مقدمة
وعلي الرغم من صعوبة عزل حركة المجتمع المدني عن الحركة الثقافية إلا أن تأثير العامل السياسي فيها كبير, خاصة بعد الانهيار في دول المنظومة الاشتراكية في سياق عملية نقد ومراجعة لهذه التجربة, ساعد في ذلك التغيرات التي أخذت بها بعض الدول العربية إزاء الديمقراطية (انتخابات الرئاسة في مصر 2005) والتحول إلي أنظمة السوق الحر وتشجيع القطاع الخاص ورفع شعارات حقوق الإنسان وقبول الآخر وتراجع نسبي لدور الدولة في مجالات العمل والصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. في الوقت نفسه زاد عدد مؤسسات المجتمع المدني (*) وتنوع نشاطها وتغير مفاهيم البعض منها وفلسفته لتطرح مفاهيم التنمية والمشاركة الشعبية والسياسية في إطار العولمة وما تتضمنه من أبعاد اقتصادية (الخصخصة واقرار حرية السوق) وسياسية (حقوق الانسان والديمقراطيه والتمكين السياسي كصيغ ومفاهيم للحكم الراشد) وثقافيه (منظمات ومواثيق اخلاقيه عالميه – قيم ثقافيه) وبروز الدعوة الي قيام مجتمع مدني عالمي.
هدف البحث وتساؤلاته:
- ولتحقيق ذلك نطرح التساؤل التالي:
- فى منهجية الدراسة الميدانية:
أولا: المجتمع المدني والتنمية المجتمعية.
1 – مفهوم المجتمع المدنى وترقية الديمقراطية.
يمكن تعريف المجتمع المدنى بثلاثة أساليب. الأول: فى سياق النظام الاقتصادى التقليدى: حيث يشير المفهوم للانتقال إلى المجتمع البرجوازي. وفى هذا السياق تعنى " المدنية " احترام الحرية الشخصية والملكية الخاصة ويستخدم رجال الاقتصاد هذا المفهوم للإشارة إلى المؤسسات غير التابعة للدولة التى تسهم فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ثانياً: يتم استخدام المفهوم فى سياق علاقته بالإصلاح السياسي والتحول إلي النظام الاجتماعي الحديث وفي سياق هذا التعريف ، يشير المجتمع المدنى على وجه الخصوص للمؤسسات غير التابعة للدولة التى تسعى للوصول للقوة والسلطة السياسية. ثالثاً: يستخدم مصطلح المجتمع المدنى أحيانا للإشارة إلى دقة وأهمية الفاعلين الاجتماعيين من غير ذوى السلطة مثل المنظمات الخاصة والمؤسسات الدينية وغيرها.
ويذهب " محمد خاتمى " إلى أن العالم الغربى ينبع – تاريخيا وتنظيريا – من نظام الدولة التى ترجع جذورة للثقافة الإغريقية والنظام السياسى للدولة الرومانية ، وأن المجتمع المدنى الذى نعتقد فيه ترجع جذورة التاريخية والتنظيرية إلى " المدينة المنورة ".
فالمجتمع المدنى الذى نراه – الذى يرتكز حول محورية الفكر الإسلامى والثقافة الإسلامية - لا مكان فيه للديكتاتورية الشخصية أو الجماعية أو حتى ديكتاتورية الأغلبية ففى سياق هذا المجتمع نجد الإنسان – ولإنسانيته فقط بغض النظر عن أى اعتبارات أخرى يتم احترامه واحترام حقوقه ويستمتع المواطنون فى المجتمع المدنى الإسلامى بالحق فى تحديد هويته الخاصة وتحديد من يحكموه وبالتالى محاسبتهم وتكون الحكومة فى مثل هذا المجتمع فى خدمة الناس وليست السيد عليهم ، ويتم محاسبتها بشكل فعلى من قبل من تحكمهم. وليس مجتمعنا المدنى مجتمعا للمسلمين وحدهم لكنه مجتمع يعترف بحقوق كل الأفراد تحت مظلة القانون ويرتبط تحديد هذه الحقوق بالواجبات الأساسية للحكومة بل يقف فى مقدمتها احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمعايير الأخلاقية وأن هذا تواتر طبيعى لتقاليدنا ومعتقداتنا الدينية (2).
