت تدخل مجالات عسكرية من اتصال ومقاتلة. فلقد لعب مناخ النضال الوطني والحرب، دورا في تحريك المجتمع وتحوله التدريجي. ويعبئ العمل السياسي النساء من خلال اشتراكهن في النشاط السياسي العام، وفي تولي مسؤوليات متنوعة خلال المعارك والحصار. وتكاثفت هذه المسؤولية خلال الاجتياح الإسرائيلي وبعده، وزاد من وعي المرأة لدورها في الحياة العامة، مما أتاح أمامها فرصة إبراز كفاءتها في تحمل المسؤوليات ومواجهة المشاكل النابعة عن الحصار والاتصال مع الخارج. لقد سرعت الأحداث من مشاركة المرأة في الحياة العامة، وفتحت موجات التهجير المزيد من حرية الحركة للمرأة، حيث خفت معايير اجتماعية جديدة. ترسخ من دور المرأة في الحياة العامة.  بقدر ما كان النضال الوطني يحفز المرأة على المشاركة الواسعة في العمل العام إلى جوار الرجل، فان الخسائر البشرية والمادية التي تولدت من الاعتداءات الإسرائيلية ومن الحروب الداخلية في لبنان، تركت أثرها على المجتمع – في استشهاد المعيل أو اعتقاله طويل الأمد وفقدانه في أحيان عديدة …الخ ، ولحق بالتجمعات السكنية تهجير وتدمير المساكن ، وتكرر هذا التدمير والتهجير مخلفا بؤسا وعدم استقرار اجتماعي وتربوي واقتصادي، أوجد فعلا تحولا نسبيا في المجتمع ، ولكنه جلب معه الأعباء الاجتماعية، وأهمها تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة ، من خلال العمل والتحرر من مراكز الأداء الجماعية. ولذا تشارك المرأة بكامل طاقتها في إعادة ترميم أو بناء المنزل المتضرر في المخيم، للعودة إلى استقرار اجتماعي داخل المجتمع المحلي.  1-2: المعطيات التربوية العامة: في ظروف الحرب، يستحسن العودة عند العرض والتحليل إلى الاتجاهات التي كانت قائمة قبل ولوج هذه الظروف. لقد شهدت الفترة ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 انتشار تعليم الإناث في المرحلة الابتدائية في المخيمات، وتصاعد متسارع نحو الانتظام التعليمي في المرحلة المتوسطة خاصة بعد إلغاء الشهادة الابتدائية الرسمية.  ارتفعت نسبة الإناث المسجلات في الأونروا في التعليم الابتدائي (مدته 6 سنوات) من 39.9 % عام 1955/1956 إلى 47.5 % عام 1974:1975، وإذا أخذنا الأرقام الخاصة بمدارس الأونروا كمؤسسة يتضح انتشار تعليم الإناث في المخيمات الفلسطينية، وبالتالي في جميع الأوساط الشعبية. ونرى أن نسبة الإناث ارتفعت من 35.1% عام 55/1956 إلى 47.8 % وأن عدد التلميذات في الابتدائية قد ارتفع خلال عشرين سنة.  أما على مستوى التعليم المتوسط (مدته 4 سنوات)، فقد تضاعف عدد الإناث حوالي 13 مرة عن المستوى العام. أما على مستوى المرحلة المتوسطة في الأونروا فقد ارتفع عدد الطالبات من 67 طالبة إلى 4278 طالبة عام 74/1975، ويلاحظ أن الانتظام التعليمي للإناث بقي متسارعاً مع دخول العام الدراسي الأخير.  ومن الجدير ذكره أن الوضع الاجتماعي العام في لبنان أباح أمام الأونروا إنشاء عدد كبير من الصفوف المختلفة على المستوى الابتدائي والمتوسط، وبلغت في منتصف السبعينات حوالي نصف مجموع الصفوف في أكثر الأحيان، مما عزز باكراً الاختلاط في الحياة العامة. بقيت الشهادة الرسمية حاجزاً مهماً أمام عدد كبير من الطلاب للانتقال إلى المرحلة الثانوية، كما كانت أيضاً شهادة الثانوية العامة (البكالوريا بقسميها) حاجزاً قوياً أمام الانتقال إلى المرحلة الأعلى.  تميز مفهوم الشهادات الرسمية اللبنانية بانتقاء الطليعة وعدم الاهتمام بالآخرين. ورغم أن النظام التعليمي اللبناني يتيح في المدارس الخاصة حق الانتقال إلى المرحلة الثانوية دون الحصول على الشهادة الرسمية المتوسطة، فإن الأونروا كانت تمتنع عن تقديم المساعدة الرسمية اللبنانية لقبولهم. فكان الأهل يركزون الإنفاق عموماً على تعليم الذكور، مما قلص من فرص التعليم الثانوي للإناث، علماً أن النظام التعليمي في الأونروا لا يشمل المرحلة الثانوية. ففي العام الدراسي 74/1975 كانت الأونروا تساعد 357 طالبة في المرحلة الثانوية من أصل 1648 طالباً. فقط 31 طالبة كن في آخر سنة من التعليم الثانوي. إن بنات المدن من الطبقة البرجوازية الفلسطينية فقط هن اللواتي أتيح أمامهن دخول المدارس الأهلية واستكمال تعليمهن الثانوي دون مساعدة الأونروا، ومن السهل الاستنتاج أنه في تلك الفترة كان عدد الإناث من الفئات الشعبية الملتحقات في التعليم ما بعد الثانوي محدداً.  مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في نيسان 1975، شهد التعليم في الوسط الفلسطيني ظاهرتان متناقضتان، وليدتا ظروف الحرب.  التسرب من المدارس والتأخر في الانتساب للصف الأول ابتدائي، وهي ظاهرة مشتركة بين الذكور والإناث.  ارتفاع عدد الطلاب في المرحلة الثانوية وفي الجامعة، وهي أكثر وضوحاً لدى الإناث. ولما كانت هاتان الظاهرتان وليدتا الحرب، فإنهما تعبران عن انخفاض المستوى التعليمي، فالارتقاء المدرسي أصبح تلقائياً، ومع إلغاء الشهادات الرسمية بسبب تعثر إجرائها بشكل منضبط أصبح الارتقاء إلى صفوف التعليم الثانوي أيضاً تلقائياً. وفي حال عدم الاهتمام بالانتساب لاحقاً إلى جامعات وتخصصات تفرض امتحانات قبول متشددة، يتم التسجيل في التعليم الثانوي شكلياً. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد عام 1984. انخفض عدد التلاميذ في المرحلة الابتدائية 24% بين أعوام 74/1975 و 85/ 1986، أي خلال عقد من الزمان، بينما بقيت الأرقام ثابتة نسبة إلى التلاميذ في المرحلة المتوسطة، مما يعني أن حركة تسرب واسعة أخذت تحصل خلال سنين الحرب (منذ نيسان 1975)، وخسرت المرحلة المتوسطة من ديناميكية نموها، لكنها واظبت على إبراز إرادة الإناث بالتعليم.  ساهمت منظمة التحرير في تشجيع التعليم الثانوي للإناث، عندما افتتحت مدارس ثانوية في طرابلس وصيدا وبعلبك وثعلبايا، وتولت دفع الأقساط المدرسية للطلاب من الجنسين في منطقة صور، فبلغ عدد الطالبات في المدارس الثانوية التابعة لـ م. ت. ف. في العام الدراسي 81/1982، 567 طالبة، إضافة إلى الحاصلات على منحة توازي الأقساط المدرسية. ومع ارتفاع هذه الأقساط منذ عام 77/1978، أصبحت مساعدة الأونروا رمزية لا يعول عليها كثيراً. ولكن المدارس واظبت في رفع الأسماء إلى الأونروا، مما ساهم في إبقاء عملية الإحصاء، وتوضح هذه الإحصاءات أن عدد الطالبات الحاصلات على مساعدة من الأونروا، في مرحلة التعليم الثانوي، ارتفع من 478 طالبة عام 1974 إلى 1630 طالبة في العام الدراسي 86/87، منهن 387 طالبة في الصف الثالث ثانوي. وبالتالي يمكن استنتاج التحاق أعداد كبيرة من الإناث في التعليم الجامعي ، معظمهن انتسبن إلى تخصصات لا تتطلب حضوراً منتظماً، مما يتيح أمامهن الاستمرار في العمل، أو السعي للحصول على عمل ثابت. وقد شجع انتساب المرأة للتعليم العالي إنشاء الجامعة اللبنانية لفروع لها في عواصم المحافظات (طرابلس، صيدا، زحلة). وتوفير مجال أكبر للطلاب المحليين، ومنهم الفلسطينيين، للالتحاق بالتخصصات العلمية والتطبيقية، وكان الضغط عليها مرتفعاً قبل عام 1982 وتكونت فرصة ملائمة لتصاعد التحاق الطالبات الفلسطينيات بهذه التخصصات.  1-3: التعليم والتدريب المهني للإناث: عند التخطيط لإنشاء مراكز تدريب مهني، توصلت الأونروا إلى نتيجة، أن الأولوية المطلقة للتدريب في لبنان تعطى للذكور، لأولوية توفير عمل لهم، وتحديداً في الدول النفطية العربية من جهة، ولعدم إلحاح الأهل في تدريب الإناث في مهن "غير التقليدية" من جهة أخرى، وأكثر المهن الأخيرة موجودة ضمن برنامج جمعية الشابات المسيحيات، ولذا واظبت الأونروا على تمويل دورة سكرتارية مسائية لدى هذه الجمعية مدتها سنة واحدة. وقد بدأ التعاقد بشأن هذه الدورة منذ عام 1952، وخرّجت حتى عام 1975 حوالي 681 فتاة، وهو رقم غير قليل. إلا أن هذه الدورة المهنية تخرج فعليا طابعة ومؤرشفة، ويلتحق بها كل من أنهى دراسته في الصفوف المتوسطة. كما أتاحت الأونروا لعدد محدود جداً من الإناث الالتحاق بمركز التدريب المهني للإناث في رام الله (الضفة الغربية). وخُصص مركز التدريب المهني ومعهد إعداد المعلمين في سبيلين - لبنان للذكور فقط، وبقيت وكالة الغوث غير مكترثة لمسألة تدريب المرأة مهنياً حتى عام 1972، حيث أتاحت للإناث المتخرجات من المرحلة الثانوية الانتساب إلى معهد إعداد المعلمين في سبلين بصفة طالب خارجي، وألغي هذا المعهد عام 1984، بحجة انعدام الحاجة حسب وكالة الغوث لمعلمين جدد.  ولكن مع تزايد الضغط العام بضرورة إتاحة الفرصة أمام الفتاة للإعداد والعمل، وافقت الأونروا عام 80/1981 على فتح باب الانتساب للفتيات في جميع التخصصات المهنية في مركز سبلين، فجاء اهتمام الإناث مركزاً على التخصصات المعدة لمستوى فني، أي لما بعد المرحلة الثانوية، وخصوصاً تلك المهن التي هي اقرب إلى مهن الياقات البيضاء، وتتميز باقترابها من المفهوم الشائع حالياً لعمل المرأة. (تجارة وإدارة مكاتب، فني اتصالات، رسم معماري، مفتش صحة… إلخ). ولكن مركز سبلين توقف عام 1983 لمدة أربع سنوات مما أعاق نمو التحاق المرأة بهذا المركز، ولهذا استطاعت أعداد محدودة الالتحاق بالدورات المهنية للمركز خارج مقره، وبالمهن التي لا تحتاج إلى ورش مثل بعضها المذكور أعلاه، ولقد تأثر الطلاب من الجنسين بإغلاق مركز سبلين، ومع إعادة افتتاح المركز عام 87/88، تقدم عدد من الإناث للالتحاق بالدورات المختلفة.  مع تطور جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتزايد عدد المستشفيات والمراكز الطبية وخدمات الأمومة والطفولة، عملت هذه الجمعية على إنشاء معهد التمريض في بيروت، وافتتاح فروع له في مناطق (صيدا، صور)، فأتاح هذا المعهد انتساب عدد من الفتيات في تخصصات طبية مختلفة، وتميزت الدراسة فيه بالاختلاط حيث كان عدد الذكور والإناث عام 1981، 12 مساعدة ممرضة، و 12 ممرضة، و 2 مساعد صيدلي، و4 فتيات مختبر.  وكان هذا المعهد يتبع أسلوب المرونة في تحديد الدورات المهنية المطلوبة حسب احتياجاته وطاقاته، فكان ينظم أحياناً دورات قابلة، وفني أشعة، وعلاج فيزيائي. وأعاد المعهد نشاطه بعد عام 1984، متجاوزاً الدمار الذي لحق به مع الاحتلال الصهيوني، وتجاوز مضايقة السلطة المهيمنة في تلك الفترة والتي منعت إعادة فتحه، وفي مطلع عام 1988 كان المعهد يضم 82 طالباً في أربع تخصصات معظمهم من الإناث، لقدرتهن على الحركة في ظروف الأزمات الأمنية.  وكانت الشؤون الاجتماعية في الأونروا، إلى جانب اتحاد المرأة والمؤسسات الاجتماعية تنظم دورات خياطة من 6 إلى 9 أشهر، ولا تميز هذه الدورات في المستويات المهنية، إذ أنها تتوجه أساساً إلى الأميات أو شبه الأميات. كما عملت العديد من هذه المؤسسات الاجتماعية على تنظيم دورات طباعة، إلا أنه كان يشوبها عدم مراعاة المستوى التعليمي، رغم أنها أفادت نسبياً، ولكنها لم تستجب لاستعدادات الفتاة المتعلمة، وقامت مؤسسة "صامد" من جانبها بتنظيم تدريب مهني ممنهج في الخياطة الصناعية وصيانة آلات الخياطة، وظهرت كفاءة المرأة في استيعاب شروط هذه المهن وتحديداً في الجانب التقني.  بعد عام 1982، ركزت المؤسسات الاجتماعية، وقد زاد عددها، على تنويع المهن المستقبلية للمرأة، وتطوير مستوى بعض هذه المهن، فأدخلت مهنة التدريب والرسم المعماري والديكور والإخراج الصحفي إلى جانب دورات أشغال يدوية وفنية تطبيقية مختلفة. ومن جهة أخرى جرى التركيز على تطوير عدد من دورات التدريب المهني، بحيث تؤدي إلى تخريج مهنيات يتمتعن بكفاءة مقبولة في سوق العمل، فتم تنظيم:   دورات سكرتاريا ومحاسبة مدتها 42 أسبوعاً بمعدل 35 حصة أسبوعياً.  دورات رسم معماري مدتها 42 أسبوعاً بمعدل 35 حصة أسبوعياً.  دورات تصميم وتفصيل وخياطة مدتها 42 أسبوعاً بمعدل 30 حصة أسبوعياً.  دورات تزيين وتصفيف شعر مداها 42 أسبوعا بمعدل 30 حصة أسبوعياً. وانتقل تدريب معلمات رياض الأطفال من دورات قصيرة غير متسلسلة إلى تدريب طويل الأمد خلال العمل، يمنح شهادة معلمة روضة. وتحركت الأونروا في حقل إعداد المرأة، فعمدت إلى تمويل دورة تجميل في أحد المعاهد، كما بدلت دورة السكرتارية التي نظمتها جمعية الشابات المسيحيات إلى دورة كمبيوتر في معهد آخر. إن هذا التوسع في تدريب الإناث مهنياً وتوصيل المهن الثابتة إليهن يشجعهن على العمل وتطوير أنفسهن، وهو كما ذكر سابقاً، حديث العهد، ويواجه تعثراً نتيجة الظروف الأمنية، وأهمها حروب المخيمات، ويعطى نموذجاً لتطور إعداد المرأة مهنياً والتأثر بالأحداث الأمنية انطلاقاً من جمعية التنمية المهنية، والتي بدأت عملها عام 984، كلجنة للتدريب المهني والفني. وتنسق هذه اللجنة مع مراكز التدريب المهني في السكرتاريا والمحاسبة العائدة لجمعية المساعدات الشعبية النرويجية، حيث يتم إعداد مشترك وتطوير للبرامج.  1-4: المستوى التعليمي للإناث: لا تتوفر إحصاءات شاملة، نتيجة الاقتصار على مستوى لبنان إلى التعدادات العامة للسكان، حيث يصعب إنجاز مثل هذا التعداد على مستوى الانتشار الفلسطيني في لبنان، وصدرت بعض الدراسات في فترات زمنية، تساعد في توضيح جزء من الصورة الاجتماعية. وتوضح بعض الجداول تطور المستوى التعليمي للإناث في المخيمات. لقد شهدت المخيمات الفلسطينية عام 1980 تحسناً في المستوى التعليمي، فلقد أدت المجهودات التربوية من عام 65 حتى عام 74 إلى تطور كبير في الوضع التعليمي، فتقلصت الأمية بين النساء إلى الثلث تقريباً، وزاد عدد شبه الأميات والمتعلمات، وبدأت تظهر أعداد كبيرة من الإناث اللواتي أنهين المرحلة المتوسطة ويكملن دراستهن أي يتسربن من الصفوف الثانوية، أي أصبح هناك طلباً متزايداً على التعليم الثانوي والمهني من فتيات أنهين على الأقل 10 سنوات تعليم، يتمتعن بشخصية وتطلع يختلف عن البنات الحاصلات على مستوى تعليمي أقل، وتحديداً من 6 –8 سنوات تعليم.  كان من المفروض، مع زخم حركة التعليم في أوائل السبعينات، أن تزداد كثيراً أعداد الداخلات إلى المرحلة المتوسطة، إلا أن تأثير الأحداث، وتحديداً مع عام 76، أوجد عامل اضطراب، تصاعد في السنوات اللاحقة، ولا سيما خلال الاجتياح الصهيوني عامي 1978 و 1982، لما سببه من تدمير شديد وتهجير واسع، تضاف إليه الآثار الناجمة عن حروب المخيمات في السنوات الأخيرة. قد لا تمثل معاينة المهجرين عام 1988، جميع سكان المخيمات، حيث إن بعض الأسر الميسورة نسبياً، استأجرت شققاً أو سكنت في بيوت أقربائها المسافرين، إلا أن حجم الدراسة، والتي وصلت إلى 4468 أسرة على مساحة الأرض اللبنانية غير الواقعة تحت سلطة "القوات اللبنانية"، والتي عانت سنوات من العنف والتهجير، هي عينة معبرة من المخيمات التي كانت تعاني لعدة سنوات من التهجير الواسع (مخيمات بيروت وصور)، إضافة إلى مسح التجمعات المهجّرة من عدة مخيمات، والتي تم تدميرها قبل عام 1982، ومنعت من العودة إليها. فيظهر من الدراسة أن حركة التسرب بين الإناث (وليس أقله بين الذكور)، مرتفعة، وما خسرته الأمية من حجم، عادت شبه الأمية وكسبته مع تدهور مستوى التحصيل العلمي، ومهما يكن، فإن التسميات عاجزة عن إخفاء حقيقة بقاء حالة واسعة من الأمية، ويخشى فعلياً أن تكون الحالة أوسع مما ظهر في المعاينة، حيث تشمل نسبة ليست بقليلة من المتسربات من المرحلة المتوسطة، إذ أن الترفيع الآلي هو السائد في مدارس الأونروا، في ظروف اضطراب كبير في السنة المدرسية نفسها.  1-5: المرأة والعمل- الوضع العملي: لا توجد معلومات تفصيلية عن مساهمة القوة البشرية الفلسطينية في النشاط الاقتصادي، وتوزعها المهني، وتعطي الدراسة الإحصائية عن عشرة مخيمات عام 1980، صورة غير كاملة، من حيث عدم شمول المخيمات في منطقة صور، والاقتصار على سكان المخيمات، إذ يخرج من إطار هذه الدراسة الفلسطينيون القاطنون خارج المخيمات، الذين انتشروا كثيراً مع التحسن الاقتصادي الذي ساهم في بعثة تطور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. جرت في البدء دراسة مخيمات بيروت وضواحيها (شاتيلا، صبرا، مار إلياس، برج البراجنة، والدامور)، وصدرت النتائج مستقلة (في المجموعة الإحصائية الفلسطينية عام 1980). وانضمت إلى هذه الدراسة نتائج مخيمات صيدا والبقاع والشمال ومجموعها 5 مخيمات بعضها نصف زراعي والآخر زراعي حرفي (المجموعة الإحصائية 1982، وهكذا أتيح أمامنا تحليل النشاط الاقتصادي للمرأة، لقد جاءت مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي محدودة، تمثلت في 7.1% من مجموع الإناث من عمر 10 سنوات وما فوق، و 10.8% من مجموع الفلسطينيين اقتصاديا، ولم تحتسب الإناث العاملات موسمياً في الزراعة. يتبين في جميع المخيمات اتجاه للوصول إلى مهن مختلفة، ويبرز ذلك بوضوح في منطقة بيروت، حيث يلاحظ مزيداً من الانجذاب إلى الأشغال الكتابية والبيع والعمل في الصناعة.  إن عدد العاملات كمهنيات فنيات، مرتفع نسبياً، حيث تعمل الفتاة كمدرسة أو مربية أطفال أو ممرضة، وكان من الممكن أن يكون العدد أكبر، لو عمدت الوكالة إلى تعيين مزيد من الإناث في سلك المعلمين، حيث كن يمثلن عام 1980 حوالي 22.1% من مجموع العاملين في التعليم العام في الأونروا. وتولت 13 امرأة مسؤوليات إشرافية مقابل (69 رجلاً)، بينما كان الوضع مختلفاً في المناطق الأخرى التي تنشط فيها الأونروا، حيث فاق عدد المشرفات (مديرات أو مساعدات مديرات) عدد الذكور من هذه الفئة، ويبدو أن اتباع نظام الاختلاط، أدى في الأونروا - لبنان إلى التركيز على الذكور، لأسباب اقتصادية، وأخرى تربوية، ومنها التسرب الواسع من مدارس الأونروا وانخفاض عدد المعلمين المطلوبين، بما لم يتح الاستفادة من خريجات معهد إعداد المعلمين.  وبعد 8 سنوات، ومع تواتر التهجير، تدنت أيضاً نسبة الناشطات اقتصادياً، فبلغت في صيف 1988، 69 امرأة أي 5.4 % من مجموع إناث المسح من فئة عمر (15 – 96)، واختلف الوضع جغرافياً حيث بلغت النسبة في بيروت 6.5 % نصفهن عاطلات عن العمل. و 44 % في منطقة صيدا نصفهن أيضاً عاطلات عن العمل، مما يعني أن اللواتي حافظن على مهنهن في بيروت حافظن على مكان إيواء في نطاقها. إن دراسة المهجرين هذه تعكس من الناحية الاقتصادية وضعاً عاماً، حيث أن عدم الاستقرار في جميع المخيمات تقريباً بعد عام 1982، وحصول تهجير وتدمير، سببت جميعها تعثراً في النشاط الاقتصادي على مستوى التجمعات ومحيطها، اتخذ أحياناً منحنى تراجعياً، كما قيدت الظروف الأمنية حركة الفلسطينيين وعطلت سعيهم للعمل في أحياء المدن، وتأثرت كثيراً فئة عمر 15 – 19 من الإناث، منهن 21 عاطلة عن العمل، وتحديداً من العاملات والخياطات، إن الأكثرية الساحقة من العاملات في الخدمات من عمر 40 وما فوق أميات أو شبه أميات، تعمل بعض المتعلمات في هذا المجال لتأمين دخل ثابت.  ومن جهة أخرى، فإن الوضع التعليمي في الأونروا تجاوب بشكل محدود مع تطلعات الإناث، حيث أن عدد المعلمات المثبتات تقلص من 274 معلمة عام 1980 إلى 226 معلمة عام 87، ولكن هناك عدد آخر من المعلمات المياومات من غير المثبتات. 2- احتياجات المرأة للعمل، المعطيات والإمكانيات: 2-1: حاجة المرأة إلى العمل اجتماعياً واقتصادياً: هناك مؤشرات عديدة تدل على استعداد المرأة للعمل، ويعكس ذلك الحاجة إلى المكانة في المجتمع، إضافة إلى التطلع إلى العمل والدخل، ونستدل من استمارة الانتساب لدورات سريعة في الأشغال اليدوية وفي مهن الخياطة، في محترف ومركز تدريب المرأة في بيروت التابع لجمعية التنمية المهنية الاجتماعية، إن 41 % من أصل 234 من المسجلات في الدورات التدريبية قلن أنهن يأملن التزود بكفاءة للحصول على عمل، على الرغم من أن معظم الدورات تعتبر دورات هوايات وتمهيدية مثل (الرسم على القماش، أو على الخشب، أو على الزجاج، نول، مكرمة، صنع زهور). فقط دورة الخياطة الصناعية والتصميم تأخذ شكل إعداد مهني مطلوب في سوق العمل. وغيرهن من الإناث تحدثن بشكل غير مباشر عن الإرادة في العمل وعن أهمية نشاط التوجيه المهني، أو تعزيزه لتخصص جامعي في طور التحصيل لاحقاً.  ويتضح من الدراسة حول تطلع المرأة للتدريب والعمل والتي أعدت خصيصاً لقياس ذلك، أن جميع الإناث العاملات (51 %) أو غير العاملات (44 %)، أظهرن استعداداً للعمل في مجالات مختلفة سعياً لإيجاد عمل أو للاستمرار في وضع العمل. وتعكس العينة أوضاع الجيل الجديد حتى عمر 24 سنة حيث حصل معظمهن على تعليم يفوق 7 سنوات. ويظهر من العينة أن العديد منهن واللواتي لم يحصلن على إعداد مهني نظامي أو فني أو تخصص، سعياً إلى حضور دورات قصيرة، تحديداً في الخياطة أو الطباعة، أو في أشغال يدوية، أملاً في تحسين قدرتهن للحصول على عمل.  وعند السؤال حول اقتراحات توسيع مجالات العمل، طالبت أكثر من نصف المستجوبات بضرورة هذا التوسيع وإنشاء المشاغل والمؤسسات، وتحديداً الكبيرة منها، لاستيعاب أكثر عدد من الإناث الراغبات بالعمل، ورأت 48 مستجوبة ضرورة إنشاء مزيد من مراكز الإعداد المهني، كمدخل لتأمين عمل، وهكذا تحدثت 84 بالمائة من المستجوبات عن ضرورة توسيع مجالات العمل من خلال التدريب المهني وتنويعه أو التنشيط الاقتصادي أو كليهما.  ويظهر من خبرة الأونروا والمؤسسات الفلسطينية أن عدداً كبيراً من الإناث يتقدمن للوظيفة المعلنة، تتبلور، ولكن مع حلول الاجتياح الإسرائيلي، قضي على الإطار المؤسساتي وبالتالي مجال العمل، ولم تتح أو يعلن عن رغبتهن بعمل، وكما هو الأمر في بيروت، كذلك هو أيضاً في إطار التجمعات الفلسطينية في صيدا وصور وشمال لبنان. 2-2: إمكانيات تشغيل المرأة: تلعب الظروف الأمنية دوراً في تقليص فرص العمل، ولكن مع تحسن الوضع الأمني، تتحسن فرص العمل، ليس فقط لتعدل في موقف المحيط الاجتماعي، بل أيضاً الانتعاش الاقتصادي الذي يتولد عن الاستقرار الأمني النسبي. وكما ذكر سابقاً، تستمر المؤسسات الكبرى في الامتناع عن استقبال فلسطينيين، غير أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تبدي تساهلاً أكبر. وعلى كل حال، فإن الرأي العام في لبنان على المستوى السياسي والاقتصادي، يرى بمنطق إعطاء الحقوق الاجتماعية لفلسطينيي 1948 والحاملين للوثيقة اللبنانية. وهناك عدد قليل من المجيبات من العينة المذكورة أعلاه ذكرن الجنسية سبباً لعدم إيجاد عمل (8 من أصل 95 مستجوبة)، وفي حلقة حوار مكثفة جمعت 8 مستجوبات و 4 مستقصيات، توصلن جميعهن إلى أن سوق العمل مفتوح نسبياً، ولكن يشترط في الأعمال المهنية مستوى تعليمياً وإعداداً مهنياً مقبولاً وخبرة تمهيدية كافية، ومطلوب تنشيط الوضع الاقتصادي ضمن التجمعات الفلسطينية لإتاحة المجال لأكبر عدد من الإناث للعمل دون معيقات اجتماعية أو أمنية.  إن السوق الفلسطيني قادر على التوسع، فالمخيمات الفلسطينية لا تمثل أحياء سكن لصالح الاقتصاد المركزي، فهي أيضاً تجمعات مهيأة لتطوير الاقتصاد الذاتي، ولقد برهنت منطقة صبرا – شاتيلا على ذلك قبل 1982، أو مع إعادة الإعمار لاحقاً، وساهم تجمع مشاغل "صامد" في مخيم برج البراجنة في جذب عدد ليس بقليل من العمال، ومن الجنسين. ومع اعتمادات إجراءات تنشيط للاقتصاد المحلي، ستتولد حركة اقتصادية نشطة على مستوى الإنتاج والخدمات والتجارة.  إن الاتجاه التقلصي الذي سلكته وكالة الغوث قبل عام 1982، هو الذي أدى إلى شبه إغلاق في مجال العمل لديها أمام المرأة تحديداً. وكانت الأونروا تعتمد قبل ذلك التاريخ على نشاط منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المتخصصة وأهمها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الشؤون الاجتماعية، ومؤسسة "صامد". ولكن مع تقلص نشاط هذه المؤسسات وتقلص خدماتها، عادت الأونروا ونشّطت خدماتها، ومنها الصحة والخدمات الاجتماعية تحديداً، لكنها لم تستطع حتى الآن معالجة الوضع التربوي وتحقيق الانتظام التعليمي للأجيال الصاعدة، وزيادة فرص الإعداد المهني أمامها،  والذي سيتيح في حال تحقيق تحسين الوضع، مجال عمل لعدة فئات من المهنيين، وسيكون للمرأة مزيداً من فرص العمل. بدأ نشاط م. ت. ف. واسعاً في لبنان قبل 1982، إلا أنه كان في أول الطريق من ناحية رعاية التجمعات الفلسطينية في لبنان على المستويات الصحية والتربوية والاجتماعية والثقافية، فكانت الخدمات ما تزال في المرحلة الانتقالية وغير مبرمجة، غير أنه مع حلول عام 1981 وبعد خمس سنوات من الممارسة. تعمقت القناعة بضرورة توسيع الخدمات وتطويرها، وأخذت التصورات والسياسات والخطط حروب المخيمات فرص تطوير نشاط المؤسسات، للعودة إلى هذه المشاريع وبشكل مكثف. وقد زادت الحاجة إلى مجموع الخدمات والنشاطات نتيجة التدهور المأساوي للمستوى الاجتماعي للتجمعات الفلسطينية بفعل حروب المخيمات والتهجير واستنزاف المدخرات في إعادة الإعمار. ولذا، فإن مواجهة الأعباء من خلال تطوير شبكة خدمات المؤسسات وإيجاد المزيد منها وتطوير كفاءتها، سيخلق فرصاً عديدة لعمل المرأة ومن المستويات المهنية المختلفة. ويجب التنويه هنا إلى أن ما هو مطلوب ليس تطلعاً مثالياً، بل أنه يستجيب للحد الأدنى من الحقوق الأساسية للإنسان، وحق الشعب الفلسطيني في ظروف تشتته خارج أرضه، كما وأنه من حقه في ظروف الاحتلال، أن يحظى بمقومات الصمود الاجتماعية والدخول في مسار تنمية اجتماعية، تتجاوب مع حقوق الإنسان ومع حقوق الشعوب في تطوير نفسها.  