أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

إعداد/ خليل شاهين  باحث في ميدان الديمقراطية وحقوق الإنسان مقدمة تنقسم المادة النظرية الموجودة بين يديك إلى المحاور التالية: المحور الأول: المجتمع المدني: ويعرض فيه السياق التاريخي لنشأة وظهور المجتمع المدني، والمفاهيم الأساسية المكونة له، بالاضافة إلى عرض سمات المجتمع المدني الفلسطيني. المحور الثاني: القيم الأساسية: وتقسم إلى ثلاثة وحدات: الوحدة الأولى: الديمقراطية وتطورها التاريخي: ويستعرض مفهوم الديمقراطية وتطورها التاريخي وعلاقتها بالاصلاح الديمقراطي، وعناصر الديمقراطية( التعددية السياسية، فصل السلطات وسيادة القانون)، والانتخابات ومفهومها، باعتبارها شكلاً من أشكال ممارسة الإنسان لحقه في إدارة الشؤون العامة في بلاده، ثم وظيفة الانتخابات كشكل أساسي لتعزيز عملية الاصلاح وتكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة، . الوحدة الثانية: حقوق الإنسان: وتقدم مدخلاً أولياً لفهم الأسس الفلسفية والتاريخية لحقوق الإنسان، والتي توجتها الأسرة البشرية في أواسط القرن العشرين بصدور شرعة دولية لحقوق الإنسان، شملت الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الأول الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد أسست جهود الأمم المتحدة لاحقاً لصدور العديد من القرارات والمواثيق الدولية اللاحقة في ميدان حقوق الإنسان، والتي كرست مسألة احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. ومن أهمها الاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، حقوق المعاقين. الوحدة الثالثة: المواطنة: وتتناول المواطنة ودورها كركيزة لبناء المجتمع الحضاري الديمقراطي، وتطور حقوق المواطنة أو المواطنية. المحور الثالث: التربية المدنية. ويتناول مدخلاً أولياً حول التربية المدنية ومفاهيمها الأساسية، والاشكاليات التي تعترضها. وقد توخينا عرض المادة النظرية بشكل يسهل على المشاركين/ات في الدورة مسألة العودة للمراجع والمصادر، خاصة لمن يرغب في تطوير معارفه النظرية حول المجتمع المدني، وفي ميدان حقوق الانسان والديمقراطية، للاطلاع على تجارب عديدة للدول والتعرف على أوضاع حقوق الإنسان فيها، وأنظمة الحكم السائدة.  إن البداية الحقيقية والجادة للنضال من أجل تمتع الإنسان بحقوقه وحرياته الأساسية هو وعي هذه الحقوق، والتعرف عليها وفهمها بشكل أعمق. وهو ما لا يمكن أن يتم دون القيام بالعديد من نشاطات التدريب والتثقيف في ميدان التربية المدنية. إن امتلاك جزء من المعرفة عن حقوقنا يساعدنا في الانطلاق نحو تطوير هذه المعارف، نحو تعزيز مهارتنا وإكتساب مهارات جديدة، تعزز دورنا في المشاركة الواعية والفعالة في تطوير عملية التعليم والتعلم، وتستطيع أن تتقدم إلى الأمام. مقدمة حول المجتمع المدني يرجع الاهتمام بمقولة المجتمع المدني إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين، وترافقت مع التغيرات الكبرى المهولة التي رافقت تلك المرحلة. أبرز هذه المنعطفات تمثلت في التطور الخطير في العلوم والتقانة والتكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات. رافق ذلك العديد من التغيرات التي طرت على العلاقات الاقتصادية الدولية، لناحية تعاظم دور مؤسسات التمويل الدولية في اقتصاديات الدول، وفرض برامج إعادة التكيف الهيكلي وخصخصة قطاعات الدول الاقتصادية، والتي رافقها العديد من التغيرات السياسية كتطور دول الغرب الليبرالي وانتهاء سياسة الحرب الباردة، بسبب الانهيار السريع لما عرف بالاتحاد السوفيتي، أحد قطبي موازين القوى الدوليين والتي فرضت مع الولايات المتحدة الأمريكية شكل العلاقات الدولية، وذوبان ما عرف بمنظومة البلدان الاشتراكية. وتأثرت مجتمعات الغرب بتلك التغيرات السياسية والاقتصادية، وعانت من العديد من الهزات الاجتماعية التي أثرت على أوضاعها الاقتصادية والسياسية. كما تعرضت الشعارات التي طرحتها كل من الأنظمة الشمولية( الاشتراكية) والدول الديمقراطية الليبرالية إلى انتكاسة كبيرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حيث أصبح لم يتحقق لا شعار بلد الرفاه الاجتماعي في الغرب الرأسمالي ولا التوزيع العادل لوسائل الانتاج في البلدان الاشتراكية. وفي المقابل شكل الفساد المالي والاداري السمة الرئيسية لأنظمة الحكم في بلدان العالم النامي، الأمر الذي دمر كافة الأحلام والآمال في تكريس حلم المجتمعات في تحقيق الحرية والمساواة في الحقوق، وفي تحقيق العدالة في توزيع ثروات البلاد بين كافة فئات الشعب. وزاد الوضع خطورة على مستوى الأمن والسلم الدوليين، وبشكل أصبح يشكل تهديداً حقيقياً لكوكب الأرض الذي يعيش عليه البشر، خاصة مع ظهور الأخطار الكبرى الخاصة بالتصحر والجفاف وندرة مصادر المياه وحمى سباق التسلح، الذي أثر على نظافة البيئة وبات يهدد الكوكب الأرضي من التلوث البيئي الخطير وانتشار النفايات السمية وزيادة طبقة الأوزون.  وفي خضم تلك الأحداث المتلاحقة بدأت حركة نشطة للعديد من القوى والحركات الاجتماعية، وعلى المستوى الدولي، التجمع في محاولة لصد التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الدولية. وقابل ذلك ظهور ونشأة العديد من المنظمات غير الحكومية، كردة فعل على سياسات السيطرة والهيمنة على الصعيد الدولي. وكان هدفها خلق أطر اجتماعية جديدة تعمل بمعزل عن الهيئات والأجسام ذات الطابع الحكومي، وتمثل أشكالاً مختلفة من التنظيمات الاجتماعية المدنية التي تعتمد على تشريك قاعدة واسعة من الأفراد، وتلتقي من أجل الانتظام والفعل الانساني لتحقيق التنمية من منظور مستقل عن الدولة وما تمثله من مؤسسات رسمية. ويمكن القول أن تلك التنظيمات المجتمعية والحركات الاجتماعية المختلفة قد عملت ومنذ بداية تكوينها على العمل في المساحات التي خلفتها سياسات الانفتاح الاقتصادي والسوق الحر وبرامج الخصخصة. وكانت سمتها الأساسية الاعتماد على تنظيم أكبر عدد من الجماعات والأفراد للمشاركة في النشاطات التنموية المختلفة، كخدمات الصحة والتعليم والتنمية والطفل والمرأة والقانون، كما اعتبرها العديد بأنها أحد أدوات التغيير المجتمعية في مقابل التوجهات الدولية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وقد تعاظم دور هذه المنظمات خاصة باعتمادها على تقدير وتحليل الاحتياجات المجتمعية من قبل الأعضاء المنخرطين فيها، والذين يتمتعون بمهنية مرتفعة نسبياً، وخلوها من الأمراض الادارية المرافقة للأداء الحكومي. والسمة الأخرى التي تميزت بها تلك التشكيلات المدنية كانت اعتمادها العمل الطوعي لأفرادها، وباعتبارها منظمات لا تستهدف تحقيق الربح المادي، والاستقلالية في اتخاذ القرارات، والتي تعبر عن مصالح الأفراد المنضوين فيها، وهي بببساطة قد تكون أحد الأدوات الهامة لتحقيق عملية التحول الديمقراطي المجتمعي.  وقد أعيد طرح مفهوم المجتمع المدني حديثاً، من قبل منظريه وعلماء السياسة والاجتماع، لايجاد صيغة من التوازن بين الدولة الشمولية من ناحية والمجتمع بمكوناته الأخرى من ناحية ثانية، وذلك في محاولة لخلق حيز عام يكون بمنأى عن سيطرة الدولة بآلياتها المختلفة، وبعيداً عن ميكانيزمات السوق. كما أعيد هذا المفهوم لإعادة الاعتبار للديمقراطية المباشرة بعد أن أثبتت الديمقراطية النيابية فشلها، ونتج عنها اندثار العديد من الأحزاب السياسية.  عرف مفهوم المجتمع المدني كغيره من مفاهيم العلوم الإنسانية والاجتماعية تغيراً وتطوراً في معناه ودلالاته منذ ظهوره، حيث حدده توماس هوبنر بشكل لا يتميز فيه بينه وبين الدولة على النحو التالي : المجتمع المنظم سياسياً عن طريق الدولة القائمة على فكرة التعاقد. أما جون لوك فقد سجل تحديده للمجتمع المدني نزوعاً واضحاً لتمييزه عن الدولة دون أن يلغيها تماماً. أما الروابط التي تجمع بينهما فقد أشار إلى أن قيام التجمع المنظم سياسياً فمن إطار الدولة مهمته تنظيم عملية سن القانون الطبيعي الموجود دون الدولة وقوتها وفي القرن الثامن عشر اكتسبت فكرة المجتمع المدني معنى مغاير كونها تشير إلى موقعها البسيط بين مؤسسات السلطة وبقية المجتمع عندما اعتبره جان جاك روسو هو مجتمع صاحب السيادة باستطاعته صياغة إرادة عامة يتماهى فيها الحكام والمحكومين كما نجد نفس الاتجاه عند " مونتسكيو " الذي ربط فيها المجتمع المدني بالبنى الأرستقراطية الوسيطة المعترف فيها من قبل السلطة القائمة بين الحاكمين والمحكومين (3) .  وكذلك يرى الفيلسوف الألماني هيجل الذي أكد الموقع الوسيط للمجتمع المدني بين العائلة والدولة بحيث يفصل بينهما دون أن يغفل حقيقة التداخل الموجود في المجتمع المدني والمؤسستين المذكورتين.  ويقترب توكفيل بشكل أكثر وضوحاً من المعنى الحديث التداول اليوم، حيث يركز على أهمية المنظمات المدنية النشطة ودورها في إطار الدولة.  وارتبط مفهوم المجتمع المدني باسم أنطونيو جرامشي المفكر الإيطالي الذي حاول تجاوز التحديد الماركسي كونه يعتبر المجتمع المدني مجتمعاً برجوازياً بالأساس. وقد اعتبره جرامشي مجال تحقيق الهيمنة في ظل سيادة الرأسمالية بمعنى فرض النفوذ الثقافي والرأسمالي والأيديولوجي للبرجوازية بينما تكون الدول مجال تحقيق السيطرة.  المجتمع المدني في العالم العربي يتعرض مفهوم التجمع المدني في العالم العربي إلى مجموعة من الانتقادات التي تشك في أصالة هذا المفهوم عربياً ومدى صلاحيته أو جدواه لدراسة الواقع العربي وآفاق تحوله الديمقراطي وتشير هذه الانتقادات إلى أن المثقفين العرب تعاملوا مع هذا المفهوم بتصرف وأنهم قاموا بتطويعه وأسقطوا عليه أيديولوجيات سياسية عربية متضاربة وعلى هذه الأرضية تثار الشكوك أيضاً حول إمكانية استخدام مفهوم التجمع المدني كمدخل لاستشراف التحول الديمقراطي في العالم العربي وتبرز في هذا السياق الدعوة للبحث عن مدخل آخر " لا يستلزم تغييراً جوهرياً مسبقاً في التركيب الاجتماعي والثقافة السياسية السائدة " لتحقيق نمط ديمقراطي لا يقوم المشاركة السياسية الواسعة بل على التنافس النخبوي.2  ويرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري : " أن المجتمع المدني هو المجتمع الذي تنتظم فيه العلاقات بين أفراده على أساس الديمقراطية، والمجتمع المدني يمارس فيه الحكم على أساس أغلبية سياسية حزبية وتحترم فيه حقوق المواطن السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في حدها الأدنى على الأقل".  ويعرفه د.جورج جقمان بأنه: " التجمع المدني يشكل ذلك الحيز التجمعي الذي يعمل فيه الفرد كفاعل اجتماعي من خلال تنظيمات التجمع بانفصال نسبي عن الدولة وبالتالي بينما تقع النقابات والجمعيات والأحزاب فنحن نطاق هذا الحيز يشكل البرلمان والقضاء المستقل عنصرين من عناصر الدولة الديمقراطية وشرطين ضرورين لوجود مجتمع مدني ولمنع إقصائه من قبل الدولة أو هيمنة الدولة عليه أي أنهما من عناصر التجمع المدني وإنما من مقومات وجوده وشروط ديمومته". 1  في الحالة الفلسطينية تميز مفهوم المجتمع المدني بسمة خاصة، اختلف فيها عن محيطه الاقليمي العربي، وهي خضوعه لاحتلال عسكري استيطاني، وغياب للدولة الوطنية صاحبة السيادة. كما ترافق ذلك مع حالة غير مسبوقة من التشرد الجماعي واللجوء والتشتت للشعب الفلسطيني في العديد من الدول العربية المجاورة، والتي نشأت عن ما عرف في التاريخ الفلسطيني بنكبة ونكسة فلسطين في الأعوام 1948 و1967 على التوالي. وتختلف وجهات النظر حول تكوينات المجتمع المدني الفلسطيني، فمنهم من يعتبر الأحزاب السياسية الفلسطينية كأحد مكوناته، ومنهم يعتبرها خارج مكوناته. وعلى الرغم من الدور التاريخي الذي لعبته ولا تزال تلك الأحزاب في ميدان النضال الوطني لتكريس قيم الانتماء للوطن والدفاع عن القضية الفلسطينية، إلا أن بعض منظري المجتمع المدني يعتبرونها خارج تكوينات المجتمع المدني، وذلك لأن مبرر وجودها وعملها وبرامجها تهدف في المحصلة النهائية إلى الوصول إلى السلطة.  ولا يختلف أحد على أن المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية، والتي يطلق عليها المنظمات غير الحكومية أحياناً، تشكل أحد المكونات الرئيسية للمجتمع المدني الفلسطيني.  المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية الفلسطينية تعود نشأة المنظمات الأهلية الفلسطينية والجمعيات الخيرية إلى أوائل القرن العشرين، حيث نشأت الجمعيات الخيرية والارثية في العهد العثماني، وظلت تعتمد على قانون عرف باسم قانون الجمعيات العثماني، والذي كان يهتم بتنظيم العلاقة بين هذه الجمعيات والسلطة السياسية. ويمكن القول أن القانون المشار إليه قد شكل حالة من فرض السيطرة على الحراك الاجتماعي والسياسي، وسعي المجتمع الفلسطيني لتنظيم نفسه في تلك المرحلة. وكان يهدف بشكل أساسي إلى احتواء السلطات العثمانية لأية جمعيات وتنظيمات مدنية تظهر، في محاولة منها للحفاظ على حالة الاستقرار في الأقاليم التي تتبعها. غير أنه وفي أعقاب احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، ومع ظهور منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها مؤسسة أعادت الاعتبار للعمل الوطني الفلسطيني المقاوم من أجل التحرر الوطني من الاحتلال الاسرائيلي. وقد عملت العديد من القوى والتنظيمات الفلسطينية، ذات التوجهات اليسارية خاصة، على خلق تنظيمات مدنية مجتمعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أبرز تجلياتها كان تأسيس الأطر النقابية والاتحادات الشعبية والمهنية والثقافية. وقد بنيت قاعدة هذه التنظيمات على أساس طوعي، وبدأت تعمل وتنشط كفعل مقاوم، شكل وقتها رديفاً للعمل المسلح. ويمكن القول هنا أن ما قامت به التنظيمات السياسية قد شكل نوعاً من التحد الجديد لسلطات الاحتلال العسكري الاسرائيلي، خاصة عندما بدأ يدور محور نشاط وعمل تلك المنظمات على الفعل الابداعي المقاوم لسياسات الاحتلال، خاصة في ميدان مصادرة وتهويد الأراضي الفلسطينية، وتنفيذ نشاطات تنموية لتطوير القطاع الزراعي والتنموي. ويصف العديد من الباحثين ما شكلته المنظمات الأهلية في تلك المرحلة بأنه أصبح يشكل محور عمل تكميلي وتنسيقي للدور الذي لعبته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.  وقد شهدت فترة الثمانينات، في نهاية القرن العشرين، تطوراً كمياً ونوعياً في عمل ونشاط المنظمات الأهلية الفلسطينية، وتميزت عن الأطر التقليدية الفلسطينية، أطر منظمة التحرير الفلسطينية واتحاداتها الشعبية والمهنية، من حيث ارتفاع الحرفية والمهنية، والانخراط في تقديم الخدمات التنموية المختلفة، غياب نسبي للبيروقراطية في حياتها الادارية والعملية، مقارنة مع المؤسسات الحكومية. ولم يقتصر دورها على الدور الاغاثي بل تعداه ليرتقي إلى دور تنموي بأفق وبعد سياسي فلسطينين سرعان ما تراجع للوراء بعد أن أصبحت تلك المنظمات تتجه نحو تمويل نشاطاتها وبرامجها بالاعتماد على التمويل الخارجي، والذي اضطرها للخضوع في أحيان كثيرة إلى الاشتراطات المتعددة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي أعقاب توقيع اتفاقية إعلان المباديء، في أيلول/سبتمبر من العام 1993، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، نشأ واقع جديد تمثل في وجود سلطة فلسطينية بمؤسساتها المختلفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما عكس نفسه على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني. ورغم محدودية الصلاحيات التي منحت للسلطة الفلسطينية، بموجب إتفاقيات التسوية السلمية الموقعة مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي، إلا أن تلك المرحلة قد شهدت تفريخ المئات من الجمعيات والهيئات الأهلية الفلسطينية، والتي باتت مرجعياتها القانونية مختلفة، بحكم الارث القانوني المتعدد في كل من الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة.  