وترجع جذور الروابط بين المجتمع المـدنى والديمقراطية فى أدبيات البحث إلى الكتابات الليبرالية الأولى للكتاب الليبراليين. ومع ذلك فـقد نمت هذه الروابط بأشكال مؤثرة من قبل منظرين القرن العشرين مثل " Sidney Verba " " Gabriel Almond " الذين كانا يعتبرا دور المجتمع المدنى فى النظام الديمقراطى دور حيوى وفاعل ويرى هؤلاء الكتاب أن العنصر السياسى للعديد من منظمات المجتمع المدنى ييسر من الإدراك الأوضح لمفهوم المواطنة والذى يدعم مزيد من القدرة على الاختيار والتصويت والمشاركة فى السياسات ومحاسبة الحكومة لتحسن من آدائها ويتسنى الوصول إلى نتائج أفضل ويرى "Robert Putnam " أنه حتى المنظمات غير السياسية فى المجتمع المدنى لها دور حيويي فى تعزيز الديمقراطية وذلك لأنها تساعد على بناء رأس المال الاجتماعى والثقة والقيم المشتركة والتى يتم نقلها للمناخ السياسى وتساعد فى تـرابط المجتمع (3).
وتؤكد أكثر التعريفات المألوفة فى أدبيات البحث للمجتمع المدنى على الاتساع النسبى للفاعلين الاجتماعيين مثل الأسرة والجماعات المختلفة والمنظمات التطوعية وما إلى ذلك, والتى تكون مستقلة عن الدولة وتظهر نظم الحكم الغربية أبعاداً جديدة هامة بخلاف الاستقلالية عن الدولة, وأول هذه الأبعاد يشير إلى " الخصوصية " الواضحة والتى تعنى الانفصال الواضح والتام عن الدولة أما البعد الثانى فهو " وجودها " حيث أن هذا القطاع يتسم بتنوع المؤسسات التى تنظم العديد من نشاطاته وتحول دون أن يصبح مجرد كتلة اجتماعية لا شكل لها ( هلامية ). أما البعد الثالث فيتضمن " الانفتاح فى قطاعاته ، حيث لا يكون منعزلاً عن بعضه والبعد الرابع للمجتمع المدنى هو " الوصول المستقل للمعترك السياسى المركزى " وتوفر درجة من الالتزام بالوضع العام.
ومجمل هذه الشروط والأبعاد يؤكد على أنه ليس هناك جماعة اجتماعية أو فئة أو مؤسسة يحق لها أن تحتكر سلطة وموارد المجتمع بحيث تمنع إمكانية وصول الجماعات الأخرى لهذه السلطة. ومع هذا فإن ذلك ما حدث بدقة فى بعض النظم – مثل بعض نظم أمريكا اللاتينية – والتى تبنت توجهاً ديمقراطياً فى ظاهر الأمر ، إلا أن السلطة كانت مركزه فى يد مجموعة قليلة جداً. وعلى هذا ، فإن الدور الأساسى لحيوية النظم الديمقراطية وفاعليتها هو وجود العديد من القطاعات الاجتماعية المستقلة عن النظام السياسى ( الدولة ) ، ويكون بمقدور ممثليها الوصول للأطر السياسية الهامة ، فى ظل فهم واضح للقواعد الأساسية للعملية السياسية وتوفر درجة معينة من الالتزام به. إلا أن ذلك ليس كافياً فى حد ذاته للتأكد على استمرارية الأداء الوظيفى للمؤسسات الديمقراطية. فمن الضرورى دمج هذه القطاعات الاجتماعية المتعددة ومراكز السلطة المستقلة مع الروابط الأيديولوجية والمؤسساتية الموجودة بين هذه القطاعات والدولة وتحديد مدى استقلاليتها. وأهم هذه الروابط هو الأطر الدستورية للتمثيل السياسى ومؤسسات القضاء وأنماط التواصل وطبيعة تدفق وتوفر المعلومات السياسية أو مجالات التواصل والخطاب. وبقدر ترابط هذه الكيانات وبقائها مستقلة عن الدولة ، وبقدر السماح للقطاعات الإجتماعية دخول المعترك السياسى ، ومدى النجاح فى إجراء المحاسبة ، ستتحدد طبيعة واستمرارية الأداء الوظيفي للمؤسسات الديموقراطية تحت مظلة القانون والدستور (4).