2-3: إمكانيات اشتغال المرأة لحسابها الخاص: لقد دلت تجربة التطوير الذاتي الفلسطيني على الإمكانية الواسعة لتسويق إنتاج ذات مستوى مرتفع مع الحفاظ على التراث وجمال الأشكال وألوان التنسيق العام. وقد أتاح هذا الإنتاج تشغيل عدد كبير من الإناث في المنازل، وحوالي 200 فقط لدى جمعية إنعاش المخيم. ويزداد الطلب حالياً على هذا الإنتاج، مما يزيد من دخل العاملات وزيادة عددهن، ويدخل هذا النمو من العمل في إطار التعاقد بالقطعة، ويمتاز بتولي جمعية إنعاش المخيم تزويد المرأة الراغبة بالعمل بالتدريب والتصاميم والمواد وتقييم الإنتاج وتسويقه ودفع الجهد المقدم إلى الأمام. وهو ما يشكل نموذجاً لأنواع أخرى من السلع التي يمكن إنتاجها، منزلية كانت أم تراثية أم عامة.  ولقد مارست المرأة طويلاً مهنة الخياطة المنزلية، لكنها تجد حالياً منافسة من الإنتاج الصناعي، من جهة، وازدياد عدد الخياطات المنزليات نتيجة تكاثر دورات الخياطة. ولكن يجدر التنويه إلى تصاعد متطلبات النساء من ناحية الثياب، اللواتي لا يرضيهن المستوى التقليدي من الخياطة المنزلية، ويطلبن مزيداً من الكفاءة من الخياطة وتجاوبها مع تطورات الموضة. ولذا، فإن أمام الخياطة المنزلية، أو بالأحرى الحرفية مجالاً غير مغلق، قابل للتوسع في حال حصول الخياطة على إعداد مهني كافٍ. وقد يحفزها نجاحها المحتمل إلى إنشاء مشغل خياطة.  وتظهر أجوبة عينة (95) امرأة تطلّع الإناث إلى مهن وحرف قابلة لإنشاء نشاط خاص، مثل مزينة ومصففة شعر وحرف أشغال يدوية فنية، وعدد ليس بقليل منهن نوهن بقدرة المرأة إلى دخول مجال التجارة. ومن ناحية أخرى تتطلع المرأة بحماس إلى المهن الجامعية، خاصة بعد تخرج أعداد من المهندسات من جامعة بيروت العربية، وخضن الحياة العامة. حيث بدأت المرأة تشعر بوجود عشرات المهندسات. ولذا تحدثت 22 مجيبة من العينة عن قدرة المرأة على ممارسة الهندسة وفي اختصاصات مختلفة ويبدو أن في ذهن هؤلاء المجيبات أن الهندسة تعني بشكل عام الدراسة ما بعد الثانوي بشقيها، المستوى الفني والتخصيص. ومع استمرار عمل صندوق الطالب الفلسطيني، أضحى الالتحاق بهذه التخصصات العلمية قضية حية. تحرك التفكير والطموح والقرار والجد.  2-4: المتطلبات الاجتماعية لتشغيل المرأة أدت الحروب المستمرة على الأرض اللبنانية إلى تدهور الوضع الاجتماعي، إلى جانب انتشار البطالة والفقر الشديد والتشرد، فإن أعداداً متزايدة من الأسر فقدت معيلها الذكر من زوج أو ابن، وأضحى على الأرملة وعلى الأولاد والبنات تحصيل الدخل للخروج من المستوى المعيشي الذي تفرضه المساعدات المادية، خاصة وأن هذه المساعدات تتغير أو تقف تماماً مع وصول الأطفال إلى عمر 18 سنة. وفي جميع الأحوال، تصبح المساعدات غير كافية مع تزايد متطلبات الأطفال الكبار.  تعطي إحصاءات وكالة الغوث صورة عن الوضع الاجتماعي المتأزم، فقد ارتفع عدد الأشخاص من فئة العسر الشديد وليس لديهم أي احتمال دخل من 22510 شخصاً عام 1984 إلى 33150 شخصاً عام 1988، وهم يبلغون 11.45 % من الأشخاص المسجلين في الأونروا، وحسب النشرة الإحصائية الصادرة داخلياً عن الأونروا للفصل الثاني من عام 1987، فقد بلغ عدد الأرامل 1163 أرملة. والعدد في ارتفاع متزايد، وتدل إحصاءات الجمعيات العاملة في حقل الرعاية الاجتماعية إلى وجود عدد كبير من الأسر ذات العسر الشديد، ومطلوب تطوير وضعها. وهناك أيضاً أسر فيها الوالدان كبيران في السن أو فقدت المعيل وفيها أطفال قصّر وبنات دون العشرين عاطلات عن العمل، كما أن هناك أيضاً الأسر التي معيلها معاق أو مريض، وتزداد هذه الحالات خلال الحروب.  اتضح من خلال مراجعة معلومات عينة من 59 أرملة في مخيم برج البراجنة، أن 60 % منهم دون 35 من العمر، وأيضاً 60 % من العينة أمية أو شبه أمية، و 40 % وهو القسم الآخر منهن حاصل على مستوى تعليم متوسط. وأن أربع نساء فقط لديهن تأهيلاً مهنياً، ولذا، ليس بغريب أن تعمل 10 % من الأرامل كعاملات نظافة أو مطبخ. وقد تم مراعاة وضعهن عند التعيين، وعموماً للواتي عندهن عدد كبير من الأطفال، حيث لم تتوقف مساعدتهن لضآلة رواتبهن. ومن هنا، يغدو مطلوباً القيام بمجهود كبير لإعداد المرأة الأرملة وإعداد البنات الكبيرات (حيث لا تحسب المرأة معيلاً قانونياً). وقد أظهرت الدراسات الميدانية وجود عدد كبير من بنات الأسر الاجتماعية خارج المدرسة ودون أي إعداد مهني. ووجود هذه الأسر بعلاقة مع مؤسسات اجتماعية أكانت الأونروا أم غيرها، يتيح تنظيماً للتدريب المهني، ودعماً للتشغيل وبالتالي للاعتماد على الذات.  3 - التباين بين إمكانيات العمل والإعداد المهني: 3-1: احتياجات سوق العمل من المهن والمستويات المهنية: عند طرح السؤال على المستجوبات (من عينة 95 امرأة حول المهن التي تستطيع المرأة القيام بها، وهي شائعة للرجل)، أكدت غالبيتهن الساحقة على إمكانية أداء المرأة لمهن تعود حالياً للرجل، وتم تقسيم هذه المهن إلى: 1- مهن بدأت تدخلها المرأة الفلسطينية من حاملات الوثيقة الفلسطينية في لبنان، وهي المهن الأكثر شيوعاً لدى الفلسطينيات حاملات الجنسية اللبنانية أو لدى اللبنانيات أنفسهن. 2- مهن جديدة تتطلع الإناث إلى بعضها بحماس. المهن العائدة للرجال والتي طرحت المستجوبات إمكانية القيام بها، حسب العينة المختارة للبحث :  مهن يمكن الدخول إليها  مهن جديدة مطروحة للمرأة  المهن  عدد المرات المذكورة  المهن  عدد المرات المذكورة  إعمال إدارية ومحاسبة  22  تمديدات كهربائية، تصليح أدوات كهربائية  20  هندسة (تخصصات مختلفة)  22  ميكانيك سيارات  18  تجارة وبائعة  19  دهان وديكور  16  طب  14  الكترونيك وراديو وتلفزيون  5  مدرسة (صفوف عليا)  12  سائقة تكسي  5  محاماة  5  طوبار وأشغال بناء  4  كومبيوتر  4  تكييف وتبريد  2  تصميم ثياب  4  طيران  2  الأشغال بالعلوم الطبيعية  2  تصليح ساعات  1  علوم سياسية  2  تصوير  1  رسم معماري  1        إن بعض المهن المذكورة من عدد محدود من المستجوبات هي طموح يتجاوز الواقع بكثير، ولذا لن تكون مجال تحليل.  كما يظهر أيضاً تلمس المستجوبات للإمكانيات المتاحة في سوق العمل، والتي لا تتطلب المستحيل للوصول إليها، فهي تطلب إعداداً مهنياً ملائماً، وخبرة تمهيدية ومثابرة من قبل المرأة بفرض حضورها وقدرتها، فإلى جانب مستويات التخصص (الهندسة، الطب، إدارة أعمال، المحاماة، الصحافة، العلوم الطبيعية والإنسانية)، تعبّر المستجوبات عن رغبتهن في مشاهدة المرأة تحصل على المستوى المهني في الصناعة والبناء والحرف. فمن البديهي أن يكون محسوباً لديهن ضمنياً المستويات الفنية والتقنية أيضاً، وهو وارد بشكل واسع في الطب والعلوم الطبيعية والرسم المعماري.  ويطرح السؤال، كيف تتحمس المرأة لمهن تحتاج لمواجهة التقسيم التقليدي أو المألوف للعمل من الجنسين في السوق اللبناني؟ إن الجواب الممكن هو، كما ذكر سابقاً، شعور المرأة أن المجتمع ليس سداً أمام تطور وضعها، بل إنه يقبل انخراطها في مجال العمل، ولا سيما لغير المتزوجات، ولذا فإن المرأة الفلسطينية، تجد أنه من الممكن إيجاد عمل في تخصصها في السوق اللبناني، ما دام هذا التخصص مزاول من قبل الذكور الفلسطينيين، وسبقتها إليه المرأة اللبنانية.  ولكن بعض هذه التخصصات المهنية موجودة، ولماذا تمتنع عن الالتحاق بهذه الدورات، تخشى هي أن تكون وحيدة بين عالم الذكور في دورات التدريب، وقد لا تجد الدعم من الأسرة. وتنتظر ظروفاً ملائمة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض التخصصات تنظمها معاهد مهنية تجارية، تكاليفها باهظة، والإعداد غير جدي، إذ يكفي الشاب الذكر الشهادة للوصول إلى مبتغاه، بينما يتطلب من المرأة كفاءة حقيقية للإقناع بقدرتها وكفاءتها.  يحتاج سوق العمل اللبناني والفلسطيني إلى مستويات مهنية وسطى وعليا، مع سرعة دوران العمالة فاستمرار الأوضاع الأمنية السيئة وتدهور الوضع الاقتصادي الاجتماعي، قد شجع الهجرة، والتي تطال أساساً المهنيين والفنيين والاختصاصيين، كما أن استمرار تدني سعر العملة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية يزيد من النشاط التصديري المحرك للصناعة المحلية. وتمتلئ الصحف بعروض توظيف للفنيين والعمال المهرة ونصف المهرة مع خبرات. وتأتي هذه الخبرات من الممارسة أو من التدريب الملائم الذي يوفر المعرفة والمهارة اللازمتين.  ويفترض توفير الخدمات الضرورية للتجمعات الفلسطينية في لبنان خاصة والسكان في لبنان عامة، لتحقيق الرعاية الاجتماعية المرغوبة في هذه الظروف وتحقيق التنمية الاجتماعية أيضاً. ورغم وجود أعداد غير قليلة من التربويين المتخصصين، والمنشطين التربويين والاجتماعيين، والعاملين الاجتماعيين والإداريين لمختلف أنواع المؤسسات الاجتماعية والتربوية والثقافية، فإن النقص الحاصل من هذه الفئات، يؤدي إلى أن معظم هذه النشاطات والمؤسسات تعاني انخفاضاً في مستوى الأداء، وتواجه بالأحرى اختناقات على مستوى توفير الخدمات وتحقيق الأهداف الاجتماعية المرجوة.  ويظهر أيضاً من نمط النشاط الإنتاجي على المستوى الفلسطيني في لبنان، ضعف في كل من التصميم السلعي وتنظيم الإنتاج وكفاءة التنفيذ والتسويق، فالتركيز على "المعلم" أي الحرفي المتعلم من الممارسة (وغير المنسجم مع المتطلبات المنهجية في العمل، وعلى العمال غير المهرة)، لا يعطي الضمان لنجاح الإنتاج واستمراره وتوسعه، وإن نجحت بعض المؤسسات فذلك يعود إلى ميزات خاصة، ومنها سياسية، لتسويق إنتاجها، ومن هنا فإن إطلاق النشاط الاقتصادي، يشترط وجود مستويات مهنية كفؤة لتحقيق الديناميكية الاقتصادية.  3-2: التطلع إلى تطوير الذات: لا تحول الظروف القائمة، والمعرقلة لإيجاد عمل، دون تطلّع عدد كبير من الإناث إلى الحاجة لمزاولة مهنة أو نشاط مهني، يتجاوب مع رغباتهن، وقد عبّرت عن ذلك ، 85.5 % من الإناث اللواتي أردن الالتحاق بدورات أشغال يدوية، وقد استعملن تلقائياً تعبير "رغبة" "هواية" "حب للنشاط الحرفي المحدد. إن عدداً غير قليل من الإناث لا ينظرن إلى أي عمل بحد ذاته كهدف مطلق لتطلعهن إلى النشاط العملي خارج الدور التقليدي في المنزل، فهن يرغبن في ممارسة عمل نشاط يحببنه، يساعدهن على الإبداع والارتقاء المهني والاجتماعي. كما ينظرن إلى فائدة هذا النشاط اليدوي كعامل مهم في حياتهن الزوجية المقبلة، لما تعكسه من قدرة على الإنتاج، ومن تقييم اجتماعي ومردود مادي محتمل.  ومن جهة أخرى، اتضح من التجارب المحدودة في التدريب على الأشغال اليدوية والفنية، إن عدداً من الإناث يسعين إلى اكتشاف قدراتهن لتوجيه تخصصهن الجامعي المستقبلي أو إلى إتقان عدة أشغال حرفية/ فنية، لبلورة شخصية حرفية مميزة، والتسلح بقدرة مرنة في سوق العمل، تساعد في إيجاد الأعمال ذات المردود المتطور.  وأخيراً لا بدّ من ملاحظة وجود ضغوط اجتماعية لإعداد المرأة مهنياً، تسعى لإيجاد مجالات عمل لها، وترفض إغلاق الإعداد المهني أمام المرأة. بحجة غياب الفرص، إنه حق للفتاة كما هو للشاب، فتقييمها لنفسها وتقييم المجتمع لها مربوط أيضاً بإعداد مهني. وفي حالات عديدة يلعب الجانب المهني بعداً مهماً في مشاريع الزواج. وهذا الإقبال الواسع على المهن المتوفرة، هو تعبير عن هذا المسلك الاجتماعي. 3-3: النظام التربوي، الهدر والعجز في مواجهة الاحتياجات المتصاعدة: لقد أدت الأحداث من جهة، وسيطرة التفكير الجامد من جهة أخرى، إلى شبه شلل في النظام التعليمي في الأونروا، وسقوطه في حالة عجز شبه كامل. فقد أضحت المشاكل أكبر من قدرته الذاتية على مواجهتها. لقد أصبحت مدارس الأونروا مستسلمة أمام الانخفاض المرعب في المستوى التحصيلي للطلاب، ولذا فهي تعتمد إلى ترفيعهم الآلي. وترى في قبولهم عبئاً رغم اختزال عدد الساعات نتيجة أسلوب الفترات، فلا تظهر هذه المدارس أي اهتمام لتنظيم أنشطة خارج الصف تعزز من العملية التربوية.  ولا يعني للأونروا كثيراً تسرب التلاميذ ومن أي صف كانوا، فعليها توفير المقعد الدراسي، وليس من مسؤوليتها جلب التلميذ وضمان انتظامه التعليمي، حتى أن توفير المقعد التعليمي هو أيضاً موضوع شك، خاصة من ناحية افتقار الأونروا إلى الليونة الكافية لإيجاد صفوف تعليمية في أماكن نزوح المهجرين من الفلسطينيين في لبنان. وعندما أنشأت مدرسة عادية في مركز التدريب المهني/ سبلين عام 1985/1986، وكان هذا المركز عام ذاك مغلقاً، تركت للأهل تنظيم إيصال أبنائهم إلى المدرسة، وكان أقرب مكان سكن للمهجرين الفلسطينيين يبعد 3 كم عن المدرسة، وبعض التلاميذ كان يقطع مسافة 17 كم. وفي العام الدراسي 1988/1989 فقط، استأجرت الأونروا بناء في وادي الزينة، حيث يوجد 900 أسرة فلسطينية.  إن الوضع التعليمي القائم يلقي عبئاً كبيراً على الإعداد المهني من ناحية انخفاض المستوى التعليمي الرهيب لدى الطلاب الذين أنهوا مرحلة التعليم المتوسط، فيفتقد هؤلاء الطلاب المعارف والمهارات اللازمة، لمتابعة التحصيل المهني على مستوى عامل ماهر أو مهني، ويعجزون لاحقاً عن الوصول إلى مستوى فني أو تقني أرفع. ويفتقر الشاب والشابة المنتسبان من المرحلة الابتدائية أو من الصفوف المتوسطة الأولى إلى المهارات التعليمية الأساسية، ويبدو شبه أمي في دورات التدريب المهني.  ويستمر ضعف المستوى التعليمي مع الانتساب لمدارس ثانوية غير منضبطة ومسلوبة من حافز الجد الذي كان يبذل في الماضي من أجل النجاح في الامتحانات الرسمية، فهذه الامتحانات ملغاة مرحلياً، وعلى كل حال، فإن الطلاب الكبار والمعلمين ينخرطون في الحلقة السياسية- العسكرية، مما يؤدي إلى فوضى في المدرسة، بدلاً من تفعيلها بتحقيق الأهداف الاجتماعية، ولا سيما في المدارس المختلطة. إلا إن المشكلة الكبرى في الوسط الفلسطيني في لبنان هي هيمنة المسار التعليمي الواحد، وهو التعليم العام، فالمدارس الثانوية الفلسطينية القائمة هي مدارس تعليم عام، والدعم المادي على شكل منح ومساعدات يتجه شطر هذا التعليم، والمشاريع المستقبلية تتمحور بدورها حول هذا المسار في التعليم. لقد تركز التعليم في الوسط الفلسطيني على إعداد الطالب لنيل الشهادة الثانوية ودخول الجامعة. ومع إلغاء هذه الشهادة، يختزل التعليم إلى آلية لارتقاء الصفوف وللوصول إلى الصف الثالث ثانوي والحصول على الإفادة. وإذا كانت تظهر أحياناً جدية في ممارسة العملية التربوية، إلا أنها تبقى هامشية. وهنا تكمن المشكلة العميقة للتعليم في الوسط الفلسطيني مع العلم أن مدارس الأونروا أدخلت في مرحلة تطورها أوائل الستينات حصص الأشغال من الصف الخامس الابتدائي، بهدف توفير مهارات يدوية ذهنية وتوجيه التلاميذ مهنياً.  يعتري النظام التربوي عموماً ظاهرة الهدر: هدر في السنين دون تحصيل حاجة تربوية عامة تحقق الأهداف الاجتماعية: يبدأ التلميذ تعلمه مع إنهاء 6 سنوات من عمره ويبقى 10 سنوات (6 صفوف ابتدائية + 4 صفوف متوسطة)، أي أنه ينهي تعليمه المتوسط في وضع طبيعي مع إنهاء 15 سنة من عمره. ولكن متوسط العمر هو أعلى من ذلك، وينهي الطالب تعليمه الثانوي في عمر 18-19 سنة كحد أدنى. هدر في المعرفة والمهارات التعليمية: حيث لا ترتبط عملية التعليم بأية مساقات غير أكاديمية، وعند الوصول إلى المرحلة الثانوية، تصبح عملية التعليم متناقضة مع متطلبات التعليم العالي والجامعي، والأمر أكثر حدة للإناث، حيث يعولن أكثر من الذكور على المعرفة والخبرات المدرسية لمواجهة الحياة.  هدر في القدرات: حيث أن التعليم التلقيني، الانتقائي، والمستمر في تعميق الافتراق مع الحياة اليومية والتحديات الراهنة والمستقبلية يقيد تطور قدرات الطلاب، وفي أحيان عديدة يقلص هذه القدرات الذهنية واليدوية، فليست المدرسة هي التي تحث الطالبة على الطموح لدخول الحياة العامة، بل عوامل التغيير الناتجة عن المستوى الثقافي والاجتماعي، المفروضة من ظروف التكوين الاجتماعي في لبنان، وأثر الحرب من تهجير ولا مركزية اقتصادية وثقافية. لقد أدى إغلاق مركز سبلين خلال فترة (1984-1987) إلى إغلاق مجال للترقي أمام الإناث في مرحلة ازداد فيها طموحهن للإعداد المهني، وقد أوقف هذا الإغلاق سعي الأونروا لتطوير موقفها حول تعليم المرأة في لبنان، ويتعثر هذا التفكير حالياً، فقد يتم في مركز سبلين إدخال مهنة واحدة أو اثنتين تستقبلان المرأة لكن ذلك يبقى جهداً محدوداً أمام حجم الطلب ونوعه. ويستحق عمل المؤسسات الاجتماعية التقدير من ناحية الاستمرار في توفير إعداد مهني للمرأة، والتوسع بعد عام 1983، وكذلك العمل على إعادة فتح الدورات المهنية بعد كل حرب من حروب المخيمات، إلا أن هذا النشاط يعتريه العديد من السلبيات، حيث يركز على الخياطة والطباعة، دون مراعاة الشروط التعليمية، (أي المستوى التعليمي المطلوب والمستوى المنهجي المطلوب تطبيقه للوصول إلى مستوى مهني محدد سلفاً). إن النشاط المهني لدى معظم هذه المؤسسات عشوائي، كذلك لا يمكن اعتبار تدريب الخياطة في نطاق الخدمات الاجتماعية للأونروا. قليل من المؤسسات عمدت إلى تحديد المستويات وإعداد مناهج، ودعم عملية التعليم بالمواد العلمية المرافقة والضرورية. إلا أن مثل هذا العمل يحتاج إلى الإمكانيات، وهذه الإمكانيات كانت متوفرة نسبياً حتى عام 1987، ولكنها أخذت تتقلص في ظروف التصاعد الجنوني لتكاليف المعيشة في لبنان.  وأخيراً أن المنح والمساعدات المقدمة للتعليم الثانوي والجامعي، خجولة ومترددة في دعم الطلاب في التعليم الثانوي المهني العالي وذلك لهيمنة مسار التعليم الجامعي العام من جهة، يعزز من هذا التردد عدم الثقة أو الاحترام للتعليم المهني المقدم من بعض المعاهد المهنية التجارية. وهناك مشكلة واسعة ترتبط بغياب الإعلام حول أهمية الإعداد المهني علماً بأن تحريك عملية التحليل والتفكير والتخطيط تشجع اجتماعيا هذا الإعداد، كما ينقص، أو بالأحرى يختفي، نشاط التوجيه المهني الملائم بشكل مبكر.  4- الخطوات المطلوبة لتحسين مجالات العمل للمرأة: 4-1: مجموعات المشاكل المطلوب معالجتها: 4-1-1: دعم المؤسسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية المتضررة من ظروف الحرب: من غير الممكن معالجة الوضع التربوي والاجتماعي والاقتصادي دون استمرار فعالية المؤسسات التي تقدم الخدمات والمؤهلة لتقديم المزيد منها، إن استباحة هذه المؤسسات في ظروف الحرب تعرضها للاستنزاف المادي وتقيد تحركها وتضعف قدرتها على النشاط المفيد، كما أن استثناء المؤسسات الاجتماعية المحلية، من لوائح تعويض الخسائر، يجعلها تتحمل أعباء إضافية مقابل هبوط مستوى الخدمات السابقة ويضعها في عجز عن التوسيع لتقديم المزيد من الخدمات والنشاطات عموماً. لقد استنهضت الجمعيات نفسها بعد حرب 1972، ونشأ المزيد منها، وعملت على تجاوز آثار حروب المخيمات الأولى، ولكنها تعيش حالياً مرحلة الصمود للبقاء والاستمرار، في حين تضخمت المشاكل والاحتياجات. من حسن الحظ أن الأونروا تجد دوماً التجاوب مع احتياجاتها، وتتحلى كمنظمة دولية، بقوة معنوية، تساعدها على مواجهة المعيقات، إلا أنها تحتاج إلى استيعاب أكبر للمرحلة الراهنة، والنظر إليها كظروف بعيدة على وضع اللاجئين الفلسطينيين (التهجير، ارتفاع شبه الأمية بين الأجيال الصاعدة، احتياج المرأة للإعداد المهني والعمل…إلخ ).  4-1-2: النظام التعليمي لا يتلاءم والظروف القائمة إن مبدأ الاعتماد المطلق على الحصص المدرسية الممركزة في بناء واحد أظهر عدم كفاية أمام الأزمات الأمنية، خاصة وأنه مع تضرر المدرسة، يتحول تلامذتها إلى مدرسة أخرى، فيعتمد مبدأ الفترتان وأحياناً ثلاث فترات، وأحياناً أخرى يبقى التلاميذ دون تعليم إلى حين خروج المهجرين المتواجدين في صفوف المدرسة، وعليه فالمطلوب إيجاد أسلوب مرن يحقق الأهداف التربوية، ويستفيد من المؤسسات التربوية والاجتماعية خارج المدرسة، كما يستفيد من الطاقات البشرية المتعلمة لمتابعة الأطفال. 4-1-3: فقدان النشاطات ضمن عملية التعليم الجواب على خسارة أيام التعليم، وعلى الارتياب من الظروف الأمنية، كان إلغاء النشاطات الإبداعية واليدوية والرياضية، بحجة التركيز على المقررات التعليمية الأساسية، ولكن يتضح أن الجدية في التعليم لا تنتقص من وحدة مواد المنهاج، فأي خلل في النشاط التعليمي، هو بالأحرى خلل عام، لأن الجدية هي أيضاً غير متوفرة في تعليم المقررات الأساسية. ومع غياب النشاطات في ظروف الحرب، ابتعدت عملية التعليم كثيراً عن المتطلبات الثقافية العلمية لنوعية الحياة الراهنة والمستقبلية. وتحتاج الإناث إلى حياة غنية بالنشاط والطموح في إطار المؤسسات التربوية والاجتماعية للاستعداد للمستقبل. وقد أظهرت تجارب المراكز الثقافية والنوادي والفرق الفنية من جهة والنشاطات الاجتماعية الموجهة لخدمة المجتمع من جهة أخرى، استعدادا واسعاً لدى الإناث للتطور والعطاء واكتساب عادات العمل الإيجابية، فالمشاركة الاجتماعية والسياسية والفنية تشكل دافعاً مهماً للارتقاء والمثابرة. 4-1-4: غياب توجيه وإرشاد مهنيين لقد حجبت الحرب إمكانية توفر عدد كبير من المهن، ولا سيما للإناث، ويتعثر الشباب في اختيار المهن الملائمة لقدراته وظروفه. وعملية التوجيه والإرشاد المهنيين، هي عملية متعددة الأوجه وتتداخل مع نشاطات أخرى، تبدأ في المدرسة وبأشكال مختلفة وتمر في النشاط الشبيبي، وتستكمل عبر الاستعلام والاستفسار والنشاط المباشر (هوايات، معلومات). 4-1-5: مشكلة في المناهج وشبه غياب للمختبرات: نوه هنا إلى هذا الجانب عرضياً في الحديث عن النظام التعليمي والتوجيه المهني، إلا أنه جانب يستحق التنويه: - ففي لبنان لم تعدل المناهج منذ أمد طويل، هي تعزز اللغة الأجنبية، لكنها لا تغني الطالب بالمعلومات والمهارات المطلوبة للتعليم المهني بمستوياته خاصة، وللحياة العملية عامة. علماً أن غياب الرقابة من قبل وزارة التربية عن بعض قطاعات التعليم الخاص المتطور، لم يمنع هذا التعليم من تطوير ذاته، كما يحصل مع عدد من المعاهد الخاصة، وتمتلك الأونروا مركزاً تربوياً يستفيد من خبرات اليونيسكو، ولكن آلية التوجيه والتأثير تبدو محدودة على الرغم من الإعداد التربوي للأكثرية الساحقة من المعلمين. 4-1-6: غياب الإعداد المهني الثانوي، وقلة الاعتماد على التدريب السريع للإناث: يوجد عدد من المدارس الثانوية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاتجاه يسير إلى استحداث المزيد منها، ومن جهة أخرى، استطاعت المؤسسات الفلسطينية توفير أبنية وتجهيزات وهيكلية تتيح التوسع في التدريب المهني السريع ولمستويات مهنة مختلفة، وعملت على تطوير التعليم في بضعها لمدة سنتين، وتتيح جميع هذه المعطيات تفريغ التعليم الثانوي وتكثيف التدريب المهني السريع. ويمكن الاستفادة من الإعداد المهني في المجال اللبناني، وهو أيضا في توسع وتنوع، ولقد فرض الإعداد المهني نفسه كجواب على حالة الاختناق التي تواجه خريجي التعليم العام ولخريحي بعض قطاعات التعليم الجامعي، وتقدم مجالات الإعداد المهني فرصاً مختلفة للمرأة. ويواجه الطالب برسوم مرتفعة، مما يصعب على ولي الطالب تحمل أعباء الرسوم المدرسية الباهظة. 