مدخل إلى مفهوم الديمقراطية " لا جدال في أن شعار الديمقراطية هو أكثر الشعارات الرائجة اليوم في ساحة المطالب الشعبية في الوطن العربي، إنها المطلب الذي يحظى اليوم بالاجماع في الأقطار العربية كافة. فالكل يطالب بها وينادي بضرورتها، وحتى أولئك الذين لا يتحمسون للمطالبة بها أو لا ينتظرون خيراً من نتاجها تراهم يساهمون في الاشادة بها أو على الأقل يسكتون ويحجمون عن إبداء رأي مخالف. وإذا أنت سألت عما يقصده الرأي العام العربي بالديمقراطية اليوم جاء الجواب على صورة قائمة من المطالب السياسية، على رأسها حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الانتماء السياسي وحرية تشكيل الأحزاب وحرية الانتخاب الخ..."[1]  يلخص المفكر المغربي محمد عابد الجابري الديمقراطية على المستوى العربي بمجموعة من المطالب السياسية الملحة، وفي مقدمتها الحق في التمتع بمجموعة هامة من الحقوق المدنية والسياسية. وربما يرجع ذلك إلى الأعوام المليئة بحالة الانتهاكات الصارخة في حياة الإنسان العربي، ومصادرة حقوقه التي يمكن أن تحافظ على كرامته وتصون حريته، وتؤهله بالتالي إلى المشاركة في الحياة العامة لمجتمعه، وتعزز دوره في عملية بناء مجتمعه الديمقراطي، وتحقيق التنمية واستفادته وتمتعه بفوائدها.  تعتبر كلمة الديمقراطية جزءً من التراث الفكري الإنساني، وهي مصطلح هدف ولا زال إلى تعزيز مشاركة الناس جميعاً في إدارة حياتهم، وصنع القرارات التي تعكس رغبتهم. غير أن ذلك لا يمكن أن يغفل الدور التاريخي الذي لعبته الحضارة الإغريقية وفلاسفتها في وضع الأسس التي قامت عليها الديمقراطية.  ولا تعتبر الديمقراطية عقيدة أو أيديولوجيا، بل هي ببساطة آلية لاتخاذ القرار الجماعي. ولا توصف الديمقراطية بأنها الصواب، حيث لا يمكن اعتبار القرار المتخذ ديمقراطياً في يوم ما بأنه القرار الصائب. بل يوصف هذا القرار بالديمقراطي لأنه ببساطة حظي بقبول الغالبية لحظة إتخاذه. وربما يتخذ قراراً مختلفاً ومغايراً بعد فترة من الزمن عن ذلك الذي اتخذ بالأمس، وهو ما يكرس فكرة أن المعرفة نسبية، وأن ما هو مقبول في يومنا ربما يصبح غير مقبول لدى جيل قادم.  وتشكل الديمقراطية نمطاً من أنماط اتخاذ القرار الجماعي في سياق الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث تعتبر أحد الآليات التي تحظى اليوم بالقبول الكبير على صعيد تبنى وتطبيق العناصر المكونة لها. وفي المقابل فإن الديمقراطية تشكل آلية لاتخاذ القرار السياسي، أو شكلاً واسع النطاق على صعيد اعتماده، في العديد من البلدان، وخاصة بلدان الغرب الرأسمالي. وقد أصبحت الديمقراطية اليوم أحد توصيفات النظام السياسي للدول، حيث تحظى بالقبول على الصعيد الدولي، وذلك بمدى التزامها بتكريس الديمقراطية وقيمها، ولو شكلاً. وقد ارتبطت الديمقراطية، منذ أواخر القرن الماضي، بمسألة التنمية وحقوق الإنسان، ومثلت أحد المتطلبات على الصعيد الدولي، وأعمال منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة.  وخلاصة الأمر أن الديمقراطية هي نتاج حضارة إنسانية بدأت بالحضارة الاغريقية التي أسست للعلاقة في إطار المجتمع السياسي وتقسيماته( الحاكم والمحكوم)، تقوم بموجبه فئة الحكام بالسيطرة على الشأن العام وتصبح صاحبة القرار فيه، وفئة أخرى يتطلب منها الالتزام بما اتخذ من قرارات وسياسات. وقد مرت الديمقراطية بتطورات مختلفة بدءً بما بات يعرف بحكم الشعب بالشعب وللشعب، وصولاً إلى التطور الذي عرفته الديمقراطية في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وانتهاءً بما بات يعرف بالديمقراطية الليبرالية، التي نشأت في أعقاب سقوط الفاشية والنازية في أوروبا. ويمكن القول أن جوهر الديمقراطية يتمثل في أنها: حكم الشعب بواسطة الشعب. حكم غالبية الشعب من أجل الشعب. حكم نواب غالبية الشعب من أجل صالح الشعب. تتم على أساس قيام انتخابات دورية حرة ونزيهة. يتساوى فيها الصوت الانتخابي. يتوفر فيها حرية تكوين الأحزاب والانضمام إليها. تجسد عملية الفصل بين السلطات. احترام الحقوق والحريات الأساسية. تقوم على احترام مبدأ سيادة القانون. تتوفر فيها حرية التعبير عن الرأي. تقوم على الحث والاقناع والتسامح. تضمن احترام حقوق الأقلية. حقوق الإنسان الأسس الفلسفية والتطور التاريخي لمفاهيم حقوق الإنسان " يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء".( المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).  تشكل الكرامة الإنسانية المتأصلة في الإنسان، أحد أهم الحقوق الإنسانية التي أجمع عليها التراث الحضاري الإنساني والأديان السماوية. وترتبط الكرامة الإنسانية بالإنسان، منذ مولده، بخلاف سائر الكائنات الحية الأخرى. وعليه فإن الحرية والمساواة في التمتع بالحقوق بين كافة أبناء البشر كان الهم الأول للبشرية من أجل خلق عالم يسوده التفاهم والتسامح والعدل والمساواة. إن ذلك يرجعنا إلى تناول وتأصيل جذور حقوق الإنسان في التاريخ الإنساني القديم والمعاصر.  الحضارة اليونانية: أي إلى الحضارة الإغريقية، التي نظر فلاسفتها الأوائل إلى فكرة القانون الطبيعي، والذين اعتقدوا بوجود قوة عليا قامت بتنظيم الكون ووضعت له نظاماً عاماً ثابتاً لإدارته. وقد رأي بعض هؤلاء الفلاسفة أن أهم سمات القانون الطبيعي أنه لا يميز أو يفرق بين المواطن أو الأجنبي ولا بين العبد( الرقيق ) أو الحر( السيد). غير أن كبار الفلاسفة اليونانيين كأفلاطون وسقراط وأرسطو قاموا بالتمييز بين القانون الطبيعي والقوانين الوضعية التي أقرتها الجماعات الإنسانية لمجتمعاتها، فعلى سبيل المثال ميز أرسطو في كتابه السياسة بين الأثينيين وبين الغرباء من حيث المساواة أمام القانون وممارستهم لحقوقهم السياسية والوظيفية. وقد كرس كبار فلاسفة اليونان عملية التمييز بين أهل اليونان الذين ادعوا بأن الله خلقهم وميزهم بالعقل والإرادة، وبين الغرباء أو ما يسمونه البرابرة الذين يمتلكون القوة العضلية وخلقوا ليكونوا عبيداً يخدمون أسيادهم اليونانيين( الصفوة). إن مرحلة الرق التي كانت سمة أساسية للحياة الإغريقية، حيث عززت مسألة الملكية الفردية والملكية الجماعية للرقيق.  ورغم ذلك فقد شهدت تلك الحضارة مدارس فلسفية أخرى، عارضت عملية التمييز التي كرسها أفلاطون وأرسطو وسقراط، وها هم منظري المدرسة الكلبية ينددون بالرق وعدم المساواة، ويدعون إلى العودة للطبيعة والزهد في الحياة، ما يقلل نزعة الإنسان نحو الاستبداد والظلم والتسلط، وهو ما يعزز المساواة بين سائر الناس. وشكل زيدون أحد مؤسسي المدرسة الفلسفية الرواقية الأساس الذي يدعو لرفض التفرقة والتمييز بين البشر( فكرة القانون الطبيعي)، ودعا إلى المواطنة التي لا تميز بين المواطن وبين الأجنبي. ورأت المدرسة الرواقية أن البشر جميعاً أخوة لا يفرق بينهم بين سيد ورقيق، وأن قانوناً وطبيعة واحدة تجمع سائر الناس بغض النظر عن اختلاف لغتها أو أصلها القومي أو دينها. كما استندت هذه المدرسة إلى أن الإنسان ولد حراً وفقاً لقانون الطبيعة العادل، وبالتالي فإن الرواقيون انتقدوا كل القوانين الوضعية التي خالفت ذلك، بل وذهبوا إلى مهاجمتها واعتبارها غير عادلة وظالمة.  الحضارة الرومانية: سادت مرحلة الرق في الحضارة الرومانية، وتكرست أشكال من التفرقة والتمييز بين المواطنين الرومان والأجانب. غير أن العديد من الحركات التي عبرت عن تأثرها بالفلسفة الرواقية دعت إلى تحرير العبيد ودعم حقوق الإنسان وحريته. وكان أحد النبلاء الرومان، ويدعي جراكوس، أول الرومان الذي دافع عن العبيد والرقيق من الفقراء والفلاحين المحرومين من ملكية الأرض، ودعا إلى تحريرهم ومنحهم حقوقهم. ثم جاء الخطيب الروماني الشهير شيشرون ليدافع عن فكرة القانون الطبيعي، والمساواة بين البشر إيماناً منه بأن الناس جميعاً مواطنون. ونصت مجموعة القوانين التي وضعها الامبراطور الروماني غوستنيان على الدفاع عن العبيد والرقيق الذين يعملون في بيوت أصحابهم.  وقد تراجعت حقوق الإنسان تراجعاً ملحوظاً في فترة العصور الوسطى، خاصة مع سيطرة الفلسفة اليونانية والرومانية التي رسخت الرق والعبودية. وكان لنشأة الدولة وتكريس مبدأ سيادتها مبرراً لزيادة انتهاكات حقوق الإنسان ومنع تدخل الدول الأخرى بحجة أنه يقوض مبدأ سيادة الدولة ويعتبر تدخلاً في الشوؤن الداخلية لها.  إن صدور وثيقة الماغنا كارتا في العام 1215 في بريطانيا كان أحد أهم الانجازات التي حققتها البشرية فيما يتعلق بالإقرار والاعتراف بحقوق الأفراد. إن صدور هذه الوثيقة جاء بعد نضالات طويلة خاضتها البشرية ضد الظلم والاستغلال الطغيان من أجل الاعتراف بحقوقها. وقد تمكن أمراء الاقطاع في انجلترا أن يفرضوا على ملكها الاعتراف بالعديد من حقوق الأفراد كالحق في التملك والأمن والتنقل والتقاضي أمام محكمة عادلة وعدم جواز الاعتقال التعسفي. كما أقرت الوثيقة عدم جواز سن ضرائب على الأفراد إلا بعد موافقة المجلس العام للملكة.  علاقة الحقوق ببعضها تشكل حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية وحدة واحدة مترابطة لا تقبل التجزئة أو الانتقاص أو المفاضلة. وهي بذلك حقوق متساوية، بل إنها تشترط بعضها البعض. كما تتميز هذه الحقوق بأنها عالمية، حيث أنها تعني الإنسان أينما كان على وجه الكرة الأرضية. إن العلاقة التي تربط مجموعة الحقوق المدنية والسياسية مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تكرس أيضاً فكرة عدم إعطاء أولوية لإحداها على الأخرى، فهي متساوية، وتقوم على أساس تمتع كافة الأشخاص بها دون أي نوع من أنواع التمييز.  إن مبدأ عالمية حقوق الإنسان ووحدتها وعدم قابليتها للتجزئة أو النقصان قد تم تأكيده في معظم أعمال الأسرة الدولية وأجهزتها المختلفة، خاصة مع صدور الإعلانات والمواثيق الدولية وعشرات القرارات التي صدرت عن مؤتمرات الأمم المتحدة ولجانها المتخصصة.  ومن بين تلك الإعلانات، إعلان طهران الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في 13 أيار 1968 الذي أكد على انه: “ نظرا لكون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية غير قابلة للتجزئة، يستحيل التطبيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية من غير التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فإنجاز تقدم ملموس في ميدان وضع حقوق الإنسان ووضع العمل الفعلي مرهون بسياسات وطنية ودولية سليمة وفعالة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.”[2]  وفي العام 1977 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 32/130 والذي أكد ما جاء في إعلان طهران بصورة اكثر دقة وتحديدا. ويعتبر هذا القرار على غاية من الأهمية لكونه يشكل، من جهة، اعترافا هاما بوحدة حقوق الإنسان، وعدم جواز تجزئتها، ومن جهة أخرى، فقد أعطى القرار اهتماما اكثر من السابق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مؤكدا على مساواتها للحقوق المدنية والسياسية، حيث جاء فيه :  “ (ا)- كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية غير قابلة للتجزئة ومترابطة، لذا فان اهتماما متساويا ومعالجة ملحة يجب أن تعطى لتطبيق، تعزيز وحماية كلا من الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية،  (ب)- إن التحقيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية مستحيل بدون التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وان الوصول إلى تقدم ثابت في تطبيق حقوق الإنسان يعتمد على السياسات المحلية والدولية المعلنة والفعالة للتنمية الاقتصادية الاجتماعية (ج)- إن كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية للإنسان وللناس غير قابلة للتجزئة.”  وقد تلى تبني هذا القرار العديد من القرارات والإعلانات المختلفة التى أكدت تلك الحقيقة، ففي العام 1986 تبنت الجمعية للأمم المتحدة “إعلان الحق في التنمية” والذي جاء في المادة 6(2) منه :  “ إن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وينبغي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال تعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة.”[3]  وتبقى الإشارة هنا إلى احدث وثيقة أكدت على تلك الحقيقة وهي إعلان فينا الصادر عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في 14-25 حزيران 1993، حيث أكد بدوره في القسم الأول الفقرة الخامسة على أن: “ كل حقوق الإنسان عالمية، وغير قابلة للتجزئة ومتلاحمة ومترابطة. وأن المجتمع الدولي يجب أن يعامل حقوق الإنسان عالميا، بطريقة متساوية ومنصفة، على قدم المساواة وبنفس التأكيد.”[4]  ورغم أن الحقوق سواءً الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو المدنية والسياسية هي حقوق أساسية ومترابطة، إلا إن مجموعة الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية تتميز بميزات مشتركة تختلف بطبيعتها عن الحقوق المدنية والسياسية. وبالتالي يختلف شكل الإلزام القانوني المترتب عن ذلك، إلا إن ذلك لا يضع تلك المجموعة من الحقوق في مرتبة متدنية أو اعتبارها ليست حقوقا، وهذا الاختلاف في طبيعة كلا المجموعتين من الحقوق هو الذي دفع المكلفين بصياغة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان لإفراد وثيقتين منفصلتين إحداهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والأخرى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.[5] فالجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها تبني عهدين منفصلين “قد فعلت ذلك أساسا بسبب اختلاف طبيعة إجراءات التطبيق والتي ستكون عموما مرتبطة بهما وليس بما يوحي بالتجزئة والأفضلية بين الحقوق.“[6]  الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الأسباب التي أدت إلى إقرار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان:  حاجة جميع أعضاء الأسرة البشرية لإقرار الحقوق الثابتة والمتساوية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة . كفالة تحقيق العدل والسلام في العالم . تعزيز مبدأ أن يكون البشر أحراراً بإعتباره الوسيلة الكفيلة بتهيئة الظروف التي تمكن كل فرد من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوقه المدنية والسياسية . الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي اندلعت في أعقاب الحرببين العالميتين الأولى والثانية ( إنتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد ) . الاستقلال السياسي للعديد من البلدان في العالم . تتألف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من: 1. الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. 2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 3. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أولاً: الاعلان العالمي لحقوق الإنسان: وقد صدر في العاشر من كانون أول/ديسمبر عام 1948، ويحتوي على ديباجة( مقدمة) وثلاثين مادة. ويمكن تقسيم محتواه كما يلي: أ‌- الديباجة. ب‌- أحكام عامة( م1، م2 ). ج- الحقوق المدنية والسياسية( م3 وحتى م 21). د- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( م22 وحتى م28 ). هـ- أحكام ختامية( م29، م30 ). ويمثل الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة المرجعية والفلسفية لكافة مواثيق حقوق الإنسان اللاحقة. ورغم كونه إعلاناً، أي أن طبيعة الالتزام القانوني الناشيء عنه هي إلتزام أدبي وأخلاقي تجاه مجموعة الحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أنه حظي بهذه الصفة كونه أول وثيقة تاريخية على المستوى الدولي تحظى بالقبول بين الدول، وتمثل إجماعاً عالمياً على الحد الأدنى من الحقوق التي ينبغي تمتع الأفراد بها. وقد تطورت القيمة القانونية للاعلان العالمي لحقوق الإنسان بحيث اصبح جزءً من القانون الدولي العرفي، وأخذت العديد من الدول بتضمين مجموعة الحقوق والحريات الواردة فيه في دساتيرها الوطنية. وقد جمع الاعلان العالمي مجموعتي الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وشكل أساساً للتطور اللاحق في عمل الأسرة الدولية على صعيد لإقرار المواثيق الدولية التي أقرت بعده.  