2 – العولمة ودور المجتمع المدني فى تحقيق التنمية.
إن إحساسنا بالواقع صار أمراً شديد النسبية في عصرنا الحالي. فالقوي الشديدة للعولمة والثقافة والاقتصاد وغيرهم والتي تتخذ شكل شركات عابرة للقارات وتدفق الهجرة قد أدت إلي خلط أوراق الدولة – والهوية والمواطنة. كما أن ارتفاع تيار الفردية صار محل اهتمام في ظل استمرار المجتمع في فقد وعيه الجماعي الذاتي – كما يبدو – وبالتالي مقدرته علي العمل السياسي. وفي مقابل ذلك نجد الشركات عابرة القارات (متعددة الجنسيات) التي ترسوا قواعدها في المجتمع العالمي قد كسبت أرضاً جديدة في العمل السياسي والقوة والنفوذ علي الحكومات القومية والبرلمانات. وكانت نتيجة ذلك, أن الوجه الرئيس للسياسة في مطلع الألفية الجديدة هو ظهور موضوعات اخترقت الواجهة الديموقراطية الوطنية للأمة وصارت بمثابة المحرك الرئيس للعمل السياسي (5).
وهناك العديد من التحديات التي تفرضها العولمة علي النظرية السياسية المعيارية وقد كانت النظرية السياسية الغربية التقليدية تفترض وجود المجتمعات المحددة التي تنعزل بحدودها عن الدول والمجتمعات الأخرى. فبالرغم من أن المفكرين السياسيين والقانونين قد اضطلعوا تاريخيا بطاقة هائلة في تشكيل نماذج معيارية محددة للعلاقات بين الدول, فقد اعتمدوا في ذلك إلي حد كبير علي الانفصال الواضح بين الشئون الداخلية المحلية والشئون الخارجية. وعلي هذا كان ينظر للحدود كأمر إيجابي حيث يوفر ميزة وإمكانية النجاح الداخلي للبلد في ظل انعزالها عن العالم الخارجي. أما الآن, فإن العولمة تفرض تحدياً أساسياً علي كل تلك الفرضيات التقليدية فلا يمكن لنا الآن وصف دولة علي أنها مكتفية ذاتياً بمواردها ويمكن لها أن تحيا في عزله عن العالم الخارجي في هذا السياق من الانفتاح وانتشار العلاقات الاجتماعية العابرة لحدود الدول. ففكرة محدودية المجتمع صارت فكرة غريبة وشاذة في ظل هذه التحولات الأخيرة (6).
وفي الولايات المتحدة يرتبط المجتمع المدني بشكل وثيق بالعدائية وعدم الثقة في الحكومة. وهي عملية ارتبطت بالرئيس كلينتون – علي الأقل بشكل رمزي – وإعلانه بعد انتخابات 1994 أن عصر الحكومة السوبر (super) قد ولي. فحقيقة الأمر, نجد أن الإحساس بأن الحكومة لم تعد تحظي بالثقة او الشفافية قد كان بمثابة الدافع والمحرك لجعل المجتمع المدني في قمة أجندة السياسيين والباحثين في الحقل السياسي.