4-1-7: غياب جهد واضح في نطاق تعليم الكبار والاهتمام باليافعات: هناك تنظيم لصفوف محو الأمية، إلا أن هذا الجهد محدود نوعياً وزمنياً وعددياً، وإذا كانت هناك مصاعب كبيرة تواجه حملة شاملة لمحو الأمية وتعزيز التعليم، فمن الممكن الاستفادة من الأطر المؤسساتية والتنسيقية المختلفة لتنظيم صفوف محو الأمية والصفوف التعليمية عامة. ويتم تعزيز الإعداد المهني بفضل رقع المستوى التعليمي، كشرط ضروري لتحقيق إعداد مهني فعال، ومن العسير النجاح في تعليم الكبار دون إعداد مناهج ملائمة ترتبط بخبرات الدارسين وطموحاتهم وإعداد العاملين في هذا الحقل تربوياً وفنياً وإدارياً. ومن الضروري إعطاء أهمية خاصة لليافعات من عمر (9-11) و (12-14) من الأميات وشبه الأميات وهن غير ملتحقات بالمدرسة، ويتطلب ذلك تنظيم أسلوب تعليم/ تدريب مهني، يشجع بعضهن على الالتحاق بالصف الملائم لعمرهن، وبالتالي الانتظام التعليمي، وأما الأخريات ، وتحديداً من 12 سنة وما فوق، فيتأهلن علمياً ومهنياً. 4-1-8: غياب التدريب خلال العمل: يجري تدريب العاملين، كما هو متبع في التدريب لرياض الأطفال، من معلمات ومساعدات. وقد بدأ يأخذ شكلاً فعالاً، إلا أن مجالات عديدة بعضها نما بسرعة في السنوات الأخيرة (العمل الاجتماعي والنشاط اللاصفي…الخ)، تحتاج إلى تطبيق واضح وممنهج من الإعداد خلال الخدمة لزيادة كفاءة العمل، حيث أمكن، على إدخال مرحلة تمهيدية تتمثل بتدريب سريع من (2 – 6 أسابيع)، ويمكن فرز أكثر المهمات والوظائف، وتنظيم تدريب مركز على الأداء المطلوب. ويحبذ تشجيع تنظيم تدريب مسائي أو بالمراسلة أو بالتلفاز أو الإذاعة يؤهل العمال لمستوى عامل أو حرفي ماهر أو لمستوى فني. 4-1-9: تقصير التدريب عن التكيف مع الظروف المنزلية: استطاع مشغل التطريز وإعداد الخياطات إفادة عدد غير قليل من الإناث ذات العبء المنزلي، رغم أن النشاط في الإعدادي بقي محدوداً، من ناحية نوع الحرف الممكنة، ومن ناحية تطوير المستوى الإعدادي نفسه، ولا تراعى بشكل واضح وفعال ظروف المرأة المنزلية، كما يفترض التنسيق بين النشاط التدريبي والإنتاجي من جهة وخدمات اجتماعية تربوية (حضانات مثلاً)، تعزز عملية تطوير المرأة وإنتاجيتها من جهة أخرى، وتحتاج المرأة، وفاقدة المعيل خاصة، إلى تدريب مهني، خلال فترة الدعم الاجتماعي لتحقق الاعتماد على الذات. 4-1-10: هامشية تحليل احتياجات سوق العمل وتحديد المهن المرغوبة: يبدو حالياً أن هناك ضياعاً في تحليل المهن/ الحرف المشجعة لعمل المرأة واستقطاب السوق لها. فالأبحاث الميدانية شبه مفقودة، وأحيانا يقلل من قيمتها، وتتهم بأنها وسيلة لهدر الأموال، وقد نتج عن هذا الوضع جمود في المهن المعتمدة في التدريب المهني، مما سبب هدراً حقيقيا في الوقت والجهد. إن التجارب مع احتياجات السوق وتطوره، يفرض استقصاء دقيقاً ومستمراً لتحديد المهن وتطوير القائم منها، ويستتبع ذلك إعداد الأهداف المهنية التربوية الخاصة، ومن ثم إعداد البرامج الزمنية والمناهج. مثل هذا النشاط يستطيع أن يدعم عملية تطوير الكادر التربوي والإداري كثيراً ويدعم بناء وشائج مثمرة مع القطاعات الاقتصادية، وكذلك المساهمة في بلورة مجالات العمل للحساب الخاص. وفي هذا الإطار يمكن إنشاء مكاتب عمل تخدم عملية التشغيل من خلال تنظيم العرض والطلب من جهة، وتحليل سوق العمل من جهة أخرى. 4-1-11: مساع محدودة من قبل الأونروا في لبنان لإعداد الإناث مهنياً: ما تزال ممارسة الأونروا تجاه المرأة الفلسطينية في لبنان، يشوبها التمييز ضد حقوقها، فالتدريب المهني في مركز سبلين ما يزال مخصصاً للذكور أساساً، وتنظيم مهنة واحدة للمرأة فيه لا يلغي هذا التحيز، وأما التدريب المهني في مجال الخدمات الاجتماعية العائدة للأونروا فلا يراعي تطورها العلمي، ولا يستجيب لندائها، هو تخصيص تدريب ملائم لقدراتها واستعداداتها، وتسجع الأونروا نشاط المؤسسات الاجتماعية، وتشترك في إعطاء الشهادات، ولكن ينقص هذا التعاون تنسيق فعال، يحدد الاحتياجات والبرامج المطلوبة، ويساعد على تحقيقها، بالاشتراك مع المنظمات الدولية المتخصصة الأخرى. 4-1-12: ضعف الطاقة الذاتية للمؤسسات الاجتماعية الفلسطينية: تلمست هذه المؤسسات الاحتياجات الاجتماعية والتربوية، وعملت على توفير فرص إعداد مهني للمرأة، وأحياناً فرص عمل، وكما جاء في الفقرة (4-1-1) فإنه يفترض دعمها في ظروف الأزمات، ولكن هذه المؤسسات تحتاج إلى تطوير قدراتها، فما تزال العشوائية هي الأكثر تغلغلاً، ويعود ذلك إلى فكرة الإحسان بدلاً من ترسيخ فكرة التنمية الاجتماعية، ولذا يجب تشجيع المشاركة في التخطيط الاجتماعي وتحديد الاحتياجات وأشكال تلبيتها، وتطوير الكفاءة المؤسساتية من كادر وتنظيم. 4-1-13: اضطراب التنسيق مع الوسط اللبناني المضيف: أدت المنازعات إلى انغلاق للفئات الاجتماعية في لبنان ومنها الفئة الفلسطينية والمتواجدة ضمن مخيمات، إلا أن منطق الواقع والتطور، يفرض التفاعل مع المحيط المباشر والأوسع، وهناك سوق العمل والشبكة الواسعة من المعاهد ومراكز التعليم والتدريب، إلى جانب الطاقات والتجارب. وهناك أيضاً الهموم المشتركة والحاجة إلى جهد سريع ومتواصل لمواجهة نتائج الحروب الداخلية، وآثار الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة والمدمرة في أحيان عديدة. 4-2: المسائل الأكثر إلحاحاً والمطلوب معالجتها 4-2-1: معالجة الوضع التربوي: يهدف إغلاق باب التسرب المبكر ومنع تخريج شبه أميين: يطلب من الأونروا مواجهة الظروف التي تسبب التأخر في الانتساب المدرسي والتسرب المبكر، وذلك من خلال إيجاد مدارس مؤقتة أو دائمة في مناطق التهجير والتنسيق مع المؤسسات الاجتماعية للاستفادة من الأبنية الخاصة بها، وقسم منها مخصص لرياض الأطفال أو للنشاط اللاصفي، بحيث يتم تنظيم صفوف للتلاميذ الصغار بالقرب من مساكنهم أو تنظيم صفوف تقوية ونشاط، وتتيح هذه الإجراءات من سرعة تأثيث الجسم التعليمي في الابتدائي، والاشتراك مع الأهل والمؤسسات في تنظيم حركة النقل من وإلى المدارس البعيدة. ويطلب من الأونروا أيضاً الإسراع في ترميم المدارس المدمرة وإنشاء مدارس جديدة. وتزويد هذه المدارس بالوسائل السمعية- البصرية. واتباع سياسة تخفيض التكاليف المدرسية عن عاتق الأهل، وتحديداً عن عاتق الأسر ذات العسر الشديد والأسر كثيرة الأطفال، والانتظام التعليمي الباكر للتلاميذ الصغار، الذي يشجع الانتظام التعليمي لاحقاً ويضمن التحرر من الأمية. 4-2-2: الاهتمام بتعليم الكبار وتعزيزه من خلال ربطه بالتدريب المهني: إن القضية الأكثر إلحاحاً هي ترك المدرسة من قبل أعداد كبيرة من الشباب، تحديداً قبل تحصيل أساس تعليمي مقبول، وقد وصفوا سابقاً بأشباه أميين، وهذا المستوى يؤثر سلباً على الإعداد المهني ومجالات العمل لاحقاً، ويستحسن ربط التعليم بالتدريب المهني لتوفير الحوافز. ولذا وجب استنفار كامل الطاقات والإمكانيات لتنظيم دورات تعليم/ تدريب أو صفوف تعليمية وعملية. وينبغي الانطلاق من خطة واسعة، تعمق الوعي وتحرك الإمكانيات وتعبئ الطاقات، وتقسم الأدوار، وتدعو إلى تنظيم التقييم والتحليل والبرمجة وتوجيه التنفيذ. إن خلق حالة تعلم لدى الإناث، ينعكس إيجابياً على الانتظام المدرسي للأولاد. ومن شروط نجاح البرنامج التعليمي الإعدادي تنوع النشاطات اليدوية الحرفية والمهنية المعتمدة، مما يتيح للإناث الالتحاق بأقرب نشاط حسب ميولهن واستعداداتهن. ومن هذه الشروط أيضاً إعداد وحدات دراسية تتلامس والنشاطات اليدوية وتجيز أيضاً إدخال مواد ثقافية تنطلق من المهارات الحياتية الأساسية. 4-2-3: ترسيخ التعليم والتدريب المهنيين وتنويعهما: تحتاج عملية الإغاثة والرعاية لمجتمع منكوب، على أثر سلسلة متصلة من الحروب، إلى توفير الطاقات الإنسانية الضرورية المختلفة، كما أن مواجهة تحديات المستقبل القريب يفرض وجود المزيد من الطاقات، وتحديداً الطاقات الوسطى المهنية والفنية. ويستجيب هذا الطلب إلى القوى العاملة لطموح الأعداد الكبيرة من الشباب، وتحديداً الإناث، للحصول على إعداد مهني وبالتالي على عمل، وعلى عمل مبدع أيضاً، فمن الضروري اعتماد خطة عمل لإعداد المرأة مهنياً، تتولى خلالها الأونروا زيادة أنواع المهن داخل مركز سبلين وخارجه وتعيد فتح معهد إعداد المعلمين وتدخل عليه تخصصات تتفق والأنشطة التربوية المختلفة، وتتبنى المدارس الثانوية الفلسطينية القائمة والمحتملة تفريع التعليم الثانوي، ويراعي احتياجات المرأة والمجتمع المحلي. ويدخل في إطار هذه الخطة أيضاً الاستفادة من شبكة المراكز، التي أوجدتها المؤسسات وزيادة طاقتها الاستيعابية، لتوفير تدريب مهني يوازي التعليم الثانوي، ولكن أيضاً يفوقه من جهة، أو يقل عنه من جهة أخرى، وتشجيع هذه المراكز لتطوير مساهمتها في تنظيم صفوف تقوية مسائية، وبالتالي لتنظيم تعليم مسائي للعاملين من الشباب. 4-2-4: التعاطي الممنهج مع تحديد المهن المرغوبة للإعداد المهني: إن تحليل سوق العمل في متطلباته واحتمالاته، من منظار تطوره النوعي يوجب تشجيع الاستقصاءات والدراسات وربطها بشكل معين مع تنشيط العرب والطلب للطاقة البشرية. ويتم ذلك من خلال تشجيع المؤسسات الاجتماعية وتطوير أسلوب عملها، وإنشاء تنسيق فيما بينها في هذا المجال، وإيجاد مؤسسات قطاعية، وتنظيم دراسات متخصصة، تنفذ بشكل مستقل او بالتنسيق مع مراكز بحث في لبنان، على أن تتميز هذه الدراسات بمردودها العملي من خلال تحديد المهن وتوصيف الأداء ومتطلباته العلمية والإعدادية وتشجيع وضع مناهج تفصيلية، تضمن كفاءة التدريب. 4-2-5: ربط التدريب بالإنتاج لأسباب تربوية واقتصادية: مع مراعاة الشروط التربوية لعملية التعلم، يحبذ في التدريب المهني، تشجيع أسلوب التدريب الإنتاجي، أي إعداد تمارين ذات صفة سلعية تسويقية، وتشجيع الاستفادة من ورشة أو قاعة التدريب لتحقيق تطبيق عملي ذي مردود مادي، وتوسيعه ليتجاوز ساعات التدريب، مما يعني أيضاً التلامس مع السوق، والتعرف إلى احتياجاته، ومتطلباته. ويمكن النجاح في هذا الهدف، في حال التنسيق بين النشاطات التربوية والاجتماعية المختلفة، وتشجيع شراء السلع والخدمات المحققة في نطاق نشاطها، والتعاون من جهة أخرى في تسويق الإنتاج داخلياً وخارجياً. ويمكن الوصول إلى تنسيق عمليات التزود السلعي والتسليف والاستشارات الفنية والإدارية. 4-2-6: توفير فرص اكتساب الخبرات العملية للمتخرجات: أظهرت الاستقصاءات، أن الخريجات الفلسطينيات من الدورات المهنية المختلفة يواجهن صعوبة في إيجاد مجال اكتساب الخبرة الضرورية لطرق باب العمل، والحصول على الاستجابة المأمولة، فإلى جانب الاتفاق مع المؤسسات الاقتصادية في مجالات مختلفة لاستقبال المتدربين لفترة محدودة، يتوجب على المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك الأونروا كمنظمة دولية عاملة في الوسط الفلسطيني، توفير مجال التدريب المطلوب. خاصة وأن هذه المؤسسات، بتنوع عملها وتطور إدارتها ونشاطاتها، قادرة على توفير مجال تدريب محدود المدة (من 3 – 6) أشهر للخريجات الجدد ويتيح هذا النشاط للمؤسسات فرصة اكتشاف الطاقات التي تحتاج إليها كما ويفيد الخريجات، حيث يجعلهن يتعرفن على مجالات العمل المحلية. 4-2-7: نشاطات متكاملة من التوجيه والإرشاد المهنيين: يهيمن الضياع على الشباب، والإناث تحديداً، فيتخلفوا عن الاختيار المبكر للمسار المهني المرغوب، وتعجز معظم الأسر الشعبية عن توجيه بناتها مهنياً. ولذا يطلب اعتماد سياسة ونشاطات وخطط وبرامج لتنظيم عملية توجيه وإرشاد مهنيين ترافق التلميذة باكراً في سني تعليمها، وتتيح أمامها مجالاً لاكتشاف قدراتها وميولها، وإثارة رغباتها بالاستعلام والاطلاع، بحيث تقرر بعد 8 سنوات من التعليم العام اتجاه مسارها التعليمي والمهني. ومن هنا يجب التخطيط للنشاط الموازي الصف واللاصفي، ليكون قناة فعالة لمعرفة الإمكانيات الخارجية والذاتية نسبة للإمكانيات المهنية، ويجب تنظيم الحوار والتخطيط لتحديد النشاطات المرغوبة وتطعيمها بالمؤثرات الفاعلة من برامج ومواد. وتحتاج الإناث من الأعمار الشابة إلى إطار إعلامي وإلى إطار إرشادي، يجعله يعتمدن على نهج التزود بالكفاءة المهنية، دون التأثر بالمعيقات، وقبول الجهد المفروض. فإلى جانب المواد السمعية والبصرية، يعمل هذا الإطار على تطوير العاملين في الحقل الاجتماعي والتربوي وإعداد التربويين والعاملين الاجتماعيين المستقبلين، ليكونوا جميعاً دعاة للإعداد المهني، ومرشدين مهنيين بشكل من الأشكال، على أن يتم إعداد مرشدين مهنيين متخصصين عبر دورات تدريب متخصصة، يحضرها عاملون في حقل الإعداد المهني أو جامعيون مؤهلون.  4-2-8: الدعم المادي الأونروا وللمؤسسات الفلسطينية: إن وجود الفلسطينيين في لبنان في ظروف (جالية مهجرة عن وطنها)، وتتواجد على أراض شعوب شقيقة في الدول العربية المحيطة بفلسطين، ومنها لبنان، لا يعطي هؤلاء الفلسطينيين مجالاً لتحقيق الإيرادات عبر الرسوم والضرائب، فهذه الجالية تعيش على المساعدات، وإن أبدت استعداداً لدفع رسوم تتفق وقدرات الأفراد مقابل الخدمات العامة المقدمة، وترزح الدولة المضيفة (لبنان) تحت أعباء ضخمة، تحتاج بدورها إلى تضامن عالمي معها. مما يوجب الدعم المتزايد للأونروا لتوسع أنشطتها ومواجهة ظروف المجموعة الفلسطينية في لبنان، فهذه الوكالة الدولية، هي دعم مهم للشعب الفلسطيني اللاجئ لمواجهة ظروف عدم الاعتراف بحقه بالعودة إلى وطنه وأرضه. وتحتاج المؤسسات الفلسطينية إلى دعم متزايد لتطوير قدراتها ومواجهة المزيد من الاحتياجات الضرورية التنموية للشعب الفلسطيني في لبنان. فهي الأكثر وضوحاً وليونة في مواجهة التحديات الجديدة، التي تعيق رعاية وتنمية المجتمع الفلسطيني. 4-3: المعيقات الثقافية والاجتماعية- الاقتصادية المؤثرة على التحاق الإناث بالتعليم للعمل وطرق علاجها: 4-3-1: هيمنة التفكير بمسار التعليم الثانوي العام والتعليم الجامعي: انتهى عهد الشهادة الثانوية العامة كمدخل للتوظيف، وتحديداً في مجال التعليم الابتدائي ومجال ما قبل المدرسة، واتجه الطلب شطر خريجي الاختصاصات الجامعية والحاصلين على دبلوم تخصص. ولكن الرأي العام ظل أسير مسار التعليم الثانوي، وأضاف إليه التعليم الجامعي، وينظر هذا الرأي العام إلى ترك المدرسة بعد المرحلة المتوسطة أو خلال التعليم الثانوي على أنه تساقط بينما ترى فيه شعوب الدول الصناعية وعدد متزايد من دول العالم الثالث، تفرعات يشجعها النظام التربوي خاصة والمنظومة الاجتماعية عامة.  وكما جرى توضيحه سابقاً، فإن الاستمرار في التعليم العام في أحيان عديدة، هو هدر في الوقت والقدرات، نتيجة لشكلية الشهادات المفصولة عن المستوى والمحصلة بالترفيع الآلي. ويجب التركيز هنا على التعليم الأساسي (5 ابتدائي + 4 متوسط) ومن ثم التفريع، وتشجيع المتفوقين علمياً على الاستمرار في التعليم الثانوي العام، وأما الآخرين من الجنسين فيجب دعوتهم للوصول إلى النجاح المهني، وفرض المقام الاجتماعي، عبر الإعداد المهني، وهو حسب النظام التربوي اللبناني يتيح مواصلة التخصص إلى ما بعد الثانوي. وفي المرحلة الراهنة، فإن التفريع المهني لعدد كبير من الإناث هو ضمان لهن للاستمرار التعليمي ودخول مجال العمل وتكوين شخصيتهن المميزة في الحياة العامة.  تهيمن، مع الأسف، في الوسطين الفلسطيني واللبناني وجاهة مواصلة التعليم الثانوي العام. وكأنهم يدافعون عن السلطة المطلقة للأمر الواقع، ويربطون النجاح الاجتماعي والمادي بالتعليم الجامعي، علما إن عائد التعليم الجامعي أصبح يشبه العائد لبعض التخصصات سلبياً، حيث يزيد من حجم البطالة، ويساهم أيضاً في هذه الطاقات، لقد أصبح من الضروري ترشيد مسلك المجتمع والأسرة والطالب، بحيث تؤخذ القرارات المفيدة حول المستقبل المهني باكراً، بعيداً عن النموذج النمطي الجامد والشائع. وعلى كل حال، إن وجود المؤسسات التربوية المهنية ووضوح المسارات يشجع الجميع على تعديل المسلك. 4-3-3: أولوية الإمكانيات لتعليم الذكور: في حال وقوع عبء تكاليف التعليم الثانوي على عاتق الأسرة، تعطي أولوية التعليم للذكور، وتفوق الفتاة فقط هو الذي يشد الأهل إلى الاستمرار في تعليمها تيقناً من الاحتمال المرتفع لوصولها إلى تخصص يفيد الفتاة بقدر ما يفيد الأسرة، ويأخذ شكل التركيز على إعطاء الأولوية لتعليم الذكور، الإلحاح عليه بالانتظام التعليمي والإصرار نفسه للإناث، يجب بلورة رأي عام يقدّر قضية تعليم الإناث وإعدادهن مهنياً بالقدر نفسه المعطى لمستقبل الذكور، فالمرأة هي أيضاً جزء من راس المال البشري، إلى جانب أهمية دورها في تنشئة الجيل الجديد وفي إطار النضال الوطني الفلسطيني، فهي عامل أساسي في مضاعفة القدرة النضالية الشعبية، لا يظهر موقف مسبق يقلل من شأنها. فالقناعة كاملة بهذه القدرة ونموها والتطوير النوعي للمرأة يشكل محركاً للوصول إلى تصاعد القدرة الذاتية للشعب العربي الفلسطيني. 4-3-3: الشك بقدرة المرأة على ممارسة بعض المهن: إن أنواع العمل المقررة في نصوص منظمة العمل الدولي، هي الحدود الفيزيولوجية النفسية لعمل المرأة في المرحلة الراهنة، وهي حدود قابلة للتجاوز مع تعديل ظروف العمل، وبالتالي السلامة المهنية. ولكن بالمقابل، أن توفير فرص العمل للمرأة كحق من جهة، وضرورة تنموية من جهة أخرى، تفرض محاربة الأفكار النمطية المسبقة، والدعوة باكراً لانتساب المرأة لمعاهد التعليم ومراكز التدريب المهنية المختلفة ولجميع المهن، ويترك فها أمر الخيار على ضوء معرفتها للطلب في سوق العمل، إلا أنه يجب تشجيع سوق العمل لمساواة الجنسين في فرص العمل الملائمة واستكشاف الوجه الإيجابي من عمل المرأة. ومن الضروري التركيز على غرس قناعة أساسية لدى الأطفال والشباب الذكور، بكون الإناث أقرانهم، زميلات لهم ليس فقط في المدرسة، بل أيضا في النشاط العام والعمل. وكزميلات أيضاً قادرات على تنفيذ أداء مماثل، مؤهلات للارتقاء المهني، ولا يمس ذلك أنوثتهن، فهن الأقدر على التعبير عنها والحفاظ عليها. 4-3-4: إهمال الترقي المهني للمرأة: في مجالات اقتصادية عديدة، ما زال ينظر إلى عمل المرأة كعمل مرحلي لا يعول على تطويره مهنياً، فإضافة إلى المس بمبدأ مساواة الحقوق والفرص، تخسر المؤسسة الكفاءة المحتملة، وقد يسبب التقييم غير الإيجابي حالة إحباط لديها يؤثر على مسلكها في مجال العمل وخارجه، وهي التي تلح تصاعد احتياجاتها للعمل والنجاح المهني لأسباب اجتماعية ومادية. ومطلوب من الحركة الوطنية الفلسطينية بأشكالها المؤسساتية المختلفة، تشجيع المرأة ومحاربة أي موقف مسبق ومعيق. وموضوعياً يعول في ظروف النضال، وبشكل متزايد، على تطوير طاقات ومسؤوليات المرأة في الحياة العامة. ليس فقط كنشطة في حقل المرأة، بل أيضاً كفاعلة في جميع مجالات النشاط، وعدم تجميد استعدادها، بحجة الأولوية للرجل لأنه المعيل، فهي أيضاً معيلة وتتحمل مسؤوليات أسرة. ويعود مستوى الأداء في عديد من المهمات إلى الكفاءة المهنية، وليس إلى الظروف الاجتماعية الذاتية التي يمكن معالجتها عبر التسهيلات الاجتماعية. 4-3-5: الانطلاق من الظروف الاستثنائية لسوق العمل للتشكيك بجدوى التدريب في مجالات عديدة: يجابه الإعداد المهني للإناث تشكيكاً بالفائدة منه، وذلك بحجة انغلاق سوق العمل بوجه المرأة منهما كانت المهنة المختارة، ومن هنا، وباسم المنطق، حُصر الإعداد المهني في مهن معدودة، معظمها نسوي. إن الإنتاج متنوع في المجتمع، ويزداد تنوعاً في ظروف الازدهار الاقتصادي. لكن الانكماش في الإعداد المهني، يزيد من الانكماش أو الإرباك في السوق وفي المجتمع عامة. ففي جميع الظروف يجب القيام بجهود تنموية. وبالتالي، الاعتماد على الإعداد المهني لتحريك الاقتصاد وتطويره، ومن جهة أخرى، فإن الإغاثة في زمن الحروب هي أيضاً عملية اجتماعية- اقتصادية معقدة، ونراها حالياً على مستوى الوضع الفلسطيني في لبنان، حيث يفرض تنظيم حركة إعمار واسعة، وتوفير السلع من مواد وتجهيزات، ورعاية للمهجرين في الوقت نفسه، على مستوى الإيواء والغذاء والصحة والتربية والإنتاج والدخل. مهمات متنوعة وبالتالي مهن متنوعة. وكما ذكر سابقاً يفترض من الإعداد المهني، تحضير الجيل الجديد للظروف المستقبلية، حيث تتبدل الظروف سريعاً مع استتباب الأمن، وفي كثير من الأحيان تساعد التخصصات المهنية على توجيه الاستثمار من إنتاج وخدمات وبالتالي خلق فرص عمل جديدة. 4-3-6: تحول الأونروا من رعاية سلبية إلى رعاية إيجابية: تدخل في تسمية وكالة الأمم المتحدة المعنية إشارة إلى كل من مهمتي الإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط- الأونروا تعبير "التشغيل"، وبعد فشل خطط التوطين، تركز النشاط التشغيلي في الإعداد المهني وتسهيل العمل في الدول النفطية، وتقلص الطموح التدريبي أيضاً. وانحصر عمل الأونروا بمزاولة ما بقي من نشاطات تحت اسم "الإغاثة". ولكن مع تدهور أوضاع الفلسطينيين بعد حرب 1967م ولاحقاً بعد تدهور الوضع الحياتي للفلسطينيين في لبنان بعد عام 1982م، ثم بعد تصعيد الاضطهاد الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وتحديداً بعد انطلاق الانتفاضة، أخذت الأونروا تكيف نفسها لمواجهة احتياجات الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الاستثنائية. وكانت الأونروا قد وفرت خبرات مختلفة خلال المرحلة الأولى من عملها وخلال نشاطها المستمر في قطاع غزة المزدحم باللاجئين وفي مخيمات الأردن المستجدة بعد عام 1967.  والمطلوب الآن من الأونروا الإسراع في استنهاض نفسها في لبنان، ورفع غطاء الركود الطويل عنها. ولذا يتوجب عليها إنجاز تقييم كامل لنشاطها التربوي- الاجتماعي، والنظر إلى الوضع الحياتي للفلسطينيين في لبنان على أنه تدهور رهيب، يزيد من صعوبات التطور المهني للمرأة، ولا بد كخطوة ضرورية من إعادة تكيف النظام التعليمي مع النظام المعتمد رسمياً في لبنان (5 ابتدائي + 4 إعدادي) أي من عمر 6 حتى 14). مما يعزز الانتظام التعليمي ويتيح مع عمر 15 –16 ، توجيه الإناث مهنياً، وبالتالي التنسيق مع الجمعيات لتعزيز التعليم ما قبل المدرسي وتعميمه لفئة عمر (4-5 سنوات) على وجه الخصوص.  ومن غير المقبول أبداً الاحتماء بالظروف الاستثنائية للإبقاء على مبدأ الفترات وإلغاء النشاط في المدارس، مما يغلب المسلك غير المنضبط لدى الأولاد والمتولد عن كثرة الساعات الطويلة وغير المثمرة خارج المدرسة، على مسلك الانضباط والتعلم داخل المدرسة. ويسقط دور المدرسة في حال تقليص دورها إلى ثلاث ساعات يومياً ولمدة خمسة أيام في الأسبوع في ظروف فقر تام في البناء والوسائل التعليمية، وفي ظروف رجحان المعلمين الذكور في التعليم الابتدائي، وهم الذين ندبون حظهم من عدم ارتقائهم المهني، أو عدم استثمار تخصصهم الجامعي لا من التعليم ولا من خارجه كفلسطينيين. ولذا فإنه مطلوب من الأونروا، مع اللجان الشعبية والمؤسسات الاجتماعية، الوصول  إلى حلول تواجه الشلل في العملية التعليمية، وتتيح هذه الحلول للمرأة المشاركة بشكل فعال في تحسين مستوى التعليم العام. وأخيراً، مطلوب مشاركة الأونروا الفعالة في توفير مجالات إعداد مهني للإناث، وليس فقط عبر دورات مهنية خاصة، ولكن أيضاً من خلال الانتساب للمهن العائدة للذكور وزيادة عدد الطلاب، وإيجاد مهن جديدة في مركز سبلين أو في مناطق تجمعات الفلسطينيين في لبنان، والتنسيق مع المؤسسات بهذا الشأن، وتستطيع الأونروا، كمؤسسة مركزية توفير خدمات نوعية على مستوى إعداد المناهج وتدريب المدربين والإشراف التربوي وإصدار الشهادات.  4-3-7: تنظيم الجهد الشعبي: يبقى لمنظمة التحرير دوراً أساسياً في تنظيم الخدمات للشعب الفلسطيني في مناطق تواجه، ومنها لبنان، ولكن بعد عام 1982، تعذر وجود النشاط الممركز لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتعزز دور اللجان الشعبية في المخيمات خاصة، وفي مجال التجمعات السكنية الفلسطينية عامة. وتوسع أيضاً نشاط المؤسسات الاجتماعية. ولكن تغلب على عمل هذه المؤسسات واللجان جميعاً، عدم القدرة في السيطرة على مستوى مساحة المخيم، وهي تظل دون القدرة على مستوى التحمل تنظيمياً ومادياً، وقد اختفت عنها الرؤية الموحدة والإرادة الجماعية لتنمية الشعب الفلسطيني في لبنان. إن من موجبات هذه الأطر الشعبية والمؤسساتية أن تعكس الاحتياجات المعيشية وأن تعمل على التنسيق لإبراز الاحتياجات المختلفة لهذا الشعب، والمشاركة مع الأطر المركزية لتلبية هذه الاحتياجات. ومن الضروري تحقيق فقرة نوعية في مستوى نشاط العمل الشعبي، والانخراط في خطط وبرامج تعكس إرادة التنمية الجماعية، وتثبيت المشاركة الخلاقة للطاقة النسائية في جميع مجالات العمل.