ثانياً: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: وقد اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200(ألف) بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 1966. ودخل حيز التنفيذ في 23 آذار/ مارس 1976، وذلك بعد ثلاثة أشهر من تاريخ صك الانضمام أو التصديق الخامس والثلاثين لدى الأمين العام للأمم المتحدة وفقاً لما تنص عليه المادة 49 من العهد. الحقوق المدنية: هي مجموعة الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان كونه إنساناً، والتي تلتصق بطبيعته كإنسان، بغض النظر عن كونه مواطناً في الدولة المعنية بحماية تلك الحقوق أو مقيماً، وتظل هذه الحقوق موجودة وإن لم يتم الإعتراف بها أو تم إنتهاكها من قبل سلطة ما . الحقوق السياسية هي مجموعة الحقوق التي يكتسبها الإنسان باعتباره فرداً من أفراد المجتمع، وبحيث يكون له حق المشاركة في سير الحياة العامة، والحق في الحصول على الخدمة العامة، والمشاركة بموجب تلك الحقوق في حماية الحياة السياسية للمجتمع، وهناك حقوق سياسية للشعوب كالحق في تقرير المصير والحق في السيادة.  يطلق على الحقوق، الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الجيل الأول من الحقوق. ويتكون العهد من ديباجة( مقدمة ) و53 مادة، ويشمل الحقوق الفردية التي يقع على الدولة ضمان تمتع الفرد بها بصفته فرداً. كما أن الالتزام الناشيء على الدولة يقضي بأن تقوم بتطبيقها فورياً دون أي تذرع بأي أسباب، أو التحجج بظروف ما لتأجيلها أو التدرج في إعمالها. إن الهدف من إعمال هذه الحقوق ينبع أصلاً من الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم ومن الحقوق المتساوية والثابتة، باعتبارهما الأساس للحرية والعدل والسلام في العالم. ولا تحتاج الحقوق الواردة في العهد أن تقوم الدولة بانفاق موارد مادية للوفاء بها، أي أنها حقوق سلبية، وغير مكلفة من الناحية المادية، وكل ما تحتاجه الدولة للوفاء بهذه الحقوق أن لا تقوم بانتهاكها، وأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية كل ما هو ضروري من تدابير تشريعية أو غير تشريعية لاحترامها وضمان تمتع أفراد الدولة الموجودين في إقليمها أو تحت وصايتها بهذه الحقوق دون أي نوع من التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب( م2 ). وأهم الحقوق الواردة في العهد هي:  الحقوق الجماعية: ويركز على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وحريتها في تقرير مركزها السياسي والسعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحقها في التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية، وعدم جواز حرمان شعب من أسباب عيشه الخاصة. وتشترك المادة الأولى من العهد مع المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( حق تقرير المصير). الحقوق الفردية: وتشمل الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي، الحق في المساواة بين الرجال والنساء وعدم التمييز في التمتع بالحقوق المعترف بها في العهد، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة، الحق في عدم استرقاق أحد وحظر الرقيق والاتجار به وحظر العبودية وإكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي، والحق في عدم جواز الاعتقال التعسفي، والحق في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته داخل بلده وحرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والحق في حماية الخصوصية الشخصية، والحق في الملكية.  الحقوق الفكرية: وتشمل الحق في حرية التعبير عن الرأي، والحق في حرية الفكر والوجدان والعقيدة. حقوق الضمانات القضائية: وتشمل حق كل إنسان في أن تعترف له بالشخصية القانونية، والمساواة أمام القضاء وحق كل فرد عند الفصل في أية تهمة جزائية ضده أو في حقوقه أو إلتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون، وحق كل فرد متهم بجريمة أن يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته، وحقه في إعلامه على وجه السرعة والتفصيل بالتهمة المنسوبة إليه وأسبابها، وبلغة يفهمها، وأن يعطى الوقت الكافي لإعداد دفاعه والاتصال بمحام يختاره بمحض إرادته للدفاع عنه، وأن يحاكم دون تأخير غير مبرر، وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن تزوده المحكمة حكماً بمحام يدافع عنه دون أجر إذا كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، وحقه في مناقشة شهود العيان بنفسه أو من قبل غيره، وأن يزود بمترجم إذا كان لا يفهم لغة المحكمة، وحقه في ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب.  حقوق الأسرة: وتشمل حق تكوين الأسرة باعتبارها الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، وحق كل من الرجل والمرأة في الزواج المبني على الرضاء الكامل والحر للطرفين دون أي إكراه ضد أحدهما، والمساواة في حقوق الزوجين وواجباتهما خلال قيام الزواج ولدى انحلاله، وكفالة تدابير فعالة لحماية الأولاد في حالة وجودهم عند إنحلال الزواج، وحق الطفل القاصر في الحماية من قبل أسرته والمجتمع والدولة، وحق الأسرة في الحماية من التعرض التعسفي لخصوصياتها أو سمعتها أو شرفها. الحقوق السياسية: وتشمل حق كل فرد في المشاركة في إدارة الشؤون العامة في بلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون بحرية، وأن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة وتجري دورياً بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري تضمن التعبير عن إرادة الناخبين. وأن تتاح لكل شخص، وعلى قدم المساواة مع الآخرين، فرصة تولي المناصب العامة في بلده. وحق كل شخص في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين، بما في ذلك حق تأسيس النقابات والانضمام إليها لحماية مصالحه، والحق في التجمع السلمي. ثالثاً: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: يعتبر العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية الوثيقة الأساسية على المستوى العالمي التي خصصت للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية حيث تضمن العديد من الحقوق الواجب على الدول الأطراف السعي نحو تحقيقها وضمان تمتع الأفراد بها. وتكمن أهمية العهد الدولي بالمقارنة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في احتوائه على قائمة أطول واشمل واكثر تحديدا بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، بل وحدد للدولة الخطوات الواجب اتباعها لاحقاق تلك الحقوق، ومن جهة ثانية فان العهد الدولي هو اتفاقية دولية تعاقدية، وهي بصفتها تلك، فان أحكامها ملزمة قانونيا على الدول الأطراف المتعاقدة باحترام تلك الحقوق والسعي نحو تحقيقها.[7]  الحقوق التي يحميها العهد الدولي هي: حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها( المادة الأولى). الحق في العمل (المادة السادسة). الحق في التمتع بشروط عمل عادلة أساسها الأجور المنصفة، والإجازات المدفوعة والمكافأة المتساوية للعمل المتساوي دونما تمييز (المادة السابعة). الحق في تكوين النقابات والانضمام إليها، وكذلك الحق في الإضراب (المادة الثامنة). الحق في الضمان الاجتماعي (المادة التاسعة). الحق في حماية الأسرة بما في ذلك المساعدة الخاصة للأمهات والأطفال (المادة العاشرة) الحق في مستوى معيشي ملائم ويشمل ذلك الغذاء، الملبس، والمسكن الملائم والتحسين المستمر للظروف المعيشية(المادة الحادية عشرة). الحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة الجسدية والعقلية (المادة الثانية عشرة). الحق في التعليم، بحيث يكون التعليم الابتدائي مجاني والزامي للجميع وان يكون التعليم الثانوي والعالي متاحا للجميع (المادة الثالثة عشرة والمادة الرابعة عشر) الحق في المشاركة الثقافية والتمتع بفوائد البحث العلمي (المادة الخامسة عشر). حقوق المواطنة تعتبر المواطنة، أو المواطنية، كما يسميها البعض، الركيزة الأساسية التي يبنى على أساسها المجتمع الديمقراطي. وهي بدون شك التي تؤسس للبناء الحضاري للمجتمعات والدول على أسس ديمقراطية، تكرس احترام الحقوق والحريات الأساسية، وتدعم بناء الدول على أساس الفصل بين السلطات، والاقرار بتداول السلطة والتعددية السياسية، واحترام الحق في حرية التعبير عن الرأي. وقد تطورت المواطنة في سياق الحضارة الانسانية، بدءً من دولة المواطنة التي شهدتها مدينة أثينا اليونانية، ومرت إلى مواطنة روما، إلى ما يعرف بحقوق المواطنة الفرنسية، وانتهاءً بيومنا هذا الذي بات يخشى فيه على حقوق المواطنة في أهم بلدان الديمقراطيات الغربية على الاطلاق. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو ما هي الآفاق المتاحة لبناء المواطنة في المجتمعات العربية، وفي ظل خصوصية الواقع التاريخي العربي والاسلامي وتطوره، وهل بإمكاننا في ظل المأزق الذي تعاني منه المجتمعات العربية، من زاوية الفشل الذريع على الصعيدين العربي والاسلامي لبناء المواطنة، أن نفرض قدرة المجتمعات العربية على إعادة بناء حقوق المواطنة، وفقاً للمنظور الذي يكرس احترام الانسان وحرياته الأساسية، ويدفع به إلى المشاركة الفعالة في بناء التنمية، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.  ومن المعروف أن المواطنة، وفقاً لما كان في أثينا أو روما، تختلف عن المواطنة بمفهومها المعاصر، وهي لم تكن ديمقراطية بالمعنى الذي تقدم فيه الديمقراطية في عصرنا الراهن. ويمكن القول أن شكل المواطنة التاريخي للأثينيين والرومانيين قد وضع الأساس لأشكال المشاركة وتقسيم المجتمعات على أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو صاحب الحق في إصدار القرارات والسياسات، وصاحب الواجب بالالتزام والخضوع لتلك القرارات والسياسات ذات العلاقة بالشأن العام العام والدولة. لقد أسست الحضارة الأثينية، ومن بعدها الرومانية، ما يمكن أن نسميه بدور الانسان، الذي عاش وحيا في قلب التجمعات المدنية، كمدينتي أثينا وروما، والنظرة إليه باعتباره كائن إنساني له مجموعة من الحقوق، خاصة الحقوق السياسية، والمشاركة في اتخاذ القرار الخاص بالشأن العام. وبديهي أن كلى النموذجين قد احتويا اختلافاً من حيث مضمون حقوق المواطنة، غير أنهما قد تركا أثراً كبيراً على تطور المواطنة المعاصرة. ويمكن تلمس ذلك في بيان الثورة الفرنسية الشهير حول حقوق الانسان والمواطن، وما رافقها من لاحقاً من نشأة الدولة القومية في أوروبا.  مفهوم المواطنة : ارتبط تطور مفهوم المواطنة بتطور المجتمعات الإتسانية، ونزعتها تجاه العيش قي جماعات، تعيش في مدن وتجمعات سكانية مختلفة. غير أن التطور الرئيسي الذي برز على مفهوم لمواطنة قد بدأ فعلاً مع نشأة الدولة ذات السيادة، التي كرست حالة من النظام العام وشكلاً من أشكال الحكم، يقوم على أساس الاقرار من قبل الدولة( السلطة) وأفرادها ( المواطنين) بحقوق المواطنة. وقد رافق ذلك التطور حاجة حقيقية إلى إعادة تنظيم شكل العلاقة بين الدولة( السلطة) وأفراد المجتمع، وهو ما عرف بالمواطنة. فمن ناحية أصبح المواطن في الدولة، والذي يولد فيها يتمتع بجملة من الحقوق، يقع على الدولة الوفاء بها، ومن ضمنها الحفاظ على حقهم في الأمن والسلامة الحياة اللائقة. وفي مقابل ذلك يقع على عاتق كل شخص( مواطن) في هذه الدولة واجبات نحو دولته يجب عليه الوفاء بها كاحترام السلطة والقانون والنظام العام ودفع الضرائب.  لقد أصبحت المواطنة تعبيراً عما يمكن أن نسميه الصلة القانونية أو العلاقة بين الأفراد والدولة التي يولد ويقيم فيها بشكل دائم، والتي تحدد حقوق الفرد( المواطن ) في دولته وواجباته تجاهها. والمواطنة، وفقاً لذلك، تحدد الوضع القانوني للمواطن ( الفرد ) في الدولة التي ينتمي إليها، يتحدد بموجبها مجموعة من الحقوق تلتزم الدولة بالوفاء بها، ومقابل ذلك تقع عليه واجبات تجاه الدولة يجب عليه احترامها والالتزام بها. وقد أسست تلك العلاقة بين المواطن ( الفرد) والسلطة (الدولة ) لما يمكن أن نطلق عليها العلاقة التبادلية، أو المنفعية، بين طرفيها، والتي نشأت في هذا السياق التاريخي، علاقة تعرف اليوم بالحقوق والواجبات.  وعليه فإن الحديث هنا يدور طرفي العلاقة، فمن جهة يمثل المواطن، الذي يعرف بأنه الفرد أو الشخص الكامل في الدولة أحد أطراف هذه العلاقة، وتمثل السلطة ( الدولة ) الطرف الثاني فيها. فيما تمثل المواطنة الوضع القانوني الأساسي للفرد في إطار الدولة الحديثة، وعليه يمثل الفرد أمام الدولة بصفته مواطناً فيها قبل كل شيء، وعلى أساس انتمائه العضوي للدولة لا للعائلة أو الطائفة التي ينتمي غليها، أو الجماعة العرقية أو الدينية أو أي شكل من أشكال الانتماءات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية له.  فالمواطن الفرد يصبح بموجب ذلك صاحب حق من الناحية القانونية، على الدولة الوفاء به، وعلى أساس المساواة مع الآخرين في وضعهم القانوني باعتبارهم مواطنين، دون أي تمييز أو تفرقة. كما أنه متساو أيضاً مع باقي الأفراد من حيث الواجبات التي يترتب عليه احترامها واللالتزام بها أمام دولته.  ومن الناحية الشكلية تعني المواطنة حمل الفرد، المواطن، لهوية رسمية صادرة عن دولته التي يحمل جنسيتها، والتي تعبر عن انتمائه إلى أرضها وحدودها الجغرافية السياسية، ويعيش فوقها مجتمع سياسي. ويترتب على هذا الانتماء وهذه الهوية جملة من الحقوق والواجبات المتساوية لجميع مواطنيها، وفقاً للأنظمة والقوانين التي تشرعها الدولة. وتعبر هذه الهوية عن انتماء هذا الشخص أو ذاك لهذه الدولة أو تلك، وتصبح جزءً من هوية أفرادها. وتلتصق تلك الهوية أو الجنسية الصادرة عن الدولة بالفرد بشكل أكبرن عندما يباشر الفرد حياته خارج نطاق دولته، وتكتسب أهمية إضافية في التعريف به وبانتمائه، وببساطة تشير هذه الجنسية إلى أحد الحقوق الأساسية التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، والتي تعزز حق كل شخص في التمتع بجنسية ما، وتكرس عدم جواز حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته بشكل تعسفي. شروط المواطنة : يحدد دستور الدولة وقوانينها الشروط التي تمنح بموجبها صفة المواطنة، وبالتالي حقوق المواطنة، لسكانها، وعلى الرغم من التطور الملحوظ في القوانين والدساتير الوطنية للدول فيما يتعلق بتلك المعايير والشروط، إلا أن معظم الدول تمنح المواطنة وفق التالي: المواطنة القائمة على أساس علاقة القرابة والدم، وهي التي تنتقل من الآباء والأمهات إلى أنسالهما. مكان ولادة الشخص، أو ما يعرف بالأساس الإقليمي، والذي تمنح فيه بعض الدول المواطنة لمن يولد في نطاق حدودها السياسية، غير ملتزمة باعتبار قرابة الوالدين أو أقرابة الدم. المهاجرون الذين يهاجرون لأسباب اقتصادية أو سياسية أو إثنية أو دينية ( اللاجئين السياسيين) كما تمنح لمن لديهم أموال كافية للاستثمار الاقتصادي. وفي بعض الدول تمنح لاعتبارات عنصرية، كما هو الحال في إسرائيل، التي تمنحها لكل يهودي في العالم بمجرد وصوله إلى إسرائيل (بموجب قانون العودة ). حول التربية المدنية من المهم إثارة العديد من النقاط المتعلقة بموضوع التربية المدنية، خاصة فيما يتعلق بتحديد الإطار النظري والمفاهيمي للتربية المدنية، والتي تسعى العديد من الجهات لتكريسها في إطار ممارسة التربية والتعليم، وذلك على ضوء قيام وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في تعليم مادة التربية المدنية في مدارسها، وذلك في إطار خطة المنهاج الفلسطيني للعام 1998. ولعلها فرصة مناسبة، خاصة للمشاركين والباحثين في هذا المجال للخروج برؤية تسهم في التوصل إلى مفهوم مشترك حول التربية المدنية التي نسعى إلى تطويرها بما يتناسب مع واقعنا الفلسطيني، واستكمال إدماجها في مناهجنا الدراسية. أود الإشارة هنا إلى أهمية أخذ العناصر الموضوعية بالاعتبار، فمع التطور العالمي المتسارع في مجال الاتصالات والاعلام والمواصلات العابرة للقارات والفضاء الخارجي، وحتى تلك التي تخترق جدران منازلنا، أضحى العالم بقاراته الستة بمثابة قرية صغيرة يستطيع من خلالها كل إنسان الوصول إلى الخبرات والمعارف وإتقان المهارات المختلفة، والتي تلبي إحتياجاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. إن ذلك يفرض علينا إعداد أنفسنا للحياة في ظل تداخل الثقافات والأديان والأعراق البشرية المختلفة، وبشكل يحقق لنا الحفاظ على خصوصية ثقافتنا الوطنية والقومية والدينية، وفي إطار يرتكز على تعزيز الجوانب الإيجابية في ثقافتنا بما يساهم في تعزيز مفردات ومفاهيم التربية المدنية، ويكرس الحرص على التفاهم والمحبة والتسامح بين الأمم والشعوب، وعلى قاعدة المساواة والحرية والعدل، وصولاً إلى المساهمة في بناء السلام العالمي الذي يعزز مفاهيم التنمية والتنمية المستدامة دون أي شكل من أشكال الهيمنة والتسلط من دولة على أخرى، وعلى قاعدة العمل النشط والواعي لتحقيق التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.  