ويأمل الليبراليون في دعمهم للمجتمع المدني أن يجدوا إجابات لتساؤلاتهم عن مشكلات المجتمع الأساسية كالفقر والعنصرية والمثبطات البيئية والتي لا تدعوا لمزيد من التدخل غير المرغوب للحكومة ومؤسساتها في حياه المواطنين. وعلي صعيد آخر نجد بعض الأراء النقديه توجه سهامها الي المنظمات غير الحكومية والتي يري الكثيرون انها تتجسد في المجتمع المدني. حيث يري أصحاب تلك الرؤي ان تلك المنظمات تزيد من الداء التي هي معنية بعلاجه (فهي الداء لا الدواء). وهم يرون ان تلك المنظمات مثالا للسلوك السلطوي والفساد وعدم المحاسبة. وهو الامر الذي عزا بالعديد ممن كانوا في طريقهم لتأييد فكرة المجتمع المدني كوسيلة للوصول الي الديموقراطية الي الابتعاد بأنفسهم عن هذا الأمر (7).
ويتفاعل البنك الدولي في مجال التنمية الدولية مع آلاف من منظمات المجتمع المدني (NGOs) في كافه أنحاء العالم من خلال وسائل ثلاث هي: أ – يُسهل البنك الحوار والشراكة بين المجتمع المدني والحكومات عن طريق تقديم الموارد والتدريب والمساندة الفنية. ب – يتشاور البنك مع منظمات المجتمع المدني بشأن القضايا والسياسات والبرامج. جـ – البنك يقيم شراكات مع منظمات المجتمع المدني لتقديم الخدمات والمساعدات (8).
ويقوم البنك الأمريكي الدولي للتنمية بفتح عملية حوار مستمرة وعمل علاقات بين الحكومات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات التنمية المانحه (المحلية والدولية) لتصميم وتنفيذ برامج التنمية الاجتماعية وذلك من خلال: تقوية المجتمع المدني ، خلق صيغة قانونية وحكومية قوية ، تحسين القبول لقطاع منظمات المجتمع المدني ، خلق شراكه بين الحكومه ومنظمات المجتمع المدني (9).
والمجتمع المدنى له دور فاعل أيضاً داخل الوطن العربى بوجود الرسالات السماوية وقيم التعاون منذ القدم وتشير الدراسات الي ان الخبرة التاريخية والاجتماعية للمجتمع المصري بالمجتمع المدني أكدتها قيم ومبادئ الحضارة المصرية ، عبر التعاون والتكافل الاجتماعيين وهى تعطى أرضية لمزيد من التطوير لحركة المجتمع المدنى وفاعليته (11).
وفى دراسة أخرى اهتمت بالمجتمع المدنى فى المجتمعات العربية وتأثير الظروف والتغيرات الدولية الاقتصادية والسياسية التى أثرت منذ بداية تشكيل العمل الأهلى العربى فى إطار ظروف غير مواتيه اقتصاديا وثقافيا وسياسيا مما دفع تنظيمات المجتمع المدنى الأهلى إلى تقديم المساعدات الخيرية (13).
ثانياً: الوعى السياسى والحكم الراشد
1 – الوعى السياسى أساس الديمقراطية
ويعد الوعى السياسى ناتج من نواتج تواجد الانسان داخل دولة: فليس خفيا أن الترابط بين الدولة والقانون يتأتى عنه ترابطا موازيا بين الوعى السياسى والوعى القانونى (16). ومادامت الطبقات والدولة مستمرة ، فالعلاقات السياسية قائمة ، وبالتالى فإن الوعى السياسى يبقى أكثر أنواع الوعى الاجتماعى أهمية _ وتتحدد الصفات النوعية لهذا النوع من الوعى ( تغيره وتطوره ودوره فى المجتمع ) من خلال العلاقات السياسية (17).
ويمكن تعريف الوعى السياسى على أنه أسلوب الرؤية والاهتمام والفعل فى العالم. وهو يسير وفق تعهد بحقوق الانسان والعدالة وتفهم القوى وعدم المساواة فى النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ووفقاً للعلاقات والقيم. فهو يتعلق برفض الظلم والأنظمة والبناءات التى تمارس هذا الظلم ، لكن ليس رفض الأفراد. فهو فن احترام الآخر والعمل معه والنظر للآخر على أنه انسان تميزه قوى اجتماعية ويرتبط فى صراع مستمر من أجل احراز مكانه محترمة (18).