شبكة المدونون العرب

المقدمة:

اعتمدت الدراسة الحالية على طريقة المعاينة لمعلومات بيانية توفرت من خلال استمارات انتساب للتدريب المهني في جمعية التنمية المهنية الاجتماعية إلى جانب إحصاءات التخرج من المهن المختلفة. وتوفر من خلال الحوار مع المؤسسات معلومات قيمة عن اتجاه التدريب المهني للإناث في نطاقها. ومن جهة أخرى، شكلت إحصاءات الأونروا مرجعا مهما لمتابعة التطور التعليمي للمرأة.
وتوفر من خلال دراسة شاملة لأوضاع المهجرين الفلسطينيين من سكان المخيمات الفلسطينية، نتيجة للحروب المختلفة، معلومات تفصيلية توضح الوضع التعليمي والمهني للإناث، وقد شملت هذه الدراسة 4468 أسرة تضم 25334 فردا.

وتم التركيز ميدانيا على سماع صوت الإناث أنفسهن، فتم إعداد استمارة رأي، وزعت على 100 امرأة أجاب منهن 95 امرأة من المجتمعات الفلسطينية في بيروت وجنوب لبنان ( صيدا وصور ) والشمال، وكانت المستقصيات كفوءات من فريق عمل رافق مراحل البحث، وتحديدا شارك في الحوار الذي نظم مع عدد محدود من المجيبات في مدينة بيروت وفي ندوة تمثل فيها مندوبون عن المؤسسات وبعض الاختصاصيين، وجاء الحضور مختلطا ذكورا وإناثا، مما أعطى بعدا مهما للحوار، وهيأ بالتالي لمشاغل العمل المزمع تنظيمها بهدف متابعة الوصول إلى وضوح حول الإجراءات الزمنية المطلوبة.

1. المعطيات الاجتماعية والتربوية ووضع المرأة العملي:

1-1 : المعطيات الاجتماعية:

تعتبر القوانين والمراسيم اللبنانية، الفلسطيني من غير حاملي الجنسية اللبنانية، أجنبيا من ناحية الحقوق المدنية وحقوق العمل، فقط حق الإقامة غير المشروعة في لبنان، وهو موقف مرفوض من القانون الدولي، بالنسبة للاجئ الفلسطيني، الذي سقطت دولته بعد عام 1948 ومع إنشاء المخيمات تكونت تجمعات فلسطينية، نواتها المخيم، تمتد ضمن دائرة حوله، ومع تقارب المخيمات نشأت مناطق جغرافية ذات وجود فلسطيني كثيف، ( بيروت، صبرا، شاتيلا ) ( عين الحلوة – المية ومية ) صور( البص – برج الشمالي الرشيدية). ومع تطور الحركة الوطنية الفلسطينية، جذبت المخيمات النشاطات العامة المشتركة وكامل المجموعة الفلسطينية في لبنان. ولكن التطور بقي ولفترة طويلة، مختلفا نسبيا نين الأسر المدنية الفلسطينية والتي نزحت إلى المدن اللبنانية وتحديدا مدينة بيروت، وبين الأسر الريفية التي نزلت في المخيمات وتجمعت حسب القرى والعشائر الفلسطينية في الأحياء الأساسية والفرعية لهذه المخيمات.