من المعروف أن الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وعليه، وفقاً لذلك، ينبغي أن يكون المشارك الرئيسي في صياغتها وتنفيذها وتقييمها، كما ينبغي أيضاً أن يكون المستفيد الرئيسي والمتمتع الأساسي بفوائدها. كما أن الإنسان( المواطن ) هو محور الديمقراطية والأساس الذي يمكن من بناء المجتمع المدني، وعليه فإن التربية المدنية ينبغي أن تكون الأداة الرئيسية لبناء المواطن وتنشئته على أساس الوعي المعرفي والتطبيقي بمحتوى التربية المدنية، وبما يستطيع من خلاله أن يشارك في بناء مجتمع حر ديمقراطي يقوم على إحترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. التربية المدنية: تعنى التربية المدنية أو المواطنية، كما يسميها البعض، بتنمية المواطن باعتباره عضواً فاعلاً في مجتمع(دولة) له الحق بالتمتع بمجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وواجب الدولة أو السلطة أن تعمل على إتخاذ جملة من التدابير المختلفة لضمان تمتعه بهذه الحقوق من جهة، ومن جهة أخرى عليه مجموعة من الواجبات تجاه هذه السلطة( الدولة). وتؤدي التربية المدنية إلى إعداد الإنسان( المواطن) للقيام بادوار مختلفة في إطار جماعة( دولة ) على أساس المشاركة النشطة والواعية. إذن التربية المدنية هي تربية المواطن أو التربية على أسس المواطنة، وإعداد المواطن كي يقوم بأدوار متعددة في دولته بفعالية وكفاءة. وتعتبر التربية المدنية وسيلة لتنشئة الأجيال على المواطنية، وهي تختلف عن التربية الدينية أو التربية الوطنية في محتواها وموضوعاتها. وعليه فإن مهمتها، أي التربية المدنية، تتلخص في بناء المواطن على أساس تعزيز فرصه في المشاركة في تنمية مجتمعه ديمقراطياً. فيما يرتبط محتوى التربية المدنية بطبيعة ونمط البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع ( الدولة ) التي تقوم بهذا الدور، حيث تختلف التربية المدنية في بلد يعيش نظاماً سياسياً متسلطاً ويكرس السيطرة التامة على الموارد الاقتصادية للبلاد عن بلد يعيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي يشجع مشاركة كافة القطاعات في رسم سياساته في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويحقق المساواة بين مواطنيه في التمتع بالحقوق والواجبات.  ينبغي ألا تنحصر التربية المدنية في القطاع التربوي الرسمي ( الحكومي )، بل يجب أن نؤسس لاعتبارها مشروعاً تكاملياً شاملاً يقع على كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وكافة الجهات الأخرى، التي قد تؤثر على تربية وتكوين معارف ومهارات وسلوكيات المواطن وقيمه. إذن يجب التنبه إلى أهمية دور الأسرة والمدرسة والجمعيات والمؤسسات المختلفة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، بما يخدم تحقيق ما يسمى بوظيفة الضبط الاجتماعي التي تؤديها التربية المدنية. كما ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الدور الهام الذي تلعبه الأحزاب السياسية ووسائل الاعلام المختلفة، وخاصة المرئية منها، في ميدان التربية المدنية.  وعليه فإن التربية المدنية هي أداة ووسيلة لتنشئة الإنسان ( المواطن ) على المواطنية ويقوم بها كل من: أولاً: السلطة (الدولة )، وذلك من خلال قيام وزارة التربية والتعليم أو المجلس الأعلى للتربية والتعليم بوضع المناهج وإقرار المواد الدراسية وطرق وأنشطة التدريس التربوية المختلفة، والتي تواكب العملية التربوية والتعليمية.  ثانياً: مؤسسات المجتمع المدني، أو ما يعرف بالمنظمات الأهلية، وهي غالباً ما تكون مستقلة نسبياً، وغير مرتبطة بالسلطة ( الدولة )، وتحاول أن تدخل منهجاً مختلفاً في ميدان التربية المدنية يقوم على بث فكر وفلسفة ومجموعة قيم جديدة بين الأفراد والجماعات. غير أن السلطة ( الدولة ) في العادة تتفوق في كثير من الأحيان عن غيرها من المؤسسات في بث ونشر ثقافة مدنية، غير أن رغبتها في نشر قيم جديدة تحتوي سلوكاً مغايراً لذلك الذي تقوم عليه ممارساتها اليومية ربما يكون موضع شكوك، خاصة وأنها تسعى باستمرار لغرس وفرض فكر النظام السياسي والاجتماعي الذي تسير عليه. وبعبارة أخرى فلا أظن أن الدولة تقوم بنوع من الحماس، وبهذا القدر أو ذاك، لنشر فكر المواطنية، والتأسيس لتنشئة الأفراد على سلوك يقوم على تشجيع وتعزيز سلوك المواطنية.  إن فكرة المواطن والمواطنية على الصعيد الفلسطينيي تتشابك وتتعقد مع الظروف غير الطبيعية التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وعليه فإن نجاح التربية المدنية وتحديد محتواه وتقنيات إنتاج وإخراج مواده، لن يكتب لها النجاح ما لم تأخذ بعين الاعتبار التركيز على هذه الظروف. وعليه ينبغي أن نؤسس للتربية المدنية على أساس يأخذ بعين الاعتبار ظروف القضية الفلسطينية وحالة التحرر الوطني التي تعتبر أحد سمات القضية الفلسطينية الرئيسية. كما أن مسألة التشتت واللجوء التي عاشها الشعب الفلسطيني، ولا يزال، هي مسألة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بمنهاج التربية المدنية. ومن هنا تأتي أهمية تناول حقوق اللاجئين، وخاصة اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة حالياً، واللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 والذين لجأوا إلى الخارج ويعيشون في عدد من الدول العربية وبلدان العالم، وهو أمر في غاية الصعوبة والحساسية، وبحاجة إلى انتباه وتركيز فيما يتعلق في بمنهاج التربية المدنية.  ينبغي أن تؤسس التربية المدنية لمفهوم المواطن والمواطنية، أي التطرق مسألة المساواة وعدم التمييز أو التفرقة في التمتع في الحقوق والواجبات بين كافة الأشخاص في مجتمعنا باعتبارها القاعدة العامة التي يقوم عليها هذا المفهوم. كما أن التربية المدنية ينبغي أن تكرس فكرة الثقافة الديمقراطية في مجتمعنا، والتي تقوم على التعددية السياسية، والحق في تكوين الأحزاب السياسية، وممارسة الحق في إدارة الشؤون العامة في وطننا من خلال إنتخابات دورية حرة ونزيهة، وحق تقلد الوظائف العامة في المجتمع على قاعدة مبدأي الكفاءة والأقدمية، والحق في التجمع السلمي والمسيرات السلمية. كما ينبغي للتربية المدنية أن تكرس فكرة المواطن ( الإنسان، بغض النظر عن أي نوع من أنواع التمييز القائم على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الأصل الاجتماعي أو الرأي السياسي أو الثروة أو غيره من أشكال الأخرى). وأن المواطن هو إنسان حر يتمتع بالكرامة الإنسانية المتأصلة فيه، ويتمتع بمجموعة من الحقوق، كما أنه يلتزم بواجبات متساوية مع سائر الأفراد في إطار المجتمع الفلسطيني الواحد. من هنا ينبغي للتربية المدنية على الصعيد الفلسطيني أن تأخذ بعين الاعتبار العديد من القضايا والمسائل التي أرى أنها المعيار الحقيقي لنجاح هذه النجربة وهي:  توسيع مفهوم التربية المدنية، وجوهرها حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبما يشمل العناية بالبيئة والصحة والقضايا العالمية كالتنمية والفقر والتهميش الاجتماعي ومسائل التصحر والتلوث. دعم وتعزيز مشاركة الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني مع الهيئات الرسمية الحكومية وكذلك مختلف وسائل الإعلام في صياغة وتنفيذ برامج ومناهج التربية المدنية، وفي تقييمها أيضاً. أن تعتمد وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، وكذلك كافة الجهات الأخرى المشاركة، وسائل وأساليب وتقنيات متقدمة وفعالة في تعليم التربية المدنية. كما يتطلب ذلك عملية تأهيل المربين والمدرسين بما يتلائم مع متطلبات التربية المدنية واحتياجاتها، بما يحقق أهدافها في بناء الإنسان ( المواطن )، وتنشئته للمشاركة في بناء مجتمع فلسطيني حر ويساهم في تقدمه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. قيام كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية بإعداد برامج وتنظيم نشاطات طلابية مختلفة، وتشجيع المشاركة في المخيمات الكشفية والشبابية، والتي تهدف إلى نشر التربية المدنية بين المشاركين. ويمكن أن نقترح فكرة تأسيس لجنة عليا للتربية المدنية، تشرف على كافة النشاطات ذات العلاقة، وتقوم بتنظيم المؤتمرات المحلية التي تعزز تبادل الخبرات في ميدان التربية المدنية، وتعطي الفرصة لعرض أحدث تقنيات إنتاج وإخراج المواد التعليمية والتثقيفية الخاصة بالتربية المدنية. توفير الدعم المادي والمعنوي لكافة المؤسسات العاملة في ميدان التربية والتعليم والثقافة، وخاصة تلك التي تقوم بالعمل من خلال نشاطاتها وبرامجها التربوية على تعزيز مفاهيم التربية المدنية في مجتمعنا الفلسطيني. تعزيز مسألة الشراكة والتنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية من أجل تشجيع فكرة العمل التطوعية، وإحياء النشاطات التطوعية المختلفة للقيام بنشاطات أكبر في ميدان التربية المدنية، وبما يؤدي إلى خلق وتأهيل كوادر يناط بها مهمة المساهمة في مجال التربية المدنية. وخلاصة القول أن مستوى الاهتمام على صعيد منهاج التربية المدنية الذي بدأت به وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تعتبر بداية جيدة، غير أنها بحاجة إلى مراجعة جادة وتقيمية تحدد مكامن الخلل في مجال التربية المدنية، الذي طبق خلال الفترة الماضية. كما أن عملية التقييم يجب أن تأخذ بعين الاعتبار قياس النجاحات والاخفاقات التي راوحت هذه التجربة. وهل وفرت مناهج التربية المدنية التي جرى تطبيقها مهمة نقل المعارف والمهارات والقيم والسلوكيات التي تمكن الإنسان الفلسطيني من لعب دوره وتحمل مسؤولياته؟ وهل قلصت التربية المدنية الفوارق بين السلطة والمجتمع الفلسطيني أم زادتها؟ وهل ساهمت في تطوير المجتمع المدني الفلسطيني ووضعت أسساً رسخت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في مجتمعنا الفلسطيني أم العكس؟؟  تلك الأسئلة وغيرها ينبغي لها أن تؤسس للتربية المدنية التي ننشدها، فإذا كنا جادين في سعينا لذلك فعلينا أن نستمع لكافة الأصوات بما يخدم فكرة مشاركة الجميع وعلى قاعدة المساواة في تقويم التربية المدنية في مجتمعنا، وفي صياغة أساس جديد لمنهاج التربية المدنية المنشودة. إن وطننا فلسطين، هذا الوطن الصغير بمساحته الكبير بتراثه وحضارته، عاصر العديد من التجارب التي مر بها شعبنا، وهو الشاهد الوحيد على كل المحاولات التي هدفت لطمسه. إن ضعف اهتمام المعنيين بشؤون الناشئة وإعداد المواطن يقود إلى دمار حتمي جذري، ما يعنى غياب التربية المدنية بمفهومها الواسع والشامل. إن ذلك يساهم في الجهود العدوانية التي تقوم بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وهي تطال البشر قبل أن تطال الحجر والشجر.  3 – زياد أبو عمرو . المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في فلسطين 1995. ص8. 2 – جورج جقمان: التجمع المدني والسلطة الديمقراطية الفلسطينية أوراق نقدية ( رام الله، مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية 1995 ص 108). 1- محمد عبد الجابري: إشكالية الديمقراطية والتجمع المدني في الوطن العربي المستقبل العربي ( كانون الثاني – 1993 ص 5) [1] محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، تشرين الثاني/ أكتوبر 1994،ص 31)، ص 32. [2] الأمم المتحدة، حقوق الإنسان مجموعة صكوك دولية، الأمم المتحدة، نيويورك، 1988، ص 41 الفقرة 13. [3] تم تبني إعلان الحق في التنمية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 128/41 بتاريخ 4 كانون أول 1986. المصدر السابق ص 83. إضافة للمادة 6(2) فان ديباجة الإعلان أكدت أيضا على إن "جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة وان تعزيز التنمية يقتضي إبلاء الاهتمام على قدم المساواة لاعمال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وانه لا يمكن ،وفقا لذلك، إن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها وإنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية. " [4] Vienna Declaration And Programme of Action, UNGA A/CONF.157/23. 12 July 1993, P.5 [5] يجري استخدام كلمات عديدة في القانون الدولي مثل عهد، اتفاقية، ميثاق، بروتوكول (ملحق). وجميع هذه الكلمات لا تعني اختلافا من الناحية القانونية، فجميعها لها نفس القيمة القانونية، حيث أن أحكام تلك الاتفاقيات ملزمة على الدول الأطراف المتعاقدة، والاتفاقيات قد تكون ثنائية (بين دولتين)، وقد تكون متعددة الأطراف. [6] Vladimir kartashkin, "Economic, Social and Cultural Rights", in "The International Dimension of Human Rights", Karl Vasak and Phliip Alston, eds. Vol. i, UNESCO 1982, P.11. في اجتماعها الثاني المنعقد في جنيف (2-17 كانون أول 1947 ) قررت لجنة حقوق الإنسان العمل على صياغة شرعة دولية تتكون من إعلان وميثاق لحقوق الإنسان وإجراءات للتطبيق، وفي العام 1948 تبنت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وطلبت في نفس الوقت إن تقوم اللجنة بصياغة عهد دولي لحقوق الإنسان والذي تقرر فيما بعد أن يصبح العهدين الدوليين ( انظر قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 384(XIII) والذي دعا الجمعية العامة لإعادة النظر في قرارها بأنه يجب أن يكون عهدا واحدا فقط) انظر: United Nations, United Nations Action in The Field Of Human Rights, New York, 1983, PP. 8-9. [7] تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية بتاريخ 16 كانون أول 1966، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 3 كانون ثاني 1976 بموجب المادة 27. أما الإعلان العالمي فقد تبنته الجمعية العامة في 10 كانون أول 1948. المواد (22-28) من الإعلان العالمي تضمنت الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وهي: الحق في الضمان الاجتماعي (المادة 22)، الحق في العمل وحرية اختياره والظروف العادلة للعمل وإنشاء النقابات والانضمام إليها (المادة 23)، الحق في الراحة والإجازات وتحديد ساعات العمل (المادة 24)، الحق في مستوى معيشي كاف لضمان الصحة والرفاهية وخاصة المأكل والملبس والمسكن والعناية الصحية (المادة 25)، الحق في التعليم (المادة 26)، الحق في المشاركة في حياة المجتمع الثقافية وحماية الإنتاج العلمي والفني والأدبي للأفراد (المادة 27) والحق في التمتع بنظام اجتماعي ودولي تتحقق في ظله الحقوق والحريات (المادة 28).