ويعد الوعى السياسى بالنسبة لدعاة العدالة الاجتماعية والمجتمع المدنى وسيلة وهدفا فهو كوسيلة يثير التحليل الناقد لديناميكيات القوة على مستويات متعددة. وهو كهدف فالمنوط منه بتطوير الوعى السياسى أن يوفر أساساً لنوع من المشاركة المقبولة والمعلومة للمواطن والتى تلزم لوضع الاهتمامات الهامة فى الحسبان. وعندما يصبح الفرد واعيا سياسيا ، فإن ذلك يساعد على إخفاء الشكوك الذاتية التى تعززها التبعية والتمييز ، كما يمكن الفرد من ادراك قوته الفردية والترابط مع الآخرين حتى يتسنى له مواجهة المشكلات العامة ، وهو ما يطلق عليه " Paulo freire " الوعى الناقد Critical consciousness ويتشابه مع ما يسميه الآخرون الوعى الاجتماعى لكن بمزيد من التأكيد على فهم علاقات القوى (19).
2 - دراسات حول الوعى السياسى
والملاحظ أن الجيل الحالى يبدو أكثر عزوفا عن ممارسة العمل السياسى ، ويتجه المتميزون فيه إلى التركيز على جوانب المهارات الفنية والتقنية متجنباً الوقوع تحت سيطرة الأيديولوجيات ، فى حين تعانى الغالبية الساحقة منه من مشاكل التهميش السياسى والاقتصادى (22). من هنا يأتى دور المجتمع المدنى وقد أشارت " أمانى قنديل " إلى دور الصفوة المثقفة فى قيادة الحركة الثقافية والسياسية والاجتماعية فى العالم العربى ، بهدف النهوض بمجتمعاتها فى ظل دعم منظمات المجتمع المدنى.
يؤكد ذلك تقرير التنمية البشرية فقد عكست الأرقام والنسب تدنى المشاركة السياسية فى انتخابات مجلس الشعب 2000 حيث بلغت نسبة المرشحين نحو 0.016% من جملة الناخبين ، ومن هؤلاء المرشحين نحو 3.1% من الاناث وكانت ظاهرة العزوف عن المشاركة أكثر وضوحاً فى عملية التصويت حيث بلغت نسبة المشاركة نحو 24.1% على مستوى الجمهورية (23). وهذا اختلف تماما فى انتخابات 2005 بعد مشاركة المجتمع المدنى. كما تشير نتائج الدراسات إلى أن هناك رغبة لدى أفراد المجتمع فى المشاركة السياسية ، ولكن عدم الثقة يحول دون ذلك. فالمشكلة ليست فى نقص الوعى السياسى ، وإنما اللامبالاة وعدم الثقة وحالة الاغتراب السياسى ، والنظرة السوداء المتشائمة ، وافتقاد القدوة وعدم وجود منظمات وأحزاب حقيقية تنظم عملية المشاركة (24). مما أضر ليس فقط بالسياسة إنما أيضا بتفاعل الشباب معها وعجز مؤسسات المجتمع المدنى فى القيام بدورها.
وفى دراسة مسحية قام بها "Golovakha and panina" فى عام 1990 على عينة من 542 شخص تمثل مجتمع البالغين فى " كييف بأوكرانيا " حيث قام الباحث بوضع حكمه على مستوى الثقافة السياسية وذلك بتقييم مقدار المعرفة القانونية للفرد فوجد أن 17% فقط كانت لديهم معرفة كافيه فى هذا المجال ، وأن أقل من نصف سكان أوكرانيا يقرأو عن السياسة فى الجرائد ، 7% فقط لهم مشاركة نشطة فى الحياة السياسية من خلال الأحزاب ونسبة 5% تشارك فى الاجتماعات واللقاءات السياسية ، 4% يشاركون بشكل مباشر فى الحركات السياسية العامة. وتظهر هذه النسب المتدنية مدى غياب الوعى السياسى لدى الشعب الأوكرانى (25).