شعرت الأسر الفلسطينية المدينة، بإمكانات عمل بناتهن في نطاق كل من التعليم والسكرتارية في الخمسينات، مع توسع نشاط وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة الفلسطينيين، والازدهار التدريجي للاقتصاد اللبناني على المستوى الإقليمي. وقد رافق هذا التطور تسارع تعليم ألانا وتصاعد انتظامهن التعليمي وصولا وبكثافة إلى المرحلة الثانوية. لكن التشدد من قبل السلطات اللبنانية بالسماح فقط لحاملي الجنسية اللبناني للعمل بحرية، لم يمنح إلا أذونات عمل محدودة خضعت بدورها لتشديد كبير في أوائل الستينات، نتيجة هيمنة شعار أولوية الوظائف للقوى العاملة اللبنانية، ومنع بالتالي حصول بطالة في هذا القطاع. وتكون نتيجة هذا التشديد مسلك في قطاعات اقتصادية مختلفة، يحجم عن تشغيل الفلسطينيين، مثل قطاع البنوك والتأمين والشركات التجارية والصناعية الكبيرة. فقط بعض القطاعات مثل البناء والزراعة واظبت على تشغيل الفلسطيني، مستغلة وضعه غير القانوني لدفع أجور منخفضة. واستقبلت الزراعة الأعداد الكبيرة من الاناث في أشغال موسمية، حيث يقع عدد كبير من المخيمات في مناطق الزراعة الكثيفة في الساحل أو في سهل البقاع. ويخضع العاملون في الزراعة إلى استغلال إضافية نتيجة عدم شمول قانون العمل للعاملين في القطاع الزراعي.

وترتب على وضع الأجنبي للفلسطيني الحاصل على إقامة دائمة في لبنان، الامتناع عن إلحاقه في نظام الضمان الاجتماعي المعمول به في هذا البلد، فهو لا يحصل على العلاج الطبي، ويخسر التعويضات العائلية التي كانت تدفع سابقا من قبل رب العمل، وأصبحت لاحقا جزءا من هذا النظام. وأما تعويض نهاية الخدمة، فقد فرضت المحاكم وجوب دفعه للأجير الفلسطيني، لأنه ملزم حسب قانون العمل، وبالتالي يحق لرب العمل استرجاع ما دفعه من الضمان الاجتماعي، لدفع تعويض نهاية الخدمة حسب قانون العمل، أي شهر عن كل سنة عمل.

إن هذه الظروف المحددة لوضع العامل الفلسطيني، أثرت في الماضي على وضع الإناث الراغبات في العمل، وكن يشعرن أنهن يخضعن لاستغلال بشع في قطاع الزراعة والمصانع الصغيرة والتعليم وبالرغم من انهيار السلطة في لبنان، فان تأثير الإجراءات الرسمية ظل قائما، حيث تمتنع بعض القطاعات الهمة من تشغيل الفلسطينيين، مثل قطاع البنوك والتأمين والشركات التجارية الكبيرة، وهي قطاعات عرفت تحولا مهما نحو تشغيل المرأة، حيث أخذت تجد فرصا مماثلة للرجل على مستوى الالتحاق بالعمل والترقي الوظيفي.

لقد وجدت المرأة الفلسطينية المدنية، ومن حملة الجنسية اللبنانية، مجالات عمل مختلط في قطاع الخدمات من تجارية وثقافية وتربوية، ووجودها النسبي في دوائر الأونروا، أوجد استعداد للتوسع في عمل المرأة فمع ظهور مؤسسات منظمة التحرير في لبنان بعد عام 1964، أعطيت فرصة أكبر لعمل المرأة، إضافة إلى عدم التقيد بعقبة الجنسية. واعترفت الحكومة اللبنانية بحق الأطر الفلسطينية في تشغيل الفلسطينيين.

ومع ازدياد المؤسسات الثقافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وازدياد المكاتب الحزبية، توسع تشغيل المرأة كباحثة وصحافية وممرضة وادارية وسكرتيرة وعاملة اجتماعية ومربية ومدرسة وعاملة. ثم أخذت تدخل مجالات عسكرية من اتصال ومقاتلة. فلقد لعب مناخ النضال الوطني والحرب، دورا في تحريك المجتمع وتحوله التدريجي. ويعبئ العمل السياسي النساء من خلال اشتراكهن في النشاط السياسي العام، وفي تولي مسؤوليات متنوعة خلال المعارك والحصار. وتكاثفت هذه المسؤولية خلال الاجتياح الإسرائيلي وبعده، وزاد من وعي المرأة لدورها في الحياة العامة، مما أتاح أمامها فرصة إبراز كفاءتها في تحمل المسؤوليات ومواجهة المشاكل النابعة عن الحصار والاتصال مع الخارج. لقد سرعت الأحداث من مشاركة المرأة في الحياة العامة، وفتحت موجات التهجير المزيد من حرية الحركة للمرأة، حيث خفت معايير اجتماعية جديدة. ترسخ من دور المرأة في الحياة العامة.

بقدر ما كان النضال الوطني يحفز المرأة على المشاركة الواسعة في العمل العام إلى جوار الرجل، فان الخسائر البشرية والمادية التي تولدت من الاعتداءات الإسرائيلية ومن الحروب الداخلية في لبنان، تركت أثرها على المجتمع – في استشهاد المعيل أو اعتقاله طويل الأمد وفقدانه في أحيان عديدة …الخ ، ولحق بالتجمعات السكنية تهجير وتدمير المساكن ، وتكرر هذا التدمير والتهجير مخلفا بؤسا وعدم استقرار اجتماعي وتربوي واقتصادي، أوجد فعلا تحولا نسبيا في المجتمع ، ولكنه جلب معه الأعباء الاجتماعية، وأهمها تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة ، من خلال العمل والتحرر من مراكز الأداء الجماعية. ولذا تشارك المرأة بكامل طاقتها في إعادة ترميم أو بناء المنزل المتضرر في المخيم، للعودة إلى استقرار اجتماعي داخل المجتمع المحلي.

1-2: المعطيات التربوية العامة:

في ظروف الحرب، يستحسن العودة عند العرض والتحليل إلى الاتجاهات التي كانت قائمة قبل ولوج هذه الظروف. لقد شهدت الفترة ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 انتشار تعليم الإناث في المرحلة الابتدائية في المخيمات، وتصاعد متسارع نحو الانتظام التعليمي في المرحلة المتوسطة خاصة بعد إلغاء الشهادة الابتدائية الرسمية.

ارتفعت نسبة الإناث المسجلات في الأونروا في التعليم الابتدائي (مدته 6 سنوات) من 39.9 % عام 1955/1956 إلى 47.5 % عام 1974:1975، وإذا أخذنا الأرقام الخاصة بمدارس الأونروا كمؤسسة يتضح انتشار تعليم الإناث في المخيمات الفلسطينية، وبالتالي في جميع الأوساط الشعبية. ونرى أن نسبة الإناث ارتفعت من 35.1% عام 55/1956 إلى 47.8 % وأن عدد التلميذات في الابتدائية قد ارتفع خلال عشرين سنة.

أما على مستوى التعليم المتوسط (مدته 4 سنوات)، فقد تضاعف عدد الإناث حوالي 13 مرة عن المستوى العام. أما على مستوى المرحلة المتوسطة في الأونروا فقد ارتفع عدد الطالبات من 67 طالبة إلى 4278 طالبة عام 74/1975، ويلاحظ أن الانتظام التعليمي للإناث بقي متسارعاً مع دخول العام الدراسي الأخير.

ومن الجدير ذكره أن الوضع الاجتماعي العام في لبنان أباح أمام الأونروا إنشاء عدد كبير من الصفوف المختلفة على المستوى الابتدائي والمتوسط، وبلغت في منتصف السبعينات حوالي نصف مجموع الصفوف في أكثر الأحيان، مما عزز باكراً الاختلاط في الحياة العامة.

بقيت الشهادة الرسمية حاجزاً مهماً أمام عدد كبير من الطلاب للانتقال إلى المرحلة الثانوية، كما كانت أيضاً شهادة الثانوية العامة (البكالوريا بقسميها) حاجزاً قوياً أمام الانتقال إلى المرحلة الأعلى.

تميز مفهوم الشهادات الرسمية اللبنانية بانتقاء الطليعة وعدم الاهتمام بالآخرين. ورغم أن النظام التعليمي اللبناني يتيح في المدارس الخاصة حق الانتقال إلى المرحلة الثانوية دون الحصول على الشهادة الرسمية المتوسطة، فإن الأونروا كانت تمتنع عن تقديم المساعدة الرسمية اللبنانية لقبولهم. فكان الأهل يركزون الإنفاق عموماً على تعليم الذكور، مما قلص من فرص التعليم الثانوي للإناث، علماً أن النظام التعليمي في الأونروا لا يشمل المرحلة الثانوية.

ففي العام الدراسي 74/1975 كانت الأونروا تساعد 357 طالبة في المرحلة الثانوية من أصل 1648 طالباً. فقط 31 طالبة كن في آخر سنة من التعليم الثانوي. إن بنات المدن من الطبقة البرجوازية الفلسطينية فقط هن اللواتي أتيح أمامهن دخول المدارس الأهلية واستكمال تعليمهن الثانوي دون مساعدة الأونروا، ومن السهل الاستنتاج أنه في تلك الفترة كان عدد الإناث من الفئات الشعبية الملتحقات في التعليم ما بعد الثانوي محدداً.

مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في نيسان 1975، شهد التعليم في الوسط الفلسطيني ظاهرتان متناقضتان، وليدتا ظروف الحرب.
  •  التسرب من المدارس والتأخر في الانتساب للصف الأول ابتدائي، وهي ظاهرة مشتركة بين الذكور والإناث.
  •  ارتفاع عدد الطلاب في المرحلة الثانوية وفي الجامعة، وهي أكثر وضوحاً لدى الإناث.
ولما كانت هاتان الظاهرتان وليدتا الحرب، فإنهما تعبران عن انخفاض المستوى التعليمي، فالارتقاء المدرسي أصبح تلقائياً، ومع إلغاء الشهادات الرسمية بسبب تعثر إجرائها بشكل منضبط أصبح الارتقاء إلى صفوف التعليم الثانوي أيضاً تلقائياً. وفي حال عدم الاهتمام بالانتساب لاحقاً إلى جامعات وتخصصات تفرض امتحانات قبول متشددة، يتم التسجيل في التعليم الثانوي شكلياً. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد عام 1984.

انخفض عدد التلاميذ في المرحلة الابتدائية 24% بين أعوام 74/1975 و 85/ 1986، أي خلال عقد من الزمان، بينما بقيت الأرقام ثابتة نسبة إلى التلاميذ في المرحلة المتوسطة، مما يعني أن حركة تسرب واسعة أخذت تحصل خلال سنين الحرب (منذ نيسان 1975)، وخسرت المرحلة المتوسطة من ديناميكية نموها، لكنها واظبت على إبراز إرادة الإناث بالتعليم.

ساهمت منظمة التحرير في تشجيع التعليم الثانوي للإناث، عندما افتتحت مدارس ثانوية في طرابلس وصيدا وبعلبك وثعلبايا، وتولت دفع الأقساط المدرسية للطلاب من الجنسين في منطقة صور، فبلغ عدد الطالبات في المدارس الثانوية التابعة لـ م. ت. ف. في العام الدراسي 81/1982، 567 طالبة، إضافة إلى الحاصلات على منحة توازي الأقساط المدرسية. ومع ارتفاع هذه الأقساط منذ عام 77/1978، أصبحت مساعدة الأونروا رمزية لا يعول عليها كثيراً. ولكن المدارس واظبت في رفع الأسماء إلى الأونروا، مما ساهم في إبقاء عملية الإحصاء، وتوضح هذه الإحصاءات أن عدد الطالبات الحاصلات على مساعدة من الأونروا، في مرحلة التعليم الثانوي، ارتفع من 478 طالبة عام 1974 إلى 1630 طالبة في العام الدراسي 86/87، منهن 387 طالبة في الصف الثالث ثانوي. وبالتالي يمكن استنتاج التحاق أعداد كبيرة من الإناث في التعليم الجامعي ، معظمهن انتسبن إلى تخصصات لا تتطلب حضوراً منتظماً، مما يتيح أمامهن الاستمرار في العمل، أو السعي للحصول على عمل ثابت. وقد شجع انتساب المرأة للتعليم العالي إنشاء الجامعة اللبنانية لفروع لها في عواصم المحافظات (طرابلس، صيدا، زحلة). وتوفير مجال أكبر للطلاب المحليين، ومنهم الفلسطينيين، للالتحاق بالتخصصات العلمية والتطبيقية، وكان الضغط عليها مرتفعاً قبل عام 1982 وتكونت فرصة ملائمة لتصاعد التحاق الطالبات الفلسطينيات بهذه التخصصات.

1-3: التعليم والتدريب المهني للإناث:

عند التخطيط لإنشاء مراكز تدريب مهني، توصلت الأونروا إلى نتيجة، أن الأولوية المطلقة للتدريب في لبنان تعطى للذكور، لأولوية توفير عمل لهم، وتحديداً في الدول النفطية العربية من جهة، ولعدم إلحاح الأهل في تدريب الإناث في مهن "غير التقليدية" من جهة أخرى، وأكثر المهن الأخيرة موجودة ضمن برنامج جمعية الشابات المسيحيات، ولذا واظبت الأونروا على تمويل دورة سكرتارية مسائية لدى هذه الجمعية مدتها سنة واحدة. وقد بدأ التعاقد بشأن هذه الدورة منذ عام 1952، وخرّجت حتى عام 1975 حوالي 681 فتاة، وهو رقم غير قليل. إلا أن هذه الدورة المهنية تخرج فعليا طابعة ومؤرشفة، ويلتحق بها كل من أنهى دراسته في الصفوف المتوسطة. كما أتاحت الأونروا لعدد محدود جداً من الإناث الالتحاق بمركز التدريب المهني للإناث في رام الله (الضفة الغربية). وخُصص مركز التدريب المهني ومعهد إعداد المعلمين في سبيلين - لبنان للذكور فقط، وبقيت وكالة الغوث غير مكترثة لمسألة تدريب المرأة مهنياً حتى عام 1972، حيث أتاحت للإناث المتخرجات من المرحلة الثانوية الانتساب إلى معهد إعداد المعلمين في سبلين بصفة طالب خارجي، وألغي هذا المعهد عام 1984، بحجة انعدام الحاجة حسب وكالة الغوث لمعلمين جدد.

ولكن مع تزايد الضغط العام بضرورة إتاحة الفرصة أمام الفتاة للإعداد والعمل، وافقت الأونروا عام 80/1981 على فتح باب الانتساب للفتيات في جميع التخصصات المهنية في مركز سبلين، فجاء اهتمام الإناث مركزاً على التخصصات المعدة لمستوى فني، أي لما بعد المرحلة الثانوية، وخصوصاً تلك المهن التي هي اقرب إلى مهن الياقات البيضاء، وتتميز باقترابها من المفهوم الشائع حالياً لعمل المرأة. (تجارة وإدارة مكاتب، فني اتصالات، رسم معماري، مفتش صحة… إلخ). ولكن مركز سبلين توقف عام 1983 لمدة أربع سنوات مما أعاق نمو التحاق المرأة بهذا المركز، ولهذا استطاعت أعداد محدودة الالتحاق بالدورات المهنية للمركز خارج مقره، وبالمهن التي لا تحتاج إلى ورش مثل بعضها المذكور أعلاه، ولقد تأثر الطلاب من الجنسين بإغلاق مركز سبلين، ومع إعادة افتتاح المركز عام 87/88، تقدم عدد من الإناث للالتحاق بالدورات المختلفة.

مع تطور جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتزايد عدد المستشفيات والمراكز الطبية وخدمات الأمومة والطفولة، عملت هذه الجمعية على إنشاء معهد التمريض في بيروت، وافتتاح فروع له في مناطق (صيدا، صور)، فأتاح هذا المعهد انتساب عدد من الفتيات في تخصصات طبية مختلفة، وتميزت الدراسة فيه بالاختلاط حيث كان عدد الذكور والإناث عام 1981، 12 مساعدة ممرضة، و 12 ممرضة، و 2 مساعد صيدلي، و4 فتيات مختبر.

وكان هذا المعهد يتبع أسلوب المرونة في تحديد الدورات المهنية المطلوبة حسب احتياجاته وطاقاته، فكان ينظم أحياناً دورات قابلة، وفني أشعة، وعلاج فيزيائي. وأعاد المعهد نشاطه بعد عام 1984، متجاوزاً الدمار الذي لحق به مع الاحتلال الصهيوني، وتجاوز مضايقة السلطة المهيمنة في تلك الفترة والتي منعت إعادة فتحه، وفي مطلع عام 1988 كان المعهد يضم 82 طالباً في أربع تخصصات معظمهم من الإناث، لقدرتهن على الحركة في ظروف الأزمات الأمنية.

وكانت الشؤون الاجتماعية في الأونروا، إلى جانب اتحاد المرأة والمؤسسات الاجتماعية تنظم دورات خياطة من 6 إلى 9 أشهر، ولا تميز هذه الدورات في المستويات المهنية، إذ أنها تتوجه أساساً إلى الأميات أو شبه الأميات.

كما عملت العديد من هذه المؤسسات الاجتماعية على تنظيم دورات طباعة، إلا أنه كان يشوبها عدم مراعاة المستوى التعليمي، رغم أنها أفادت نسبياً، ولكنها لم تستجب لاستعدادات الفتاة المتعلمة، وقامت مؤسسة "صامد" من جانبها بتنظيم تدريب مهني ممنهج في الخياطة الصناعية وصيانة آلات الخياطة، وظهرت كفاءة المرأة في استيعاب شروط هذه المهن وتحديداً في الجانب التقني.

بعد عام 1982، ركزت المؤسسات الاجتماعية، وقد زاد عددها، على تنويع المهن المستقبلية للمرأة، وتطوير مستوى بعض هذه المهن، فأدخلت مهنة التدريب والرسم المعماري والديكور والإخراج الصحفي إلى جانب دورات أشغال يدوية وفنية تطبيقية مختلفة.

ومن جهة أخرى جرى التركيز على تطوير عدد من دورات التدريب المهني، بحيث تؤدي إلى تخريج مهنيات يتمتعن بكفاءة مقبولة في سوق العمل، فتم تنظيم:

  •  دورات سكرتاريا ومحاسبة مدتها 42 أسبوعاً بمعدل 35 حصة أسبوعياً.
  •  دورات رسم معماري مدتها 42 أسبوعاً بمعدل 35 حصة أسبوعياً.
  •  دورات تصميم وتفصيل وخياطة مدتها 42 أسبوعاً بمعدل 30 حصة أسبوعياً.
  •  دورات تزيين وتصفيف شعر مداها 42 أسبوعا بمعدل 30 حصة أسبوعياً.
وانتقل تدريب معلمات رياض الأطفال من دورات قصيرة غير متسلسلة إلى تدريب طويل الأمد خلال العمل، يمنح شهادة معلمة روضة.
وتحركت الأونروا في حقل إعداد المرأة، فعمدت إلى تمويل دورة تجميل في أحد المعاهد، كما بدلت دورة السكرتارية التي نظمتها جمعية الشابات المسيحيات إلى دورة كمبيوتر في معهد آخر.

إن هذا التوسع في تدريب الإناث مهنياً وتوصيل المهن الثابتة إليهن يشجعهن على العمل وتطوير أنفسهن، وهو كما ذكر سابقاً، حديث العهد، ويواجه تعثراً نتيجة الظروف الأمنية، وأهمها حروب المخيمات، ويعطى نموذجاً لتطور إعداد المرأة مهنياً والتأثر بالأحداث الأمنية انطلاقاً من جمعية التنمية المهنية، والتي بدأت عملها عام 984، كلجنة للتدريب المهني والفني. وتنسق هذه اللجنة مع مراكز التدريب المهني في السكرتاريا والمحاسبة العائدة لجمعية المساعدات الشعبية النرويجية، حيث يتم إعداد مشترك وتطوير للبرامج.

1-4: المستوى التعليمي للإناث:

لا تتوفر إحصاءات شاملة، نتيجة الاقتصار على مستوى لبنان إلى التعدادات العامة للسكان، حيث يصعب إنجاز مثل هذا التعداد على مستوى الانتشار الفلسطيني في لبنان، وصدرت بعض الدراسات في فترات زمنية، تساعد في توضيح جزء من الصورة الاجتماعية.

وتوضح بعض الجداول تطور المستوى التعليمي للإناث في المخيمات. لقد شهدت المخيمات الفلسطينية عام 1980 تحسناً في المستوى التعليمي، فلقد أدت المجهودات التربوية من عام 65 حتى عام 74 إلى تطور كبير في الوضع التعليمي، فتقلصت الأمية بين النساء إلى الثلث تقريباً، وزاد عدد شبه الأميات والمتعلمات، وبدأت تظهر أعداد كبيرة من الإناث اللواتي أنهين المرحلة المتوسطة ويكملن دراستهن أي يتسربن من الصفوف الثانوية، أي أصبح هناك طلباً متزايداً على التعليم الثانوي والمهني من فتيات أنهين على الأقل 10 سنوات تعليم، يتمتعن بشخصية وتطلع يختلف عن البنات الحاصلات على مستوى تعليمي أقل، وتحديداً من 6 –8 سنوات تعليم.

كان من المفروض، مع زخم حركة التعليم في أوائل السبعينات، أن تزداد كثيراً أعداد الداخلات إلى المرحلة المتوسطة، إلا أن تأثير الأحداث، وتحديداً مع عام 76، أوجد عامل اضطراب، تصاعد في السنوات اللاحقة، ولا سيما خلال الاجتياح الصهيوني عامي 1978 و 1982، لما سببه من تدمير شديد وتهجير واسع، تضاف إليه الآثار الناجمة عن حروب المخيمات في السنوات الأخيرة.

قد لا تمثل معاينة المهجرين عام 1988، جميع سكان المخيمات، حيث إن بعض الأسر الميسورة نسبياً، استأجرت شققاً أو سكنت في بيوت أقربائها المسافرين، إلا أن حجم الدراسة، والتي وصلت إلى 4468 أسرة على مساحة الأرض اللبنانية غير الواقعة تحت سلطة "القوات اللبنانية"، والتي عانت سنوات من العنف والتهجير، هي عينة معبرة من المخيمات التي كانت تعاني لعدة سنوات من التهجير الواسع (مخيمات بيروت وصور)، إضافة إلى مسح التجمعات المهجّرة من عدة مخيمات، والتي تم تدميرها قبل عام 1982، ومنعت من العودة إليها. فيظهر من الدراسة أن حركة التسرب بين الإناث (وليس أقله بين الذكور)، مرتفعة، وما خسرته الأمية من حجم، عادت شبه الأمية وكسبته مع تدهور مستوى التحصيل العلمي، ومهما يكن، فإن التسميات عاجزة عن إخفاء حقيقة بقاء حالة واسعة من الأمية، ويخشى فعلياً أن تكون الحالة أوسع مما ظهر في المعاينة، حيث تشمل نسبة ليست بقليلة من المتسربات من المرحلة المتوسطة، إذ أن الترفيع الآلي هو السائد في مدارس الأونروا، في ظروف اضطراب كبير في السنة المدرسية نفسها.

1-5: المرأة والعمل- الوضع العملي:

لا توجد معلومات تفصيلية عن مساهمة القوة البشرية الفلسطينية في النشاط الاقتصادي، وتوزعها المهني، وتعطي الدراسة الإحصائية عن عشرة مخيمات عام 1980، صورة غير كاملة، من حيث عدم شمول المخيمات في منطقة صور، والاقتصار على سكان المخيمات، إذ يخرج من إطار هذه الدراسة الفلسطينيون القاطنون خارج المخيمات، الذين انتشروا كثيراً مع التحسن الاقتصادي الذي ساهم في بعثة تطور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

جرت في البدء دراسة مخيمات بيروت وضواحيها (شاتيلا، صبرا، مار إلياس، برج البراجنة، والدامور)، وصدرت النتائج مستقلة (في المجموعة الإحصائية الفلسطينية عام 1980). وانضمت إلى هذه الدراسة نتائج مخيمات صيدا والبقاع والشمال ومجموعها 5 مخيمات بعضها نصف زراعي والآخر زراعي حرفي (المجموعة الإحصائية 1982، وهكذا أتيح أمامنا تحليل النشاط الاقتصادي للمرأة، لقد جاءت مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي محدودة، تمثلت في 7.1% من مجموع الإناث من عمر 10 سنوات وما فوق، و 10.8% من مجموع الفلسطينيين اقتصاديا، ولم تحتسب الإناث العاملات موسمياً في الزراعة. يتبين في جميع المخيمات اتجاه للوصول إلى مهن مختلفة، ويبرز ذلك بوضوح في منطقة بيروت، حيث يلاحظ مزيداً من الانجذاب إلى الأشغال الكتابية والبيع والعمل في الصناعة.