إعداد/ خليل شاهين 

باحث في ميدان الديمقراطية وحقوق الإنسان

مقدمة

تنقسم المادة النظرية الموجودة بين يديك إلى المحاور التالية:

المحور الأول: المجتمع المدني:

ويعرض فيه السياق التاريخي لنشأة وظهور المجتمع المدني، والمفاهيم الأساسية المكونة له، بالاضافة إلى عرض سمات المجتمع المدني الفلسطيني.

المحور الثاني: القيم الأساسية: وتقسم إلى ثلاثة وحدات:

الوحدة الأولى: الديمقراطية وتطورها التاريخي: ويستعرض مفهوم الديمقراطية وتطورها التاريخي وعلاقتها بالاصلاح الديمقراطي، وعناصر الديمقراطية( التعددية السياسية، فصل السلطات وسيادة القانون)، والانتخابات ومفهومها، باعتبارها شكلاً من أشكال ممارسة الإنسان لحقه في إدارة الشؤون العامة في بلاده، ثم وظيفة الانتخابات كشكل أساسي لتعزيز عملية الاصلاح وتكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة، .

الوحدة الثانية: حقوق الإنسان:

وتقدم مدخلاً أولياً لفهم الأسس الفلسفية والتاريخية لحقوق الإنسان، والتي توجتها الأسرة البشرية في أواسط القرن العشرين بصدور شرعة دولية لحقوق الإنسان، شملت الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الأول الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد أسست جهود الأمم المتحدة لاحقاً لصدور العديد من القرارات والمواثيق الدولية اللاحقة في ميدان حقوق الإنسان، والتي كرست مسألة احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. ومن أهمها الاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، حقوق المعاقين.

الوحدة الثالثة: المواطنة:

وتتناول المواطنة ودورها كركيزة لبناء المجتمع الحضاري الديمقراطي، وتطور حقوق المواطنة أو المواطنية.

المحور الثالث: التربية المدنية.

ويتناول مدخلاً أولياً حول التربية المدنية ومفاهيمها الأساسية، والاشكاليات التي تعترضها.

وقد توخينا عرض المادة النظرية بشكل يسهل على المشاركين/ات في الدورة مسألة العودة للمراجع والمصادر، خاصة لمن يرغب في تطوير معارفه النظرية حول المجتمع المدني، وفي ميدان حقوق الانسان والديمقراطية، للاطلاع على تجارب عديدة للدول والتعرف على أوضاع حقوق الإنسان فيها، وأنظمة الحكم السائدة.

إن البداية الحقيقية والجادة للنضال من أجل تمتع الإنسان بحقوقه وحرياته الأساسية هو وعي هذه الحقوق، والتعرف عليها وفهمها بشكل أعمق. وهو ما لا يمكن أن يتم دون القيام بالعديد من نشاطات التدريب والتثقيف في ميدان التربية المدنية. إن امتلاك جزء من المعرفة عن حقوقنا يساعدنا في الانطلاق نحو تطوير هذه المعارف، نحو تعزيز مهارتنا وإكتساب مهارات جديدة، تعزز دورنا في المشاركة الواعية والفعالة في تطوير عملية التعليم والتعلم، وتستطيع أن تتقدم إلى الأمام.

مقدمة حول المجتمع المدني

يرجع الاهتمام بمقولة المجتمع المدني إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين، وترافقت مع التغيرات الكبرى المهولة التي رافقت تلك المرحلة. أبرز هذه المنعطفات تمثلت في التطور الخطير في العلوم والتقانة والتكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات. رافق ذلك العديد من التغيرات التي طرت على العلاقات الاقتصادية الدولية، لناحية تعاظم دور مؤسسات التمويل الدولية في اقتصاديات الدول، وفرض برامج إعادة التكيف الهيكلي وخصخصة قطاعات الدول الاقتصادية، والتي رافقها العديد من التغيرات السياسية كتطور دول الغرب الليبرالي وانتهاء سياسة الحرب الباردة، بسبب الانهيار السريع لما عرف بالاتحاد السوفيتي، أحد قطبي موازين القوى الدوليين والتي فرضت مع الولايات المتحدة الأمريكية شكل العلاقات الدولية، وذوبان ما عرف بمنظومة البلدان الاشتراكية. وتأثرت مجتمعات الغرب بتلك التغيرات السياسية والاقتصادية، وعانت من العديد من الهزات الاجتماعية التي أثرت على أوضاعها الاقتصادية والسياسية. كما تعرضت الشعارات التي طرحتها كل من الأنظمة الشمولية( الاشتراكية) والدول الديمقراطية الليبرالية إلى انتكاسة كبيرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حيث أصبح لم يتحقق لا شعار بلد الرفاه الاجتماعي في الغرب الرأسمالي ولا التوزيع العادل لوسائل الانتاج في البلدان الاشتراكية. وفي المقابل شكل الفساد المالي والاداري السمة الرئيسية لأنظمة الحكم في بلدان العالم النامي، الأمر الذي دمر كافة الأحلام والآمال في تكريس حلم المجتمعات في تحقيق الحرية والمساواة في الحقوق، وفي تحقيق العدالة في توزيع ثروات البلاد بين كافة فئات الشعب. وزاد الوضع خطورة على مستوى الأمن والسلم الدوليين، وبشكل أصبح يشكل تهديداً حقيقياً لكوكب الأرض الذي يعيش عليه البشر، خاصة مع ظهور الأخطار الكبرى الخاصة بالتصحر والجفاف وندرة مصادر المياه وحمى سباق التسلح، الذي أثر على نظافة البيئة وبات يهدد الكوكب الأرضي من التلوث البيئي الخطير وانتشار النفايات السمية وزيادة طبقة الأوزون.

وفي خضم تلك الأحداث المتلاحقة بدأت حركة نشطة للعديد من القوى والحركات الاجتماعية، وعلى المستوى الدولي، التجمع في محاولة لصد التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الدولية. وقابل ذلك ظهور ونشأة العديد من المنظمات غير الحكومية، كردة فعل على سياسات السيطرة والهيمنة على الصعيد الدولي. وكان هدفها خلق أطر اجتماعية جديدة تعمل بمعزل عن الهيئات والأجسام ذات الطابع الحكومي، وتمثل أشكالاً مختلفة من التنظيمات الاجتماعية المدنية التي تعتمد على تشريك قاعدة واسعة من الأفراد، وتلتقي من أجل الانتظام والفعل الانساني لتحقيق التنمية من منظور مستقل عن الدولة وما تمثله من مؤسسات رسمية. ويمكن القول أن تلك التنظيمات المجتمعية والحركات الاجتماعية المختلفة قد عملت ومنذ بداية تكوينها على العمل في المساحات التي خلفتها سياسات الانفتاح الاقتصادي والسوق الحر وبرامج الخصخصة. وكانت سمتها الأساسية الاعتماد على تنظيم أكبر عدد من الجماعات والأفراد للمشاركة في النشاطات التنموية المختلفة، كخدمات الصحة والتعليم والتنمية والطفل والمرأة والقانون، كما اعتبرها العديد بأنها أحد أدوات التغيير المجتمعية في مقابل التوجهات الدولية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وقد تعاظم دور هذه المنظمات خاصة باعتمادها على تقدير وتحليل الاحتياجات المجتمعية من قبل الأعضاء المنخرطين فيها، والذين يتمتعون بمهنية مرتفعة نسبياً، وخلوها من الأمراض الادارية المرافقة للأداء الحكومي. والسمة الأخرى التي تميزت بها تلك التشكيلات المدنية كانت اعتمادها العمل الطوعي لأفرادها، وباعتبارها منظمات لا تستهدف تحقيق الربح المادي، والاستقلالية في اتخاذ القرارات، والتي تعبر عن مصالح الأفراد المنضوين فيها، وهي بببساطة قد تكون أحد الأدوات الهامة لتحقيق عملية التحول الديمقراطي المجتمعي.

وقد أعيد طرح مفهوم المجتمع المدني حديثاً، من قبل منظريه وعلماء السياسة والاجتماع، لايجاد صيغة من التوازن بين الدولة الشمولية من ناحية والمجتمع بمكوناته الأخرى من ناحية ثانية، وذلك في محاولة لخلق حيز عام يكون بمنأى عن سيطرة الدولة بآلياتها المختلفة، وبعيداً عن ميكانيزمات السوق. كما أعيد هذا المفهوم لإعادة الاعتبار للديمقراطية المباشرة بعد أن أثبتت الديمقراطية النيابية فشلها، ونتج عنها اندثار العديد من الأحزاب السياسية.

عرف مفهوم المجتمع المدني كغيره من مفاهيم العلوم الإنسانية والاجتماعية تغيراً وتطوراً في معناه ودلالاته منذ ظهوره، حيث حدده توماس هوبنر بشكل لا يتميز فيه بينه وبين الدولة على النحو التالي : المجتمع المنظم سياسياً عن طريق الدولة القائمة على فكرة التعاقد.

أما جون لوك فقد سجل تحديده للمجتمع المدني نزوعاً واضحاً لتمييزه عن الدولة دون أن يلغيها تماماً. أما الروابط التي تجمع بينهما فقد أشار إلى أن قيام التجمع المنظم سياسياً فمن إطار الدولة مهمته تنظيم عملية سن القانون الطبيعي الموجود دون الدولة وقوتها وفي القرن الثامن عشر اكتسبت فكرة المجتمع المدني معنى مغاير كونها تشير إلى موقعها البسيط بين مؤسسات السلطة وبقية المجتمع عندما اعتبره جان جاك روسو هو مجتمع صاحب السيادة باستطاعته صياغة إرادة عامة يتماهى فيها الحكام والمحكومين كما نجد نفس الاتجاه عند " مونتسكيو " الذي ربط فيها المجتمع المدني بالبنى الأرستقراطية الوسيطة المعترف فيها من قبل السلطة القائمة بين الحاكمين والمحكومين (3) .

وكذلك يرى الفيلسوف الألماني هيجل الذي أكد الموقع الوسيط للمجتمع المدني بين العائلة والدولة بحيث يفصل بينهما دون أن يغفل حقيقة التداخل الموجود في المجتمع المدني والمؤسستين المذكورتين.

ويقترب توكفيل بشكل أكثر وضوحاً من المعنى الحديث التداول اليوم، حيث يركز على أهمية المنظمات المدنية النشطة ودورها في إطار الدولة.

وارتبط مفهوم المجتمع المدني باسم أنطونيو جرامشي المفكر الإيطالي الذي حاول تجاوز التحديد الماركسي كونه يعتبر المجتمع المدني مجتمعاً برجوازياً بالأساس. وقد اعتبره جرامشي مجال تحقيق الهيمنة في ظل سيادة الرأسمالية بمعنى فرض النفوذ الثقافي والرأسمالي والأيديولوجي للبرجوازية بينما تكون الدول مجال تحقيق السيطرة.

المجتمع المدني في العالم العربي

يتعرض مفهوم التجمع المدني في العالم العربي إلى مجموعة من الانتقادات التي تشك في أصالة هذا المفهوم عربياً ومدى صلاحيته أو جدواه لدراسة الواقع العربي وآفاق تحوله الديمقراطي وتشير هذه الانتقادات إلى أن المثقفين العرب تعاملوا مع هذا المفهوم بتصرف وأنهم قاموا بتطويعه وأسقطوا عليه أيديولوجيات سياسية عربية متضاربة وعلى هذه الأرضية تثار الشكوك أيضاً حول إمكانية استخدام مفهوم التجمع المدني كمدخل لاستشراف التحول الديمقراطي في العالم العربي وتبرز في هذا السياق الدعوة للبحث عن مدخل آخر " لا يستلزم تغييراً جوهرياً مسبقاً في التركيب الاجتماعي والثقافة السياسية السائدة " لتحقيق نمط ديمقراطي لا يقوم المشاركة السياسية الواسعة بل على التنافس النخبوي.2

ويرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري : " أن المجتمع المدني هو المجتمع الذي تنتظم فيه العلاقات بين أفراده على أساس الديمقراطية، والمجتمع المدني يمارس فيه الحكم على أساس أغلبية سياسية حزبية وتحترم فيه حقوق المواطن السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في حدها الأدنى على الأقل".

ويعرفه د.جورج جقمان بأنه: " التجمع المدني يشكل ذلك الحيز التجمعي الذي يعمل فيه الفرد كفاعل اجتماعي من خلال تنظيمات التجمع بانفصال نسبي عن الدولة وبالتالي بينما تقع النقابات والجمعيات والأحزاب فنحن نطاق هذا الحيز يشكل البرلمان والقضاء المستقل عنصرين من عناصر الدولة الديمقراطية وشرطين ضرورين لوجود مجتمع مدني ولمنع إقصائه من قبل الدولة أو هيمنة الدولة عليه أي أنهما من عناصر التجمع المدني وإنما من مقومات وجوده وشروط ديمومته". 1

في الحالة الفلسطينية تميز مفهوم المجتمع المدني بسمة خاصة، اختلف فيها عن محيطه الاقليمي العربي، وهي خضوعه لاحتلال عسكري استيطاني، وغياب للدولة الوطنية صاحبة السيادة. كما ترافق ذلك مع حالة غير مسبوقة من التشرد الجماعي واللجوء والتشتت للشعب الفلسطيني في العديد من الدول العربية المجاورة، والتي نشأت عن ما عرف في التاريخ الفلسطيني بنكبة ونكسة فلسطين في الأعوام 1948 و1967 على التوالي. وتختلف وجهات النظر حول تكوينات المجتمع المدني الفلسطيني، فمنهم من يعتبر الأحزاب السياسية الفلسطينية كأحد مكوناته، ومنهم يعتبرها خارج مكوناته. وعلى الرغم من الدور التاريخي الذي لعبته ولا تزال تلك الأحزاب في ميدان النضال الوطني لتكريس قيم الانتماء للوطن والدفاع عن القضية الفلسطينية، إلا أن بعض منظري المجتمع المدني يعتبرونها خارج تكوينات المجتمع المدني، وذلك لأن مبرر وجودها وعملها وبرامجها تهدف في المحصلة النهائية إلى الوصول إلى السلطة.

ولا يختلف أحد على أن المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية، والتي يطلق عليها المنظمات غير الحكومية أحياناً، تشكل أحد المكونات الرئيسية للمجتمع المدني الفلسطيني.

المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية الفلسطينية

تعود نشأة المنظمات الأهلية الفلسطينية والجمعيات الخيرية إلى أوائل القرن العشرين، حيث نشأت الجمعيات الخيرية والارثية في العهد العثماني، وظلت تعتمد على قانون عرف باسم قانون الجمعيات العثماني، والذي كان يهتم بتنظيم العلاقة بين هذه الجمعيات والسلطة السياسية. ويمكن القول أن القانون المشار إليه قد شكل حالة من فرض السيطرة على الحراك الاجتماعي والسياسي، وسعي المجتمع الفلسطيني لتنظيم نفسه في تلك المرحلة. وكان يهدف بشكل أساسي إلى احتواء السلطات العثمانية لأية جمعيات وتنظيمات مدنية تظهر، في محاولة منها للحفاظ على حالة الاستقرار في الأقاليم التي تتبعها. غير أنه وفي أعقاب احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، ومع ظهور منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها مؤسسة أعادت الاعتبار للعمل الوطني الفلسطيني المقاوم من أجل التحرر الوطني من الاحتلال الاسرائيلي. وقد عملت العديد من القوى والتنظيمات الفلسطينية، ذات التوجهات اليسارية خاصة، على خلق تنظيمات مدنية مجتمعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أبرز تجلياتها كان تأسيس الأطر النقابية والاتحادات الشعبية والمهنية والثقافية. وقد بنيت قاعدة هذه التنظيمات على أساس طوعي، وبدأت تعمل وتنشط كفعل مقاوم، شكل وقتها رديفاً للعمل المسلح. ويمكن القول هنا أن ما قامت به التنظيمات السياسية قد شكل نوعاً من التحد الجديد لسلطات الاحتلال العسكري الاسرائيلي، خاصة عندما بدأ يدور محور نشاط وعمل تلك المنظمات على الفعل الابداعي المقاوم لسياسات الاحتلال، خاصة في ميدان مصادرة وتهويد الأراضي الفلسطينية، وتنفيذ نشاطات تنموية لتطوير القطاع الزراعي والتنموي. ويصف العديد من الباحثين ما شكلته المنظمات الأهلية في تلك المرحلة بأنه أصبح يشكل محور عمل تكميلي وتنسيقي للدور الذي لعبته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

وقد شهدت فترة الثمانينات، في نهاية القرن العشرين، تطوراً كمياً ونوعياً في عمل ونشاط المنظمات الأهلية الفلسطينية، وتميزت عن الأطر التقليدية الفلسطينية، أطر منظمة التحرير الفلسطينية واتحاداتها الشعبية والمهنية، من حيث ارتفاع الحرفية والمهنية، والانخراط في تقديم الخدمات التنموية المختلفة، غياب نسبي للبيروقراطية في حياتها الادارية والعملية، مقارنة مع المؤسسات الحكومية. ولم يقتصر دورها على الدور الاغاثي بل تعداه ليرتقي إلى دور تنموي بأفق وبعد سياسي فلسطينين سرعان ما تراجع للوراء بعد أن أصبحت تلك المنظمات تتجه نحو تمويل نشاطاتها وبرامجها بالاعتماد على التمويل الخارجي، والذي اضطرها للخضوع في أحيان كثيرة إلى الاشتراطات المتعددة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي أعقاب توقيع اتفاقية إعلان المباديء، في أيلول/سبتمبر من العام 1993، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، نشأ واقع جديد تمثل في وجود سلطة فلسطينية بمؤسساتها المختلفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما عكس نفسه على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني. ورغم محدودية الصلاحيات التي منحت للسلطة الفلسطينية، بموجب إتفاقيات التسوية السلمية الموقعة مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي، إلا أن تلك المرحلة قد شهدت تفريخ المئات من الجمعيات والهيئات الأهلية الفلسطينية، والتي باتت مرجعياتها القانونية مختلفة، بحكم الارث القانوني المتعدد في كل من الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة.