وفى دراسة أخرى عن الوعى السياسى فى " ماليزيا " يذهب" Imel " إلى أن الأسلوب الذى يختاره الأفراد فى التصويت يتأثر بمرجعياتهم أو بناءات المعنى لديهم. ويحدث التغير فى بنية المعنى ( الفهم ) meaning structure عندما يمارس الأفراد عملية تعلم تحويلى Transformative learning وهى العملية التى يختبر المتعلمون من خلالها – بشكل ناقد – معتقداتهم وفرضياتهم وقيمهم فى ضوء اكتساب معارف جديدة والبدء فى عملية التغيرات الاجتماعية والشخصية.
وقد تم استخدام تقنيه Snow balling فى اختيار العينات ويرى الباحث أن تلك التقنية هى الأنسب لأنه لايمكنه تحديد الأفراد الذين استشعروا ارتفاع الوعى السياسى لديهم مالم تتوفر لديه المعلومات اللازمة لذلك وأخذت العينة من المتعلمين التي تتراوح أعمارهم مابين 35 – 45 عام متزوجون ويعولون أربع أطفال فى المتوسط ويعيشون ويعملون في وادي كلانج Klang Valley حيث تقع العاصمة كوالالامبور ، وللحكم على حدوث تحول فى الوعي السياسي لابد أن يتمتع المبحوث بأحد المعايير التالية:
أ - أن يكون غير عضويته لحزب سياسي.
ب - لم يغير عضويته للحزب السياسي المنضم إليه ، لكنه صوت للحزب الآخر.
جـ - تقدم ليسجل اسمه في التصويت وهو الشئ الذي لم يحدث أبداً من قبل بالرغم من كونه مسموحا به.
د - صار منخرطاً بنشاط في الحملات الانتخابية وهو الأمر الذي لم يحدث أبدأ من قبل.
وجاءت أهم النتائج في أن الحدث السياسي له القدرة على استنفار حدوث تحول في المنظور إن تم تلقيه على أنه عامل تهديد للهوية الثقافية الجماعية كما أن القيم الثقافية والمعتقدات الدينية للمشاركين قد تيسر من حدوث هذا التحول في الوعي (26).
ثالثاً: نتائج الدراسة الميدانية
بتحليل نتائج الدراسة الميدانية أمكن استخلاص الآتى:
- أ - رغم إنتماء عدد كبير من حالات الدراسة الميدانية إلى الحزب الحاكم إلا أن مشاركتهم فى الإنتخابات كانت لدعم المرشحين المستقلين معللين ذلك بأن الحكومة ونوابها لا يقدمون الخدمات الأساسية لمجتمعهم المحلى من وظائف أو مشروعات إنتاجية وخدمية.
- ب - أن الناس أصبحت تمل وجوه بعض مرشحى الحزب من طوله سنوات إستئثارهم بمقعد الدائرة دون الإهتمام بمشكلاتها ، ومع ذلك يصر الحزب فى كل دورة جديدة أن يجعلهم على قائمة مرشحيه.
- جـ - أنه رغم تقاعس البعض وعزوفهم عن المشاركة فى فترات سابقة إلا أنهم الآن أحرص على المشاركة بل ويشجعون غيرهم ، وتبريرهم لذلك بأن المرشح هو مرشحهم ( ليس مفروضا عليهم ) وابن بلدنا وتم اقناعه بأن يرشح نفسه من أجل خدمة المجتمع المحلى.
- د - بفضل المناخ السياسى الجيد وزيادة نسب التعليم وثورة الاتصالات أتيح للجميع الفرصة فى أن يرى أنماط سياسية ونظم ديمقراطية فى مجتمعات أخرى مما أثر إيجابا على توجهات الإصلاح وأن هذه الطرق هى السبيل للنهوض بالمجتمع من خلال الجمعيات الأهلية المنظمة سياسياً وديمقراطياً كى تقترب من مواقع اتخاذ القرار وصنعه وتصبح مشاركة فى التخطيط ومنفذه ومتابعة له, ويعد هذا من بين السبل لتحقيق الحكم الراشد.