إن عدد العاملات كمهنيات فنيات، مرتفع نسبياً، حيث تعمل الفتاة كمدرسة أو مربية أطفال أو ممرضة، وكان من الممكن أن يكون العدد أكبر، لو عمدت الوكالة إلى تعيين مزيد من الإناث في سلك المعلمين، حيث كن يمثلن عام 1980 حوالي 22.1% من مجموع العاملين في التعليم العام في الأونروا. وتولت 13 امرأة مسؤوليات إشرافية مقابل (69 رجلاً)، بينما كان الوضع مختلفاً في المناطق الأخرى التي تنشط فيها الأونروا، حيث فاق عدد المشرفات (مديرات أو مساعدات مديرات) عدد الذكور من هذه الفئة، ويبدو أن اتباع نظام الاختلاط، أدى في الأونروا - لبنان إلى التركيز على الذكور، لأسباب اقتصادية، وأخرى تربوية، ومنها التسرب الواسع من مدارس الأونروا وانخفاض عدد المعلمين المطلوبين، بما لم يتح الاستفادة من خريجات معهد إعداد المعلمين.

وبعد 8 سنوات، ومع تواتر التهجير، تدنت أيضاً نسبة الناشطات اقتصادياً، فبلغت في صيف 1988، 69 امرأة أي 5.4 % من مجموع إناث المسح من فئة عمر (15 – 96)، واختلف الوضع جغرافياً حيث بلغت النسبة في بيروت 6.5 % نصفهن عاطلات عن العمل. و 44 % في منطقة صيدا نصفهن أيضاً عاطلات عن العمل، مما يعني أن اللواتي حافظن على مهنهن في بيروت حافظن على مكان إيواء في نطاقها. إن دراسة المهجرين هذه تعكس من الناحية الاقتصادية وضعاً عاماً، حيث أن عدم الاستقرار في جميع المخيمات تقريباً بعد عام 1982، وحصول تهجير وتدمير، سببت جميعها تعثراً في النشاط الاقتصادي على مستوى التجمعات ومحيطها، اتخذ أحياناً منحنى تراجعياً، كما قيدت الظروف الأمنية حركة الفلسطينيين وعطلت سعيهم للعمل في أحياء المدن، وتأثرت كثيراً فئة عمر 15 – 19 من الإناث، منهن 21 عاطلة عن العمل، وتحديداً من العاملات والخياطات، إن الأكثرية الساحقة من العاملات في الخدمات من عمر 40 وما فوق أميات أو شبه أميات، تعمل بعض المتعلمات في هذا المجال لتأمين دخل ثابت.

ومن جهة أخرى، فإن الوضع التعليمي في الأونروا تجاوب بشكل محدود مع تطلعات الإناث، حيث أن عدد المعلمات المثبتات تقلص من 274 معلمة عام 1980 إلى 226 معلمة عام 87، ولكن هناك عدد آخر من المعلمات المياومات من غير المثبتات.

2- احتياجات المرأة للعمل، المعطيات والإمكانيات:

2-1: حاجة المرأة إلى العمل اجتماعياً واقتصادياً:

هناك مؤشرات عديدة تدل على استعداد المرأة للعمل، ويعكس ذلك الحاجة إلى المكانة في المجتمع، إضافة إلى التطلع إلى العمل والدخل، ونستدل من استمارة الانتساب لدورات سريعة في الأشغال اليدوية وفي مهن الخياطة، في محترف ومركز تدريب المرأة في بيروت التابع لجمعية التنمية المهنية الاجتماعية، إن 41 % من أصل 234 من المسجلات في الدورات التدريبية قلن أنهن يأملن التزود بكفاءة للحصول على عمل، على الرغم من أن معظم الدورات تعتبر دورات هوايات وتمهيدية مثل (الرسم على القماش، أو على الخشب، أو على الزجاج، نول، مكرمة، صنع زهور). فقط دورة الخياطة الصناعية والتصميم تأخذ شكل إعداد مهني مطلوب في سوق العمل. وغيرهن من الإناث تحدثن بشكل غير مباشر عن الإرادة في العمل وعن أهمية نشاط التوجيه المهني، أو تعزيزه لتخصص جامعي في طور التحصيل لاحقاً.

ويتضح من الدراسة حول تطلع المرأة للتدريب والعمل والتي أعدت خصيصاً لقياس ذلك، أن جميع الإناث العاملات (51 %) أو غير العاملات (44 %)، أظهرن استعداداً للعمل في مجالات مختلفة سعياً لإيجاد عمل أو للاستمرار في وضع العمل. وتعكس العينة أوضاع الجيل الجديد حتى عمر 24 سنة حيث حصل معظمهن على تعليم يفوق 7 سنوات. ويظهر من العينة أن العديد منهن واللواتي لم يحصلن على إعداد مهني نظامي أو فني أو تخصص، سعياً إلى حضور دورات قصيرة، تحديداً في الخياطة أو الطباعة، أو في أشغال يدوية، أملاً في تحسين قدرتهن للحصول على عمل.

وعند السؤال حول اقتراحات توسيع مجالات العمل، طالبت أكثر من نصف المستجوبات بضرورة هذا التوسيع وإنشاء المشاغل والمؤسسات، وتحديداً الكبيرة منها، لاستيعاب أكثر عدد من الإناث الراغبات بالعمل، ورأت 48 مستجوبة ضرورة إنشاء مزيد من مراكز الإعداد المهني، كمدخل لتأمين عمل، وهكذا تحدثت 84 بالمائة من المستجوبات عن ضرورة توسيع مجالات العمل من خلال التدريب المهني وتنويعه أو التنشيط الاقتصادي أو كليهما.

ويظهر من خبرة الأونروا والمؤسسات الفلسطينية أن عدداً كبيراً من الإناث يتقدمن للوظيفة المعلنة، تتبلور، ولكن مع حلول الاجتياح الإسرائيلي، قضي على الإطار المؤسساتي وبالتالي مجال العمل، ولم تتح أو يعلن عن رغبتهن بعمل، وكما هو الأمر في بيروت، كذلك هو أيضاً في إطار التجمعات الفلسطينية في صيدا وصور وشمال لبنان.

2-2: إمكانيات تشغيل المرأة:

تلعب الظروف الأمنية دوراً في تقليص فرص العمل، ولكن مع تحسن الوضع الأمني، تتحسن فرص العمل، ليس فقط لتعدل في موقف المحيط الاجتماعي، بل أيضاً الانتعاش الاقتصادي الذي يتولد عن الاستقرار الأمني النسبي. وكما ذكر سابقاً، تستمر المؤسسات الكبرى في الامتناع عن استقبال فلسطينيين، غير أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تبدي تساهلاً أكبر. وعلى كل حال، فإن الرأي العام في لبنان على المستوى السياسي والاقتصادي، يرى بمنطق إعطاء الحقوق الاجتماعية لفلسطينيي 1948 والحاملين للوثيقة اللبنانية. وهناك عدد قليل من المجيبات من العينة المذكورة أعلاه ذكرن الجنسية سبباً لعدم إيجاد عمل (8 من أصل 95 مستجوبة)، وفي حلقة حوار مكثفة جمعت 8 مستجوبات و 4 مستقصيات، توصلن جميعهن إلى أن سوق العمل مفتوح نسبياً، ولكن يشترط في الأعمال المهنية مستوى تعليمياً وإعداداً مهنياً مقبولاً وخبرة تمهيدية كافية، ومطلوب تنشيط الوضع الاقتصادي ضمن التجمعات الفلسطينية لإتاحة المجال لأكبر عدد من الإناث للعمل دون معيقات اجتماعية أو أمنية.

إن السوق الفلسطيني قادر على التوسع، فالمخيمات الفلسطينية لا تمثل أحياء سكن لصالح الاقتصاد المركزي، فهي أيضاً تجمعات مهيأة لتطوير الاقتصاد الذاتي، ولقد برهنت منطقة صبرا – شاتيلا على ذلك قبل 1982، أو مع إعادة الإعمار لاحقاً، وساهم تجمع مشاغل "صامد" في مخيم برج البراجنة في جذب عدد ليس بقليل من العمال، ومن الجنسين. ومع اعتمادات إجراءات تنشيط للاقتصاد المحلي، ستتولد حركة اقتصادية نشطة على مستوى الإنتاج والخدمات والتجارة.

إن الاتجاه التقلصي الذي سلكته وكالة الغوث قبل عام 1982، هو الذي أدى إلى شبه إغلاق في مجال العمل لديها أمام المرأة تحديداً. وكانت الأونروا تعتمد قبل ذلك التاريخ على نشاط منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المتخصصة وأهمها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الشؤون الاجتماعية، ومؤسسة "صامد". ولكن مع تقلص نشاط هذه المؤسسات وتقلص خدماتها، عادت الأونروا ونشّطت خدماتها، ومنها الصحة والخدمات الاجتماعية تحديداً، لكنها لم تستطع حتى الآن معالجة الوضع التربوي وتحقيق الانتظام التعليمي للأجيال الصاعدة، وزيادة فرص الإعداد المهني أمامها،

والذي سيتيح في حال تحقيق تحسين الوضع، مجال عمل لعدة فئات من المهنيين، وسيكون للمرأة مزيداً من فرص العمل.

بدأ نشاط م. ت. ف. واسعاً في لبنان قبل 1982، إلا أنه كان في أول الطريق من ناحية رعاية التجمعات الفلسطينية في لبنان على المستويات الصحية والتربوية والاجتماعية والثقافية، فكانت الخدمات ما تزال في المرحلة الانتقالية وغير مبرمجة، غير أنه مع حلول عام 1981 وبعد خمس سنوات من الممارسة. تعمقت القناعة بضرورة توسيع الخدمات وتطويرها، وأخذت التصورات والسياسات والخطط حروب المخيمات فرص تطوير نشاط المؤسسات، للعودة إلى هذه المشاريع وبشكل مكثف. وقد زادت الحاجة إلى مجموع الخدمات والنشاطات نتيجة التدهور المأساوي للمستوى الاجتماعي للتجمعات الفلسطينية بفعل حروب المخيمات والتهجير واستنزاف المدخرات في إعادة الإعمار. ولذا، فإن مواجهة الأعباء من خلال تطوير شبكة خدمات المؤسسات وإيجاد المزيد منها وتطوير كفاءتها، سيخلق فرصاً عديدة لعمل المرأة ومن المستويات المهنية المختلفة. ويجب التنويه هنا إلى أن ما هو مطلوب ليس تطلعاً مثالياً، بل أنه يستجيب للحد الأدنى من الحقوق الأساسية للإنسان، وحق الشعب الفلسطيني في ظروف تشتته خارج أرضه، كما وأنه من حقه في ظروف الاحتلال، أن يحظى بمقومات الصمود الاجتماعية والدخول في مسار تنمية اجتماعية، تتجاوب مع حقوق الإنسان ومع حقوق الشعوب في تطوير نفسها.

2-3: إمكانيات اشتغال المرأة لحسابها الخاص:

لقد دلت تجربة التطوير الذاتي الفلسطيني على الإمكانية الواسعة لتسويق إنتاج ذات مستوى مرتفع مع الحفاظ على التراث وجمال الأشكال وألوان التنسيق العام. وقد أتاح هذا الإنتاج تشغيل عدد كبير من الإناث في المنازل، وحوالي 200 فقط لدى جمعية إنعاش المخيم. ويزداد الطلب حالياً على هذا الإنتاج، مما يزيد من دخل العاملات وزيادة عددهن، ويدخل هذا النمو من العمل في إطار التعاقد بالقطعة، ويمتاز بتولي جمعية إنعاش المخيم تزويد المرأة الراغبة بالعمل بالتدريب والتصاميم والمواد وتقييم الإنتاج وتسويقه ودفع الجهد المقدم إلى الأمام. وهو ما يشكل نموذجاً لأنواع أخرى من السلع التي يمكن إنتاجها، منزلية كانت أم تراثية أم عامة.

ولقد مارست المرأة طويلاً مهنة الخياطة المنزلية، لكنها تجد حالياً منافسة من الإنتاج الصناعي، من جهة، وازدياد عدد الخياطات المنزليات نتيجة تكاثر دورات الخياطة. ولكن يجدر التنويه إلى تصاعد متطلبات النساء من ناحية الثياب، اللواتي لا يرضيهن المستوى التقليدي من الخياطة المنزلية، ويطلبن مزيداً من الكفاءة من الخياطة وتجاوبها مع تطورات الموضة. ولذا، فإن أمام الخياطة المنزلية، أو بالأحرى الحرفية مجالاً غير مغلق، قابل للتوسع في حال حصول الخياطة على إعداد مهني كافٍ. وقد يحفزها نجاحها المحتمل إلى إنشاء مشغل خياطة.

وتظهر أجوبة عينة (95) امرأة تطلّع الإناث إلى مهن وحرف قابلة لإنشاء نشاط خاص، مثل مزينة ومصففة شعر وحرف أشغال يدوية فنية، وعدد ليس بقليل منهن نوهن بقدرة المرأة إلى دخول مجال التجارة.

ومن ناحية أخرى تتطلع المرأة بحماس إلى المهن الجامعية، خاصة بعد تخرج أعداد من المهندسات من جامعة بيروت العربية، وخضن الحياة العامة. حيث بدأت المرأة تشعر بوجود عشرات المهندسات. ولذا تحدثت 22 مجيبة من العينة عن قدرة المرأة على ممارسة الهندسة وفي اختصاصات مختلفة ويبدو أن في ذهن هؤلاء المجيبات أن الهندسة تعني بشكل عام الدراسة ما بعد الثانوي بشقيها، المستوى الفني والتخصيص. ومع استمرار عمل صندوق الطالب الفلسطيني، أضحى الالتحاق بهذه التخصصات العلمية قضية حية. تحرك التفكير والطموح والقرار والجد.

2-4: المتطلبات الاجتماعية لتشغيل المرأة

أدت الحروب المستمرة على الأرض اللبنانية إلى تدهور الوضع الاجتماعي، إلى جانب انتشار البطالة والفقر الشديد والتشرد، فإن أعداداً متزايدة من الأسر فقدت معيلها الذكر من زوج أو ابن، وأضحى على الأرملة وعلى الأولاد والبنات تحصيل الدخل للخروج من المستوى المعيشي الذي تفرضه المساعدات المادية، خاصة وأن هذه المساعدات تتغير أو تقف تماماً مع وصول الأطفال إلى عمر 18 سنة. وفي جميع الأحوال، تصبح المساعدات غير كافية مع تزايد متطلبات الأطفال الكبار.

تعطي إحصاءات وكالة الغوث صورة عن الوضع الاجتماعي المتأزم، فقد ارتفع عدد الأشخاص من فئة العسر الشديد وليس لديهم أي احتمال دخل من 22510 شخصاً عام 1984 إلى 33150 شخصاً عام 1988، وهم يبلغون 11.45 % من الأشخاص المسجلين في الأونروا، وحسب النشرة الإحصائية الصادرة داخلياً عن الأونروا للفصل الثاني من عام 1987، فقد بلغ عدد الأرامل 1163 أرملة. والعدد في ارتفاع متزايد، وتدل إحصاءات الجمعيات العاملة في حقل الرعاية الاجتماعية إلى وجود عدد كبير من الأسر ذات العسر الشديد، ومطلوب تطوير وضعها. وهناك أيضاً أسر فيها الوالدان كبيران في السن أو فقدت المعيل وفيها أطفال قصّر وبنات دون العشرين عاطلات عن العمل، كما أن هناك أيضاً الأسر التي معيلها معاق أو مريض، وتزداد هذه الحالات خلال الحروب.

اتضح من خلال مراجعة معلومات عينة من 59 أرملة في مخيم برج البراجنة، أن 60 % منهم دون 35 من العمر، وأيضاً 60 % من العينة أمية أو شبه أمية، و 40 % وهو القسم الآخر منهن حاصل على مستوى تعليم متوسط. وأن أربع نساء فقط لديهن تأهيلاً مهنياً، ولذا، ليس بغريب أن تعمل 10 % من الأرامل كعاملات نظافة أو مطبخ. وقد تم مراعاة وضعهن عند التعيين، وعموماً للواتي عندهن عدد كبير من الأطفال، حيث لم تتوقف مساعدتهن لضآلة رواتبهن.

ومن هنا، يغدو مطلوباً القيام بمجهود كبير لإعداد المرأة الأرملة وإعداد البنات الكبيرات (حيث لا تحسب المرأة معيلاً قانونياً). وقد أظهرت الدراسات الميدانية وجود عدد كبير من بنات الأسر الاجتماعية خارج المدرسة ودون أي إعداد مهني. ووجود هذه الأسر بعلاقة مع مؤسسات اجتماعية أكانت الأونروا أم غيرها، يتيح تنظيماً للتدريب المهني، ودعماً للتشغيل وبالتالي للاعتماد على الذات.

3 - التباين بين إمكانيات العمل والإعداد المهني:

3-1: احتياجات سوق العمل من المهن والمستويات المهنية:

عند طرح السؤال على المستجوبات (من عينة 95 امرأة حول المهن التي تستطيع المرأة القيام بها، وهي شائعة للرجل)، أكدت غالبيتهن الساحقة على إمكانية أداء المرأة لمهن تعود حالياً للرجل، وتم تقسيم هذه المهن إلى:
1- مهن بدأت تدخلها المرأة الفلسطينية من حاملات الوثيقة الفلسطينية في لبنان، وهي المهن الأكثر شيوعاً لدى الفلسطينيات حاملات الجنسية اللبنانية أو لدى اللبنانيات أنفسهن.
2- مهن جديدة تتطلع الإناث إلى بعضها بحماس.

المهن العائدة للرجال والتي طرحت المستجوبات إمكانية القيام بها، حسب العينة المختارة للبحث :

مهن يمكن الدخول إليها

مهن جديدة مطروحة للمرأة

المهن

عدد المرات المذكورة

المهن

عدد المرات المذكورة

إعمال إدارية ومحاسبة

22

تمديدات كهربائية، تصليح أدوات كهربائية

20

هندسة (تخصصات مختلفة)

22

ميكانيك سيارات

18

تجارة وبائعة

19

دهان وديكور

16

طب

14

الكترونيك وراديو وتلفزيون

5

مدرسة (صفوف عليا)

12

سائقة تكسي

5

محاماة

5

طوبار وأشغال بناء

4

كومبيوتر

4

تكييف وتبريد

2

تصميم ثياب

4

طيران

2

الأشغال بالعلوم الطبيعية

2

تصليح ساعات

1

علوم سياسية

2

تصوير

1

رسم معماري

1

 

 

إن بعض المهن المذكورة من عدد محدود من المستجوبات هي طموح يتجاوز الواقع بكثير، ولذا لن تكون مجال تحليل.

كما يظهر أيضاً تلمس المستجوبات للإمكانيات المتاحة في سوق العمل، والتي لا تتطلب المستحيل للوصول إليها، فهي تطلب إعداداً مهنياً ملائماً، وخبرة تمهيدية ومثابرة من قبل المرأة بفرض حضورها وقدرتها، فإلى جانب مستويات التخصص (الهندسة، الطب، إدارة أعمال، المحاماة، الصحافة، العلوم الطبيعية والإنسانية)، تعبّر المستجوبات عن رغبتهن في مشاهدة المرأة تحصل على المستوى المهني في الصناعة والبناء والحرف. فمن البديهي أن يكون محسوباً لديهن ضمنياً المستويات الفنية والتقنية أيضاً، وهو وارد بشكل واسع في الطب والعلوم الطبيعية والرسم المعماري.

ويطرح السؤال، كيف تتحمس المرأة لمهن تحتاج لمواجهة التقسيم التقليدي أو المألوف للعمل من الجنسين في السوق اللبناني؟ إن الجواب الممكن هو، كما ذكر سابقاً، شعور المرأة أن المجتمع ليس سداً أمام تطور وضعها، بل إنه يقبل انخراطها في مجال العمل، ولا سيما لغير المتزوجات، ولذا فإن المرأة الفلسطينية، تجد أنه من الممكن إيجاد عمل في تخصصها في السوق اللبناني، ما دام هذا التخصص مزاول من قبل الذكور الفلسطينيين، وسبقتها إليه المرأة اللبنانية.

ولكن بعض هذه التخصصات المهنية موجودة، ولماذا تمتنع عن الالتحاق بهذه الدورات، تخشى هي أن تكون وحيدة بين عالم الذكور في دورات التدريب، وقد لا تجد الدعم من الأسرة. وتنتظر ظروفاً ملائمة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض التخصصات تنظمها معاهد مهنية تجارية، تكاليفها باهظة، والإعداد غير جدي، إذ يكفي الشاب الذكر الشهادة للوصول إلى مبتغاه، بينما يتطلب من المرأة كفاءة حقيقية للإقناع بقدرتها وكفاءتها.

يحتاج سوق العمل اللبناني والفلسطيني إلى مستويات مهنية وسطى وعليا، مع سرعة دوران العمالة فاستمرار الأوضاع الأمنية السيئة وتدهور الوضع الاقتصادي الاجتماعي، قد شجع الهجرة، والتي تطال أساساً المهنيين والفنيين والاختصاصيين، كما أن استمرار تدني سعر العملة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية يزيد من النشاط التصديري المحرك للصناعة المحلية. وتمتلئ الصحف بعروض توظيف للفنيين والعمال المهرة ونصف المهرة مع خبرات. وتأتي هذه الخبرات من الممارسة أو من التدريب الملائم الذي يوفر المعرفة والمهارة اللازمتين.

ويفترض توفير الخدمات الضرورية للتجمعات الفلسطينية في لبنان خاصة والسكان في لبنان عامة، لتحقيق الرعاية الاجتماعية المرغوبة في هذه الظروف وتحقيق التنمية الاجتماعية أيضاً. ورغم وجود أعداد غير قليلة من التربويين المتخصصين، والمنشطين التربويين والاجتماعيين، والعاملين الاجتماعيين والإداريين لمختلف أنواع المؤسسات الاجتماعية والتربوية والثقافية، فإن النقص الحاصل من هذه الفئات، يؤدي إلى أن معظم هذه النشاطات والمؤسسات تعاني انخفاضاً في مستوى الأداء، وتواجه بالأحرى اختناقات على مستوى توفير الخدمات وتحقيق الأهداف الاجتماعية المرجوة.

ويظهر أيضاً من نمط النشاط الإنتاجي على المستوى الفلسطيني في لبنان، ضعف في كل من التصميم السلعي وتنظيم الإنتاج وكفاءة التنفيذ والتسويق، فالتركيز على "المعلم" أي الحرفي المتعلم من الممارسة (وغير المنسجم مع المتطلبات المنهجية في العمل، وعلى العمال غير المهرة)، لا يعطي الضمان لنجاح الإنتاج واستمراره وتوسعه، وإن نجحت بعض المؤسسات فذلك يعود إلى ميزات خاصة، ومنها سياسية، لتسويق إنتاجها، ومن هنا فإن إطلاق النشاط الاقتصادي، يشترط وجود مستويات مهنية كفؤة لتحقيق الديناميكية الاقتصادية.