مدخل إلى مفهوم الديمقراطية

" لا جدال في أن شعار الديمقراطية هو أكثر الشعارات الرائجة اليوم في ساحة المطالب الشعبية في الوطن العربي، إنها المطلب الذي يحظى اليوم بالاجماع في الأقطار العربية كافة. فالكل يطالب بها وينادي بضرورتها، وحتى أولئك الذين لا يتحمسون للمطالبة بها أو لا ينتظرون خيراً من نتاجها تراهم يساهمون في الاشادة بها أو على الأقل يسكتون ويحجمون عن إبداء رأي مخالف. وإذا أنت سألت عما يقصده الرأي العام العربي بالديمقراطية اليوم جاء الجواب على صورة قائمة من المطالب السياسية، على رأسها حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الانتماء السياسي وحرية تشكيل الأحزاب وحرية الانتخاب الخ..."[1]

يلخص المفكر المغربي محمد عابد الجابري الديمقراطية على المستوى العربي بمجموعة من المطالب السياسية الملحة، وفي مقدمتها الحق في التمتع بمجموعة هامة من الحقوق المدنية والسياسية. وربما يرجع ذلك إلى الأعوام المليئة بحالة الانتهاكات الصارخة في حياة الإنسان العربي، ومصادرة حقوقه التي يمكن أن تحافظ على كرامته وتصون حريته، وتؤهله بالتالي إلى المشاركة في الحياة العامة لمجتمعه، وتعزز دوره في عملية بناء مجتمعه الديمقراطي، وتحقيق التنمية واستفادته وتمتعه بفوائدها.

تعتبر كلمة الديمقراطية جزءً من التراث الفكري الإنساني، وهي مصطلح هدف ولا زال إلى تعزيز مشاركة الناس جميعاً في إدارة حياتهم، وصنع القرارات التي تعكس رغبتهم. غير أن ذلك لا يمكن أن يغفل الدور التاريخي الذي لعبته الحضارة الإغريقية وفلاسفتها في وضع الأسس التي قامت عليها الديمقراطية.

ولا تعتبر الديمقراطية عقيدة أو أيديولوجيا، بل هي ببساطة آلية لاتخاذ القرار الجماعي. ولا توصف الديمقراطية بأنها الصواب، حيث لا يمكن اعتبار القرار المتخذ ديمقراطياً في يوم ما بأنه القرار الصائب. بل يوصف هذا القرار بالديمقراطي لأنه ببساطة حظي بقبول الغالبية لحظة إتخاذه. وربما يتخذ قراراً مختلفاً ومغايراً بعد فترة من الزمن عن ذلك الذي اتخذ بالأمس، وهو ما يكرس فكرة أن المعرفة نسبية، وأن ما هو مقبول في يومنا ربما يصبح غير مقبول لدى جيل قادم.

وتشكل الديمقراطية نمطاً من أنماط اتخاذ القرار الجماعي في سياق الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث تعتبر أحد الآليات التي تحظى اليوم بالقبول الكبير على صعيد تبنى وتطبيق العناصر المكونة لها. وفي المقابل فإن الديمقراطية تشكل آلية لاتخاذ القرار السياسي، أو شكلاً واسع النطاق على صعيد اعتماده، في العديد من البلدان، وخاصة بلدان الغرب الرأسمالي. وقد أصبحت الديمقراطية اليوم أحد توصيفات النظام السياسي للدول، حيث تحظى بالقبول على الصعيد الدولي، وذلك بمدى التزامها بتكريس الديمقراطية وقيمها، ولو شكلاً. وقد ارتبطت الديمقراطية، منذ أواخر القرن الماضي، بمسألة التنمية وحقوق الإنسان، ومثلت أحد المتطلبات على الصعيد الدولي، وأعمال منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة.

وخلاصة الأمر أن الديمقراطية هي نتاج حضارة إنسانية بدأت بالحضارة الاغريقية التي أسست للعلاقة في إطار المجتمع السياسي وتقسيماته( الحاكم والمحكوم)، تقوم بموجبه فئة الحكام بالسيطرة على الشأن العام وتصبح صاحبة القرار فيه، وفئة أخرى يتطلب منها الالتزام بما اتخذ من قرارات وسياسات. وقد مرت الديمقراطية بتطورات مختلفة بدءً بما بات يعرف بحكم الشعب بالشعب وللشعب، وصولاً إلى التطور الذي عرفته الديمقراطية في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وانتهاءً بما بات يعرف بالديمقراطية الليبرالية، التي نشأت في أعقاب سقوط الفاشية والنازية في أوروبا. ويمكن القول أن جوهر الديمقراطية يتمثل في أنها:
  • حكم الشعب بواسطة الشعب.
  • حكم غالبية الشعب من أجل الشعب.
  • حكم نواب غالبية الشعب من أجل صالح الشعب.
  • تتم على أساس قيام انتخابات دورية حرة ونزيهة.
  • يتساوى فيها الصوت الانتخابي.
  • يتوفر فيها حرية تكوين الأحزاب والانضمام إليها.
  • تجسد عملية الفصل بين السلطات.
  • احترام الحقوق والحريات الأساسية.
  • تقوم على احترام مبدأ سيادة القانون.
  • تتوفر فيها حرية التعبير عن الرأي.
  • تقوم على الحث والاقناع والتسامح.
  • تضمن احترام حقوق الأقلية.

حقوق الإنسان

الأسس الفلسفية والتطور التاريخي لمفاهيم حقوق الإنسان

" يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء".( المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).

تشكل الكرامة الإنسانية المتأصلة في الإنسان، أحد أهم الحقوق الإنسانية التي أجمع عليها التراث الحضاري الإنساني والأديان السماوية. وترتبط الكرامة الإنسانية بالإنسان، منذ مولده، بخلاف سائر الكائنات الحية الأخرى. وعليه فإن الحرية والمساواة في التمتع بالحقوق بين كافة أبناء البشر كان الهم الأول للبشرية من أجل خلق عالم يسوده التفاهم والتسامح والعدل والمساواة. إن ذلك يرجعنا إلى تناول وتأصيل جذور حقوق الإنسان في التاريخ الإنساني القديم والمعاصر.

الحضارة اليونانية:

أي إلى الحضارة الإغريقية، التي نظر فلاسفتها الأوائل إلى فكرة القانون الطبيعي، والذين اعتقدوا بوجود قوة عليا قامت بتنظيم الكون ووضعت له نظاماً عاماً ثابتاً لإدارته. وقد رأي بعض هؤلاء الفلاسفة أن أهم سمات القانون الطبيعي أنه لا يميز أو يفرق بين المواطن أو الأجنبي ولا بين العبد( الرقيق ) أو الحر( السيد). غير أن كبار الفلاسفة اليونانيين كأفلاطون وسقراط وأرسطو قاموا بالتمييز بين القانون الطبيعي والقوانين الوضعية التي أقرتها الجماعات الإنسانية لمجتمعاتها، فعلى سبيل المثال ميز أرسطو في كتابه السياسة بين الأثينيين وبين الغرباء من حيث المساواة أمام القانون وممارستهم لحقوقهم السياسية والوظيفية. وقد كرس كبار فلاسفة اليونان عملية التمييز بين أهل اليونان الذين ادعوا بأن الله خلقهم وميزهم بالعقل والإرادة، وبين الغرباء أو ما يسمونه البرابرة الذين يمتلكون القوة العضلية وخلقوا ليكونوا عبيداً يخدمون أسيادهم اليونانيين( الصفوة). إن مرحلة الرق التي كانت سمة أساسية للحياة الإغريقية، حيث عززت مسألة الملكية الفردية والملكية الجماعية للرقيق.

ورغم ذلك فقد شهدت تلك الحضارة مدارس فلسفية أخرى، عارضت عملية التمييز التي كرسها أفلاطون وأرسطو وسقراط، وها هم منظري المدرسة الكلبية ينددون بالرق وعدم المساواة، ويدعون إلى العودة للطبيعة والزهد في الحياة، ما يقلل نزعة الإنسان نحو الاستبداد والظلم والتسلط، وهو ما يعزز المساواة بين سائر الناس. وشكل زيدون أحد مؤسسي المدرسة الفلسفية الرواقية الأساس الذي يدعو لرفض التفرقة والتمييز بين البشر( فكرة القانون الطبيعي)، ودعا إلى المواطنة التي لا تميز بين المواطن وبين الأجنبي. ورأت المدرسة الرواقية أن البشر جميعاً أخوة لا يفرق بينهم بين سيد ورقيق، وأن قانوناً وطبيعة واحدة تجمع سائر الناس بغض النظر عن اختلاف لغتها أو أصلها القومي أو دينها. كما استندت هذه المدرسة إلى أن الإنسان ولد حراً وفقاً لقانون الطبيعة العادل، وبالتالي فإن الرواقيون انتقدوا كل القوانين الوضعية التي خالفت ذلك، بل وذهبوا إلى مهاجمتها واعتبارها غير عادلة وظالمة.

الحضارة الرومانية:

سادت مرحلة الرق في الحضارة الرومانية، وتكرست أشكال من التفرقة والتمييز بين المواطنين الرومان والأجانب. غير أن العديد من الحركات التي عبرت عن تأثرها بالفلسفة الرواقية دعت إلى تحرير العبيد ودعم حقوق الإنسان وحريته. وكان أحد النبلاء الرومان، ويدعي جراكوس، أول الرومان الذي دافع عن العبيد والرقيق من الفقراء والفلاحين المحرومين من ملكية الأرض، ودعا إلى تحريرهم ومنحهم حقوقهم. ثم جاء الخطيب الروماني الشهير شيشرون ليدافع عن فكرة القانون الطبيعي، والمساواة بين البشر إيماناً منه بأن الناس جميعاً مواطنون. ونصت مجموعة القوانين التي وضعها الامبراطور الروماني غوستنيان على الدفاع عن العبيد والرقيق الذين يعملون في بيوت أصحابهم.

وقد تراجعت حقوق الإنسان تراجعاً ملحوظاً في فترة العصور الوسطى، خاصة مع سيطرة الفلسفة اليونانية والرومانية التي رسخت الرق والعبودية. وكان لنشأة الدولة وتكريس مبدأ سيادتها مبرراً لزيادة انتهاكات حقوق الإنسان ومنع تدخل الدول الأخرى بحجة أنه يقوض مبدأ سيادة الدولة ويعتبر تدخلاً في الشوؤن الداخلية لها.

إن صدور وثيقة الماغنا كارتا في العام 1215 في بريطانيا كان أحد أهم الانجازات التي حققتها البشرية فيما يتعلق بالإقرار والاعتراف بحقوق الأفراد. إن صدور هذه الوثيقة جاء بعد نضالات طويلة خاضتها البشرية ضد الظلم والاستغلال الطغيان من أجل الاعتراف بحقوقها. وقد تمكن أمراء الاقطاع في انجلترا أن يفرضوا على ملكها الاعتراف بالعديد من حقوق الأفراد كالحق في التملك والأمن والتنقل والتقاضي أمام محكمة عادلة وعدم جواز الاعتقال التعسفي. كما أقرت الوثيقة عدم جواز سن ضرائب على الأفراد إلا بعد موافقة المجلس العام للملكة.

علاقة الحقوق ببعضها

تشكل حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية وحدة واحدة مترابطة لا تقبل التجزئة أو الانتقاص أو المفاضلة. وهي بذلك حقوق متساوية، بل إنها تشترط بعضها البعض. كما تتميز هذه الحقوق بأنها عالمية، حيث أنها تعني الإنسان أينما كان على وجه الكرة الأرضية. إن العلاقة التي تربط مجموعة الحقوق المدنية والسياسية مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تكرس أيضاً فكرة عدم إعطاء أولوية لإحداها على الأخرى، فهي متساوية، وتقوم على أساس تمتع كافة الأشخاص بها دون أي نوع من أنواع التمييز.

إن مبدأ عالمية حقوق الإنسان ووحدتها وعدم قابليتها للتجزئة أو النقصان قد تم تأكيده في معظم أعمال الأسرة الدولية وأجهزتها المختلفة، خاصة مع صدور الإعلانات والمواثيق الدولية وعشرات القرارات التي صدرت عن مؤتمرات الأمم المتحدة ولجانها المتخصصة.

ومن بين تلك الإعلانات، إعلان طهران الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في 13 أيار 1968 الذي أكد على انه:

“ نظرا لكون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية غير قابلة للتجزئة، يستحيل التطبيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية من غير التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فإنجاز تقدم ملموس في ميدان وضع حقوق الإنسان ووضع العمل الفعلي مرهون بسياسات وطنية ودولية سليمة وفعالة على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.”[2]

وفي العام 1977 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 32/130 والذي أكد ما جاء في إعلان طهران بصورة اكثر دقة وتحديدا. ويعتبر هذا القرار على غاية من الأهمية لكونه يشكل، من جهة، اعترافا هاما بوحدة حقوق الإنسان، وعدم جواز تجزئتها، ومن جهة أخرى، فقد أعطى القرار اهتماما اكثر من السابق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مؤكدا على مساواتها للحقوق المدنية والسياسية، حيث جاء فيه :

“ (ا)- كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية غير قابلة للتجزئة ومترابطة، لذا فان اهتماما متساويا ومعالجة ملحة يجب أن تعطى لتطبيق، تعزيز وحماية كلا من الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية،

(ب)- إن التحقيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية مستحيل بدون التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وان الوصول إلى تقدم ثابت في تطبيق حقوق الإنسان يعتمد على السياسات المحلية والدولية المعلنة والفعالة للتنمية الاقتصادية الاجتماعية (ج)- إن كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية للإنسان وللناس غير قابلة للتجزئة.”

وقد تلى تبني هذا القرار العديد من القرارات والإعلانات المختلفة التى أكدت تلك الحقيقة، ففي العام 1986 تبنت الجمعية للأمم المتحدة “إعلان الحق في التنمية” والذي جاء في المادة 6(2) منه :

“ إن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وينبغي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال تعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة.”[3]

وتبقى الإشارة هنا إلى احدث وثيقة أكدت على تلك الحقيقة وهي إعلان فينا الصادر عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في 14-25 حزيران 1993، حيث أكد بدوره في القسم الأول الفقرة الخامسة على أن: “ كل حقوق الإنسان عالمية، وغير قابلة للتجزئة ومتلاحمة ومترابطة. وأن المجتمع الدولي يجب أن يعامل حقوق الإنسان عالميا، بطريقة متساوية ومنصفة، على قدم المساواة وبنفس التأكيد.”[4]

ورغم أن الحقوق سواءً الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو المدنية والسياسية هي حقوق أساسية ومترابطة، إلا إن مجموعة الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية تتميز بميزات مشتركة تختلف بطبيعتها عن الحقوق المدنية والسياسية. وبالتالي يختلف شكل الإلزام القانوني المترتب عن ذلك، إلا إن ذلك لا يضع تلك المجموعة من الحقوق في مرتبة متدنية أو اعتبارها ليست حقوقا، وهذا الاختلاف في طبيعة كلا المجموعتين من الحقوق هو الذي دفع المكلفين بصياغة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان لإفراد وثيقتين منفصلتين إحداهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والأخرى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.[5] فالجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها تبني عهدين منفصلين “قد فعلت ذلك أساسا بسبب اختلاف طبيعة إجراءات التطبيق والتي ستكون عموما مرتبطة بهما وليس بما يوحي بالتجزئة والأفضلية بين الحقوق.“[6]

الشرعة الدولية لحقوق الإنسان

الأسباب التي أدت إلى إقرار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان:

  1. حاجة جميع أعضاء الأسرة البشرية لإقرار الحقوق الثابتة والمتساوية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة .
  2. كفالة تحقيق العدل والسلام في العالم .
  3. تعزيز مبدأ أن يكون البشر أحراراً بإعتباره الوسيلة الكفيلة بتهيئة الظروف التي تمكن كل فرد من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوقه المدنية والسياسية .
  4. الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي اندلعت في أعقاب الحرببين العالميتين الأولى والثانية ( إنتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد ) .
  5. الاستقلال السياسي للعديد من البلدان في العالم .

تتألف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من:

1. الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. 2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 3. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

أولاً: الاعلان العالمي لحقوق الإنسان:

وقد صدر في العاشر من كانون أول/ديسمبر عام 1948، ويحتوي على ديباجة( مقدمة) وثلاثين مادة. ويمكن تقسيم محتواه كما يلي:
  • أ‌- الديباجة.
  • ب‌- أحكام عامة( م1، م2 ).
  • ج- الحقوق المدنية والسياسية( م3 وحتى م 21).
  • د- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( م22 وحتى م28 ).
  • هـ- أحكام ختامية( م29، م30 ).