وتشير حالات الدراسة الميدانية إلى ذلك وهاهى حالة منهم تقول: بعد أن أخفق الحزب الحاكم فى مصر فى تنمية الوعى السياسى لدى أفراد المجتمع وتلبية حاجات الجماهير الملحة لتحقيق مشاركتهم كان العزوف عن المشاركة هو السبيل فى السنوات السابقة أما الآن وخلال العقد الأخير ومع زيادة مساحة الديمقراطية كان لمنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية دور كبير فى زيادة وعى أفراد المجتمع بأهميتة المشاركة ، كما تبذل هذه الجمعيات والقائمين عليها كل الجهد مع أفراد المجتمع المحلى لمحاولة التخفيف من حده المشكلات الإجتماعية والصحية والمعيشية التى تواجههم وبالتالي اصبح لدى أفراد المجتمع المحلى اقتناع بأهمية التغيير وبدأت المقارنات بين نائب الدائرة من الحزب الوطنى الذى لم يراه الناس منذ فوزه بالمقعد وبين من يقدمون الخدمات ولا ينتظرون مقابل إلا من " الله عز وجل " من هنا كان تعاطف الناس على اختيار ابن بلدهم ( المرشح المستقل ) والذي يدعم الجمعيات الأهلية والخيرية وليس مرشح الحكومة وهذا ما لمسه الجميع بقوة فى نجاح عدد كبير من المستقلين وفى نسب الإقبال على التصويت العالية من الشيوخ والنساء والشباب لدرجة أننى رأيت زملاء لنا لم نراهم مـنذ سنوات طويلـة ( لأنهم يعملون ومستقرون فى القاهرة أو الاسكندرية ) أتو خصيصاً للإدلاء بأصواتهم.
وتذهب حالة أخرى إلى القول: علشان نغير لازم نعتمد على أنفسنا وعلى القاعدة العريضة من المجتمع المحلى والناس في كل بلد بفضل زيادة الوعى والمبادرات من الجمعيات الخيرية والأهلية الموجودة فى البلد خلت فيه وعى باهمية المشاركة لأن الحكومة بتطلع قراراتها في واد والناس فى واد آخر والخطاب السياسى فى كل مناسبة يركز على المشاركة والديمقراطية والحرية ويدلل على ذلك ويفتخر بتعدد حزبى بس دى زى قلتها وفيه فرق بين التعدد الحزبى وبين الديمقراطية كقيمة إنسانية وكمنهاج عمل سياسى وإجتماعى محدد الأهداف والدليل هو أن النظام السياسى لا يفى بالاحتياجات الملحة لجماهيرية فى المشاركة السياسية وصنع القرار وهناك كثير من الخطوط الحمراء علشان كده لازم نغير ولكن بطريقة منظمة وآليات محدده على مستوى التجمعات فى القرى والمدن الصغيرة وده أعتقد الناس والحكومة لمسته فى زيادة عدد المرشحين من المستقلين ونجاحهم وإحراجهم للحزب الوطنى ( الحزب الحاكم ).
التوصيات:-
- العمل على زيادة وعى المجتمع المصرى ( سلطه – مؤسسات – أفراد ) بأهمية ودور ومشاركة المجتمع المدنى فى تحقيق التنمية.
- التأكيد على أن دور المجتمع المدنى هو التعاون وليس التناحر مع الحكومة لتحقيق توجهات الإصلاح بهدف ترقية الديمقراطية.
- حث الدولة على توفير كافة الوسائل والآليات اللازمة لنجاح دور المجتمع المدنى (الجمعيات الأهلية) ، يزيل الهواجس ويحث المواطنين على التطوع والمشاركة لتحقيق التنمية الإجتماعية والسياسية والاقتصادية.