3-2: التطلع إلى تطوير الذات:

لا تحول الظروف القائمة، والمعرقلة لإيجاد عمل، دون تطلّع عدد كبير من الإناث إلى الحاجة لمزاولة مهنة أو نشاط مهني، يتجاوب مع رغباتهن، وقد عبّرت عن ذلك ، 85.5 % من الإناث اللواتي أردن الالتحاق بدورات أشغال يدوية، وقد استعملن تلقائياً تعبير "رغبة" "هواية" "حب للنشاط الحرفي المحدد. إن عدداً غير قليل من الإناث لا ينظرن إلى أي عمل بحد ذاته كهدف مطلق لتطلعهن إلى النشاط العملي خارج الدور التقليدي في المنزل، فهن يرغبن في ممارسة عمل نشاط يحببنه، يساعدهن على الإبداع والارتقاء المهني والاجتماعي. كما ينظرن إلى فائدة هذا النشاط اليدوي كعامل مهم في حياتهن الزوجية المقبلة، لما تعكسه من قدرة على الإنتاج، ومن تقييم اجتماعي ومردود مادي محتمل.

ومن جهة أخرى، اتضح من التجارب المحدودة في التدريب على الأشغال اليدوية والفنية، إن عدداً من الإناث يسعين إلى اكتشاف قدراتهن لتوجيه تخصصهن الجامعي المستقبلي أو إلى إتقان عدة أشغال حرفية/ فنية، لبلورة شخصية حرفية مميزة، والتسلح بقدرة مرنة في سوق العمل، تساعد في إيجاد الأعمال ذات المردود المتطور.

وأخيراً لا بدّ من ملاحظة وجود ضغوط اجتماعية لإعداد المرأة مهنياً، تسعى لإيجاد مجالات عمل لها، وترفض إغلاق الإعداد المهني أمام المرأة. بحجة غياب الفرص، إنه حق للفتاة كما هو للشاب، فتقييمها لنفسها وتقييم المجتمع لها مربوط أيضاً بإعداد مهني. وفي حالات عديدة يلعب الجانب المهني بعداً مهماً في مشاريع الزواج. وهذا الإقبال الواسع على المهن المتوفرة، هو تعبير عن هذا المسلك الاجتماعي.

3-3: النظام التربوي، الهدر والعجز في مواجهة الاحتياجات المتصاعدة:

لقد أدت الأحداث من جهة، وسيطرة التفكير الجامد من جهة أخرى، إلى شبه شلل في النظام التعليمي في الأونروا، وسقوطه في حالة عجز شبه كامل. فقد أضحت المشاكل أكبر من قدرته الذاتية على مواجهتها. لقد أصبحت مدارس الأونروا مستسلمة أمام الانخفاض المرعب في المستوى التحصيلي للطلاب، ولذا فهي تعتمد إلى ترفيعهم الآلي. وترى في قبولهم عبئاً رغم اختزال عدد الساعات نتيجة أسلوب الفترات، فلا تظهر هذه المدارس أي اهتمام لتنظيم أنشطة خارج الصف تعزز من العملية التربوية.

ولا يعني للأونروا كثيراً تسرب التلاميذ ومن أي صف كانوا، فعليها توفير المقعد الدراسي، وليس من مسؤوليتها جلب التلميذ وضمان انتظامه التعليمي، حتى أن توفير المقعد التعليمي هو أيضاً موضوع شك، خاصة من ناحية افتقار الأونروا إلى الليونة الكافية لإيجاد صفوف تعليمية في أماكن نزوح المهجرين من الفلسطينيين في لبنان. وعندما أنشأت مدرسة عادية في مركز التدريب المهني/ سبلين عام 1985/1986، وكان هذا المركز عام ذاك مغلقاً، تركت للأهل تنظيم إيصال أبنائهم إلى المدرسة، وكان أقرب مكان سكن للمهجرين الفلسطينيين يبعد 3 كم عن المدرسة، وبعض التلاميذ كان يقطع مسافة 17 كم. وفي العام الدراسي 1988/1989 فقط، استأجرت الأونروا بناء في وادي الزينة، حيث يوجد 900 أسرة فلسطينية.

إن الوضع التعليمي القائم يلقي عبئاً كبيراً على الإعداد المهني من ناحية انخفاض المستوى التعليمي الرهيب لدى الطلاب الذين أنهوا مرحلة التعليم المتوسط، فيفتقد هؤلاء الطلاب المعارف والمهارات اللازمة، لمتابعة التحصيل المهني على مستوى عامل ماهر أو مهني، ويعجزون لاحقاً عن الوصول إلى مستوى فني أو تقني أرفع.

ويفتقر الشاب والشابة المنتسبان من المرحلة الابتدائية أو من الصفوف المتوسطة الأولى إلى المهارات التعليمية الأساسية، ويبدو شبه أمي في دورات التدريب المهني.

ويستمر ضعف المستوى التعليمي مع الانتساب لمدارس ثانوية غير منضبطة ومسلوبة من حافز الجد الذي كان يبذل في الماضي من أجل النجاح في الامتحانات الرسمية، فهذه الامتحانات ملغاة مرحلياً، وعلى كل حال، فإن الطلاب الكبار والمعلمين ينخرطون في الحلقة السياسية- العسكرية، مما يؤدي إلى فوضى في المدرسة، بدلاً من تفعيلها بتحقيق الأهداف الاجتماعية، ولا سيما في المدارس المختلطة.

إلا إن المشكلة الكبرى في الوسط الفلسطيني في لبنان هي هيمنة المسار التعليمي الواحد، وهو التعليم العام، فالمدارس الثانوية الفلسطينية القائمة هي مدارس تعليم عام، والدعم المادي على شكل منح ومساعدات يتجه شطر هذا التعليم، والمشاريع المستقبلية تتمحور بدورها حول هذا المسار في التعليم. لقد تركز التعليم في الوسط الفلسطيني على إعداد الطالب لنيل الشهادة الثانوية ودخول الجامعة. ومع إلغاء هذه الشهادة، يختزل التعليم إلى آلية لارتقاء الصفوف وللوصول إلى الصف الثالث ثانوي والحصول على الإفادة. وإذا كانت تظهر أحياناً جدية في ممارسة العملية التربوية، إلا أنها تبقى هامشية. وهنا تكمن المشكلة العميقة للتعليم في الوسط الفلسطيني مع العلم أن مدارس الأونروا أدخلت في مرحلة تطورها أوائل الستينات حصص الأشغال من الصف الخامس الابتدائي، بهدف توفير مهارات يدوية ذهنية وتوجيه التلاميذ مهنياً.

يعتري النظام التربوي عموماً ظاهرة الهدر:

  1. هدر في السنين دون تحصيل حاجة تربوية عامة تحقق الأهداف الاجتماعية: يبدأ التلميذ تعلمه مع إنهاء 6 سنوات من عمره ويبقى 10 سنوات (6 صفوف ابتدائية + 4 صفوف متوسطة)، أي أنه ينهي تعليمه المتوسط في وضع طبيعي مع إنهاء 15 سنة من عمره. ولكن متوسط العمر هو أعلى من ذلك، وينهي الطالب تعليمه الثانوي في عمر 18-19 سنة كحد أدنى.
  2. هدر في المعرفة والمهارات التعليمية: حيث لا ترتبط عملية التعليم بأية مساقات غير أكاديمية، وعند الوصول إلى المرحلة الثانوية، تصبح عملية التعليم متناقضة مع متطلبات التعليم العالي والجامعي، والأمر أكثر حدة للإناث، حيث يعولن أكثر من الذكور على المعرفة والخبرات المدرسية لمواجهة الحياة.
  3.  هدر في القدرات: حيث أن التعليم التلقيني، الانتقائي، والمستمر في تعميق الافتراق مع الحياة اليومية والتحديات الراهنة والمستقبلية يقيد تطور قدرات الطلاب، وفي أحيان عديدة يقلص هذه القدرات الذهنية واليدوية، فليست المدرسة هي التي تحث الطالبة على الطموح لدخول الحياة العامة، بل عوامل التغيير الناتجة عن المستوى الثقافي والاجتماعي، المفروضة من ظروف التكوين الاجتماعي في لبنان، وأثر الحرب من تهجير ولا مركزية اقتصادية وثقافية.
لقد أدى إغلاق مركز سبلين خلال فترة (1984-1987) إلى إغلاق مجال للترقي أمام الإناث في مرحلة ازداد فيها طموحهن للإعداد المهني، وقد أوقف هذا الإغلاق سعي الأونروا لتطوير موقفها حول تعليم المرأة في لبنان، ويتعثر هذا التفكير حالياً، فقد يتم في مركز سبلين إدخال مهنة واحدة أو اثنتين تستقبلان المرأة لكن ذلك يبقى جهداً محدوداً أمام حجم الطلب ونوعه.

ويستحق عمل المؤسسات الاجتماعية التقدير من ناحية الاستمرار في توفير إعداد مهني للمرأة، والتوسع بعد عام 1983، وكذلك العمل على إعادة فتح الدورات المهنية بعد كل حرب من حروب المخيمات، إلا أن هذا النشاط يعتريه العديد من السلبيات، حيث يركز على الخياطة والطباعة، دون مراعاة الشروط التعليمية، (أي المستوى التعليمي المطلوب والمستوى المنهجي المطلوب تطبيقه للوصول إلى مستوى مهني محدد سلفاً). إن النشاط المهني لدى معظم هذه المؤسسات عشوائي، كذلك لا يمكن اعتبار تدريب الخياطة في نطاق الخدمات الاجتماعية للأونروا. قليل من المؤسسات عمدت إلى تحديد المستويات وإعداد مناهج، ودعم عملية التعليم بالمواد العلمية المرافقة والضرورية. إلا أن مثل هذا العمل يحتاج إلى الإمكانيات، وهذه الإمكانيات كانت متوفرة نسبياً حتى عام 1987، ولكنها أخذت تتقلص في ظروف التصاعد الجنوني لتكاليف المعيشة في لبنان.

وأخيراً أن المنح والمساعدات المقدمة للتعليم الثانوي والجامعي، خجولة ومترددة في دعم الطلاب في التعليم الثانوي المهني العالي وذلك لهيمنة مسار التعليم الجامعي العام من جهة، يعزز من هذا التردد عدم الثقة أو الاحترام للتعليم المهني المقدم من بعض المعاهد المهنية التجارية. وهناك مشكلة واسعة ترتبط بغياب الإعلام حول أهمية الإعداد المهني علماً بأن تحريك عملية التحليل والتفكير والتخطيط تشجع اجتماعيا هذا الإعداد، كما ينقص، أو بالأحرى يختفي، نشاط التوجيه المهني الملائم بشكل مبكر.

4- الخطوات المطلوبة لتحسين مجالات العمل للمرأة:

4-1: مجموعات المشاكل المطلوب معالجتها:

4-1-1: دعم المؤسسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية المتضررة من ظروف الحرب:

من غير الممكن معالجة الوضع التربوي والاجتماعي والاقتصادي دون استمرار فعالية المؤسسات التي تقدم الخدمات والمؤهلة لتقديم المزيد منها، إن استباحة هذه المؤسسات في ظروف الحرب تعرضها للاستنزاف المادي وتقيد تحركها وتضعف قدرتها على النشاط المفيد، كما أن استثناء المؤسسات الاجتماعية المحلية، من لوائح تعويض الخسائر، يجعلها تتحمل أعباء إضافية مقابل هبوط مستوى الخدمات السابقة ويضعها في عجز عن التوسيع لتقديم المزيد من الخدمات والنشاطات عموماً. لقد استنهضت الجمعيات نفسها بعد حرب 1972، ونشأ المزيد منها، وعملت على تجاوز آثار حروب المخيمات الأولى، ولكنها تعيش حالياً مرحلة الصمود للبقاء والاستمرار، في حين تضخمت المشاكل والاحتياجات. من حسن الحظ أن الأونروا تجد دوماً التجاوب مع احتياجاتها، وتتحلى كمنظمة دولية، بقوة معنوية، تساعدها على مواجهة المعيقات، إلا أنها تحتاج إلى استيعاب أكبر للمرحلة الراهنة، والنظر إليها كظروف بعيدة على وضع اللاجئين الفلسطينيين (التهجير، ارتفاع شبه الأمية بين الأجيال الصاعدة، احتياج المرأة للإعداد المهني والعمل…إلخ ).

4-1-2: النظام التعليمي لا يتلاءم والظروف القائمة

إن مبدأ الاعتماد المطلق على الحصص المدرسية الممركزة في بناء واحد أظهر عدم كفاية أمام الأزمات الأمنية، خاصة وأنه مع تضرر المدرسة، يتحول تلامذتها إلى مدرسة أخرى، فيعتمد مبدأ الفترتان وأحياناً ثلاث فترات، وأحياناً أخرى يبقى التلاميذ دون تعليم إلى حين خروج المهجرين المتواجدين في صفوف المدرسة، وعليه فالمطلوب إيجاد أسلوب مرن يحقق الأهداف التربوية، ويستفيد من المؤسسات التربوية والاجتماعية خارج المدرسة، كما يستفيد من الطاقات البشرية المتعلمة لمتابعة الأطفال.

4-1-3: فقدان النشاطات ضمن عملية التعليم

الجواب على خسارة أيام التعليم، وعلى الارتياب من الظروف الأمنية، كان إلغاء النشاطات الإبداعية واليدوية والرياضية، بحجة التركيز على المقررات التعليمية الأساسية، ولكن يتضح أن الجدية في التعليم لا تنتقص من وحدة مواد المنهاج، فأي خلل في النشاط التعليمي، هو بالأحرى خلل عام، لأن الجدية هي أيضاً غير متوفرة في تعليم المقررات الأساسية. ومع غياب النشاطات في ظروف الحرب، ابتعدت عملية التعليم كثيراً عن المتطلبات الثقافية العلمية لنوعية الحياة الراهنة والمستقبلية. وتحتاج الإناث إلى حياة غنية بالنشاط والطموح في إطار المؤسسات التربوية والاجتماعية للاستعداد للمستقبل. وقد أظهرت تجارب المراكز الثقافية والنوادي والفرق الفنية من جهة والنشاطات الاجتماعية الموجهة لخدمة المجتمع من جهة أخرى، استعدادا واسعاً لدى الإناث للتطور والعطاء واكتساب عادات العمل الإيجابية، فالمشاركة الاجتماعية والسياسية والفنية تشكل دافعاً مهماً للارتقاء والمثابرة.

4-1-4: غياب توجيه وإرشاد مهنيين

لقد حجبت الحرب إمكانية توفر عدد كبير من المهن، ولا سيما للإناث، ويتعثر الشباب في اختيار المهن الملائمة لقدراته وظروفه. وعملية التوجيه والإرشاد المهنيين، هي عملية متعددة الأوجه وتتداخل مع نشاطات أخرى، تبدأ في المدرسة وبأشكال مختلفة وتمر في النشاط الشبيبي، وتستكمل عبر الاستعلام والاستفسار والنشاط المباشر (هوايات، معلومات).

4-1-5: مشكلة في المناهج وشبه غياب للمختبرات:

نوه هنا إلى هذا الجانب عرضياً في الحديث عن النظام التعليمي والتوجيه المهني، إلا أنه جانب يستحق التنويه: - ففي لبنان لم تعدل المناهج منذ أمد طويل، هي تعزز اللغة الأجنبية، لكنها لا تغني الطالب بالمعلومات والمهارات المطلوبة للتعليم المهني بمستوياته خاصة، وللحياة العملية عامة. علماً أن غياب الرقابة من قبل وزارة التربية عن بعض قطاعات التعليم الخاص المتطور، لم يمنع هذا التعليم من تطوير ذاته، كما يحصل مع عدد من المعاهد الخاصة، وتمتلك الأونروا مركزاً تربوياً يستفيد من خبرات اليونيسكو، ولكن آلية التوجيه والتأثير تبدو محدودة على الرغم من الإعداد التربوي للأكثرية الساحقة من المعلمين.

4-1-6: غياب الإعداد المهني الثانوي، وقلة الاعتماد على التدريب السريع للإناث:

يوجد عدد من المدارس الثانوية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاتجاه يسير إلى استحداث المزيد منها، ومن جهة أخرى، استطاعت المؤسسات الفلسطينية توفير أبنية وتجهيزات وهيكلية تتيح التوسع في التدريب المهني السريع ولمستويات مهنة مختلفة، وعملت على تطوير التعليم في بضعها لمدة سنتين، وتتيح جميع هذه المعطيات تفريغ التعليم الثانوي وتكثيف التدريب المهني السريع. ويمكن الاستفادة من الإعداد المهني في المجال اللبناني، وهو أيضا في توسع وتنوع، ولقد فرض الإعداد المهني نفسه كجواب على حالة الاختناق التي تواجه خريجي التعليم العام ولخريحي بعض قطاعات التعليم الجامعي، وتقدم مجالات الإعداد المهني فرصاً مختلفة للمرأة. ويواجه الطالب برسوم مرتفعة، مما يصعب على ولي الطالب تحمل أعباء الرسوم المدرسية الباهظة.

4-1-7: غياب جهد واضح في نطاق تعليم الكبار والاهتمام باليافعات:

هناك تنظيم لصفوف محو الأمية، إلا أن هذا الجهد محدود نوعياً وزمنياً وعددياً، وإذا كانت هناك مصاعب كبيرة تواجه حملة شاملة لمحو الأمية وتعزيز التعليم، فمن الممكن الاستفادة من الأطر المؤسساتية والتنسيقية المختلفة لتنظيم صفوف محو الأمية والصفوف التعليمية عامة. ويتم تعزيز الإعداد المهني بفضل رقع المستوى التعليمي، كشرط ضروري لتحقيق إعداد مهني فعال، ومن العسير النجاح في تعليم الكبار دون إعداد مناهج ملائمة ترتبط بخبرات الدارسين وطموحاتهم وإعداد العاملين في هذا الحقل تربوياً وفنياً وإدارياً. ومن الضروري إعطاء أهمية خاصة لليافعات من عمر (9-11) و (12-14) من الأميات وشبه الأميات وهن غير ملتحقات بالمدرسة، ويتطلب ذلك تنظيم أسلوب تعليم/ تدريب مهني، يشجع بعضهن على الالتحاق بالصف الملائم لعمرهن، وبالتالي الانتظام التعليمي، وأما الأخريات ، وتحديداً من 12 سنة وما فوق، فيتأهلن علمياً ومهنياً.

4-1-8: غياب التدريب خلال العمل:

يجري تدريب العاملين، كما هو متبع في التدريب لرياض الأطفال، من معلمات ومساعدات. وقد بدأ يأخذ شكلاً فعالاً، إلا أن مجالات عديدة بعضها نما بسرعة في السنوات الأخيرة (العمل الاجتماعي والنشاط اللاصفي…الخ)، تحتاج إلى تطبيق واضح وممنهج من الإعداد خلال الخدمة لزيادة كفاءة العمل، حيث أمكن، على إدخال مرحلة تمهيدية تتمثل بتدريب سريع من (2 – 6 أسابيع)، ويمكن فرز أكثر المهمات والوظائف، وتنظيم تدريب مركز على الأداء المطلوب. ويحبذ تشجيع تنظيم تدريب مسائي أو بالمراسلة أو بالتلفاز أو الإذاعة يؤهل العمال لمستوى عامل أو حرفي ماهر أو لمستوى فني.

4-1-9: تقصير التدريب عن التكيف مع الظروف المنزلية:

استطاع مشغل التطريز وإعداد الخياطات إفادة عدد غير قليل من الإناث ذات العبء المنزلي، رغم أن النشاط في الإعدادي بقي محدوداً، من ناحية نوع الحرف الممكنة، ومن ناحية تطوير المستوى الإعدادي نفسه، ولا تراعى بشكل واضح وفعال ظروف المرأة المنزلية، كما يفترض التنسيق بين النشاط التدريبي والإنتاجي من جهة وخدمات اجتماعية تربوية (حضانات مثلاً)، تعزز عملية تطوير المرأة وإنتاجيتها من جهة أخرى، وتحتاج المرأة، وفاقدة المعيل خاصة، إلى تدريب مهني، خلال فترة الدعم الاجتماعي لتحقق الاعتماد على الذات.

4-1-10: هامشية تحليل احتياجات سوق العمل وتحديد المهن المرغوبة:

يبدو حالياً أن هناك ضياعاً في تحليل المهن/ الحرف المشجعة لعمل المرأة واستقطاب السوق لها. فالأبحاث الميدانية شبه مفقودة، وأحيانا يقلل من قيمتها، وتتهم بأنها وسيلة لهدر الأموال، وقد نتج عن هذا الوضع جمود في المهن المعتمدة في التدريب المهني، مما سبب هدراً حقيقيا في الوقت والجهد. إن التجارب مع احتياجات السوق وتطوره، يفرض استقصاء دقيقاً ومستمراً لتحديد المهن وتطوير القائم منها، ويستتبع ذلك إعداد الأهداف المهنية التربوية الخاصة، ومن ثم إعداد البرامج الزمنية والمناهج. مثل هذا النشاط يستطيع أن يدعم عملية تطوير الكادر التربوي والإداري كثيراً ويدعم بناء وشائج مثمرة مع القطاعات الاقتصادية، وكذلك المساهمة في بلورة مجالات العمل للحساب الخاص. وفي هذا الإطار يمكن إنشاء مكاتب عمل تخدم عملية التشغيل من خلال تنظيم العرض والطلب من جهة، وتحليل سوق العمل من جهة أخرى.

4-1-11: مساع محدودة من قبل الأونروا في لبنان لإعداد الإناث مهنياً:

ما تزال ممارسة الأونروا تجاه المرأة الفلسطينية في لبنان، يشوبها التمييز ضد حقوقها، فالتدريب المهني في مركز سبلين ما يزال مخصصاً للذكور أساساً، وتنظيم مهنة واحدة للمرأة فيه لا يلغي هذا التحيز، وأما التدريب المهني في مجال الخدمات الاجتماعية العائدة للأونروا فلا يراعي تطورها العلمي، ولا يستجيب لندائها، هو تخصيص تدريب ملائم لقدراتها واستعداداتها، وتسجع الأونروا نشاط المؤسسات الاجتماعية، وتشترك في إعطاء الشهادات، ولكن ينقص هذا التعاون تنسيق فعال، يحدد الاحتياجات والبرامج المطلوبة، ويساعد على تحقيقها، بالاشتراك مع المنظمات الدولية المتخصصة الأخرى.

4-1-12: ضعف الطاقة الذاتية للمؤسسات الاجتماعية الفلسطينية:

تلمست هذه المؤسسات الاحتياجات الاجتماعية والتربوية، وعملت على توفير فرص إعداد مهني للمرأة، وأحياناً فرص عمل، وكما جاء في الفقرة (4-1-1) فإنه يفترض دعمها في ظروف الأزمات، ولكن هذه المؤسسات تحتاج إلى تطوير قدراتها، فما تزال العشوائية هي الأكثر تغلغلاً، ويعود ذلك إلى فكرة الإحسان بدلاً من ترسيخ فكرة التنمية الاجتماعية، ولذا يجب تشجيع المشاركة في التخطيط الاجتماعي وتحديد الاحتياجات وأشكال تلبيتها، وتطوير الكفاءة المؤسساتية من كادر وتنظيم.

4-1-13: اضطراب التنسيق مع الوسط اللبناني المضيف:

أدت المنازعات إلى انغلاق للفئات الاجتماعية في لبنان ومنها الفئة الفلسطينية والمتواجدة ضمن مخيمات، إلا أن منطق الواقع والتطور، يفرض التفاعل مع المحيط المباشر والأوسع، وهناك سوق العمل والشبكة الواسعة من المعاهد ومراكز التعليم والتدريب، إلى جانب الطاقات والتجارب. وهناك أيضاً الهموم المشتركة والحاجة إلى جهد سريع ومتواصل لمواجهة نتائج الحروب الداخلية، وآثار الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة والمدمرة في أحيان عديدة.