ويمثل الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة المرجعية والفلسفية لكافة مواثيق حقوق الإنسان اللاحقة. ورغم كونه إعلاناً، أي أن طبيعة الالتزام القانوني الناشيء عنه هي إلتزام أدبي وأخلاقي تجاه مجموعة الحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أنه حظي بهذه الصفة كونه أول وثيقة تاريخية على المستوى الدولي تحظى بالقبول بين الدول، وتمثل إجماعاً عالمياً على الحد الأدنى من الحقوق التي ينبغي تمتع الأفراد بها. وقد تطورت القيمة القانونية للاعلان العالمي لحقوق الإنسان بحيث اصبح جزءً من القانون الدولي العرفي، وأخذت العديد من الدول بتضمين مجموعة الحقوق والحريات الواردة فيه في دساتيرها الوطنية. وقد جمع الاعلان العالمي مجموعتي الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وشكل أساساً للتطور اللاحق في عمل الأسرة الدولية على صعيد لإقرار المواثيق الدولية التي أقرت بعده.

ثانياً: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

وقد اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200(ألف) بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 1966. ودخل حيز التنفيذ في 23 آذار/ مارس 1976، وذلك بعد ثلاثة أشهر من تاريخ صك الانضمام أو التصديق الخامس والثلاثين لدى الأمين العام للأمم المتحدة وفقاً لما تنص عليه المادة 49 من العهد.

الحقوق المدنية:

هي مجموعة الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان كونه إنساناً، والتي تلتصق بطبيعته كإنسان، بغض النظر عن كونه مواطناً في الدولة المعنية بحماية تلك الحقوق أو مقيماً، وتظل هذه الحقوق موجودة وإن لم يتم الإعتراف بها أو تم إنتهاكها من قبل سلطة ما .
الحقوق السياسية

هي مجموعة الحقوق التي يكتسبها الإنسان باعتباره فرداً من أفراد المجتمع، وبحيث يكون له حق المشاركة في سير الحياة العامة، والحق في الحصول على الخدمة العامة، والمشاركة بموجب تلك الحقوق في حماية الحياة السياسية للمجتمع، وهناك حقوق سياسية للشعوب كالحق في تقرير المصير والحق في السيادة.

يطلق على الحقوق، الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الجيل الأول من الحقوق. ويتكون العهد من ديباجة( مقدمة ) و53 مادة، ويشمل الحقوق الفردية التي يقع على الدولة ضمان تمتع الفرد بها بصفته فرداً. كما أن الالتزام الناشيء على الدولة يقضي بأن تقوم بتطبيقها فورياً دون أي تذرع بأي أسباب، أو التحجج بظروف ما لتأجيلها أو التدرج في إعمالها. إن الهدف من إعمال هذه الحقوق ينبع أصلاً من الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم ومن الحقوق المتساوية والثابتة، باعتبارهما الأساس للحرية والعدل والسلام في العالم. ولا تحتاج الحقوق الواردة في العهد أن تقوم الدولة بانفاق موارد مادية للوفاء بها، أي أنها حقوق سلبية، وغير مكلفة من الناحية المادية، وكل ما تحتاجه الدولة للوفاء بهذه الحقوق أن لا تقوم بانتهاكها، وأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية كل ما هو ضروري من تدابير تشريعية أو غير تشريعية لاحترامها وضمان تمتع أفراد الدولة الموجودين في إقليمها أو تحت وصايتها بهذه الحقوق دون أي نوع من التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب( م2 ). وأهم الحقوق الواردة في العهد هي:

الحقوق الجماعية:

ويركز على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وحريتها في تقرير مركزها السياسي والسعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحقها في التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية، وعدم جواز حرمان شعب من أسباب عيشه الخاصة. وتشترك المادة الأولى من العهد مع المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( حق تقرير المصير).

الحقوق الفردية:

وتشمل الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي، الحق في المساواة بين الرجال والنساء وعدم التمييز في التمتع بالحقوق المعترف بها في العهد، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة، الحق في عدم استرقاق أحد وحظر الرقيق والاتجار به وحظر العبودية وإكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي، والحق في عدم جواز الاعتقال التعسفي، والحق في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته داخل بلده وحرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والحق في حماية الخصوصية الشخصية، والحق في الملكية.

الحقوق الفكرية:

وتشمل الحق في حرية التعبير عن الرأي، والحق في حرية الفكر والوجدان والعقيدة.

حقوق الضمانات القضائية:

وتشمل حق كل إنسان في أن تعترف له بالشخصية القانونية، والمساواة أمام القضاء وحق كل فرد عند الفصل في أية تهمة جزائية ضده أو في حقوقه أو إلتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون، وحق كل فرد متهم بجريمة أن يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته، وحقه في إعلامه على وجه السرعة والتفصيل بالتهمة المنسوبة إليه وأسبابها، وبلغة يفهمها، وأن يعطى الوقت الكافي لإعداد دفاعه والاتصال بمحام يختاره بمحض إرادته للدفاع عنه، وأن يحاكم دون تأخير غير مبرر، وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن تزوده المحكمة حكماً بمحام يدافع عنه دون أجر إذا كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، وحقه في مناقشة شهود العيان بنفسه أو من قبل غيره، وأن يزود بمترجم إذا كان لا يفهم لغة المحكمة، وحقه في ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب.

حقوق الأسرة:

وتشمل حق تكوين الأسرة باعتبارها الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، وحق كل من الرجل والمرأة في الزواج المبني على الرضاء الكامل والحر للطرفين دون أي إكراه ضد أحدهما، والمساواة في حقوق الزوجين وواجباتهما خلال قيام الزواج ولدى انحلاله، وكفالة تدابير فعالة لحماية الأولاد في حالة وجودهم عند إنحلال الزواج، وحق الطفل القاصر في الحماية من قبل أسرته والمجتمع والدولة، وحق الأسرة في الحماية من التعرض التعسفي لخصوصياتها أو سمعتها أو شرفها.

الحقوق السياسية:

وتشمل حق كل فرد في المشاركة في إدارة الشؤون العامة في بلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون بحرية، وأن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة وتجري دورياً بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري تضمن التعبير عن إرادة الناخبين. وأن تتاح لكل شخص، وعلى قدم المساواة مع الآخرين، فرصة تولي المناصب العامة في بلده. وحق كل شخص في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين، بما في ذلك حق تأسيس النقابات والانضمام إليها لحماية مصالحه، والحق في التجمع السلمي.

ثالثاً: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

يعتبر العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية الوثيقة الأساسية على المستوى العالمي التي خصصت للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية حيث تضمن العديد من الحقوق الواجب على الدول الأطراف السعي نحو تحقيقها وضمان تمتع الأفراد بها. وتكمن أهمية العهد الدولي بالمقارنة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في احتوائه على قائمة أطول واشمل واكثر تحديدا بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، بل وحدد للدولة الخطوات الواجب اتباعها لاحقاق تلك الحقوق، ومن جهة ثانية فان العهد الدولي هو اتفاقية دولية تعاقدية، وهي بصفتها تلك، فان أحكامها ملزمة قانونيا على الدول الأطراف المتعاقدة باحترام تلك الحقوق والسعي نحو تحقيقها.[7]

الحقوق التي يحميها العهد الدولي هي:
  1. حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها( المادة الأولى).
  2. الحق في العمل (المادة السادسة).
  3. الحق في التمتع بشروط عمل عادلة أساسها الأجور المنصفة، والإجازات المدفوعة والمكافأة المتساوية للعمل المتساوي دونما تمييز (المادة السابعة).
  4. الحق في تكوين النقابات والانضمام إليها، وكذلك الحق في الإضراب (المادة الثامنة).
  5. الحق في الضمان الاجتماعي (المادة التاسعة).
  6. الحق في حماية الأسرة بما في ذلك المساعدة الخاصة للأمهات والأطفال (المادة العاشرة)
  7. الحق في مستوى معيشي ملائم ويشمل ذلك الغذاء، الملبس، والمسكن الملائم والتحسين المستمر للظروف المعيشية(المادة الحادية عشرة).
  8. الحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة الجسدية والعقلية (المادة الثانية عشرة).
  9. الحق في التعليم، بحيث يكون التعليم الابتدائي مجاني والزامي للجميع وان يكون التعليم الثانوي والعالي متاحا للجميع (المادة الثالثة عشرة والمادة الرابعة عشر)
  10. الحق في المشاركة الثقافية والتمتع بفوائد البحث العلمي (المادة الخامسة عشر).

حقوق المواطنة

تعتبر المواطنة، أو المواطنية، كما يسميها البعض، الركيزة الأساسية التي يبنى على أساسها المجتمع الديمقراطي. وهي بدون شك التي تؤسس للبناء الحضاري للمجتمعات والدول على أسس ديمقراطية، تكرس احترام الحقوق والحريات الأساسية، وتدعم بناء الدول على أساس الفصل بين السلطات، والاقرار بتداول السلطة والتعددية السياسية، واحترام الحق في حرية التعبير عن الرأي.
وقد تطورت المواطنة في سياق الحضارة الانسانية، بدءً من دولة المواطنة التي شهدتها مدينة أثينا اليونانية، ومرت إلى مواطنة روما، إلى ما يعرف بحقوق المواطنة الفرنسية، وانتهاءً بيومنا هذا الذي بات يخشى فيه على حقوق المواطنة في أهم بلدان الديمقراطيات الغربية على الاطلاق.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو ما هي الآفاق المتاحة لبناء المواطنة في المجتمعات العربية، وفي ظل خصوصية الواقع التاريخي العربي والاسلامي وتطوره، وهل بإمكاننا في ظل المأزق الذي تعاني منه المجتمعات العربية، من زاوية الفشل الذريع على الصعيدين العربي والاسلامي لبناء المواطنة، أن نفرض قدرة المجتمعات العربية على إعادة بناء حقوق المواطنة، وفقاً للمنظور الذي يكرس احترام الانسان وحرياته الأساسية، ويدفع به إلى المشاركة الفعالة في بناء التنمية، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.

ومن المعروف أن المواطنة، وفقاً لما كان في أثينا أو روما، تختلف عن المواطنة بمفهومها المعاصر، وهي لم تكن ديمقراطية بالمعنى الذي تقدم فيه الديمقراطية في عصرنا الراهن. ويمكن القول أن شكل المواطنة التاريخي للأثينيين والرومانيين قد وضع الأساس لأشكال المشاركة وتقسيم المجتمعات على أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو صاحب الحق في إصدار القرارات والسياسات، وصاحب الواجب بالالتزام والخضوع لتلك القرارات والسياسات ذات العلاقة بالشأن العام العام والدولة. لقد أسست الحضارة الأثينية، ومن بعدها الرومانية، ما يمكن أن نسميه بدور الانسان، الذي عاش وحيا في قلب التجمعات المدنية، كمدينتي أثينا وروما، والنظرة إليه باعتباره كائن إنساني له مجموعة من الحقوق، خاصة الحقوق السياسية، والمشاركة في اتخاذ القرار الخاص بالشأن العام. وبديهي أن كلى النموذجين قد احتويا اختلافاً من حيث مضمون حقوق المواطنة، غير أنهما قد تركا أثراً كبيراً على تطور المواطنة المعاصرة. ويمكن تلمس ذلك في بيان الثورة الفرنسية الشهير حول حقوق الانسان والمواطن، وما رافقها من لاحقاً من نشأة الدولة القومية في أوروبا.

مفهوم المواطنة :

ارتبط تطور مفهوم المواطنة بتطور المجتمعات الإتسانية، ونزعتها تجاه العيش قي جماعات، تعيش في مدن وتجمعات سكانية مختلفة. غير أن التطور الرئيسي الذي برز على مفهوم لمواطنة قد بدأ فعلاً مع نشأة الدولة ذات السيادة، التي كرست حالة من النظام العام وشكلاً من أشكال الحكم، يقوم على أساس الاقرار من قبل الدولة( السلطة) وأفرادها ( المواطنين) بحقوق المواطنة.

وقد رافق ذلك التطور حاجة حقيقية إلى إعادة تنظيم شكل العلاقة بين الدولة( السلطة) وأفراد المجتمع، وهو ما عرف بالمواطنة. فمن ناحية أصبح المواطن في الدولة، والذي يولد فيها يتمتع بجملة من الحقوق، يقع على الدولة الوفاء بها، ومن ضمنها الحفاظ على حقهم في الأمن والسلامة الحياة اللائقة. وفي مقابل ذلك يقع على عاتق كل شخص( مواطن) في هذه الدولة واجبات نحو دولته يجب عليه الوفاء بها كاحترام السلطة والقانون والنظام العام ودفع الضرائب.

لقد أصبحت المواطنة تعبيراً عما يمكن أن نسميه الصلة القانونية أو العلاقة بين الأفراد والدولة التي يولد ويقيم فيها بشكل دائم، والتي تحدد حقوق الفرد( المواطن ) في دولته وواجباته تجاهها.

والمواطنة، وفقاً لذلك، تحدد الوضع القانوني للمواطن ( الفرد ) في الدولة التي ينتمي إليها، يتحدد بموجبها مجموعة من الحقوق تلتزم الدولة بالوفاء بها، ومقابل ذلك تقع عليه واجبات تجاه الدولة يجب عليه احترامها والالتزام بها. وقد أسست تلك العلاقة بين المواطن ( الفرد) والسلطة (الدولة ) لما يمكن أن نطلق عليها العلاقة التبادلية، أو المنفعية، بين طرفيها، والتي نشأت في هذا السياق التاريخي، علاقة تعرف اليوم بالحقوق والواجبات.

وعليه فإن الحديث هنا يدور طرفي العلاقة، فمن جهة يمثل المواطن، الذي يعرف بأنه الفرد أو الشخص الكامل في الدولة أحد أطراف هذه العلاقة، وتمثل السلطة ( الدولة ) الطرف الثاني فيها. فيما تمثل المواطنة الوضع القانوني الأساسي للفرد في إطار الدولة الحديثة، وعليه يمثل الفرد أمام الدولة بصفته مواطناً فيها قبل كل شيء، وعلى أساس انتمائه العضوي للدولة لا للعائلة أو الطائفة التي ينتمي غليها، أو الجماعة العرقية أو الدينية أو أي شكل من أشكال الانتماءات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية له.

فالمواطن الفرد يصبح بموجب ذلك صاحب حق من الناحية القانونية، على الدولة الوفاء به، وعلى أساس المساواة مع الآخرين في وضعهم القانوني باعتبارهم مواطنين، دون أي تمييز أو تفرقة. كما أنه متساو أيضاً مع باقي الأفراد من حيث الواجبات التي يترتب عليه احترامها واللالتزام بها أمام دولته.

ومن الناحية الشكلية تعني المواطنة حمل الفرد، المواطن، لهوية رسمية صادرة عن دولته التي يحمل جنسيتها، والتي تعبر عن انتمائه إلى أرضها وحدودها الجغرافية السياسية، ويعيش فوقها مجتمع سياسي. ويترتب على هذا الانتماء وهذه الهوية جملة من الحقوق والواجبات المتساوية لجميع مواطنيها، وفقاً للأنظمة والقوانين التي تشرعها الدولة. وتعبر هذه الهوية عن انتماء هذا الشخص أو ذاك لهذه الدولة أو تلك، وتصبح جزءً من هوية أفرادها. وتلتصق تلك الهوية أو الجنسية الصادرة عن الدولة بالفرد بشكل أكبرن عندما يباشر الفرد حياته خارج نطاق دولته، وتكتسب أهمية إضافية في التعريف به وبانتمائه، وببساطة تشير هذه الجنسية إلى أحد الحقوق الأساسية التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، والتي تعزز حق كل شخص في التمتع بجنسية ما، وتكرس عدم جواز حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته بشكل تعسفي.

شروط المواطنة :

يحدد دستور الدولة وقوانينها الشروط التي تمنح بموجبها صفة المواطنة، وبالتالي حقوق المواطنة، لسكانها، وعلى الرغم من التطور الملحوظ في القوانين والدساتير الوطنية للدول فيما يتعلق بتلك المعايير والشروط، إلا أن معظم الدول تمنح المواطنة وفق التالي:
  • المواطنة القائمة على أساس علاقة القرابة والدم، وهي التي تنتقل من الآباء والأمهات إلى أنسالهما.
  • مكان ولادة الشخص، أو ما يعرف بالأساس الإقليمي، والذي تمنح فيه بعض الدول المواطنة لمن يولد في نطاق حدودها السياسية، غير ملتزمة باعتبار قرابة الوالدين أو أقرابة الدم.
  • المهاجرون الذين يهاجرون لأسباب اقتصادية أو سياسية أو إثنية أو دينية ( اللاجئين السياسيين) كما تمنح لمن لديهم أموال كافية للاستثمار الاقتصادي. وفي بعض الدول تمنح لاعتبارات عنصرية، كما هو الحال في إسرائيل، التي تمنحها لكل يهودي في العالم بمجرد وصوله إلى إسرائيل (بموجب قانون العودة ).