4-2: المسائل الأكثر إلحاحاً والمطلوب معالجتها

4-2-1: معالجة الوضع التربوي: يهدف إغلاق باب التسرب المبكر ومنع تخريج شبه أميين:

يطلب من الأونروا مواجهة الظروف التي تسبب التأخر في الانتساب المدرسي والتسرب المبكر، وذلك من خلال إيجاد مدارس مؤقتة أو دائمة في مناطق التهجير والتنسيق مع المؤسسات الاجتماعية للاستفادة من الأبنية الخاصة بها، وقسم منها مخصص لرياض الأطفال أو للنشاط اللاصفي، بحيث يتم تنظيم صفوف للتلاميذ الصغار بالقرب من مساكنهم أو تنظيم صفوف تقوية ونشاط، وتتيح هذه الإجراءات من سرعة تأثيث الجسم التعليمي في الابتدائي، والاشتراك مع الأهل والمؤسسات في تنظيم حركة النقل من وإلى المدارس البعيدة. ويطلب من الأونروا أيضاً الإسراع في ترميم المدارس المدمرة وإنشاء مدارس جديدة. وتزويد هذه المدارس بالوسائل السمعية- البصرية. واتباع سياسة تخفيض التكاليف المدرسية عن عاتق الأهل، وتحديداً عن عاتق الأسر ذات العسر الشديد والأسر كثيرة الأطفال، والانتظام التعليمي الباكر للتلاميذ الصغار، الذي يشجع الانتظام التعليمي لاحقاً ويضمن التحرر من الأمية.

4-2-2: الاهتمام بتعليم الكبار وتعزيزه من خلال ربطه بالتدريب المهني:

إن القضية الأكثر إلحاحاً هي ترك المدرسة من قبل أعداد كبيرة من الشباب، تحديداً قبل تحصيل أساس تعليمي مقبول، وقد وصفوا سابقاً بأشباه أميين، وهذا المستوى يؤثر سلباً على الإعداد المهني ومجالات العمل لاحقاً، ويستحسن ربط التعليم بالتدريب المهني لتوفير الحوافز. ولذا وجب استنفار كامل الطاقات والإمكانيات لتنظيم دورات تعليم/ تدريب أو صفوف تعليمية وعملية. وينبغي الانطلاق من خطة واسعة، تعمق الوعي وتحرك الإمكانيات وتعبئ الطاقات، وتقسم الأدوار، وتدعو إلى تنظيم التقييم والتحليل والبرمجة وتوجيه التنفيذ. إن خلق حالة تعلم لدى الإناث، ينعكس إيجابياً على الانتظام المدرسي للأولاد. ومن شروط نجاح البرنامج التعليمي الإعدادي تنوع النشاطات اليدوية الحرفية والمهنية المعتمدة، مما يتيح للإناث الالتحاق بأقرب نشاط حسب ميولهن واستعداداتهن. ومن هذه الشروط أيضاً إعداد وحدات دراسية تتلامس والنشاطات اليدوية وتجيز أيضاً إدخال مواد ثقافية تنطلق من المهارات الحياتية الأساسية.

4-2-3: ترسيخ التعليم والتدريب المهنيين وتنويعهما:

تحتاج عملية الإغاثة والرعاية لمجتمع منكوب، على أثر سلسلة متصلة من الحروب، إلى توفير الطاقات الإنسانية الضرورية المختلفة، كما أن مواجهة تحديات المستقبل القريب يفرض وجود المزيد من الطاقات، وتحديداً الطاقات الوسطى المهنية والفنية. ويستجيب هذا الطلب إلى القوى العاملة لطموح الأعداد الكبيرة من الشباب، وتحديداً الإناث، للحصول على إعداد مهني وبالتالي على عمل، وعلى عمل مبدع أيضاً، فمن الضروري اعتماد خطة عمل لإعداد المرأة مهنياً، تتولى خلالها الأونروا زيادة أنواع المهن داخل مركز سبلين وخارجه وتعيد فتح معهد إعداد المعلمين وتدخل عليه تخصصات تتفق والأنشطة التربوية المختلفة، وتتبنى المدارس الثانوية الفلسطينية القائمة والمحتملة تفريع التعليم الثانوي، ويراعي احتياجات المرأة والمجتمع المحلي. ويدخل في إطار هذه الخطة أيضاً الاستفادة من شبكة المراكز، التي أوجدتها المؤسسات وزيادة طاقتها الاستيعابية، لتوفير تدريب مهني يوازي التعليم الثانوي، ولكن أيضاً يفوقه من جهة، أو يقل عنه من جهة أخرى، وتشجيع هذه المراكز لتطوير مساهمتها في تنظيم صفوف تقوية مسائية، وبالتالي لتنظيم تعليم مسائي للعاملين من الشباب.

4-2-4: التعاطي الممنهج مع تحديد المهن المرغوبة للإعداد المهني:

إن تحليل سوق العمل في متطلباته واحتمالاته، من منظار تطوره النوعي يوجب تشجيع الاستقصاءات والدراسات وربطها بشكل معين مع تنشيط العرب والطلب للطاقة البشرية. ويتم ذلك من خلال تشجيع المؤسسات الاجتماعية وتطوير أسلوب عملها، وإنشاء تنسيق فيما بينها في هذا المجال، وإيجاد مؤسسات قطاعية، وتنظيم دراسات متخصصة، تنفذ بشكل مستقل او بالتنسيق مع مراكز بحث في لبنان، على أن تتميز هذه الدراسات بمردودها العملي من خلال تحديد المهن وتوصيف الأداء ومتطلباته العلمية والإعدادية وتشجيع وضع مناهج تفصيلية، تضمن كفاءة التدريب.

4-2-5: ربط التدريب بالإنتاج لأسباب تربوية واقتصادية:

مع مراعاة الشروط التربوية لعملية التعلم، يحبذ في التدريب المهني، تشجيع أسلوب التدريب الإنتاجي، أي إعداد تمارين ذات صفة سلعية تسويقية، وتشجيع الاستفادة من ورشة أو قاعة التدريب لتحقيق تطبيق عملي ذي مردود مادي، وتوسيعه ليتجاوز ساعات التدريب، مما يعني أيضاً التلامس مع السوق، والتعرف إلى احتياجاته، ومتطلباته. ويمكن النجاح في هذا الهدف، في حال التنسيق بين النشاطات التربوية والاجتماعية المختلفة، وتشجيع شراء السلع والخدمات المحققة في نطاق نشاطها، والتعاون من جهة أخرى في تسويق الإنتاج داخلياً وخارجياً. ويمكن الوصول إلى تنسيق عمليات التزود السلعي والتسليف والاستشارات الفنية والإدارية.

4-2-6: توفير فرص اكتساب الخبرات العملية للمتخرجات:

أظهرت الاستقصاءات، أن الخريجات الفلسطينيات من الدورات المهنية المختلفة يواجهن صعوبة في إيجاد مجال اكتساب الخبرة الضرورية لطرق باب العمل، والحصول على الاستجابة المأمولة، فإلى جانب الاتفاق مع المؤسسات الاقتصادية في مجالات مختلفة لاستقبال المتدربين لفترة محدودة، يتوجب على المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك الأونروا كمنظمة دولية عاملة في الوسط الفلسطيني، توفير مجال التدريب المطلوب. خاصة وأن هذه المؤسسات، بتنوع عملها وتطور إدارتها ونشاطاتها، قادرة على توفير مجال تدريب محدود المدة (من 3 – 6) أشهر للخريجات الجدد ويتيح هذا النشاط للمؤسسات فرصة اكتشاف الطاقات التي تحتاج إليها كما ويفيد الخريجات، حيث يجعلهن يتعرفن على مجالات العمل المحلية.

4-2-7: نشاطات متكاملة من التوجيه والإرشاد المهنيين:

يهيمن الضياع على الشباب، والإناث تحديداً، فيتخلفوا عن الاختيار المبكر للمسار المهني المرغوب، وتعجز معظم الأسر الشعبية عن توجيه بناتها مهنياً. ولذا يطلب اعتماد سياسة ونشاطات وخطط وبرامج لتنظيم عملية توجيه وإرشاد مهنيين ترافق التلميذة باكراً في سني تعليمها، وتتيح أمامها مجالاً لاكتشاف قدراتها وميولها، وإثارة رغباتها بالاستعلام والاطلاع، بحيث تقرر بعد 8 سنوات من التعليم العام اتجاه مسارها التعليمي والمهني. ومن هنا يجب التخطيط للنشاط الموازي الصف واللاصفي، ليكون قناة فعالة لمعرفة الإمكانيات الخارجية والذاتية نسبة للإمكانيات المهنية، ويجب تنظيم الحوار والتخطيط لتحديد النشاطات المرغوبة وتطعيمها بالمؤثرات الفاعلة من برامج ومواد.

وتحتاج الإناث من الأعمار الشابة إلى إطار إعلامي وإلى إطار إرشادي، يجعله يعتمدن على نهج التزود بالكفاءة المهنية، دون التأثر بالمعيقات، وقبول الجهد المفروض. فإلى جانب المواد السمعية والبصرية، يعمل هذا الإطار على تطوير العاملين في الحقل الاجتماعي والتربوي وإعداد التربويين والعاملين الاجتماعيين المستقبلين، ليكونوا جميعاً دعاة للإعداد المهني، ومرشدين مهنيين بشكل من الأشكال، على أن يتم إعداد مرشدين مهنيين متخصصين عبر دورات تدريب متخصصة، يحضرها عاملون في حقل الإعداد المهني أو جامعيون مؤهلون.

4-2-8: الدعم المادي الأونروا وللمؤسسات الفلسطينية:

إن وجود الفلسطينيين في لبنان في ظروف (جالية مهجرة عن وطنها)، وتتواجد على أراض شعوب شقيقة في الدول العربية المحيطة بفلسطين، ومنها لبنان، لا يعطي هؤلاء الفلسطينيين مجالاً لتحقيق الإيرادات عبر الرسوم والضرائب، فهذه الجالية تعيش على المساعدات، وإن أبدت استعداداً لدفع رسوم تتفق وقدرات الأفراد مقابل الخدمات العامة المقدمة، وترزح الدولة المضيفة (لبنان) تحت أعباء ضخمة، تحتاج بدورها إلى تضامن عالمي معها. مما يوجب الدعم المتزايد للأونروا لتوسع أنشطتها ومواجهة ظروف المجموعة الفلسطينية في لبنان، فهذه الوكالة الدولية، هي دعم مهم للشعب الفلسطيني اللاجئ لمواجهة ظروف عدم الاعتراف بحقه بالعودة إلى وطنه وأرضه. وتحتاج المؤسسات الفلسطينية إلى دعم متزايد لتطوير قدراتها ومواجهة المزيد من الاحتياجات الضرورية التنموية للشعب الفلسطيني في لبنان. فهي الأكثر وضوحاً وليونة في مواجهة التحديات الجديدة، التي تعيق رعاية وتنمية المجتمع الفلسطيني.
4-3: المعيقات الثقافية والاجتماعية- الاقتصادية المؤثرة على التحاق الإناث بالتعليم للعمل وطرق علاجها:

4-3-1: هيمنة التفكير بمسار التعليم الثانوي العام والتعليم الجامعي:

انتهى عهد الشهادة الثانوية العامة كمدخل للتوظيف، وتحديداً في مجال التعليم الابتدائي ومجال ما قبل المدرسة، واتجه الطلب شطر خريجي الاختصاصات الجامعية والحاصلين على دبلوم تخصص. ولكن الرأي العام ظل أسير مسار التعليم الثانوي، وأضاف إليه التعليم الجامعي، وينظر هذا الرأي العام إلى ترك المدرسة بعد المرحلة المتوسطة أو خلال التعليم الثانوي على أنه تساقط بينما ترى فيه شعوب الدول الصناعية وعدد متزايد من دول العالم الثالث، تفرعات يشجعها النظام التربوي خاصة والمنظومة الاجتماعية عامة.

وكما جرى توضيحه سابقاً، فإن الاستمرار في التعليم العام في أحيان عديدة، هو هدر في الوقت والقدرات، نتيجة لشكلية الشهادات المفصولة عن المستوى والمحصلة بالترفيع الآلي. ويجب التركيز هنا على التعليم الأساسي (5 ابتدائي + 4 متوسط) ومن ثم التفريع، وتشجيع المتفوقين علمياً على الاستمرار في التعليم الثانوي العام، وأما الآخرين من الجنسين فيجب دعوتهم للوصول إلى النجاح المهني، وفرض المقام الاجتماعي، عبر الإعداد المهني، وهو حسب النظام التربوي اللبناني يتيح مواصلة التخصص إلى ما بعد الثانوي. وفي المرحلة الراهنة، فإن التفريع المهني لعدد كبير من الإناث هو ضمان لهن للاستمرار التعليمي ودخول مجال العمل وتكوين شخصيتهن المميزة في الحياة العامة.

تهيمن، مع الأسف، في الوسطين الفلسطيني واللبناني وجاهة مواصلة التعليم الثانوي العام. وكأنهم يدافعون عن السلطة المطلقة للأمر الواقع، ويربطون النجاح الاجتماعي والمادي بالتعليم الجامعي، علما إن عائد التعليم الجامعي أصبح يشبه العائد لبعض التخصصات سلبياً، حيث يزيد من حجم البطالة، ويساهم أيضاً في هذه الطاقات، لقد أصبح من الضروري ترشيد مسلك المجتمع والأسرة والطالب، بحيث تؤخذ القرارات المفيدة حول المستقبل المهني باكراً، بعيداً عن النموذج النمطي الجامد والشائع. وعلى كل حال، إن وجود المؤسسات التربوية المهنية ووضوح المسارات يشجع الجميع على تعديل المسلك.

4-3-3: أولوية الإمكانيات لتعليم الذكور:

في حال وقوع عبء تكاليف التعليم الثانوي على عاتق الأسرة، تعطي أولوية التعليم للذكور، وتفوق الفتاة فقط هو الذي يشد الأهل إلى الاستمرار في تعليمها تيقناً من الاحتمال المرتفع لوصولها إلى تخصص يفيد الفتاة بقدر ما يفيد الأسرة، ويأخذ شكل التركيز على إعطاء الأولوية لتعليم الذكور، الإلحاح عليه بالانتظام التعليمي والإصرار نفسه للإناث، يجب بلورة رأي عام يقدّر قضية تعليم الإناث وإعدادهن مهنياً بالقدر نفسه المعطى لمستقبل الذكور، فالمرأة هي أيضاً جزء من راس المال البشري، إلى جانب أهمية دورها في تنشئة الجيل الجديد وفي إطار النضال الوطني الفلسطيني، فهي عامل أساسي في مضاعفة القدرة النضالية الشعبية، لا يظهر موقف مسبق يقلل من شأنها. فالقناعة كاملة بهذه القدرة ونموها والتطوير النوعي للمرأة يشكل محركاً للوصول إلى تصاعد القدرة الذاتية للشعب العربي الفلسطيني.

4-3-3: الشك بقدرة المرأة على ممارسة بعض المهن:

إن أنواع العمل المقررة في نصوص منظمة العمل الدولي، هي الحدود الفيزيولوجية النفسية لعمل المرأة في المرحلة الراهنة، وهي حدود قابلة للتجاوز مع تعديل ظروف العمل، وبالتالي السلامة المهنية. ولكن بالمقابل، أن توفير فرص العمل للمرأة كحق من جهة، وضرورة تنموية من جهة أخرى، تفرض محاربة الأفكار النمطية المسبقة، والدعوة باكراً لانتساب المرأة لمعاهد التعليم ومراكز التدريب المهنية المختلفة ولجميع المهن، ويترك فها أمر الخيار على ضوء معرفتها للطلب في سوق العمل، إلا أنه يجب تشجيع سوق العمل لمساواة الجنسين في فرص العمل الملائمة واستكشاف الوجه الإيجابي من عمل المرأة. ومن الضروري التركيز على غرس قناعة أساسية لدى الأطفال والشباب الذكور، بكون الإناث أقرانهم، زميلات لهم ليس فقط في المدرسة، بل أيضا في النشاط العام والعمل. وكزميلات أيضاً قادرات على تنفيذ أداء مماثل، مؤهلات للارتقاء المهني، ولا يمس ذلك أنوثتهن، فهن الأقدر على التعبير عنها والحفاظ عليها.

4-3-4: إهمال الترقي المهني للمرأة:

في مجالات اقتصادية عديدة، ما زال ينظر إلى عمل المرأة كعمل مرحلي لا يعول على تطويره مهنياً، فإضافة إلى المس بمبدأ مساواة الحقوق والفرص، تخسر المؤسسة الكفاءة المحتملة، وقد يسبب التقييم غير الإيجابي حالة إحباط لديها يؤثر على مسلكها في مجال العمل وخارجه، وهي التي تلح تصاعد احتياجاتها للعمل والنجاح المهني لأسباب اجتماعية ومادية. ومطلوب من الحركة الوطنية الفلسطينية بأشكالها المؤسساتية المختلفة، تشجيع المرأة ومحاربة أي موقف مسبق ومعيق. وموضوعياً يعول في ظروف النضال، وبشكل متزايد، على تطوير طاقات ومسؤوليات المرأة في الحياة العامة. ليس فقط كنشطة في حقل المرأة، بل أيضاً كفاعلة في جميع مجالات النشاط، وعدم تجميد استعدادها، بحجة الأولوية للرجل لأنه المعيل، فهي أيضاً معيلة وتتحمل مسؤوليات أسرة. ويعود مستوى الأداء في عديد من المهمات إلى الكفاءة المهنية، وليس إلى الظروف الاجتماعية الذاتية التي يمكن معالجتها عبر التسهيلات الاجتماعية.

4-3-5: الانطلاق من الظروف الاستثنائية لسوق العمل للتشكيك بجدوى التدريب في مجالات عديدة:

يجابه الإعداد المهني للإناث تشكيكاً بالفائدة منه، وذلك بحجة انغلاق سوق العمل بوجه المرأة منهما كانت المهنة المختارة، ومن هنا، وباسم المنطق، حُصر الإعداد المهني في مهن معدودة، معظمها نسوي. إن الإنتاج متنوع في المجتمع، ويزداد تنوعاً في ظروف الازدهار الاقتصادي. لكن الانكماش في الإعداد المهني، يزيد من الانكماش أو الإرباك في السوق وفي المجتمع عامة. ففي جميع الظروف يجب القيام بجهود تنموية. وبالتالي، الاعتماد على الإعداد المهني لتحريك الاقتصاد وتطويره، ومن جهة أخرى، فإن الإغاثة في زمن الحروب هي أيضاً عملية اجتماعية- اقتصادية معقدة، ونراها حالياً على مستوى الوضع الفلسطيني في لبنان، حيث يفرض تنظيم حركة إعمار واسعة، وتوفير السلع من مواد وتجهيزات، ورعاية للمهجرين في الوقت نفسه، على مستوى الإيواء والغذاء والصحة والتربية والإنتاج والدخل. مهمات متنوعة وبالتالي مهن متنوعة. وكما ذكر سابقاً يفترض من الإعداد المهني، تحضير الجيل الجديد للظروف المستقبلية، حيث تتبدل الظروف سريعاً مع استتباب الأمن، وفي كثير من الأحيان تساعد التخصصات المهنية على توجيه الاستثمار من إنتاج وخدمات وبالتالي خلق فرص عمل جديدة.

4-3-6: تحول الأونروا من رعاية سلبية إلى رعاية إيجابية:

تدخل في تسمية وكالة الأمم المتحدة المعنية إشارة إلى كل من مهمتي الإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط- الأونروا تعبير "التشغيل"، وبعد فشل خطط التوطين، تركز النشاط التشغيلي في الإعداد المهني وتسهيل العمل في الدول النفطية، وتقلص الطموح التدريبي أيضاً. وانحصر عمل الأونروا بمزاولة ما بقي من نشاطات تحت اسم "الإغاثة". ولكن مع تدهور أوضاع الفلسطينيين بعد حرب 1967م ولاحقاً بعد تدهور الوضع الحياتي للفلسطينيين في لبنان بعد عام 1982م، ثم بعد تصعيد الاضطهاد الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وتحديداً بعد انطلاق الانتفاضة، أخذت الأونروا تكيف نفسها لمواجهة احتياجات الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الاستثنائية. وكانت الأونروا قد وفرت خبرات مختلفة خلال المرحلة الأولى من عملها وخلال نشاطها المستمر في قطاع غزة المزدحم باللاجئين وفي مخيمات الأردن المستجدة بعد عام 1967.

والمطلوب الآن من الأونروا الإسراع في استنهاض نفسها في لبنان، ورفع غطاء الركود الطويل عنها. ولذا يتوجب عليها إنجاز تقييم كامل لنشاطها التربوي- الاجتماعي، والنظر إلى الوضع الحياتي للفلسطينيين في لبنان على أنه تدهور رهيب، يزيد من صعوبات التطور المهني للمرأة، ولا بد كخطوة ضرورية من إعادة تكيف النظام التعليمي مع النظام المعتمد رسمياً في لبنان (5 ابتدائي + 4 إعدادي) أي من عمر 6 حتى 14). مما يعزز الانتظام التعليمي ويتيح مع عمر 15 –16 ، توجيه الإناث مهنياً، وبالتالي التنسيق مع الجمعيات لتعزيز التعليم ما قبل المدرسي وتعميمه لفئة عمر (4-5 سنوات) على وجه الخصوص.

ومن غير المقبول أبداً الاحتماء بالظروف الاستثنائية للإبقاء على مبدأ الفترات وإلغاء النشاط في المدارس، مما يغلب المسلك غير المنضبط لدى الأولاد والمتولد عن كثرة الساعات الطويلة وغير المثمرة خارج المدرسة، على مسلك الانضباط والتعلم داخل المدرسة. ويسقط دور المدرسة في حال تقليص دورها إلى ثلاث ساعات يومياً ولمدة خمسة أيام في الأسبوع في ظروف فقر تام في البناء والوسائل التعليمية، وفي ظروف رجحان المعلمين الذكور في التعليم الابتدائي، وهم الذين ندبون حظهم من عدم ارتقائهم المهني، أو عدم استثمار تخصصهم الجامعي لا من التعليم ولا من خارجه كفلسطينيين. ولذا فإنه مطلوب من الأونروا، مع اللجان الشعبية والمؤسسات الاجتماعية، الوصول

إلى حلول تواجه الشلل في العملية التعليمية، وتتيح هذه الحلول للمرأة المشاركة بشكل فعال في تحسين مستوى التعليم العام.

وأخيراً، مطلوب مشاركة الأونروا الفعالة في توفير مجالات إعداد مهني للإناث، وليس فقط عبر دورات مهنية خاصة، ولكن أيضاً من خلال الانتساب للمهن العائدة للذكور وزيادة عدد الطلاب، وإيجاد مهن جديدة في مركز سبلين أو في مناطق تجمعات الفلسطينيين في لبنان، والتنسيق مع المؤسسات بهذا الشأن، وتستطيع الأونروا، كمؤسسة مركزية توفير خدمات نوعية على مستوى إعداد المناهج وتدريب المدربين والإشراف التربوي وإصدار الشهادات.

4-3-7: تنظيم الجهد الشعبي:

يبقى لمنظمة التحرير دوراً أساسياً في تنظيم الخدمات للشعب الفلسطيني في مناطق تواجه، ومنها لبنان، ولكن بعد عام 1982، تعذر وجود النشاط الممركز لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتعزز دور اللجان الشعبية في المخيمات خاصة، وفي مجال التجمعات السكنية الفلسطينية عامة. وتوسع أيضاً نشاط المؤسسات الاجتماعية. ولكن تغلب على عمل هذه المؤسسات واللجان جميعاً، عدم القدرة في السيطرة على مستوى مساحة المخيم، وهي تظل دون القدرة على مستوى التحمل تنظيمياً ومادياً، وقد اختفت عنها الرؤية الموحدة والإرادة الجماعية لتنمية الشعب الفلسطيني في لبنان. إن من موجبات هذه الأطر الشعبية والمؤسساتية أن تعكس الاحتياجات المعيشية وأن تعمل على التنسيق لإبراز الاحتياجات المختلفة لهذا الشعب، والمشاركة مع الأطر المركزية لتلبية هذه الاحتياجات. ومن الضروري تحقيق فقرة نوعية في مستوى نشاط العمل الشعبي، والانخراط في خطط وبرامج تعكس إرادة التنمية الجماعية، وتثبيت المشاركة الخلاقة للطاقة النسائية في جميع مجالات العمل.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-