حول التربية المدنية

من المهم إثارة العديد من النقاط المتعلقة بموضوع التربية المدنية، خاصة فيما يتعلق بتحديد الإطار النظري والمفاهيمي للتربية المدنية، والتي تسعى العديد من الجهات لتكريسها في إطار ممارسة التربية والتعليم، وذلك على ضوء قيام وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في تعليم مادة التربية المدنية في مدارسها، وذلك في إطار خطة المنهاج الفلسطيني للعام 1998. ولعلها فرصة مناسبة، خاصة للمشاركين والباحثين في هذا المجال للخروج برؤية تسهم في التوصل إلى مفهوم مشترك حول التربية المدنية التي نسعى إلى تطويرها بما يتناسب مع واقعنا الفلسطيني، واستكمال إدماجها في مناهجنا الدراسية.

أود الإشارة هنا إلى أهمية أخذ العناصر الموضوعية بالاعتبار، فمع التطور العالمي المتسارع في مجال الاتصالات والاعلام والمواصلات العابرة للقارات والفضاء الخارجي، وحتى تلك التي تخترق جدران منازلنا، أضحى العالم بقاراته الستة بمثابة قرية صغيرة يستطيع من خلالها كل إنسان الوصول إلى الخبرات والمعارف وإتقان المهارات المختلفة، والتي تلبي إحتياجاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. إن ذلك يفرض علينا إعداد أنفسنا للحياة في ظل تداخل الثقافات والأديان والأعراق البشرية المختلفة، وبشكل يحقق لنا الحفاظ على خصوصية ثقافتنا الوطنية والقومية والدينية، وفي إطار يرتكز على تعزيز الجوانب الإيجابية في ثقافتنا بما يساهم في تعزيز مفردات ومفاهيم التربية المدنية، ويكرس الحرص على التفاهم والمحبة والتسامح بين الأمم والشعوب، وعلى قاعدة المساواة والحرية والعدل، وصولاً إلى المساهمة في بناء السلام العالمي الذي يعزز مفاهيم التنمية والتنمية المستدامة دون أي شكل من أشكال الهيمنة والتسلط من دولة على أخرى، وعلى قاعدة العمل النشط والواعي لتحقيق التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

من المعروف أن الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وعليه، وفقاً لذلك، ينبغي أن يكون المشارك الرئيسي في صياغتها وتنفيذها وتقييمها، كما ينبغي أيضاً أن يكون المستفيد الرئيسي والمتمتع الأساسي بفوائدها. كما أن الإنسان( المواطن ) هو محور الديمقراطية والأساس الذي يمكن من بناء المجتمع المدني، وعليه فإن التربية المدنية ينبغي أن تكون الأداة الرئيسية لبناء المواطن وتنشئته على أساس الوعي المعرفي والتطبيقي بمحتوى التربية المدنية، وبما يستطيع من خلاله أن يشارك في بناء مجتمع حر ديمقراطي يقوم على إحترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

التربية المدنية:

تعنى التربية المدنية أو المواطنية، كما يسميها البعض، بتنمية المواطن باعتباره عضواً فاعلاً في مجتمع(دولة) له الحق بالتمتع بمجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وواجب الدولة أو السلطة أن تعمل على إتخاذ جملة من التدابير المختلفة لضمان تمتعه بهذه الحقوق من جهة، ومن جهة أخرى عليه مجموعة من الواجبات تجاه هذه السلطة( الدولة). وتؤدي التربية المدنية إلى إعداد الإنسان( المواطن) للقيام بادوار مختلفة في إطار جماعة( دولة ) على أساس المشاركة النشطة والواعية. إذن التربية المدنية هي تربية المواطن أو التربية على أسس المواطنة، وإعداد المواطن كي يقوم بأدوار متعددة في دولته بفعالية وكفاءة.

وتعتبر التربية المدنية وسيلة لتنشئة الأجيال على المواطنية، وهي تختلف عن التربية الدينية أو التربية الوطنية في محتواها وموضوعاتها. وعليه فإن مهمتها، أي التربية المدنية، تتلخص في بناء المواطن على أساس تعزيز فرصه في المشاركة في تنمية مجتمعه ديمقراطياً. فيما يرتبط محتوى التربية المدنية بطبيعة ونمط البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع ( الدولة ) التي تقوم بهذا الدور، حيث تختلف التربية المدنية في بلد يعيش نظاماً سياسياً متسلطاً ويكرس السيطرة التامة على الموارد الاقتصادية للبلاد عن بلد يعيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي يشجع مشاركة كافة القطاعات في رسم سياساته في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويحقق المساواة بين مواطنيه في التمتع بالحقوق والواجبات.

ينبغي ألا تنحصر التربية المدنية في القطاع التربوي الرسمي ( الحكومي )، بل يجب أن نؤسس لاعتبارها مشروعاً تكاملياً شاملاً يقع على كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وكافة الجهات الأخرى، التي قد تؤثر على تربية وتكوين معارف ومهارات وسلوكيات المواطن وقيمه. إذن يجب التنبه إلى أهمية دور الأسرة والمدرسة والجمعيات والمؤسسات المختلفة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، بما يخدم تحقيق ما يسمى بوظيفة الضبط الاجتماعي التي تؤديها التربية المدنية. كما ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الدور الهام الذي تلعبه الأحزاب السياسية ووسائل الاعلام المختلفة، وخاصة المرئية منها، في ميدان التربية المدنية.

وعليه فإن التربية المدنية هي أداة ووسيلة لتنشئة الإنسان ( المواطن ) على المواطنية ويقوم بها كل من:

أولاً: السلطة (الدولة )، وذلك من خلال قيام وزارة التربية والتعليم أو المجلس الأعلى للتربية والتعليم بوضع المناهج وإقرار المواد الدراسية وطرق وأنشطة التدريس التربوية المختلفة، والتي تواكب العملية التربوية والتعليمية.

ثانياً: مؤسسات المجتمع المدني، أو ما يعرف بالمنظمات الأهلية، وهي غالباً ما تكون مستقلة نسبياً، وغير مرتبطة بالسلطة ( الدولة )، وتحاول أن تدخل منهجاً مختلفاً في ميدان التربية المدنية يقوم على بث فكر وفلسفة ومجموعة قيم جديدة بين الأفراد والجماعات.

غير أن السلطة ( الدولة ) في العادة تتفوق في كثير من الأحيان عن غيرها من المؤسسات في بث ونشر ثقافة مدنية، غير أن رغبتها في نشر قيم جديدة تحتوي سلوكاً مغايراً لذلك الذي تقوم عليه ممارساتها اليومية ربما يكون موضع شكوك، خاصة وأنها تسعى باستمرار لغرس وفرض فكر النظام السياسي والاجتماعي الذي تسير عليه. وبعبارة أخرى فلا أظن أن الدولة تقوم بنوع من الحماس، وبهذا القدر أو ذاك، لنشر فكر المواطنية، والتأسيس لتنشئة الأفراد على سلوك يقوم على تشجيع وتعزيز سلوك المواطنية.

إن فكرة المواطن والمواطنية على الصعيد الفلسطينيي تتشابك وتتعقد مع الظروف غير الطبيعية التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وعليه فإن نجاح التربية المدنية وتحديد محتواه وتقنيات إنتاج وإخراج مواده، لن يكتب لها النجاح ما لم تأخذ بعين الاعتبار التركيز على هذه الظروف. وعليه ينبغي أن نؤسس للتربية المدنية على أساس يأخذ بعين الاعتبار ظروف القضية الفلسطينية وحالة التحرر الوطني التي تعتبر أحد سمات القضية الفلسطينية الرئيسية. كما أن مسألة التشتت واللجوء التي عاشها الشعب الفلسطيني، ولا يزال، هي مسألة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بمنهاج التربية المدنية. ومن هنا تأتي أهمية تناول حقوق اللاجئين، وخاصة اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة حالياً، واللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 والذين لجأوا إلى الخارج ويعيشون في عدد من الدول العربية وبلدان العالم، وهو أمر في غاية الصعوبة والحساسية، وبحاجة إلى انتباه وتركيز فيما يتعلق في بمنهاج التربية المدنية.

ينبغي أن تؤسس التربية المدنية لمفهوم المواطن والمواطنية، أي التطرق مسألة المساواة وعدم التمييز أو التفرقة في التمتع في الحقوق والواجبات بين كافة الأشخاص في مجتمعنا باعتبارها القاعدة العامة التي يقوم عليها هذا المفهوم. كما أن التربية المدنية ينبغي أن تكرس فكرة الثقافة الديمقراطية في مجتمعنا، والتي تقوم على التعددية السياسية، والحق في تكوين الأحزاب السياسية، وممارسة الحق في إدارة الشؤون العامة في وطننا من خلال إنتخابات دورية حرة ونزيهة، وحق تقلد الوظائف العامة في المجتمع على قاعدة مبدأي الكفاءة والأقدمية، والحق في التجمع السلمي والمسيرات السلمية.

كما ينبغي للتربية المدنية أن تكرس فكرة المواطن ( الإنسان، بغض النظر عن أي نوع من أنواع التمييز القائم على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الأصل الاجتماعي أو الرأي السياسي أو الثروة أو غيره من أشكال الأخرى). وأن المواطن هو إنسان حر يتمتع بالكرامة الإنسانية المتأصلة فيه، ويتمتع بمجموعة من الحقوق، كما أنه يلتزم بواجبات متساوية مع سائر الأفراد في إطار المجتمع الفلسطيني الواحد. من هنا ينبغي للتربية المدنية على الصعيد الفلسطيني أن تأخذ بعين الاعتبار العديد من القضايا والمسائل التي أرى أنها المعيار الحقيقي لنجاح هذه النجربة وهي:

  1. توسيع مفهوم التربية المدنية، وجوهرها حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبما يشمل العناية بالبيئة والصحة والقضايا العالمية كالتنمية والفقر والتهميش الاجتماعي ومسائل التصحر والتلوث.
  2. دعم وتعزيز مشاركة الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني مع الهيئات الرسمية الحكومية وكذلك مختلف وسائل الإعلام في صياغة وتنفيذ برامج ومناهج التربية المدنية، وفي تقييمها أيضاً.
  3. أن تعتمد وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، وكذلك كافة الجهات الأخرى المشاركة، وسائل وأساليب وتقنيات متقدمة وفعالة في تعليم التربية المدنية. كما يتطلب ذلك عملية تأهيل المربين والمدرسين بما يتلائم مع متطلبات التربية المدنية واحتياجاتها، بما يحقق أهدافها في بناء الإنسان ( المواطن )، وتنشئته للمشاركة في بناء مجتمع فلسطيني حر ويساهم في تقدمه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
  4. قيام كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية بإعداد برامج وتنظيم نشاطات طلابية مختلفة، وتشجيع المشاركة في المخيمات الكشفية والشبابية، والتي تهدف إلى نشر التربية المدنية بين المشاركين. ويمكن أن نقترح فكرة تأسيس لجنة عليا للتربية المدنية، تشرف على كافة النشاطات ذات العلاقة، وتقوم بتنظيم المؤتمرات المحلية التي تعزز تبادل الخبرات في ميدان التربية المدنية، وتعطي الفرصة لعرض أحدث تقنيات إنتاج وإخراج المواد التعليمية والتثقيفية الخاصة بالتربية المدنية.
  5. توفير الدعم المادي والمعنوي لكافة المؤسسات العاملة في ميدان التربية والتعليم والثقافة، وخاصة تلك التي تقوم بالعمل من خلال نشاطاتها وبرامجها التربوية على تعزيز مفاهيم التربية المدنية في مجتمعنا الفلسطيني.
  6. تعزيز مسألة الشراكة والتنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية من أجل تشجيع فكرة العمل التطوعية، وإحياء النشاطات التطوعية المختلفة للقيام بنشاطات أكبر في ميدان التربية المدنية، وبما يؤدي إلى خلق وتأهيل كوادر يناط بها مهمة المساهمة في مجال التربية المدنية.

وخلاصة القول أن مستوى الاهتمام على صعيد منهاج التربية المدنية الذي بدأت به وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تعتبر بداية جيدة، غير أنها بحاجة إلى مراجعة جادة وتقيمية تحدد مكامن الخلل في مجال التربية المدنية، الذي طبق خلال الفترة الماضية. كما أن عملية التقييم يجب أن تأخذ بعين الاعتبار قياس النجاحات والاخفاقات التي راوحت هذه التجربة. وهل وفرت مناهج التربية المدنية التي جرى تطبيقها مهمة نقل المعارف والمهارات والقيم والسلوكيات التي تمكن الإنسان الفلسطيني من لعب دوره وتحمل مسؤولياته؟ وهل قلصت التربية المدنية الفوارق بين السلطة والمجتمع الفلسطيني أم زادتها؟ وهل ساهمت في تطوير المجتمع المدني الفلسطيني ووضعت أسساً رسخت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في مجتمعنا الفلسطيني أم العكس؟؟

تلك الأسئلة وغيرها ينبغي لها أن تؤسس للتربية المدنية التي ننشدها، فإذا كنا جادين في سعينا لذلك فعلينا أن نستمع لكافة الأصوات بما يخدم فكرة مشاركة الجميع وعلى قاعدة المساواة في تقويم التربية المدنية في مجتمعنا، وفي صياغة أساس جديد لمنهاج التربية المدنية المنشودة.

إن وطننا فلسطين، هذا الوطن الصغير بمساحته الكبير بتراثه وحضارته، عاصر العديد من التجارب التي مر بها شعبنا، وهو الشاهد الوحيد على كل المحاولات التي هدفت لطمسه. إن ضعف اهتمام المعنيين بشؤون الناشئة وإعداد المواطن يقود إلى دمار حتمي جذري، ما يعنى غياب التربية المدنية بمفهومها الواسع والشامل. إن ذلك يساهم في الجهود العدوانية التي تقوم بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وهي تطال البشر قبل أن تطال الحجر والشجر.

  • 3 – زياد أبو عمرو . المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في فلسطين 1995. ص8.
  • 2 – جورج جقمان: التجمع المدني والسلطة الديمقراطية الفلسطينية أوراق نقدية ( رام الله، مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية 1995 ص 108).
  • 1- محمد عبد الجابري: إشكالية الديمقراطية والتجمع المدني في الوطن العربي المستقبل العربي ( كانون الثاني – 1993 ص 5)
  • [1] محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، تشرين الثاني/ أكتوبر 1994،ص 31)، ص 32.
  • [2] الأمم المتحدة، حقوق الإنسان مجموعة صكوك دولية، الأمم المتحدة، نيويورك، 1988، ص 41 الفقرة 13.
  • [3] تم تبني إعلان الحق في التنمية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 128/41 بتاريخ 4 كانون أول 1986. المصدر السابق ص 83. إضافة للمادة 6(2) فان ديباجة الإعلان أكدت أيضا على إن "جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة وان تعزيز التنمية يقتضي إبلاء الاهتمام على قدم المساواة لاعمال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وانه لا يمكن ،وفقا لذلك، إن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها وإنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية. "
  • [4] Vienna Declaration And Programme of Action, UNGA A/CONF.157/23. 12 July 1993, P.5
  • [5] يجري استخدام كلمات عديدة في القانون الدولي مثل عهد، اتفاقية، ميثاق، بروتوكول (ملحق). وجميع هذه الكلمات لا تعني اختلافا من الناحية القانونية، فجميعها لها نفس القيمة القانونية، حيث أن أحكام تلك الاتفاقيات ملزمة على الدول الأطراف المتعاقدة، والاتفاقيات قد تكون ثنائية (بين دولتين)، وقد تكون متعددة الأطراف.
  • [6] Vladimir kartashkin, "Economic, Social and Cultural Rights", in "The International Dimension of Human Rights", Karl Vasak and Phliip Alston, eds. Vol. i, UNESCO 1982, P.11.
  • في اجتماعها الثاني المنعقد في جنيف (2-17 كانون أول 1947 ) قررت لجنة حقوق الإنسان العمل على صياغة شرعة دولية تتكون من إعلان وميثاق لحقوق الإنسان وإجراءات للتطبيق، وفي العام 1948 تبنت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وطلبت في نفس الوقت إن تقوم اللجنة بصياغة عهد دولي لحقوق الإنسان والذي تقرر فيما بعد أن يصبح العهدين الدوليين ( انظر قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 384(XIII) والذي دعا الجمعية العامة لإعادة النظر في قرارها بأنه يجب أن يكون عهدا واحدا فقط) انظر:
  • United Nations, United Nations Action in The Field Of Human Rights, New York, 1983, PP. 8-9.
  • [7] تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية بتاريخ 16 كانون أول 1966، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 3 كانون ثاني 1976 بموجب المادة 27. أما الإعلان العالمي فقد تبنته الجمعية العامة في 10 كانون أول 1948. المواد (22-28) من الإعلان العالمي تضمنت الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وهي: الحق في الضمان الاجتماعي (المادة 22)، الحق في العمل وحرية اختياره والظروف العادلة للعمل وإنشاء النقابات والانضمام إليها (المادة 23)، الحق في الراحة والإجازات وتحديد ساعات العمل (المادة 24)، الحق في مستوى معيشي كاف لضمان الصحة والرفاهية وخاصة المأكل والملبس والمسكن والعناية الصحية (المادة 25)، الحق في التعليم (المادة 26)، الحق في المشاركة في حياة المجتمع الثقافية وحماية الإنتاج العلمي والفني والأدبي للأفراد (المادة 27) والحق في التمتع بنظام اجتماعي ودولي تتحقق في ظله الحقوق والحريات (المادة 28).
تعليقات